الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في العلمانية – حتمية ٌ تُشبه ُ المُعضِلة.

نضال الربضي

2015 / 10 / 1
حقوق الانسان


قراءة في العلمانية – حتمية ٌ تُشبه ُ المُعضِلة.

أتفاعل ُ منذ ُ أسابيع َ قليلة مع مجموعة ٍ مغلقة على الفيسبوك يجمع ُ أفرادها الفكر العلماني الحر، و يتشاركون َ في نقد ِ الواقع المُعاش و تقديم رؤيتهم حول الأحداث في الأردن بشكل خاص و المنطقة بشكل ٍ عام. موضوع المجموعة الرئيسي هو العلمانية، لا نقد ُ الأديان و إن لم تخلو منها بعض ُ البوستات. تدور ُ حوارات ٌ هادفة و مهذبة بين الأعضاء، و هو ما يشدني للاستمرار و المتابعة و التفاعل و الأخذ و الرد، و العودة ِ للأخذ و الرد، في جوٍّ صحّيٍ لا تُشبهُه الصفحات العامّة على ما فيها من تجاوُزات ٍ و إساءات.

عند الحديث ِ عن العلمانية، يبرزُ مبدأ المواطنة و تساوي الجميع أمام القانون كأساس ٍ تخرج ُ منه ُ بطرحها الشمولي، و هو الذي يؤصِّل ُ لفصل التشريع الديني عن قانون الدولة و دستورها، فبغير ِ هذا الفصل لا تتحقق المساواة و لا تتمثَّل ُ المواطنة فعليا ً على أرض ِ الممارسة.

لكن َّ مشكلة العلمانية في أوطاننا العربية أنها تعبِّر ُ عن فكر ٍ يُناقض ُ العقلية َ السائدة، فالعلمانية تحبُّ الاختلاف و تزدهر ُ في التنوع، و تكبر ُ في فضاء ِ الخيارات، و تتطَّورُ في رحاب ِ المُتاحات، و بنفس القدر تموت ُ و تذبل ُ تحت وطأة ِ اللون ِ الوحيد و قيد ِ الطيف ِ الواحد، و تتلاشى تماما ً عندما تنعدم ُ الخيارات عند الأفراد و يُفرض ُ عليهم نمط ٌ مُتفرِّد. بهذه العقلية نفهم ُ العلمانية كنمطِ حياةٍ تعدُّدي يقبل ُ أن يكون َ لكل مواطن ٍ ما لغيره من حقوق، و يضمن ُ له القدرة َ على ممارسة ِ خصوصياتِه الشخصية، و العرقية الإثنية، و المذهبية، ضمن إطار قانون الدولة ذي الألوان ِ الذي يحدِّدُ مسؤوليات ِ الأفراد بما يضمن ُ استمرار الدولة و سلامة َ العلاقات ِ بين أفرادها و قوتها و إشباع الحاجات المختلفة.

في فضاء ِ العلمانية ِ الرَّحب لا قيود َ على الفكر، و التعبير، و الأدب، و الفن، و الموسيقى، و الاختراع، و الإنتاج و الإبداع. لا حصانة َ من المساءلة، و لا ظُلم على من يُسأل، و لا امتياز َ لسائل، و لا فخر َ لمسؤول، و لا استعلاء َ لحاكم، و لا ذُلَّ لمحكوم، و لا مُستترات، و لا مُختبئات، فالأنظمة ُ و القوانين ُ الشَّفافة تضمن ُ اتِّساقا ً يُثبِّت ُ في عقل ِ المواطن ِ و وعيه ِ و شعورِه ثقة ً بأنَّه يعرف ُ ما يتوقع، كونَه ُ يتحقَّق ُ دوما ً و في كلِّ مؤسسة ٍ نابعا ً من أصل ٍ واحد، هو قدسية ُ المواطن المحمي بحقوق المواطنة التي تدعمها العلمانية ُ في ظلِّ دستور ِ الدولة.

أعداد ُ العلمانين في الأردن في تزايُد، و نشاطُهم واضح ٌ و مُباشر، لكنَّه ُ لا يتمتَّع ُ بالزخم ِ الكافي لتحقيق ِ تغير ٍ ملموس ٍ على مُستوى أعداد ِ الأفراد، و يُقابلهُ تياران ِ مؤثِّران:

- الأوَّل هو التيار الإخواني السلفي، و هو الذي يتَّسم ُ أفرادُه بالتنظيم ِ العلني في شقيه، و القانوني في الشقِّ الإخواني، و يستقطب ُ طاقات ِ فئة ِ الشباب خصوصا ً كونها أداة َ تنفيذ ِ الفكر ِ الذي يتصدى للتنظير ِ له ُ رموز ٌ معروفون على المستوين: الشعبي الذي يمارسون فيه نشاطهم، و الأمني الذي يُتابعُهم و يعمل ُ على تحجيمهم بدرجات ٍ تتفاوت ُ بحسب الظروف ِ السياسية ِ للمنطقة.

هذا التيار أعداد ُ منتسبيه ِ بالألوف و صوتُهم عالي. يخاطبون َ اليأس َ في النفوس، و الإحباط َ عند فئة ِ الشباب من أوضاع ٍ اقتصادية ٍ صعبة، و التصاق ٍ مُعيب ٍ بمستوى حضاري متدني، و هزيمة ٍ نفسية ٍ كنتيجة ٍ لهزائِم َ عسكرية ماضية أمام الاستعمار القديم و إسرائيل و أمريكا، كأعداء ٍ تستندُ عداوتُهم إلى نصوص دينية ترى فيهم خطرا ً حاليا ً يربطُه ُ حبل ٌ ميتافيزيقي بخطر ٍ قديم ٍ مُتجذِّر ٍ في البيئة الدينية ِ التي نشأ فيها الإسلام، كمُحرِّضين أولين ضد البعثة النبوية و خصوم فعلين مُحرِّكين للأحداث في تلك َ البيئة، فيتضافرُ القديم ُ مع الحديث في إعادة ِ إنشائهم تهديدا ً أبديا ً يُبرِّرُ التحشيد ضدهم و يستديم ُ المعركة.

ينطلق ُ هذا التيار من استدعاء الثابت من الموروث و القديم، على اعتبار أنه تمثيل ٌ للمُطلق الذي يُحيط بالحقيقة ِ كاملة ً و لا يحتاج ُ إلى تعديل ٍ أو فحص ٍ أو تحديث ٍ بالإضافة، و بالتالي لا بُدَّ أن تتمحور الحياة حول َ هذا الموروث فقط، و أن يتم َ استدعاء ذاك القديم بعينه لإعادة محياه و تجسيده و إنتاجِه في هذا العصر و كل العصور ِ القادمة في كل ِّ البقاع ِ الجغرافية، و من قبل ِ الجيل الحالي و كل الأجيال ِ القادمة، و بالتالي يُنشئون َ عن قصد ٍ و إرادة و تصميم صداما ً مع كل قيم الحضارة المتغيرة التي يعيشون َ في بلدان ٍ تتبناها إمّا جُزئيا ً أو كُلـِّيا ً. لا مكان َ في هذا الفكر ِ للابتكار و الإبداع و الاختلاف و ما تمثِّله تلك القيم من تجسيد ٍ للطبيعة ِ البشرية.

- أما التيار ُ الثاني فهو مجموع ُ الشعب الصامت، و هم الأعداد ُ الغالبة ممن ورثوا مُسلَّماتهم الدينية َ و الاجتماعية، فتشكَّلت هويتهم حولها و بواسطتها فغدت جامعة ً لهوياتهم العشائرية و الإثنية و الاجتماعية و الشخصية على حدٍّ سواء. هذا التيار مُستهدف ٌ بالتنظير ِ و إعادة ِ تشكيل ِ الوعي ِ من التيار الأوَّل، و منتسبوه ُ مدافعون َ بُسطاء لكن مؤذوون للفكر الحر ومُعيقون َ للتطور العلماني، يعملون ضد أنفسهم من حيث ُ لا يدرون، و ضد َّ من يريد أن يُحرِّر َ عقولهم و وعيهم من العبودية الفكرية للتيار ِ الأول و للفكر الديني.

لا شكَّ عندي في العلمانية كمنهج ٍ حضاري و وسيلة ٍ لضمان ِ الكرامة الإنسانية و تحقيق الحاجات ِ البشرية و الارتقاء بمستوى الفكر و الوعي و الرؤية عند المجتمعات و الأفراد،،،

،،، لكن َّ ما يُقلقني بحق ٍّ أن تطبيق َ مبدأ العلمانية ِ الأوَّل أي: الخيار المولود من إرادة ِ لشعب ِ كمصدر ٍللشرعية ِ الدستورية يستتبِع ُ بالضرورة أن َّ انتفاء َ خيار ِ الأخذ ِ بالديموقراطية و العلمانية ينفي حق َّ تفعيلها، و بالتالي يغدو فرضُها على شعب ٍ لا يُريدها تناقضا ً جوهريا ً لا يمكن ُ تجاهُلُه، على الرغم من قناعتي الشخصية ِ بحتميته كحل.

لتوضيح ِ الفكرة ِ السابقة أعرض ُ رؤيتي التي تتلخَّص ُ في ضرورة ِ تبني مُتخذي القرار السياسي للفكر العلماني، ثم تعديل ِ القوانين بما يتناسب ُ مع هذه العلمانية، و التي سيلمس ُ أثرها الإيجابي الشعب ُ الذي سيجد ُ في تحقيقها ضمانا ً لتفرُّدِ شخوصه، و في أن التنوير َ على المستوى الفردي مفيد ٌ جدَّا ً لكنه كذلك َ فقط لمن يرى نفسَه ُ بحاجة ٍ إلى تنوير، و يسعى و يبحث ُ نتيجة َ إدراكِه أن ما ورثه من مُسلَّمات و يقينيات و مُطلقات بحاجة إلى فحص، و هؤلاء ِ قليلون َ في تزايد، لكن زيادتهم ضئيلة مقارنة ً بنمو التيارين السابقين و بالتالي تأثيرهم محدود،،،

،،، و أستكمل ُ رؤيتي فأقول ُ: أما حينما تتفعَّل ُ القوانين العلمانية فإن نمط الحياة ِ المصاحب َ لها كفيل ٌ بتحويل التيار ِ الثاني في ثلاثة ِ أو أربعة ِ أجيال ٍ إلى الفكر العلماني بشكل ٍ كبير حتى لو كان َ غير كامل.

أصطدم ُ هنا بمشكلة ٍ فلسفية ٍ أخلاقية لها وجهان و هي: أحقيَّتنا في هذا الفرض على الوعي الشعبي بوساطة ِ القوانين، و تعارُض ِ هذا الفرض مع جوهر ِ العلمانية ِ التي ندعو إليها و الإنسانية ِ التي نرى أننا نُحقِّقها، فهذا اعتراف ٌ صريح ٌ منَّا بأنَّا قد فشلنا في تسويق ِ مبادِئنا بقوة ِ تأثيرها الفاعل و نحتاج ُ إلى فرضها، هذا الوجه ُ الأول،،،

،،، أما الوجه الثاني مُعاكساً فلا بدَّ أن نعترف َ أن التيار الإخواني السلفي يرتكز ُ على موروثات ٍ اجتماعية ٍ و تاريخية ٍ قامت على القهر ِ و الغصب ِ و الاضطهاد ِ و الفرض، و لم تقم على حرية ِ الخيار، و بالتالي فإننا بفرض ِ العلمانية ِ إنَّما نستعيد ُ منهم ما سلبوه، و نحقِّقُ العدل الذي نقضوه، و نُعيد الكرامة َ الإنسانية َ التي انتهكوها، لأننا مُصلحون نبني الإنسان و المجتمع و الدولة، و شتَّان بين من يُصلح ُ منا و من يُفسد منهم، و من يبني من عندنا و من يهدم ُ من عندهم.

خلاصة ُ رؤيتي تعتقد ُ أن الطبيعة َ البشرية َ و قانون َ البقاء ِ و التطوّر ِ بآلياتِ الانتخاب الطبيعي يساندون فرض َ العلمانية، فالطبيعة ُ تعلِّمنا أن الكائن الذي يجد ُ وسيلة َ التكيُّف و مِيزة البقاء يبقى و يسود، و عليه ِ فإذا وجدنا الطريقة َ لتسويق ِ فكرنا الحضاري الإنساني البنَّاء ِ الصحِّي، و قدرنا على تغير ِ الشرائِع ِ لتكون َ في صفِّ الإنسان، و تُعلي من شأن ِ الكرامة البشرية، و التفكير و الأبداع ِ و الابتكار ِو الإنجاز، فسنكون ُ منسجمين مع طبيعتنا عاملين َ في إطارها التفاعلي، شهادة ً حيَّة ً على أصالة ِ نوعِنا العاقل ِ و تميُّزِه ِ عن باقي الكائنات.

ما رأيكم قُرائي الكرام؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صباح الخير عزيزي نضال
قاسم حسن محاجنة ( 2015 / 10 / 2 - 06:28 )

بعد التحية والسلام وواجب التقدير والاحترام
تفضلتَ بالقول بأن الإسلام السياسي ينشأ ويترعرع على -اليأس والإحباط
الناتج عن عوامل سياسية واقتصادية .
فالاولى اذن هو محاولة تغيير الواقع الموضوعي ، ومن ثم يُمكنُ ان تخاطب الناس عن العلمانية كمنهج حياة...
خالص مودتي-


2 - صباح النور و البخور و البهجة و الحبور
نضال الربضي ( 2015 / 10 / 2 - 09:17 )
أهلا ً بصديقنا الطيب قاسم!

الإسلام السياسي له شقَّان:

- الشق الدعوي التنظيري: و انتشارهُ يعتمد على الحرية و المستوى الفكري العام للمجتمع، فالمجتمعات المنفتحة تشكل بيئة معادية له، و ينشط في مجتمعات مقموعة.

- الشق الحركي: و هم فئة الشباب الذين يستقطبهم شيوخ الدعوة باستغلال عوامل القهر و الإحباط فيهم، بشرط انسلاخهم عن هويتهم المجتمعية أولا ً و قابليتهم للتمرد على المجتمع و استسهال إتيان السلوك الإجرامي. (كتبت ُ في هذا سلسلة: قراءة في السلفية التكفيرية، أرجو منك مراجعة الأجزاء الخاصة بالتكوين النفسي للسلفي التكفيري).

بلا شك ان رفع الظلم الاقتصادي و السياسي يشكِّل عاملا ً هاما ً جدَّا ً في محاربة الفكر المتطرف، لكنه لن يكون كافياً، فلدينا دول بعينها تدعم هذا الفكر بالمال كونه يثبت مذهبها الديني و ينشره.

لا نستطيع أن ننتظر جنة الاقتصاد و الحرية، قبل أن ندعو للعلمانية فهذه الجنة لم تتحقق عبر التاريخ و لن تتحقق، إنما ندعو للعلمانية ليتبع منها للناس حرية الحياة و تسترد كرامتها الإنسانية، و ترتفع القيود عن الفكر و الإبداع، و عندها يذهب اليأس و الإحباط كنتيجة مُتحقّـقة لا كمقدمة!

دمت بود.

اخر الافلام

.. تونس...منظمة مناهضة التعذيب تحذر من تدهور الوضع الصحي داخل ا


.. الأونروا مصممة على البقاء..والوضع أصبح كارثي بعد غلق معبر رف




.. كلمة أخيرة - الأونروا: رفح أصبحت مخيمات.. والفلسطينيين نزحوا


.. العضوية الكاملة.. آمال فلسطين معقودة على جمعية الأمم المتحدة




.. هيئة التدريس بمخيم جباليا تنظم فعالية للمطالبة بعودة التعليم