الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماركس وحقوق الانسان

أنور نجم الدين

2015 / 10 / 6
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


مدخل:

ان الخلط بين التحرر السياسي والتحرر الانساني هو أساس الخلط بين الانسان بوصفه كائن اجتماعي والانسان السياسي، ما يسمى المواطن. وان هذا الخلط هو أساس الخلط بين مهمات الثورة البرجوازية والثورة الاشتراكية.
ان التحرر السياسي يفسر فقط بالعلاقة بالدولة السياسية، وأن الانسان السياسي، ثم حقوقه، غير موجود إلا في ظل الدولة. إذًا فالمطالبة بالتحرر السياسي، لا تعني التحرر الانساني، أي التحرر من الدولة بالذات، بل تعني التحرر من حاجز سياسي للدولة فقط. مثال: تحرر دين من دين الدولة، أي جعل الدولة علمانية. وهذا حق من حقوق البرجوازية، حقوق الانسان، الانسان السياسي بالمعنى التاريخي للعبارة.
ومن وجهة النظر هذه، ينتقد ماركس الدولة السياسية والتحرر السياسي في بنيانها الدنيوي. فان التحرر من هذا الحاجز أو ذاك في ظل الدولة، لا يعني اطلاقا التحرر الانساني، أي التحرر من الدولة بالذات. وماركس يبحث التحرر البشري، أي التحرر من الدولة -كل دولة- في الحقوق السياسية، حقوق الانسان. ولكن لماذا تسمى حقوقه حقوق الانسان؟

حقوق الانسان:

يقول ماركس: ".. فإن كنتم تريدون أن تتحرّروا سياسياً دون أن تحرّروا أنفسكم إنسانياً، فإن النقص والتناقض ليس فيكم وحدكم، وإنما أيضاً في جوهر مقولة التحرّر السياسي. فإن كنتم مُشْبَعين بهذه المقولة، فإنكم تشاركون في الوهم العام ..
ولنلاحظ، بادئ بدء، واقع أن حقوق الإنسان المتميزة عن حقوق المواطن، ليست إلا حقوق عضو المجتمع البورجوازي، يعني الإنسان الأناني، الإنسان المفصول عن الإنسان وعن المتَّحد. وعبثاً ينادي أكثر الدساتير جذرية، دستور سنة 1793: « المادة الثانية – إن هذه الحقوق (الحقوق الطبيعية، والتي لا يمكن فسخها) هي: المساواة، الحريّة، الأمن، الملكية».
وفيم تقوم الحرية؟ « المادة 6 – الحرية هي القدرة التي يملكها الإنسان، القدرة على أن يفعل كل ما لا يَضُرُّ بحقوق الآخرين ». أو أيضاً، حسب وثيقة إعلان حقوق الإنسان الصادرة سنة 1791 « تكمن الحرية في استطاعة الإنسان أن يفعل كل ما لا يضرّ بالآخرين » ..
"لنفحص حقوق الإنسان في شكلها الحقيقي، في الشكل الذي نجدها عليه عند مبتكريها، عند الأميركيين الشماليين، والفرنسيين!..
فحقوق الإنسان هذه هي، في شطر منها، حقوق سياسية، حقوق لا يمكن ممارستها إلا إذا كان الإنسان عضواً في مُتَحّد جماعة. المشاركة في الحياة السياسية العامة، في حياة الدولة، هذا هو مضمونها .. ولكن حق الإنسان في الحرية، لا يرتكز على علاقات الإنسان بالإنسان، وإنما في الأصح على انفصال الإنسان عن الإنسان..
فحق الملكية هو – إذن – حق الإنسان في التمتع بثروته والتصرُّف بها وفق مشيئة، دون الاهتمام بسائر الناس، وبصورة مستقلة عن المجتمع. إنه الحق في الأنانية، وهذه الحرية الفردية، مع تطبيقها، هي التي تؤلف أساس المجتمع البورجوازي. وهي تبيّن لكل إنسان في الإنسان الآخر، ليس تحقيق حريته وإنما تقييدها على الأصح. إنها تنادي بادئ بدء بحق الإنسان في « التمتع والتصرّف وفق مشيئته بأمواله ومداخيله وثمرة عمله وصناعته » ..
الإنسان ليس منظوراً إليه، في هذه الحقوق، بمثابة كائن بشري اجتماعي، بل على العكس تماماً، فإن الحياة البشرية نفسها، أي المجتمع، تظهر بمثابة إطار خارجي عن الفرد، بمثابة تحديد حريته الأولية .. إن الحق بالحرية يكفّ عن أن يكون حقاً منذ أن يدخل في منازعة مع الحياة السياسية، على حين أن الحياة السياسية، ليست إلا الضمانة لحقوق الإنسان، لحقوق الإنسان الفردي ..
إن إنشاء الدولة السياسية وانحلال المجتمع البورجوازي إلى أفراد مستقلين، تضبط الحقوق علاقاتهم ..
إن الثورة السياسية تفكّك الحياة البورجوازية إلى عناصرها دون أن تُحدث الثورة في هذه العناصر نفسها أو تتناولها للنقد، فهي – أي الثورة السياسية – ترى المجتمع البورجوازي، وعالم الحاجات، والعمل، والمنافع الخاصة، والحق الخاص، كأساس لوجودها ..

وتبقى سائر حقوق الإنسان، المساواة والأمن.
ليس لكلمة مساواة هنا مدلول سياسي. إنها ليست إلا المساواة في الحرية المُعَرَّفة في سطور سابقة: إن كل إنسان معتبر في آن واحد بمثابة ذرة مرتكزة على ذاتها. إن دستور 1795 يعين مدلول هذه المساواة « المادة الخامسة. إن المساواة تقوم في أن القانون واحد بالنسبة إلى الجميع، سواء حين يحمي أو حين يعاقب ».
والأمن؟ يقول دستور 1793 « المادة الثامنة. يقوم الأمن في الحماية التي يمنحها المجتمع لكل من أعضائه لحفظ حياته وحقوقه ومُلْكياته ».
إن الأمن هو أسمى مبدأ اجتماعي للمجتمع البورجوازي هو مفهوم الشرطة. إن المجتمع بأسره ليس موجوداً إلا لكي يضمن لكلٍ من أعضائه حفظ حياته وحقوقه وملكياته .. إن مفهوم الأمن لا يكفي، بعد، لكي يَسْمو المجتمع البورجوازي فوق أنانيته. فالأمن هو، بتعبير أصح، ضمان لأنانيته.
فليس ثمة – إذن – أي حق من حقوق الإنسان يتَخَطى الإنسان الأناني، الإنسان كما هو، عضو المجتمع البورجوازي، يعني فرداً مفصولاً عن المجموع، ومنطوياً على ذاته، ومنشغلاً فقط بمصلحته الشخصية، ومستجيباً لحكمه الفردي الخاص".
كارل ماركس، حول المسألة اليهودية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - استهجان ماركس
جاسم محمد كاظم ( 2015 / 10 / 6 - 10:19 )
ان موقف ماركس معروف للكل من حقوق الانسان البرجوازية فهو يعني بان هذا الحق مقصور على الفرد البرجوازي فقط المالك والذي يسن القانون .. وان يبقى كل شي على شاكلتة مجتمع ملاك وطبقة عاملة تعمل مثل العبيد تحت نير الراسمال ويؤكد ذلك بمقولتة مع انجلز في عام 1874القوانين البرجوازية بالقول --ليس قوانينكم سوى ارادة طبقتكم وقد صيغت في قانون--
تحياتي


2 - ما منشأ خطأكم؟
انور نجم الدين ( 2015 / 10 / 6 - 12:26 )
انك تقول: (ان هذا الحق مقصور على الفرد البرجوازي فقط المالك والذي يسن القانون).
هذا الحق غير موجود عند ماركس، وهذا هو منشأ خطأكم أو عدم فهمكم للحق بصورة عامة وحق تقرير المصير بصورة خاصة.
ان حقوق الانسان هي حق الفرد -كل فرد، كل مواطن- في التملك الخاص. إذًا فالفرد نال حرية المُلْكِيَّة -نال الحق- في المجتمع البرجوازي، فالحق هو للجميع، والحدود التي يستطيع كل إنسان أن يتحرك فيها دون أن يضرَّ الآخرين، مُحَدَّدة بالقانون. أو كما يقول ماركس:
(إن التطبيق العملي لحق الحرِّية إنما هو حق الملكية الفردية. ولكن فيم يقوم هذا الحق الأخير؟
« حق الملكية إنما هو حق كل مواطن في التمتع والتصرُّف وفق مشيئته بأمواله ومداخيله وبثمرة عمله وصناعته ». (دستور 1793 – المادة السادسة عشرة).

فحق الملكية هو – إذن – حق الإنسان السياسي -الفرد المنعزل، الفرد الاناني، المواطن- في التمتع بثروته والتصرُّف بها وفق مشيئة، دون الاهتمام بسائر الناس، وبصورة مستقلة عن المجتمع (انظر الموضوع اعلاه).


3 - ولازال الحق للفرد المالك
جاسم محمد كاظم ( 2015 / 10 / 6 - 13:38 )
ولازال الحق السياسي للفرد المالك والمتمكن وكما ترى باعيينا في عراق اليوم ...فالمواطن كلمة جوفاء ليس وجود اعرابي في جملة الدولة ..


4 - تريد ارنب اخذ ارنب تريد غزال اخذ ارنب
علاء الصفار ( 2015 / 10 / 6 - 23:22 )
تحيات استاذ انور نجم الدين
مفهوم الحق اساسا مفهوم برجوازي, من أين نشأ الحق أليس لعدم وجود الحق أي لوجود المظالم, فالعامل حين يذهب ليسجل العقد هو حر وله الحق في أن يعمل لكن غصبا عليه أن يقدم فائض القيمة للسيد المالك,ثم السيد المالك الرسمالي,لما رأى أن الحرفيين بدأوا الهجوم ليلاً على المكائن في حالة انتقام,وجد صيغة للشرطة, فانتجت كل اشكال الحقوق التي تخدم سلطة الطبقة الحاكمة_حماية المكائن والعامل)وطبعا الراسماليين! أدخل حي للفقراء في باريس أو واشنطن فسترى شكل الامن و الانتخاب و غيره من الحقوق!! هل أقترابك من بيت عامل او حتى نقابة العمال بنفس السهولة باقترابك من البيت الابيض الامريكي لا بل الحزام الاخضر في العراق, أما مفهم العمى في سير المجتمع من انانية أو كما سميتها حرية التملك والانتاج كحق للجميع فأكيد أبناء مالك شركة مارسيدس بسهول يدخلون عملية انشاء الشركات والانتاج فرأس المال يأتي من البابا أم الماما, ومن أين يأتي لاولاد الخايبة المال, الجميع له الحق في الزواج في مصر لكن يؤجل ل 10 سنوات بسبب الفقر لعدم وجود من يشتري سلعة العامل وهو حر في بيع سلعته وينام في المقابر كما المقاول وقصره!ن


5 - الحق والدولة
انور نجم الدين ( 2015 / 10 / 7 - 04:11 )
استاذ علاء: بعدما تحول تاريخيا نقد السماء الى نقد الارض، ونقد الدين الى نقد الحقوق، فتحول نقد هذا الشكل أو ذاك من أشكال الدولة، الى نقد الدولة ذاتها، أي الدولة العلمانية التي هي آخر وأكمل شكل للدولة في التاريخ. فان ظهور الدولة العلمانية في شكلها الامريكي والفرنسي، كان يعني الانتقال الى البحث عن العودة الى العالم الانساني. بيد ان هذا العالم وهذا الانسان، لا يوجد إلا وراء عالم حقوق الانسان، عالم الدولة السياسية والانسان السياسي -المواطن، فالدولة لا توجد ولا يمكن ان توجد إلا لاجل الملكية الخاصة -لاجل تضمين حقوق الانسان، فالدولة غير موجودة إلا لكي تضمن لكلٍ من أعضاء المجتمع حفظ حياته الفردية وحقوقه الشخصية وملكيته الخاصة.
تحياتي

اخر الافلام

.. محمد نبيل بنعبد الله يستقبل السيد لي يونزي “Li Yunze”


.. الشيوعيون الروس يحيون ذكرى ضحايا -انقلاب أكتوبر 1993-




.. نشرة إيجاز - حزب الله يطلق صواريخ باتجاه مدينة قيساريا حيث م


.. يديعوت أحرونوت: تحقيق إسرائيلي في الصواريخ التي أطلقت باتجاه




.. موقع واللا الإسرائيلي: صفارات الإنذار دوت في قيساريا أثناء و