الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعلان دمشق .. والاستحقاقات الملحة

بدر الدين شنن

2005 / 10 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لقد تأخرت قوى المعارضة كثيراً في إنجاز وإصدار " إعلان دمشق " ، ذلك أن العلاقات فيما بين الأطراف التي أطلقت هذا الإعلان تمتد إلى سنوات ، والمناقشات الجادة حول عملها المشترك قد بدأت منذ أكثر من عام . وقد كان ذلك يتيح لها الإعداد لهذه الخطوة بصورة أفضل مما تمت ، ولاتقع أسيرة تلاحق الأحداث ، وتضطر تحت ضغط اللاعبين الآخرين في الفضاء السياسي السوري ، لتقديم الإعلان بالشكل الذي قدمته ، وهذا ما أدى ، كما يبدو ، إلى إقرار توافقات كانت بحاجة إلى إنضاج أفضل في شكلها ومضمونها ، كما أدى إلى تناقضات ونواقص أثارت ردود فعل مفهومة ومشروعة لدى أطراف أخرى في خندق المعارضة . ولعل العذر الأوضح لما حصل ، كان ضرورة ملاقاة ما قد تسفر عنه الأيام ما بعد انتحار وزير الداخلية غازي كنعان ، وما سيحدث من تداعيات دراماتيكية بعد تقرير ميليس القادم بعد أيام ، حيث بات من الضرورة بمكان جذب التفات القوى الخارجية إلى حضورها ، لدحض ادعاءات النظام التخويفية للداخل والخارج المتكررة أن لابديل له سوى القوى الاسلامية المتطرفة من جهة ، وأنها ، أي المعارضة ، بصدد بناء معارضة قادرة على أن تكون هي البديل من جهة ثانية ، ولانتزاع المبادرة من مجموعات معارضة في الخارج تحاول أن تمركز الحراك المعارض بين أيديها في واشنطن أو لندن أو باريس . وهنا بالضبط تكمن الدلالة لتسمية البيان السياسي الصادر في 16/10/2005 ب " إعلان دمشق

بشكل عام ، لم تأت القوى التي أصدرت الإعلان بجديد ، مقارنة بأطروحاتها السياسية المعتادة التي تتقاطع في كثير منها مع مختلف ألوان الطيف السياسي المعارض ، الجديد الذي اثار الجدل هو عدة مسائل هي في غاية الأهمية . وقد تم التعرض لها من قبل الناقدين والمعترضين الذين إهتموا به

المسألة الأولى هي الفقرة التي نصت على أن " الإسلام الذي هو دين الأكثرية وعقيدتها .. ألخ " والتي جاءت في سياق الإعلان كأنها غلطة مطبعية قبل أن تكون خطأ سياسي ، إذ هي غير منسجمة مع ما قبلها وما بعدها في سياق النص وغير ضرورية ، طالما أن الإعلان ينشد المساواة في الحقوق ، ويدعو للد ستور الديمقراطي ، وترسيخ مبدأ المواطنة . وقد أدى وضعها إلى إثارة المخاوف ، لدى المجتع السوري المكون من فسيفساء ديني وقومي وثقافي ولدى أوساط سياسية ديمقراطية وعلمانية ، من هيمنة أصولية اسلامية قادمة على بساط " إعلان دمشق " سوف تثير العنعنات والمآسي الطائفية والمذهبية ، وهذا ما يفخخ المضمون الديمقراطي للإعلان ، وهو ما أثار منذ الآن أطروحات مقابلة ، عن حقوق دينية وثقافية أخرى ، ولهذا نجد عدداً من القوى والشخصيات التي تعلن تأييدها للإعلان من اعتباره منطلقاً للتغيير
الديمقراطي ترفق تأييدها بتحفظات معلقة لمرحلة إعادة النظر في الإعلان . وهذا من جانب آخر أضعف الإعلان ، إذ منح النظام مجاناً دليل مصداقية إدعاءاته بالهيمنة الأصولية على المعارضة ، ودفع بتيارات وقوى إلى التردد أو الإحجام عن الإنضمام إليه

المسألة الثانية ، هي الفقرة المتعلقة بالمسألة القومية ، سواء بالنسبة للعرب الذين يشكلون القومية الأكبر في البلاد أو بالنسبة للأقليات القومية . فعلى الرغم من أهمية وقدم هذه المسألة بأبعادها المتعددة ، فإن معالجتها لم تتم بما تستحق . وهذا ما دفع إلى السؤال عما هو المقصود بالمنظومة العربية هل هو الإلتفاف على الموقف من مشروع الوحدة العربية ؟ ولماذا جاءت عبارة " وحدة الأمة " دون اقترانها باسمها .. هل هي عربية أم اسلامية أو سورية ؟ . الأمر الذي دفع القوى الكردية إما إلى تأييد الإعلان مع التحفظ أو أحجمت عن التأييد وكذلك فعلت القوى السريانية والعروبية

المسألة الثالثة ، هي الفقرة الغائبة عن الإعلان المتعلقة بالبعد الاجتماعي . فقد غاب عن الإعلان ما تعانيه البلاد من ظروف اجتماعية ومعاشية بائسة في غاية الصعوبة، وخاصة الطبقات والفئات الاجتماعية التي تعيش على رواتب وأجور محدودة ، أو التي تعيش على الإتزاق اليومي من تعاطي الحرف أو الفلاحين الفقراء في الأرياف ، أو تنوء تحت بؤس البطالة ، تلك التي تبلغ الأكثرية الساحقة من شعبنا . الأمر الذي قد يشيع ، أن ما يسمى ب عملية التغيير الديمقراطي إنما هو صراع على السلطة بين نخب لاتهمها مصالح القوى التي تكابد القهر مضاعفاً ، وبالتالي يضع عائقاً أمام ا قتناعها بالإنخراط بهذه العملية

والأهم من كل ما تقدم اعلاه ، إن الإعلان كاد أن يغيب البعد الوطني ، إذ نسب ا شتداد المخاطر التي تتعرض لها البلاد إلى ممارسات النظام الاستبدادي على الصعد كافة ، دون أن يذكر الجهات الخارجية ، وخاصة الولايات النتحدة الأمريكية المستفردة باستقطاب العالم والمنفلتة من كل قيد او قانون أو خلق للسيطرة على العالم ونهب شعوبه ، والتي تستغل الآن بفظاظة اغتيال " رفيق الحريري " ليس لابتزاز النظام ضمن لعبة المساومات والصفقات الشرق اوسطية فحسب ، وإنما لإخضاع سوريا الوطن والشعب لهيمنتها ، ا ستكمالاً لمشروعها بإعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يخدم مصالحها الاستراتيجية الإمبراطورية ومصالح إسرائيل التوسعية العنصرية
وقد كان الأفضل البدء بتحديد المخاطر الخارجية المحيقة بسوريا ، التي قد تعرقن الحالة السورية ، وتحميل النظام مسؤولية الضعف والتهاون في مواجهة هذه المخاطر لعدم ا ستجابته لاستحقاقات التغيير الديمقراطي .. ألخ

وعليه ، فإنه إذا كان الهدف من " إعلان دمشق " هو محاولة ملئ الفراغ وجذب الأضواء فإن الهدف ، إلى حد ما ، قد تحقق . لكن هذه الخطوة تستدعي جدية ومسؤولية أكبر في المراحل القادمة ، إذ أن معظم إن لم يكن جميع من انضموا إلى " إعلان دمشق " لهم ، تطلعات أو تحفظات ، ولهم متطلبات أن يكون الإعلان أشمل وأعمق . وتقف أمام الإعلان في المراحل التالية ا ستحقاقات .. المسؤولية الوطنية .. ومسألة الدين والدولة .. الديمقراطية والعدالة الاجتماعية .. المسألة القومية والتمحد الوطني

ومالم تتم إعادة النظر في مضمون " إعلان دمشق بما يستجيب لهذه الاستحقاقات ، لن يكون هناك نهوض شعبي يحمل مشروع التغيير الديمقراطي .. وبالتالي يتعثر هذا التغيير .. ويتعثر الوطن والشعب على دروب المجهول











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دمار في -مجمع سيد الشهداء- بالضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنان


.. انفجارات تهز بيروت مع تصاعد الغارات الإسرائيلية على الضاحية




.. عسكريا.. ماذا تحقق إسرائيل من قصف ضاحية بيروت الجنوبية؟


.. الدويري: إسرائيل تحاول فصل البقاع عن الليطاني لإجبار حزب الل




.. نيران وكرات لهب تتصاعد في السماء بعد غارات عنيفة استهدفت الض