الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا .. بين المستنقع ولعبة المصالح

رياض حسن محرم

2015 / 10 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


وكأنما افاق العالم فجأة على وجود أزمة طاحنة فى سوريا "رغم إستمرار القتل والذبح والبراميل المتفجرة والتدمير فى كل بقاع سوريا لحوالى 5 سنين"، ربما ساعد على إيقاظه زحف عشرات الألوف من اللاجئين السوريين الى شواطئ أوروبا بعد أن إبتلع البحر عدة آلاف منهم، وربما أيضا الواقع الجديد من التدخل الروسى فى الأزمة لمساندة نظام الأسد (رغم أن ذلك التواجد العسكرى قديم جديد وأن ماتم إعلانه من أمريكا عن تكثيف ذلك الوجود بطائرات ومعدات عسكرية ومساكن جاهزة هو ما أثار قلق البعض داخل المنطقة وخارجها)، يضاف الى ذلك ما أعلنته روسيا صراحة أنها لن تتخلى " تحت أى ظرف" عن بقاء بشار الأسد وهو ما تعارضه السعودية ودول الخليج بينما الغرب وأمريكا قد بدؤوا فى تليين موقفهم من هذا الموضوع "بعد أن ظهر لهم فشلهم فى مواجهة داعش عن طريق الضربات الجوية والجيش العراقى والحشد الشعبى" وتضاؤل الإهتمام الأمريكى بمشاكل المنطقة بعد مسلسل الفشل المتكرر فى أفغانستان والعراق وليبيا وغيرها من البلدان، والذى أدى فى النهاية الى فقدان حماس الإدارة والشعب الأمريكى لمزيد من التورط فى هذه الملفات، يعزز ذلك الإكتفاء الذاتى لأمريكا لأول مرة من النفط وعدم حاجتها للنفط الخليجى وتنامى إحساس دول الخليج بتخلى أمريكا عنهم بعد ماتم من تقارب أمريكى- إيرانى بتوقيع الإتفاقية النووية.
الغرب عموما بما فيه الجانب الأمريكى أقرب الى تفهم التدخل الروسى من تدخل إيران وملحقاتها "حزب الله وجماعة أبو الفضل العباس الشيعية العراقية والحرس الثورى" ويرون أن تدخل إيران بما تمثله من جانب مذهبى ربما ستؤدى الى توسيع دائرة الصراع وجرّه الى تناحر سنى- شيعى، بعكس التدخل الروسى الذى يملك آلة عسكرية أضخم أقدر للتأثير فى العمليات ويعد بعيدا عن الحسابات المذهبية والعرقية وأن روسيا تتشارك فى الرؤية مع بقية دول الغرب فى كثير من القضايا (رغم وجود تباينات وصراعات حول عدد من القضايا وعلى رأسها الموقف فى جمهورية أوكرانيا "وهو ما تجد روسيا إمكانية تجاوزه عبر بوابة سوريا ومحاربة داعش")، إن الروس حاليا يتسلمون زمام المبادرة بعد أن قادوا حراك سياسى ناجح وإستطاعوا بجهد مكثف تليين الموقف الغربى رغم بقاء بعض التصريحات المتناقضة الكاشفة لتردده "بسبب مراعاتهم لرغبات بعض دول الإقليم الرافضة لأى دور للاسد"، ولعل قيام روسيا بعملياتها فى قصف المواقع والأهداف الإستراتيجية للمعارضة الإسلامية وتشمل الى جانب تنظيم الدولة قوى إرهابية أخرى كجبهة النصرة وأحرار الشام وغيرها قد وضع كل الأطراف أمام الأمر الواقع، وكما يبدو حتى الآن فإن الجانب الروسى يعمل على ممارسة دوره من خلال القصف الجوى والدعم العسكرى للجيش السورى بالتدريب والتسليح والخبراء وإبقاء العمليات الأرضية بعهدته، ذلك بالإضافة الى تشكيل ما يشبه غرفة عمليات ببغداد تضم روسيا وايران ولبنان وسوريا مع إحتمال إنضمام مصر اليهم، ويبدو أن الروس قد إستوعبوا جيدا درس التدخل البرى للإتحاد السوفييتى فى أفغانستان فى ثمانيات القرن الماضى وما جرّته عليهم من ويلات.
جاء التدخل الروسى بشكله الراهن بعد أن كثر الحديث عن منطقة حظر جوى على الطيران السورى فى مناطق الشمال وعن إحتمال موافقة أمريكا والغرب على خطة تركيا بإقامة منطقة آمنة أو عازلة وقد تم إفشال بوتين لذلك المشروع التركى، وربما يزيد التدخل الروسى من جراح أردوغان ويقضى "بشكل أو بآخر" على آمال حزب العدالة والتنمية فى الإنتخابات التركية الوشيكة، وينهى تماما مخطط أمريكا والناتو فى التدخل "التى طبقتها فى العراق وليبيا" والتى قادت الى نتائج كارثية أدت الى تغلغل الإرهاب وإنتشاره بالمنطقة والعالم أجمع، ويكشف عدم جدية أمريكا وحلفائها فى القضاء على داعش " أليس غريبا أن يتم طرد طالبان من مدينة قندوز الأفغانية فى اليوم التالى لإستيلائهم عليها بينما يردد أوباما وجنرلاته أن إزاحة داعش من الأنبار قد يستغرق أكثر من ثلاث سنوات"، إن تحرك بوتين فى سوريا يكشف حقيقة تهافت السلوك الأمريكى وعدم جديته فى القضاء على داعش رغم البروباجندا الواسعة المصاحبة للحلف الأمريكى، ويراهن الغرب على أن تكلفة التدخل الروسى ستفوق قدراته من الناحية الإقتصادية " مع تهاوى أسعار النفط و الحصار الإقتصادى الغربى"، وقد يقود هذا التدخل وتداعياته الى إستنفار دول الخليج لما يسمى بحركة جهاد إسلامى ضد روسيا (أشبه بما حدث سابقا ضد الإتحاد السوفييتى فى أفغانستان)، كما قد يؤدى الى من تبقى من المعارضة المدنية السورية الى الحشد ضد ما يدعونه من إحتلال روسى وتوحدها فى مواجهته، ويعتمد كثيرا على الهدف الرئيسى من التواجد الروسى العسكرى فى سوريا هو فيما يبدو " حتى الآن" إرسال رسالة الى دول الإقليم والغرب عموما أنه لا يمكن تجاهل روسيا فى أى تسوية سياسية للوضع فى سوريا.
يقوض الوجود الروسى بشكل متزايد العمليات التى تقوم بها إسرائيل فى المجالين السورى واللبنانى، وربما يكون هروع نتنياهو الى موسكو أحد أسبابه، ولكن بالتأكيد توجد أسباب أخرى وعلى رأسها الخوف من تسرب الأسلحة الروسية الى حزب الله "عدو إسرائيل التقليدى" أو حدوث إشتباك عسكرى بالخطأ مع القوات الإسرائيلية " (يجب التذكير أنه لا يوجد عداء بين روسيا وإسرائيل فى الوقت الحالى)، وبالنسبة لتركيا "العدو التاريخى لروسيا منذ العهد العثمانى" فإن الوجود الروسى سينسف إمكانيات أنقره فى ضرب مقاتلى حزب العمال الكردستانى وسيقضى على طموحات تركيا فى إقامة منطقة عازلة بشمال سوريا، كما يبدو أن التدخل الروسى "فى النهاية" سيؤدى الى تفكك الحلف الأمريكى الحالى المواجه لداعش لحساب تحالف روسى جديد، وانهاء التصنيفات أمريكية حول المقاومة المسلحة المعتدلة وغير المعتدلة، عموما سيتوقف مدى التدخل الروسى على الهدف الرئيسى منه والذى يبدو " حتى الآن" دعم النظام السورى وبشار الأسد ، كما أن التدخل الروسى فى سوريا سيؤدى بالضرورة "من وجهة النظر الأمريكية" الى وقف التقارب الروسى السعودى فى المنظور القريب.
إن ما يمكن وصفه بالمغامرة الروسية الجديدة هو نتاج لسياسة بوتين فى نقل الصراعات الداخلية الى الخارج "مسجلا نقاطا على خصومه"، فمن أوكرانيا والقرم الى سوريا يحاول بوتين الهروب من أزماته الإقتصادية الداخلية (مستغلا تدفق اللائجين الى أوربا والفشل فى مواجهة داعش سبيلا)، كما أن من حساباته أن هناك حتمية لمواجهة قادمة بين روسيا وداعش "لذا فقد قرر أن يأتى هو إليها بدلا من إنتظارها على أرضه"، كما أن بعض المحللين الإقتصاديين الروس يعتقدون أن التدخل الروسى سيعيد لأسعار النفط والغاز حيويتها وإرتفاعها مرة أخرى، كما يساعد روسيا على التحكم فى عملية ضخ النفط والغازالإيرانى الى أوروبا " من أنبوب خاص عبر سوريا" بما يعطى للروس أولوية التحكم فى عودة إيران الى السوق العالمى بعد رفع العقوبات عنها، وبعيدا عن تلك الأصوات الخليجية الناعقة فإن التدخل الروسى سيبدد كثيرا من الأوراق السعودية فى سوريا وذلك بعد اللطمة التى تلقتها بالإتفاق الأمريكى النووى مع إيران.
إن التدخل الروسى المباشر فى سوريا قد أربك جميع الحسابات خاصة من جانب ما يعرف بالمعارضة المدنية أو المعتدلة وبقايا ذراعها العسكرى "الجيش السورى الحر" فبعد تطلعها لتدخل أمريكى مباشر يزيح نظام الأسد أو حتى بتدخل تركى عسكرى لصالحها إذا بها تفاجأ بالتدخل من الشرق لصالح النظام مع تراجع غربى وتركى عن المسلمات السابقة وقبولهم المرتبك ببقاء الأسد لفترة إنتقالية مؤقته "لا يعلم مداها الاّ الله"، ويزداد موقف المعارضة تعقيدا بمباركة بعض أجنحتها للتدخل الروسى بإعتباره إنتصارا للحل السلمى التوافقى.
أخيرا فربما يكون من مزايا التدخل الروسى أنه قد يؤدى الى تخلى السعودية عن تحفظاتها على عمل عربى لإنشاء قوة عسكرية مشتركة لمواجهة الإرهاب فى المنطقة فى محاولة منها لكسب موقف دول عربية مؤيدة للمشروع "وعلى رأسها مصر" ورغبتها فى إيجاد مظلة عربية لمواجهة التدخل الروسى، إن التدخل العسكرى الروسى فى سوريا سيؤدى بالضرورة الى تغيير خريطة التوازنات والتحالفات الإستراتيجية بالمنطقة وإعادة رسمها من جديد...وهو ما يحدث الآن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرانس كافكا: عبقري يتملكه الشك الذاتي


.. الرئيس الإسرائيلي يؤكد دعمه لحكومة نتنياهو للتوصل إلى اتفاق




.. مراسلتنا: رشقة صواريخ من جنوب لبنان باتجاه كريات شمونة | #را


.. منظمة أوبك بلس تعقد اجتماعا مقررا في العاصمة السعودية الرياض




.. هيئة البث الإسرائيلية: توقعات بمناقشة مجلس الحرب إيجاد بديل