الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التقرير الذي هز المنطقة

جهاد الرنتيسي

2005 / 10 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


تحمل التداعيات السياسية والزوابع الاعلامية التي اطلقها تقرير المحقق الدولي ديتليف ميليس قوة دفع جديدة لتغييرات قد تعيد ترتيب المشهد السياسي في المنطقة .
فمن الصعب حشرالوتيرة المتسارعة للتطورات التي اعقبت توجيه اصابع الاتهام لبعض اركان النظام السوري في سياقات الدورة النمطية للاحداث اليومية .
وما كان يجري الاستدلال عليه بقراءة " الممحي " صار من الممكن متابعته بوضوح مع وصول الملف الي مجلس الامن .
ففي مثل هذه المحطات تصبح المسارات اكثر وضوحا ، ويغني صفير القطارات ودوي المحركات عن " التنجيم " السياسي الذي يكتسب حضوره من غياب المعلومات والمنهج التحليلي ، ليبقى واحدا من اليات تفكير السياسيين العرب .
وتتمثل ابرز مظاهر " التنجيم " و" الشعوذة " خلال هذه المرحلة في التعاطي مع الملف من الزاوية القانونية وتجاهل البعد السياسي .
فالتقرير حلقة من سلسلة تطورات لم تبدا بتمديد ولاية الرئيس اميل لحود ، وصدور القرار الدولي 1559 ، واغتيال رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري ، ولن تنتهي ببضعة جلسات نقاش في مجلس الامن .
وغيب البعض بقصد او بغير قصد احدي المسلمات التي يفترض البناء عليها لرسم صورة واضحة للحدث، وهي الجانب الاجرائي من تقرير ميليس ، فالدور المباشر للتقرير لا يتجاوز توفير المعطيات التي سيتم علي اساسها استجواب المتهمين باغتيال الحريري .
و لا ينطوي التقرير علي ادانة للاشخاص الذين وردت اسماءهم فيه ، وان كان يثير الشبهات حولهم ، مما اظهر اصحاب ردود الفعل الرافضة بصورة القلقين من التحقيق في النتائج التي انتهي اليها ميليس .
واللافت للنظر من خلال الاداء السياسي لمعارضي تقرير ميليس تعاملهم مع الاحداث من زاوية ردود الافعال بعدما انحصر الفعل في مراكز دولية واقليمية اخذت دورها مبكرا في عملية التغيير الذي تترقبه الدوائر السياسية في المنطقة والعالم .
فهناك مبادرات تطرح ، وتجد طريقها للتنفيذ في الوقت الذي لا تملك اطراف المعادلة الاخري غير الاستجابة ، وتوجيه الانتقادات ، بعدما استنفذت خياراتها .
وتملي الاستجابة في المرحلة المقبلة اتخاذ قرارات احلاها مر ، فمن شان الموافقة علي مثول بعض اركان الامن والسياسة السوريين امام محكمة دولية ادانة النظام السوري ، ولا تقل مخاطر الرفض عن عواقب القبول .

ويكمن مازق الذين تحسسوا رؤوسهم بعد صدور تقرير ميليس في التوافق الفرنسي ـ الاميركي حول الملف اللبناني الامر الذي ظهر بوضوح مع صدور القرار 1559 وكرسته تطورات مرحلة ما بعد اغتيال الحريري .
فمن رحم القرار1559 المتعلق بانسحاب القوات السورية من لبنان ونزع سلاح حزب الله خرج القرار 1595 الذي ينص علي اجراء تحقيق دولي في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق ، وبناء عليه تم تكليف ميليس بالملف الذي اربك الحياة السياسية خلال الاشهر الماضية ، وتسبب في تصفية شخصيات لبنانية سبقت المحقق الدولي في توجيه اصابع الاتهام للمشتبه بتورطهم في جريمة الاغتيال .
ويقود التوافق الفرنسي ـ الاميركي حول لبنان الي قراءة المشهد السوري من الزاوية اللبنانية رغم وجود معطيات اخري في السياسة الاميركية تجاه سوريا تتمثل في تاثيرات دمشق علي ترتيب الملفين العراقي والفلسطيني .
وحينما يتحدث صناع القرار في البيت الابيض عن " تغييرالسلوك " السوري يعنون تغيير النظام في سوريا توطئة لحدوث التغيير في السياسة السورية الامر الذي لم يظهر في الاداء السياسي الفرنسي ما يعارضه بعد صدور القرارين الدوليين 1559 و1595 .
ولكن هناك مؤشرات في السياسة الاميركية ـ الفرنسية لا يمكن تجاهلها لدي استشراف المراحل المقبلة .
ومن بين هذه المؤشرات وصول باريس وواشنطن الي قناعة بضرورة تجنب حدوث تداعيات مماثلة لما جري في العراق بعد الاطاحة بنظام صدام حسين.
ولا يخفي علي صناع القرار في العاصمتين عدم قدرة المعارضة السورية علي القيام باي دور فاعل في حال الشروع بعملية تغيير جدي للنظام .
وبناء علي هذا الفهم لا تجد الولايات المتحدة وفرنسا امامها غير الضغط علي دمشق لدفعها نحو اصلاحات سياسية قد تتيح المجال امام ظهور قوي سورية قادرة علي التعاطي مع عملية التغيير في حال الشروع بها .
ويراهن المتحمسون لهذه السياسة علي امكانية توفير المناخات الملائمة لاستقطاب بعض مكونات النظام السوري الي جانب عملية التغيير .
وفي ظل هذه التوجهات تكاد تتلاشي احتمالات لجوء واشنطن وباريس الي صفقة تتيح اللقاء في منتصف الطريق .
فالظروف التي كانت تفرض علي واشنطن التقاسم الوظيفي مع دمشق لم تعد موجودة .

