الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-نبضات من السجل الدموي لسنوات الجمر بالمغرب - 3

احمد زهير

2005 / 10 / 24
حقوق الانسان


لم يكن يدر بخلد السيد محمد بن امبارك المشهور بولد زازا العامل بالمكتب الشريف للفوسفاط ( رقم بطاقة عمله : 114372-25 ) ان صبيحة يوم فاتح ابريل 1960 ستكون آخر أيام حياته، وان المنجم الفوسفاطي الذي يحمل رقم 3 المتواجد بمنطقة الخضارة، قرب مدينة اليوسفية، و الذي سيلتحق للاشتغال فيه يخبأ له حتفه ، و ان الجنود الذين التحقوا بالمنطقة للعمل على إفشال الإضراب الذي دعت إليه نقابة الاتحاد المغربي للشغل ينتظرونه برصاصهم الغادر بباب المنجم، و ان البنادق المصوبة نحو العمال العزل محشوة هاته المرة برصاص حي قاتل، و ليس بالرصاص المطاطي، او كما كان العمال يسمونه لحظتها بالفرشي..
كانت «لانبى » ( مصباح يدوي يشتغل بمادة الكربون ) تتدلى من خصره، و ساعداه مشمرتان ، و الفاس و الرفش بكلتا يديه، و صدره الفتي الذي لم يتجاوز الثلاثين ربيعا يشتعل حماسا و جدا.. « الجنود هنا لحمايتنا لا لقتلنا ».. هكذا كان يتصور..
اشتد الهرج، كان الجنود المغاربة للاسف، ذوي السحنات المغربية للاسف.. و الذين تصرف عليهم اموال طائلة تجنى من عرقه و عرق رفاقه للاسف، قد قضوا ليلة كاملة بدون نوم ولا راحة ، و هم في طريقهم إلى مكان الاضراب و قد اشتد بهم الأرق و التعب، خصوصا و أنهم تاهوا عن الطريق، وظلوا لساعات عديدة بمنطقة اثنين بوشان يسألون الساكنة عن الممر المؤدي لليوسفية، و كانت الساكنة تأبى أن تشارك في لعبة القتل، فكانت تنكفئ أن تدل الجنود ذوي العيون الحمر القاتلة عن الطريق..
جحظت عينا ولد زازا وهو يشاهد بام عينيه الجنود وهم يصيحون بعنف « ادخلوا للعمل و إلا قتلناكم..» أتراه هزلا أم جدا، ماذا جرى حتى يهدد المغربي أخاه بالقتل، و لماذا يشهر الجنود البنادق في وجه عمال عزل.. تاه عن الوعي وهو يرى رشاشات الجنود و هي تصوب نحو العمال، غفا من الحنق و هو يسمع لعلعة الرصاص الحي.. تصلب و الرصاصات القاتلة تستقر بأحشائه، أتراه حلما ام يقظة.. تسرب الدم البريء من أحشائه.. تدلت الأمعاء .. افترش الأرض و بعينيه الباكيتين من حرقة الألم و الغدر راقب ابن الدوار بوعبيد و هو يثب على الجندي القاتل ويتعارك معه.. ترا أيهم المغربي القح.. أيهم أخوك وابن دمك.. انتقم يا بوعبيد لشرف ابن قبيلتك.. دك الأرض علها تهوي بمن حسبناهم من جلدتنا، و من ظننا أنهم حماتنا و حراسنا.. وبمن يقتاتون من جهدنا، و من تمرغ وجوهنا في التراب لحييوا.. ومن و من.. ابتسم و هم يرى بوعبيد يهزم الجندي الغادر.. وهو يرى دم الجندي يطفح على وجهه، و هو يرى ابن الدوار ينتقم لشرفه.. وهو يرى بوعبيد ينتزع الرشاش الغادر.. ويلوي ساقيه للريح..
يحكي من التقينا بهم وحاورناهم أن ولد زازا ترك بدون علاج باستثناء علاج بسيط يتمثل في الدواء الأحمر و غيره من الأدوية التي تقدم في الاستشفاءات العادية، على اعتبار ان عملية علاجه تتطلب نقله على وجه السرعة إلى مستشفى مختص، وهو الأمر الذي رفض الجنود السماح به خوفا من الفضيحة، ومحاولة للتستر على الأمر.. رفض الطبيب الأجنبي jeffs ان يمنح عائلته ما يثبت إصابته برصاص الجنود، ومورس ضغط شديد على العائلة و أبناء الدوار لكي يطوى الملف بشكل نهائي..
لم تستطع امه بكائه بشكل علني، ولا إقامة حفل المندبة المعتاد بالقرية لرثائه، و سيق نعشه في موكب رهيب صامت..
دفنت حقيقة مقتله معه، و فرض حصار قاتل على نبا الرصاصات الغادرة التي قتلته، و قتلت معه أحلام جيل كامل لم يفرح بنشوة الاستقلال، ولم يتقبل أن يقتل بريء برصاصات جيش كان يتصور انه لقتال الأعداء لا لقتل المواطنين « العزل »..
وفوجئنا عندما اخبرنا أخوه انه لا يتوفر على صورة للفقيد على اعتبار أنهم ( المخزن + رئيس الجماعة و الذي للأسف ابن المنطقة ) قد اخدوا كل ما يمكنه ان يوحي بذكراه.. اخذوا صوره و أمتعته و أشيائه الخاصة و مارسوا حصارا خانقا على الأسر و العائلة..
لكن على الرغم من ذلك، استطعنا أن نحصل على وثيقة موقعة بتاريخ 28 مارس 1962 مكتوبة بلغة فرنسية يشير فيها والد الفقيد على القائد المقيم بمدينة اليوسفية بضرورة فتح تحقيق في قتل ابنه ويورد فيها أسماء شهود مستعدين لتأكيد معاينتهم مقتل ابنه برصاص قوات الأمن .
وقد وصلت بهم الجرأة إلى حد الإشارة إلى أرقام عملهم بجوار أسمائهم، و هم : الحاضي بوبكر ورقم عمله : 14 -109985 و مختار بن سليمان 25 – 114546 وما زالا على قيد الحياة و أكدا للموقف استعدادهما للشهادة امام جهة تتكلف بالتحقيق مجددا في الحادثة ، بينما توفي الشاهد الثالث محمد بن الطاهر بن عيسى و رقم عمله السابق هو : 25 – 103255 .
وهو اشهاد جريء لمواطنين شجعان.
حكي لنا أخوه الطاهر بن امبارك و الدموع لا تبرح مقلتيه ، عن أخيه الذي قتل غدرا ، وأكد انه كان يتميز بالهدوء و الوقار، و يبتعد عن المشاجرات وعن الكلام الفارغ..و انه ليس له لا في السياسة و لا حتى الكياسة.. وان العائلة كلها كانت تعيش من عرق يديه، و بمقتله مات مصدر رزقها ودخلها..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مندوب الصين بالأمم المتحدة: نحث إسرائيل على فتح جميع المعابر


.. مقررة الأمم المتحدة تحذر من تهديد السياسات الإسرائيلية لوجود




.. تعرف إلى أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023


.. طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة




.. تفاعلكم الحلقة كاملة | عنف واعتقالات في مظاهرات طلابية في أم