الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قلنا من البداية -لا تصالح- .

صالح حمّاية

2015 / 10 / 6
مواضيع وابحاث سياسية




منذ انطلاق الرئيس بوتفليقة والنظام الجزائري من خلفه في الترويج لمشروع المصالحة الوطنية مع الإرهابيين الإسلاميين ، كان رأي أغلب العارفين بخبايا العقلية الإسلامية أن الذهاب نحو هذا الخيار هو ذهاب نحو الحائط ، فحتى إذا كان الرئيس بوتفليقة له أن يقتدي بخطى الزعيم الخالد نيلسون مانديلا في إقرار عملية السلام ، ففي الناحية المقابلة فلا يوجد أي وجه للمقارنة بين بيض جنوب إفريقيا و بين الإسلاميين لا من حيث الفكر ، ولا الوضع ، ولا المضمون ، وعليه فمحاولة تكرار تجربة حصلت في واقع أخر في واقع مختلف ، فهو أمر محكوم عليه بالفشل ، لكن طبعا النظام الجزائري بمعية الرئيس بوتفليقة أصر و ضغط نحو مسار المصالحة ، وروج للناس أنه يمكن أن نقايض المصالحة بالأمن ولو كان عليه مؤاخذات ، وعليه صوت الناس وعلى مضض على هذا الخيار المؤلم ، لكن وللأسف ورغم كل هذا الذي جرى ، فقد أضاف النظام الجزائري الحاكم على كارثة المصالحة مع الإرهابيين كارثة اشنع و امر ، وهي حين تصالح معهم بدون ضوابط واضحة للمطلوب منهم لكي يعفى عليهم ، فعلى سبيل المثال نجد انه في جنوب إفريقيا مثلا ، فنيلسون مانديلا اشترط ولكي يتصالح مع العنصريين البيض ، ان يتخلى البيض عن عنصريتهم ، و أضاف على هذا ان على كل عنصري ابيض أن يعلن و أمام الملئ تبرئه و ندمه على حمل الأفكار العنصرية ، وأن يعتذر للضحايا لكي يمكن أن يغفروا له جرائمه من باب إنسان أخطا وها هو يطلب الصفح ، لكن في الحالة الجزائرية فنحن نجد الحال مختلف تماما ، فالإرهابيون الإسلاميون كل كان مطلوبا منهم هو أن يلقوا السلاح وكفى ، أما عن يتخلوا على الأفكار التي جعلتهم يحملون السلاح ، أو أن يعتذروا للشعب على ما اقترفوه، فهذا كله تم تجاهله ، وعليه فحين تم إطلاق ما عرف بالتائبين في المجتمع ، فهذا لم يكن في الحقيقة سوى عملية رد للروح لهم بعدما كانوا على وشك الزوال ، فهؤلاء الإرهابيون الذين كان المجتمع الجزائري مرتاحا منهم وهم في الجبال ولو صدعوه بالإرهاب ، صاروا يتجولون الآن في الشوارع ، ويغزون المساجد ، وينشرون أفكارهم بين الناس ، وهو ما أدى إلى انه و بعد عشر سنوات من المصالحة التي كان من المفروض أن تقي البلاد من شبح عودة الإرهاب، ان نرى رأس الإرهاب في الجزائر ( الإرهابي مدني مزراق ) الذي عفي عليه ، يسعى وبكل صفاقة لان يؤسس حزبا يشارك به في العملية السياسية ، بل ومضاف إلى هذا الأمر أن الرئيس بوتفليقة وحين وجه له إنذارا لتجاوزه بهذا الطلب ( وهو الأمر الذي في واقع يفوق التجاوز ، فهل مثلا يمكن تخيل أبو بكر البغدادي ينشا حزبا في العراق) فالمدني مزراق تحدى الرئيس الذي لطالما حماه علانية ليقول له " ومن تكون أنت لتمعني " وهو ما يجعل الرئيس بوتفليقة ومساءلا إتجاه نتائج أفعاله ، فها هو اليوم احد الإرهابيين الذين عفا عنهم يهدده وبكل عنجهية ، ويقول انه مستعد أن يخوض معه في ما لا يحمد عقباه اذا منعه من تأسيس حزب ، فهل الرئيس عبد العزيز الآن مدرك لحجم الخطأ الجسيم الذي قام به ، ثم هل علينا توقع شيء منه بعد هذا الأمر ؟ ( على الأقل ولحد كتابة هذه السطور لم يحصل شيء ) .

عموما لا ادري ما الذي يدور الآن في عقل الرئيس أو الحاشية الحاكمة الآن في الجزائر للرد على مزراق ، لكن المؤكد الآن وللجميع أن مسار المصالحة قد تم إطلاق رصاصة الرحمة عليه ، فما قاله مزراق أنهى أي خرافات و أساطير عن وهم المصالحة الوطنية ، فهاهو الرجل يقول وبصريح العبارة انه إرهابي لا يؤمن سوى بالقوة ،وانه مستعد للعودة للجبال اذا تطلب الأمر ، وهو ما يعني أن الوعود التي سوقها النظام لمشروع المصالحة بأنه ناجح فهي كلها مجرد خزعبلات ، ومجرد أوهام ، وعموما يجدر القول أننا لم نكن نحتاج لتصريحات مدني مزراق الأخيرة لندرك أنها مجرد أوهام ، فمن مطالعة الصحف نكتشف يوميا تائبين وقد تورطوا في العودة لدعم الجماعات الإسلامية ، هذا عدى أن كل التائبين لم نرى أي منهم يهاجم المنهج الذي كان عليه ، بل اغلبهم لا يزال يفاخر بأنه كان على حق ، وعلى رأس مدني مزراق ، فالرجل وأينما حل كان وفيا وصريحا في دفاعه عن الإرهاب والإرهابيين ، بل انه وصل به الأمر للافتخار بقتل جندي جزاري بكل بجاحة ، وهذا في تحدي صريح للشعب و للسلطات ، بل و المؤسف أن نجد السلطة وللأسف هي من دفعته لهذا المربع حين حاورته في مسالة تعديل الدستور ، وجعلت منه شخصية وطنية ، فهل يعقل من نظام له ذرة عقل سياسي ان يستشيرا إرهابيا في مسالة تعديل الدستور’ ثم يقول لنا انه لا يحق له تأسيس حزب ؟ .

عموما إن هذه الدربكة، أو الغباء ، أو حتى التراخي المتعمد الذي تصرفت به الحكومة في ملف الإرهاب ، لا تكشف في الواقع سوى عن شيء واحد، ألا وهو الجهل الفظيع و المريع اتجاه فكر الإسلام السياسي ، فالنظام وكما يبدو جليا يتصور انه يمكنه اللعب مع الإسلاميين ، كما يلعب الحاوي مع الأفعى ويخرج سالما ، لكن طبعا ما لا ينتبه النظام الجزائري ، أن الأفعى إذا دفئت لدغت ، هذا عدى أنها لذغته سابقا في عهد الشاذلي وكادت البلاد تذبح إلى الجحيم ، وطبعا اليوم الإسلاميون في الجزائر يحسون بالدفئ و الراحة في ظل العز والدلال الذي جاءت لهم به المصالحة ، وعليه فمن المتوقع أن يكرروا ما فعلوا خاصة وهم يرون تلك الاهانات والتنكيل تمارسها الدولة الجزائرية ضد الجنود الذي حاربوا الإرهاب في التسعينات ، فهل اليوم يمكن للإرهابي توقع نفس تلك البسالة و الانضباط التي تحلى بها الجنود الجزائريين سنوات الإرهاب اليوم ؟ و الجواب طبعا لا ، فالجندي الذي تهينه دولته، وتقدم عليه إرهابيا يتبجح بقتله، لن يدافع عن تلك الدولة ، وعليه فالإرهابيون اليوم يعلمون ان الجيش الجزائري وبسياسة المصالحة قد تم إضعاف مشاعره الوطنية ، وتم انهاك روحه القتالية (لاحظوا حال الجيش العراقي مثلا في مجابهة داعش ) فالدولة التي لا تنحاز للجندي دائما وأبدا ليست دولة يجذر الدفاع عليها .

على هذا تعتبر اليوم حصيلة المصالحة الوطنية و بعد عشر سنوات من إقرارها خدمة للوطن ، حصيلة من الألغام المهيئة للانفجار لا أكثر ، فمن جهة هناك جحافل من السلفيين تغزوا الشوارع في ظل غياب كلي للأمن الذي عليه مراقبتهم ، أو المدرسة والجامعة التي عليه محاربتهم فكريا ، من جهة أخرى هناك شعور سلبي كارثي لدى الجنود الجزائريين سيؤثر لا محالة تأثيرا لا تحمد عقباه في حال أي حرب قد نخوضها مستقبلا مع الإرهاب ، وفي الأخير ، فهناك نظام فاقد لكل مقومات البقاء ، فلا هو سيطرة على من تصالح معهم ، ولا هو متفاهم مع من فرط في حقوقهم ، والأمر لا يندر سوى بكارثة في حرب يخوضها الطرفان ، فيما يبقى النظام يتفرج على مشهد هو اكبر بكثير من مما رأيناه سنوات التسعينات ، ول كان الواقع أن المجتمع الجزائري كاملا يريد ويسعى ويدفع نحو بقاء الأوضاع خارج عملية العنف التي يريد الإسلاميون جر البلاد إليها بأي طريقة كانت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح