الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-!!مشروع الإصلاح العربي بين طغاة -التقدمية-..وطغاة -السلف الصالح

فخر الدين فياض
كاتب وصحفي سوري

(Fayad Fakheraldeen)

2005 / 10 / 25
ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي


مع محاولة المد العربي القومي الذي مثله جمال عبد الناصر في منتصف القرن الماضي وحتى أوائل السبعينيات وتراجعه وما تلاه من حكومات عسكرية عمّمت النظام الشمولي.. تحول الخطاب السياسي العربي إلى نموذجين لا ثالث لهما :
- الخطاب الرسمي ، بما يحمله من شعارات وإيديولوجيات وظاهرة الزعيم الفرد.. " مصر مبارك وعراق صدام حسين.. وليبيا القذافي.. وإلخ"
فضلاً عن الأنظمة الملكية التي لا جدال فيها "السعودية آل سعود.. والكويت آل صباح، وغير ذلك "!!
هذا الخطاب حوّل الشعوب العربية إلى قطعان ورعايا تنتظر الكلأ والمشرب من راعيها.. ولا حول لها ولا طول في كل ما يتعلق بالحياة السياسية من قرارات تتعلق بمصيرها ومصير الأجيال القادمة.. وغني عن القول أن برلماناتها تعينها أجهزة المخابرات حصراً وتحدد مسير كافة مؤسسات الدولة من نقابات وجمعيات وإدارات عامة..
- الخطاب الآخر : خطاب سلفي يدعو إلى العودة نحو السلف الصالح، بكل ما يحمله هذا الخطاب من اجتهادات وفتاوى و"تقوقع" مذهبي وطائفي، وبعد عن لغة العصر والديموقراطية.. هذا الخطاب شأنه شأن خطاب الأنظمة تصفوي وضد الآخر ويملك "جنة وناراً" تخصه.
وفي الصراع بين النموذجين كانت الغلبة للأنظمة الحاكمة من حيث شكلانية هذا الصراع.. ففي الوقت الذي ضربت هذه الأنظمة رجالات وأحزاب و جمعيات"الأديان والمذاهب" .. كانت من ناحية ثانية تعمق هذا الخطاب داخل مشاعر الناس وأذهانها خصوصاً أن تلك الأنظمة كانت على الدوام مرتبطة ذيلياً بمشروع خارجي ولم تحقق أي انتصارات لها بعدها الوطني.. إن كان على صعيد التنمية أو الصراع مع إسرائيل.. أو تحقيق جزء يسير من شعاراتها في الحرية والديموقراطية والتقدمية والاشتراكية وغير ذلك !!
ما بين الخطابين حاولت بعض التيارات الليبرالية والاشتراكية أن تخلق خطاباً ثالثاً تعبئ من خلاله الجماهير نحو حل يبتعد عن الأنظمة من جهة وعن الخطاب السلفي من جهة ثانية.. وكان فشل هذا الخطاب على الصعيد الوطني والقومي ذريعاً.. ولم يستطع أن يعبىء آلافاً قليلة داخل الشارع القطري لكل بلد عربي.. وأسباب ذلك معروفة أهمها عنف الأنظمة مع هذا التيار، وتكفيره من قبل الشارع السلفي الذي يقوده ضمناً رجالات الدين.. فضلاً عن ضعفه وتنافضاته وضبابية برنامجه السياسي إلى جانب قصوره الإستراتيجي في القضايا الكبرى الكونية والتاريخية للمواطن العربي ..ودهشة هذا التيار أمام تحولات العالم ومفاهيم التغيير (الجديدة) وتناقضاته نحوها . هذه مقدمة لا بد منها وإن كانت معروفة لمعظم المهتمين.. إلا أنها لازمة ضرورية لفهم مفاعيل الحاضر السياسي العربي وتطلعاته الإصلاحية الذي يبدو أن مشاريعه الرسمية الحالية في رمقها الأخير.
لم تعد الأنظمة العربية قادرة على الحياة دون الرضا الأميريكي عنها..
ولم تعد الشعوب العربية قادرة على التغيير دون التناغم مع المشروع الأميريكي في المنطقة.. فلا ثورة برتقالية ولا بنفسجية ولا بيضاء ولا حمراء دون "دمغة" البيت الأبيض عليها!!
وفي كلا الحالتين يجد المواطن العربي نفسه بين عبودية العسكر الوطني أو العسكر الأجنبي.. وفي العبودية لا فرق بين "باشا" أو خواجا.. كلاهما يهدران كرامة وشرف وحقوق (العبيد)!!
الأنظمة العربية وطيلة نصف قرن مضى لم تسمح لمفهوم الحزب بالمعنى اللينيني "طليعة وتنظيم ومركزية.. وجماهير" بالتشكّل ، وتبدو جميع المحاولات الحزبية اليوم " ماركسية أو قومية" أشبه بعمل تجريبي لم يبق منه سوى هياكل مفرغة من أي مضمون تاريخي أو شعبي.. وهذه إشكالية كبرى في عملية الإصلاح والتغيير المنتظرة.
إذ أن لكل عملية إصلاح أدوات لا بد منها.. ومفهوم الحزب مثّل تاريخياً أداة أساسية في التغيير.. وغياب هذا الحزب الطليعي يجعل من عملية الإصلاح عربة تسير على عجلات مربعة وليست دائرية ..
ويبدو المثال العراقي اليوم نموذجاً عربياً مجسماً أمامنا لرؤية الإصلاح المقترح على المجتمعات العربية.
فنظام صدام حسين رحل إلى غير رجعة.. بهمة الجيش الأميريكي والروح "الحربجية" عند جورج بوش ..ولا شك أن خلاص الشعب العراقي من نظام مستبد وطاغية مثل صدام حسين هو خطوة هامة في اتجاه التغيير ولم يعد اليوم ممكناً الحديث عن "إنجازات" وطنية أو قومية قام بها صدام حسين.
والنخبة التي حلت محل النظام البائد، في قسم منها رجالات صدام حسين السابقون.. وفي جرء آخر "معارضة" لم تجد لها مكاناً في الحكم "البعثي".. أما الجزء الأكبر فهي قيادات دينية وجدت نفسها بعد صدام حسين أنها المقرر الأول في الشأن العام.
هذا الخليط من القيادات توصل إلى توافقية في الحكم وإدارة شؤون البلاد تحت مظلة الراعي الأميريكي بحيث يحفظ مصالح الجميع كقيادات أولاً ثم كمذاهب وأعراق .. وإنما "وفي كل المعايير" ليس مصالح الوطن.
لأن هذه (القيادات) لم تستطع التوصل إلى معيار وطني محدد بحيث يحتكم الجميع إليه.. وأكذوبة الاستفتاء والانتخابات لا تخص شعباً ولا وطناً.. وإنما تخص عشائر وقبائل ومذاهب وفئة "كومبرادورية" مرتبطة عضوياً بالمشروع الأميريكي النفطي أولاً.. ثم الشرق الأوسطي.
وليس الفرق كبيراً في حياة "الرعية" بين مرسوم أصدره صدام حسين يلغي القانون والدستور ويصبح المرسوم سيفاً قاطعاً.. ومرجعيةً أولى.. وبين "فتاوى" المراجع المذهبية التي لا تلغي القانون فقط وإنما تلغي انتماءً وتاريخاً عمره آلاف السنين؟
يكفي اليوم أن يصدر أحد (المراجع الدينية) فتوى سياسية حتى تتحرك الملايين بملئ "إرادتها" جحافل لا يقف في وجهها عائق، أين منها الفيتكونغ أو الجيش الأحمر اللذان لم يمتلكا جزءاً من قدرة هذه المرجعيات على التأثير بالجماهير وتوجيهها.. لا بل على ""انتحاريتها" في سبيل "فتوى" قد لا تفقه في السياسة وأبعادها الاستراتيجية أبعد من "شعاب مكة" !!
في ظل غياب الطاغية "القومي والتقدمي" الذي امتلك سجناً ومقصلة و "قانوناً" وضعياً تحكم من خلاله في رقاب العباد والبلاد، برز "طغاة" يملكون نصوصاً واجتهاداتٍ وقوانين وسيوف مسلطة بالإيمان والطاعة.. على كل من يجرؤ على معارضتها أو مخالفة فتاويها..
وليس الإرهاب والإرهاب المضاد إلا جزأً من هذه الصورة التي يعيشها العراق اليوم.
وغير خاف على أحد أن فتاوى المراجع الدينية في العراق قد غيرت انتخابات كاملة ودفعت الملايين باتجاه التصويت أو عدمه وأفرزت حكومة قد لا تكون بالمعيار الحضاري أكثر من مجموعة عباءات..
في ظل غياب الطاغية تمت صياغة مسودة الدستور الذي يعتبر تراجعاً كبيراً عن دستور صدام حسين الذي كان يتمتع كنص قانوني بعناوين وطنية وعلمانية.. إلا أن الدستور الجديد كنص قانوني ليس أكثر من "كوكتيل" طائفي وعرقي مع قليل من "البهارات" الليبرالية.. الأميريكية!!
فالدستور الجديد ضد المرأة ومكتسباتها الحضارية والإنسانية..ويفتح الباب مشرعاً لإقامة عشائريات وقبائل ومذاهب وأعراق على شكل "فيديراليات".. وأعاد كل ما فقده رجال الدين من سطوة وسلطة وتحكم ضمن ما يراه "الشرع" والاجتهادات التي تبدأ بالزرقاوي ولا تنتهي عند أي مرجعية دينية أخرى.
وكأن نضال الشعوب على مدار قرون عديدة في سبيل فصل الدين عن الدولة وعلمنة الحياة السياسية لم يكن أكثر من "تهريج"عالمي لا يخص الشعوب العربية.
أليست مفارقة تدعو للدهشة أن ما قاله الشيخ محمد عبده والشيخ جمال الدين الأفغاني لا يجرؤ كاتب عربي تقدمي أن يقوله اليوم خصوصاً حول دور المرأة وفكرة الإمامة والحكم ومناهضة المستغلين والمستبدين..
أليست مفارقة أن كتاب علي عبد الرازق " الإسلام وأصول الحكم" سيجد اليوم من يحرق "ملة" من يجرؤ على كتابته.. فضلاً عن منع الكتاب .
أليست مفارقة أننا أيام الاحتلال الفرنسي والإنجليزي امتلكنا قوانين علمانية حرصت على الوحدة الوطنية والحريات العامة وحق الاختلاف أكثر بما لا يقاس من قوانين حكوماتنا الوطنية التي سيّدت قوانين الطوارئ والأحكام العرفية تحت مظلة أحزاب حاكمة أشبه بقراصنة أو عصابات مسلحة تسلطت على سلام الناس وأمنهم وحرياتهم..
أليست إشكالية كبرى فكرة الإصلاح بحد ذاتها ؟!
(حين نهارنا قمع ومساؤنا إرهاب) ..والأعقد أن القوى التي راهنت عليها الأمم تاريخياً في الإصلاح والتغيير تتماهى مع جلاديها في عالمنا العربي وكأنها من نفس المنبت والتربة والهواء والماء !!
أليس غريباً أن مكاتب قادة (الأجهزة الأمنية) أصبحت غرفاً للتعذيب والقتل نهاراً ..و(صالونات) للمعارضيين ليلاً يعربدون( ديموقراطيةً وحريات ) ويرقصون على أنغام (الإصلاح) القادم !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص