الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رصد لحظة التوهج في الإبداعية الأدبية

سعاد جبر

2005 / 10 / 24
الادب والفن


" قراءة سيكولوجية في نص منار للشاعر يوسف الديك "

هناك نشوة تتحرك في وجدان الأديب نحو إبداعية تتسامى في أتونها تلك النشوة ، وتتشكل هالاتها من فيوضات توهجها على النص ، فتستنهض الطاقة الكامنة في أعماقه المتوترة ذات الحس المرهف . ؛ إذ هناك رصيد هائل في تلك النشوة أو الرغبة في زخم طاقات غير متبلورة تنتظر أن تتكون في سمت مولود جديد له صياغته التكوينية من ذات المبدع المرهف ، وتلك الطاقات غير المتبلورة تشكل مرحلة ما قبل الاستنهاض ، وهي حالة متواترة في الأديب المبدع لاينفك عنها ، تجعله في حالة حراكها ـ كما الجنين يتحرك في بطن أمه ـ يحيا مع الناس بجسده لكن فكره ومنظومة مولدات طاقاته تتهيأ لحالة استنهاض نحو لحظة التوهج الإبداعي
ومن اللافت للنظر أن هناك حالة تجاذب بين الواقع الموضوعي ـ العالم بين أعيننا ـ وحالةاللاشعور ، حيث تتحرك حالة اللاشعور في أعماق الأديب المبدع والفنان في كافه صور الإبداع الفني ، نحو لحظة التوهج بحاثة عنها بلهفة إبداعية ، في أعماق المبدع اللاواعية ، بحيث تؤجج اللحظة المقتنصة من الواقع الموضوعي تلك الرغبة الهائجة في أعماق المبدع نحو صورة إبداعية مبتكرة . وتكسبه أريحية في إسقاط حالة الرفض على النص ، لكنها أريحية مؤقتة لاتلبث أن تتداعى فيها حالات التهيؤ لمتتاليات استنهاض لا تنتهي في ابداعية الأديب، لأن تلك الطاقة عير المتبلوة تنعكس على ذاتية المبدع بلغة سيكولوجية ترتسم بالتوتر وحيرة تستبد بالحياة الذهنية للمبدع ، تنتظر أن يؤول مخاضها إلى مولود إبداعي على النص ، وتتسم حالة العثور على اللحظة المقتنصة من الواقع الموضوعي التي تثير ولادة لحظة التوهج بارتفاع حالة الأنفعال لدي الأديب المبدع وسيطرة عاطفة تتدافع بقوة في أعماقه تسهم تلقائيا بتفريغ رغبته المحتدمة نحو لحظة التوهج ، وهنا تؤول لحظة التوتر غير المنظمة ما قبل لحظة التوهج إلى توتر يهندس المبدع شحناته بإبداعية مبتكرة ، توظف لهدف معين ، وهو ما نسمية رسالة الأدب أو ما أطلق عليها اديبنا الكبير توفيق الحكيم بالتفسير في لغة تعبير النص .
وهنا في تلك اللحظة الفاصلة تدور الجدليات حول ماهية الجنين المتولد ، بين لغة التنقيح والمراجعة له، وبين تركه على ولادته ونسقه الطبيعي دون التدخل في خلقته بالتنقيح والتعديل ، فهناك من يؤكد على أن العمل الإبداعي لا يقبل التنقيح في ماهية ولادته وتخلقه في البدء والكل ، لأنه كالطفل الوليد الذي لا يجوز التدخل في خلقته بالتنقيح والتعديل وإلا فإن مثل ذلك التنقيح والتعديل يفسد ما فطر عليه ذلك الوليد من خلقة طبيعية ، ولكن من المبدعين من يعتقد أن التنقيح والتعديل ضروريان طالما انهما لا يمتدان إلى جوهر العمل الأدبي وأساسياته وخطوطه العريضة ، وطالما أن العمل لم يعرض على الملأ فأن للأديب الحق في تعديله وتنقيحه .
ونص " منار " للمبدع الشاعر يوسف الديك ، يشكل تميثلاً رائعا لولادة النص في آتون لحظة توهج نارية تتصاعد فيها طافات الرفض ، والميزة الإبداعية فيه تتجاوز النظريات وتقعيدات الأشياء ، لأنه هنا تتماهي النشوة مع التوهج مع اللحظة المقتنصة مع الواقع الموضوعي ، بحيث تتشكل في لوحة ابداعية واحدة ، تتشكل فيها مساحات عالية متصاعدة لطاقة الاستنهاض التي سبقت ولادة النص ومعطياتها في لغة حرارة الحدث ومترتباته اللاشعورية التي تتشكل فيها طاقة الجذب مع الحدث دون إمكانية تحديد تلك اللحظة الفاصلة بينهما زمنيا وامكانية سبر لحظة التوهج بكل الوانها الحمراء الدامية التي تشكلت شيفراتها في مفردات النص ، لأن حرارة النص تعطي انطباعات بولادة آنية له مع حرارة الحدث ن وتعطي مؤشرات لبلوغ لحظة التوهج مساحات اشراقات لامتناهية تتشكل في مفردات النص ولغته الرافضة في كل مقاطعة ، والعاشقة في كل مقاطعة في ثنائية متضادة بين رفض الواقع ، وعاشقة للغة التغيير التي يدور النص في تجلياتها الملائكية حيث تبلغ السماء وترتفع عن الأرض ومعطيات الاستلاب فيها في عنجهية لغة سادية صارخة .
ويشكل نص " منار " حالة انفتاح بين المساحة الشعرية ولغة القص المكثفة في كافة فنيات ابداعيتها ، وتتكاتف تلك الفنيات في صقل هالات انطباع لحظة التوهج على النص ، وهندسة بنائها المحكم المكثف في التعبير، الذي تتكاتف فيها بنية الشكل الفني للنص ورسالة المضمون بتصاعدات الفكر فيه بحرارة ، التي تتجاوب مع موسيقى النص بتصاعدات متناغمة مع تعاليات الفكرة واتساع مساحات إثارتها في النص ، تحمل معها ترانيم أغصان شجرة مريم العذراء ، في مقاطع انطلاقات الفرية على القديسة الطاهرة في النص ـ منار ـ في التقاءات رسالة السماء هناك في الزمان بالمحبة وهنا في لغة منار في الصعود إلى السماء ، وهناك ميلاد المسيح في أبهة نتاج السماء ، وهنا رسالة الوجود في أبهة نتاج آدمية ملائكية على الأرض .
وتبرز في النص في أبهة ثمرة توهجه لغة التصميم الكلية الحداثية ، التي عبر عنها روبرت شولز في إطار لغة المفارقات، بين الواقع الذي يغوص افراداه في لغة القص والتداولات بشأن الحدث الأم في النص ، وبين الرؤية التصممية الكلية في جوهر حقيقة القص ونهاياتها المثيرة في ظل لغة تشويق متعالية في استهلالة النص حتى نهايته .
ويفتح النص استرته على مصراعيها في لفتات ابداعية ، تتسق مع موسيقى النص ولغته المكثفة المحكمة في أعلى درجاتها ، وبين مضمون يتسع للرؤية السابرة والتأمل العميق في مفرداته ، في كينونه ناعمة فسيفسائية صغيرة ـ في ظل مساحة النص في التراكيب ـ تسع الوجود بكل متضادته ، في ظل واجهة يقدمها النص عبر لغة الحكي في ظل واقع شعبي عفوي ، في الأحياء البسيطة حيث تبرز فيه لغة القيم واصدار الأحكام المتعجلة في ظل ذكورية الثقافة وتقاليد المجتمع ، في تكوين رأي اسري ، بشأن تفسير غياب منار عن البيت ، ويدور ذلك الرأي في إلصاق تهمة العرض واستلابه ومترتباتها في لغة النبذ الاجتماعي ، حيث يسلط النص إضاءات حول لغته الاجتماعية في ظل تماهيات إشاعات تتلقفها الألسن وتدخل في تفاصيل صورة ذهنية متوهمة في المتخيل العابث الهارب لديها من مواجهة واقعها ، في استلاب حكايا وقصص في الوقت الذي ينتظر منها تصاعدات في ماهية الوجود والإنجاز ولغة الحرية وتسامياتها على الأرض .
ويشكل النص وثيقة لمسارات الانتفاضة مع غيره من النصوص الأدبية التي تتابع مسيرة النضال الفلسطيني ورحله كفاحها على الأرض ، على أبواب الحرية الحمراء ، وبلوغ حالة العشق المتسامية مع الوطن ، حيث فناء الجسد واستحالته إلى مسك يعطر الروح ويتثر طيرا محلقا في السماء ، في رحلة خارقة ، تنشطر من خلالها تساميات عشق للوطن في اقدس تجلياتها الأنثوية ، حيث تعكس مؤشراًُ في تحولات رحلة الكفاح من تجلياتها الذكورية نحو آفاق أنثوية خالصة ، حيث تكسر تلك التجليات الأنثوية تقاليد المجتمع وتتسامى في لغة الرفض ، وتكاد تسمع مع قرع أجراسها الكفاحية كل ما نعي وما لانعي من مسميات حصار الثقافة والجسد . حيث تتصاعد الأرواح عشقا للحرية وكرامة الوطن في الجسد .
ويبرز في نص " منار" لفتة فنية في لغة القص ، وتدور في لغة تناغم واتساق بين عنوان النص وماهية الحبكة ولغة المفارقات فيه ، حيث يشكل العنوان إثارة بالغة في لغة التتبع والتشويق ، وتتشكل ماهيته وانشطارات نورانيته في ظل حبكة النص التي تتفتح أكمامها في تصاعدات الأرواح وانطلاق النور من الظلام وانطلاق الحرية من لغة الاستلاب والاستبداد في الأنا اللاشعورية و الجسد والوطن والزمان والمكان ، ولكن ثمرة التوهج هنا لمنار في الماهية هي تصاعدات الحرية في بعد قداستها الكفاحية وخصوصيتها الجمالية الفنية في تراكيب النص لأنه اتصاعدات الولاء للأرض في السماء وصوتا خالدا يردد لحنه قديسة بهية تسكن في عليين الأرواح على بساط السماء ، وتعلين حريتها هناك على قرع أجراس أعراس الأرواح في آتون ثقافة الصمت التي تلف عوالمنا في كينونتها الداخلية وكينونتها الممتدة بلاحدود في لغة الاستلاب ، حيث تتشكل عوالمنا في أتون رفض لذواتنا في الأنا والكل وتتلذذ في الانسلاخ عن ابجديات حريتها لترتمي حبا وتلذذا وتهالكا على مغريات موائد سادية تنشد من خلالها حرية واهمة وعمرا بهيا من الزمن في اللازمن وسلاما في اللاسلام مما يخطر ببالنا وما لايخطر ببالنا من مفردات حروفها الباهتة المقزمة لذواتنا في الجزء والكل بلا توان ، فعند نارية تلك الأحداث في ظل واقعنا المر المستلب ، تتشكل خوارق توهجات رحلة منار إلى السماء ، لتعلن الحقيقة في آبهة قداستها من السماء إلى سماءات القلوب الحرة الأبية في الأرض ، وتعلن حكاية خالدة في الكفاح ، تتوهج هالات تلو هالات لها نكهة القداسة في نورانية منار في لغة التوهجات فالانشطارات فرحلة التغيير المتسامية على الارض حرية وكفاحا .
ولايسعني مع مقطوعة " منار" للشاعر يوسف الديك في لحن حروفها على أوتار الحرية ، إلا أن أزجي له هالات تحية وتقدير زنبقية له ، عبر فضاءات التواصل وسيفونيات توهجات الحرية وانشطارات الأرواح طيورا إلى السماء , في رحلة الخلود السرمدية ، فكل إبداع وانت متتاليات إبداع تتوهج نورانية وجمالا وعذوبة هادئة منسابة على السطور بلا حدود ، وتصبح على وطن وحرية ومملكة إبداع لاتنتهي .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