ومن ناحيتها تحاول قوي سورية الاستفادة من المناخ الدولي لاحداث تغيير داخلي تراجعت احتمالات حدوثه مع انكفاء ما بات يعرف بـ " ربيع " دمشق .
وفي هذا السياق تندرج وثيقة دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي التي حالت السلطات الامنية السورية دون اعلانها وايدتها قوي المعارضة في الخارج مما يعني توفير ارضية سياسية قد تلتقي عليها مختلف الاحزاب والتيارات .
وكما هو حال المعارضات في المنطقة لا يخلو الامر من تناقضات قد تعترض ـ ولو لبعض الوقت ـ تآلف القوي والاحزاب والتيارات السورية .
ففي تطور لافت للنظر صدت بعض قوي المعارضة محاولة قام بها رفعت الاسد لركوب موجة اعلان دمشق ، واخذت قوي اخري علي بعض اطراف الاعلان علاقتها مع نائب رئيس الجمهورية عبد الحليم خدام المقيم في باريس .
وتترافق هذه التطورات مع حالة ذهول يعيشها الشارع السوري الذي لا يظهر اكتراثا بمحاكمة بعض الرموز الامنية التي لا تحظي باية شعبية ، ولكنه في المقابل يخشي وصول الاوضاع في سوريا الي ما وصل اليه الوضع العراقي اذا جري التغيير علي الطريقة العراقية ، ولا يخفي عداءه للسياسة الاميركية في المنطقة .
ولا شك في ان تعقيدات المعادلة الداخلية تجعل النظام السوري اكثر قدرة من خصومه المحليين علي المناورة في الداخل .
الا ان دوام هذه القدرة يبقي محكوما بعدة عوامل من بينها المؤثرات الخارجية علي الوضع الداخلي ، وتماسك النظام ، وتطوير اداء المعارضة .
وبقدر ما اثار تقرير ميليس ارتياح بعض اطراف المعادلة اللبنانية اقلق اطرافا اخري.
فقد اعطي زخما سياسيا لتيار المستقبل الذي استغل الظرف السياسي للدعوة الي تشكيل محكمة دولية وتجديد المطالبة باستقالة الرئيس اميل لحود ، واتاح للعماد ميشيل عون فرصة التمايز باصراره علي حسم مسالة الرئاسة في البرلمان بدلا من النزول الي الشارع ، وفاقم مازق حزب الله وحركة امل وحلفاء سوريا التقليديين .
ومن غير المستبعد في ظل المؤشرات التي يمكن التقاطها بسهولة ان يتحول الموقف من التقرير الي عامل فرز جديد في الحياة السياسية اللبنانية.
ويعزز تداخل القرارين الامميين 1559 و1595 مثل هذا الاحتمال لا سيما وان المرحلة المقبلة مرشحة لقطع مزيد من خطوات تنفيذ بنودهما التي لم تنفذ بما في ذلك تجريد حزب الله من سلاحه.
كما ان للغياب السياسي السوري المحتمل عن الساحة اللبنانية اثره في توازن المعادلات وتحديد النفوذ والادوار .




















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت