الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


17ديسمبر و صيحة أخرى

رضا كارم
باحث

2015 / 10 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


كأنّ المشهد التّونسيّ يحمل أسفاره راحلا إلى السّكينة.
الجبهة الشّعبيّة رفضت قانون المصالحة ثمّ استعادت سباتها و انغلقت علىداخلها تؤسّسه.
الاتحاد أمضى الهدنة و حلّ مشكلات القطاع الخاصّ و افتكّ(رغم كلّ شيء) بعض الفتات من مافيات الفساد المنظّم ضمن دائرة اتحاد الصناعة و التجارة.
جماعات 18أكتوبر من خارج حزب العمال و حركة النّهضة يكادون يمضون على استقالاتهم بالكامل.
و خلافة الباجي وحدها تنشّط المشهد المبتذل في تونس.
فجأة يعلمنا الممثّل الحقيقيّ لشبكة السلّطة أي أوباما ، بأن تونس و ماليزيا و أندونيسيا ، إن لم تخنّي الذاكرة، انضمّت إلى التحالف الدّولي ضدّ داعش.
ضاق صدر اللاعب السياسي في تونس، و انبرى ناقدا لعلامة "فقدان السّيادة الوطنيّة" و انزياح القرار عن أصحاب السّلطة التمثييليّة المنتخبين، إلى السلطة الأجنبيّة في أمريكا في هذه الحالة.
ضاقت صدورهم و كان كثير منهم يحكم و استسلم بدوره لمقولة العنوان السياسي الأكبر الذي يفرض شروطه و يحدّد للضّعفاء و الجبناء أيضا مواقعهم الخلفيّة و نقاط تدخّلاتهم في الأمم المتّحدة ، تاركا لهم تفاصيل الحوار مع النّهضة أو العراك مع المرزوقي .
عاد رئيس حكومة الارتزاق و التّبعيّة، الحبيب الصّيد، إلى تونس محمّلا بخطاب مبتذل و قراءة متعثّرة دالّة على سوء إدارة عميق، و استدعى حفنة من الصحافيين ليتلو على مسامعهم سورة الإخلاص ...
عاد الصّيد مشبّعا بإيجابيّة تحالفه الدّوليّ ضدّ داعش ، مؤكّدا أنّها مصلحة "وطنيّة" من حيث أنّها تمنح تونس القدرة على التّعرّف غلأى عدوّها الإرهابيّ بشكل أفضل، و يوفّر لها معطيات استخباراتيّة مفقودة الآن.
لا أحد سأل الصّيد عن موقع تونس من القضيّة اللّيبيّة و عن موقفه من الجلسة التي انعقدت على هامش جلسات الأمم المتحدة للحديث في شأن تمّ تجاهله و تركه إلى مصيره .
ليبيا بؤرة ملتهبة، يدفع شعبها ضريبة الخراب الذي زرعه القذافي و دعّمه الاستعمار قبل أن ينصرف تاركا الإنسان هناك يموت ألف مرّة و لا يموت.
تنفجر الأزمات من كلّ جانب محيط بنا، و حكومة التجمّع المتخونجة النيوليرالية و المتعطّشة لدماء المهمّشين المنسيّين ، تواصل جهد الاصطفاف و الاتّباع و التّسليم لرأس المال.
و يواصل التّونسيّون خدمة للوطن و حرصا على سلوك وطنيّ جامع، انتظار الفرج من صندوق نقد دوليّ يستعدّ لإقراض تونس مليار و ثمانمائة مليون دولار أمريكيّ، لأجل مهمّات غير معلنة حاضرا.
هدنة اجتماعيّة و ثرثرة على أجهزة الإعلام و انتظار طويل.
ماذا لو نظرنا إلى الدّاخل جميعا؟
منذ زمن نكتفي برمي تراجع المشهد و سقوط الثّورة و عبث السياسة ، على الاتحاد و الجبهة و بقيّة المعارضات كلّ بنسبة. غيرنا يتألّم لخيانة الخوانجيّة للصّورة الرّمزيّة التي يحملها في ذهنه عن الثّورة.
جميعنا بالنّهاية لا يرى نفسه . ألزمنا حقائقنا بأن تدّعي صباحا مساء بأنّها ضحايا الآخر الخائن و المحتال و الغادر و المرتبط و العميل و الفاسد. و كنّا على حقّ كثيرا حتّى أنّنا تجاهلنا بالكلّية أنّنا بتنا نردّد كلمات سئمتها الأنفس منذ فيفري 2011. منذ جبهة 14جانفي السّافلة، و هيئة عياض بن عاشور و انضمام بلعيد و قطيعه إليها، و منذ إصرار بعضنا على الدّفاع على جراد و عسكره ، باسم الدّفاع عن المنظّمة ، و منذ خيانات و غلطات قاتلة وجدت أوجها يوم 8 فيفري 2013، يوم خرج مليون تونسيّ رافضا للقتل، و ربّما راغبا في إسقاط الخوانجية و تسييد حمة الهمامي ...
منذ تلك الشواهد القويّة، اكتفينا بالنّقد و لن نبن شيئا سليما يتواصل لأسبوع واحد.
بل لعلّنا انشطرنا ألف شطر، و خرج منّا الانتهازيّ و المرتبط و الجبان و السّافل و الخائن أيضا.
فلماذا نعيّر حمة الهمامي و حسين العباسي بما هو مقيم فينا ؟
و لماذا نطلب من الجبهة و الاتحاد أن ينجزا مقولاتنا و تصوّراتنا حول 17ديسمبر؟
لماذا نقيّم الآخر من زوايا نظرنا نحن دون تفهّم سياقاته و منطلقاته و أرضيّته؟
لو كنّا جسما موحّدا لهان الأمر و سهُل الفهم. لكنّنا و القسمة تفضحنا، لسنا أهلا لنصح أيّ كان و لا نقده و لا فضحه عدا رأس المال و مافياته و المنتسبين إلى شبكة قوّاديه و المتطوّعين كجنود ضمن عسكره.
نحن ، و لا يبدو أنّ لنا هويّة واضحة أو محدّدة، جبهة الرّافضين الغاضبين ، كم عددنا؟
كم عدد الذين يتمسّكون ب 17 ديسمبر بوصفه عمق الثّورة التّونسيّة؟
كم عدد الذين يرابطون على خطّ المعركة الطّبقيّة و يرفضون كلّ فرصة لتوزيرهم أو توليتهم شأن سلطويّا ما؟
كم عدد الذين يرفضون خيارات الإصلاح و التّسليم و الارتباط ، حتى لو منحوا مقاعد في مجالس الللوردات؟
كم عدد الذين يتمسّكون بالحرب ضدّ رأس المال مهما كانت الخسائر و التضحيات و الإغراءات؟
كم واحدا تركنا و انصرف لخدمة النهضة و المرزوقي مقابل وعد بالنوم في فراش بتروليّ الملامح؟
و كم يصمد صامد و كم يسقط مهزوم و كم ؟
لننظر داخل الجسد الواصف نفسه بالثّوريّ، هل هو كذلك حقّا؟
يقول بعض النوفمبريين المختبئين داخل أردية الثّوريّة كما يعرّفها جنود بن علي في تلفزات تونس، أن الثورية تمسّك بدستور 2014. و يردّ عليه نوفمبريّ أشدّ حرصا على الإخبار و الوشاية، بأنّ الثّوريّة عمل على التنمية الجهوية و السؤال الاجتماعي و تحقّق الدستور الذي أنجزته الحرائر و تجنّد له المجتمع المدنيّ الشّهير...
إنها مواصلة حفلة تبادل الشتائم بين النهضة و التجمع في أروقة مختلفة و بلاعبين أقلّ مهارة و أكثر مناورة و أبدع سفالة و ضعة.
مازال التجمع و النهضة يتحالفان في سفارات امريكا و بريطانيا و فرنسا و يتعاركان في مجالس نسمة و تونس7. مازال المشهد جاثما على شعب الصّمت و القبول و الطأطأة. لا شيء يتحرّك ، و لا أحد.
هدنة اجتماعيّة و مصالحة ستفرض في السنوات القادمة عودة صخر و بلحسن ، و سليم شيبوب قريبا.
سماء دبي أو أرضها أو جهنّمها ، تستعدّ للعودة . و النّاس غير عابئين بغير سعر الغذاء.
نحن أيضا نكتفي بالنقسام و زرع مسبّات خفيّة أو نقد مبطّن أو جراحة سطحيّة لألم مقيم. نحن أيضا أهل لنصوص تعرّينا و تكشفنا و تؤسس بنا للقادم.
نحن نخشى بعضنا البعض. نعتقد جازمين بأنّ تروتسكي يختبئ بين أسنانا و أن مفرداتنا الصّارخة تتوعّد بأمميّة ما نسعى لفرضها خارج السّياق التاريخيّ و خارج رغباتنا أصلا.
نخشى عبد الناصر في صيحات متألمة و نخشى ماركس في نقد صارم و نخشى لينين و ماو و نخشى الحركة.
لا أحد يثق بالآخر هنا. جميعنا مكبّل ببيان القائد المفدّى، أو هكذا نعتقد و نجزم دون حجج.
هي ثقافة التّنصّل و ثقافة التقوقع و عقد الثاقفة السائدة. يجب أن نفشل، حتّى نواصل النّقد و المسبّات.
النّجاح احتمال غير منصف لذوات مكتنزة بالفشل . لدينا فلسفة فشل مقيمة و مؤبّدة فينا. خير أفكارنا كما أ،تجها بن نبي، تعتبرنا قابلين للاستنعمار، و ردّدنا معه هذه الفكرة السّخيفة العنصريّة الفاشلةن دون انتباه إلى إسقاطها اللاعلميّ. تسكننا مطذرقة نيتشه و لا نهتمّ منها لغير أنّها هدّامة بإطلاق، حتى و إن كانت منهجا للبناء أصلا.
نحن عسكر الفشل و جبهته. و لا ينبت من أيادينا شيء .
لندس هذه الذوات المتطلّعة الى القيادة و الهيمنة. و لنكن صرحاء لنبني جسمنا الثّوريّ. إنّنا مسؤولون عن تاريخ نعيشه و لا نفعل فيه. إننا مسؤولون عن موت نعبّئه في أكياس القمح و ننثره سمادا للقتل و إهلاك الحصاد
لننتبه إلى قدرتنا على التّخريب، و لننتظم لنؤسس و لنقاوم و لنبني بالاستطاعة و القدرة التي سنتمكن منها.
لننتظم وفق أسس و برنامج 17ديسمبر. و لنسقط كلّ البؤس النظري الذي أبّد فينا الفراغ و الثرثرة.
لننتظم حتّى نقاوم ، و لننتظم جتى نتحرّك كقوّة تحمل مشروعا ، قوة تعبئة جماهيريّة ، و قوّة تغيير جذريّ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا لتفريق المحتجين| الأخبار


.. مؤشرات على اقتراب قيام الجيش الإسرائيلي بعملية برية في رفح




.. واشنطن تتهم الجيش الروسي باستخدام -سلاح كيميائي- ضد القوات ا


.. واشنطن.. روسيا استخدمت -سلاحا كيميائيا- ضد القوات الأوكرانية




.. بعد نحو 7 أشهر من الحرب.. ماذا يحدث في غزة؟| #الظهيرة