الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمم المتحدة وتحديات الأمن والسلم الدوليين

عبدالله تركماني

2015 / 10 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


الأمم المتحدة وتحديات الأمن والسلم الدوليين
الدكتور عبدالله تركماني
تغيّرات جوهرية حصلت على الساحة الدولية منذ بداية ربيع الثورات العربية في تونس أواخر سنة 2010، وخاصة مع الثورة السورية في مارس/آذار 2011، وتكشفت تجاذبات دولية تنطوي على إمكانية العودة بالأمم المتحدة إلى حقبة الحرب الباردة.
حسناً، ها نحن في سنة 2015، بعد مرور 70 عاماً على تأسيس الأمم المتحدة، وقد قُتل من الناس في الحروب بالوكالة، التي نشبت منذ 1945، أكثر مما قُتل في الحرب العالمية الثانية نفسها. وكان ذلك امتحاناً لدور الأمم المتحدة في أهم مرتكزات وجودها حول حفظ الأمن والسلم الدوليين. وإذا كانت المنظمة نجحت - إلى حد ما - على مستوى تفعيل السبل الوقائية لحفظ السلم والأمن الدوليين، عبر بلورة مجموعة من الآليات المرتبطة بالحد من الأزمات من خلال حفظ السلام، صنع السلام، بناء السلام والدبلوماسية الوقائية التي تسعى لمواجهة واحتواء العوامل المسببة للنزاعات والأزمات قبل حدوثها، فإنّ عملها على مستوى التدخلات الزجرية لحفظ السلم والأمن الدوليين أو لرد العدوان، بعد نهاية الحرب الباردة، تميّز بعدم الفعالية، كما تبين إزاء الكارثة السورية التي وصّفها الأمين العام بأنها " أكبر كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية ". لقد تمكنت الأمم المتحدة من أن يتحاشي العالم قيام حرب عالمية ثالثة‏،‏ ولكن قامت حروب صغيرة أخرى كثيرة‏.‏ فبدلاً من أن تكون جزءاً من الحل للعديد من التهديدات التي يتعرض لها السلام والأمن الدوليين، فإنّ المنظمة الأممية هي الآن جزء من المشكلة.
ولعل صعود الدول المارقة يطرح تحديات هائلة بدءاً من إدارتها للحروب بالوكالة، من خلال ميليشيات غير دولتية، وانتشار أسلحة الدمار الشامل والإرهاب، مروراً بالنزاعات الدينية والمذهبية والعرقية، وليس انتهاء بالنزاعات على الموارد الطبيعية وموجات الهجرة والاتجار بالبشر. غير أنّ معظم الأزمات تبقى من دون حل أو في طريق مسدود، ويعود ذلك أساساً إلى انقسامات حادة داخل مجلس الأمن الدولي (الهيئة السياسية الوحيدة للأمم المتحدة التي تملك سلطات لحل النزاعات المسلحة).
وعليه، فإنّ المنظمة تتعرض، منذ عقدين على الأقل، لانتقادات تتهمها بأنها تتسم بعدم الفاعلية، وصارت تعاني من بيرقراطية مفرطة، فضلاً عن انتقادات تتعلق بتكلفتها الباهظة، وبأنها فشلت في حفظ السلم الدولي في أكثر من منطقة في العالم، وصلت منذ أسابيع قليلة لاعتراف الأمين العام بفشل المنظمة في التعامل مع كارثة اللاجئين السوريين.
إنّ التركيبة الحالية لمجلس الأمن، وفق مبدأ حق النقض " الفيتو " المتاح لخمس دول، لم تعد أمراً مستساغاً. فما ذنب الشعب السوري مثلاً الذي استعمل في حقه السلاح الكيماوي المحرَّم دولياً وإنسانياً وأخلاقياً، لتأتي روسيا فتشهر " الفيتو " ضد أي تدخُّلٍ لحماية المدنيين السوريين، وما ذنب الفلسطينيين الذين تستعمل ضدهم الولايات المتحدة الأمريكية العشرات من " الفيتوهات " كلما تعلق الأمر بإدانة إسرائيل.
إنّ الحديث عن ضرورة إصلاح هيكل منظمة الأمم المتحدة من أجل تفعيل دورها ينصرف في المقام الأول إلى ضرورة إصلاح مجلس الأمن، باعتباره أخطر أجهزة الأمم المتحدة. الأمر يتطلب إلغاء حق " الفيتو " أو عقلنة استخدامه، إضافة إلى إقرار نوع من التوازن في الوظائف بين مختلف أجهزة المنظمة، وبخاصة بين الجمعية العامة ومجلس الأمن في كل المسائل المرتبطة بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين، وتعزيز التعاون المتكافئ بينها في هذا الشأن، بشكل يكفل بلورة عمل جماعي متكامل وأكثر فعالية.
ويمكن للجهود المطالبة بالإصلاح أن تستفيد من ضغوط الرأي العام العالمي المساند - عموماً - لحدوث تنظيم دولي يكرس مبادئ الشرعية الدولية. كما يمكن لهذه الجهود أن تستفيد أكثر من منظمات المجتمع المدني العالمي التي باتت تلعب دوراً كبيراً على الساحة العالمية.
‏ والواقع أنّ التحديات التي تواجهها المنظمة الأممية اليوم لا تقل حدة عن أي وقت مضى. فالمزيد من الأزمات تندلع في المزيد من الأماكن، والمزيد من الانتهاكات للقانون الإنساني الدولي وقوانين حقوق الإنسان تحدث بشكل متكرر، والمزيد من البشر أُجبروا على النزوح بفعل الصراعات على نحو غير مسبوق منذ عقود من الزمان .
ولعل تفعيل دور الجمعية العامة في حفظ السلم والأمن الدوليين، خاصة بعد صدور قرار " الاتحاد من أجل السلم " في عام 2005، الذي مكّنها من تولِّي مسؤوليات المجلس في حال عدم القدرة على تحمُّل واجباته المرتبطة بحفظ السلم والأمن الدوليين رغم وجود حالة تستدعي التدخل، يكون أحد أهم المداخل لإصلاح الأمم المتحدة.
وأيضاً يبدو تعزيز التعاون بين الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية أحد هذه المداخل، بسبب قدرة هذه المنظمات على حل المشاكل والصراعات، فهي جزء من المشهد الدولي الجديد، الذي تكون فيه المشاكل معقدة للغاية ومتشابكة لدرجة أنه لا يمكن لأحد أن يعمل بمفرده ودون مساعدة وتعاون الآخرين. فالمنظمات الإقليمية تمتلك عدداً من الميّزات، بالمقارنة مع المنظمات الدولية، أبرزها كونها الكيان التنظيمي الأول المخوَّل بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، كما أنها الأكثر قدرة على الاستجابة لفهم وتحليل عوامل وأسباب الصراع داخل نطاقها الإقليمي، وهذه الميّزة اكتسبتها بسبب قدرتها على فهم وإدراك الأبعاد الاجتماعية والسياسية والثقافية في منطقتها الإقليمية، حيث يمكنها فهم وإدراك الحساسيات الإثنية والسياسية والثقافية بأقاليمها.
لا شك أنّ الأمم المتحدة تواجه مشاكل عويصة ومعقدة تهدد بقاءها، ولكن هناك العديد من الدول، ربما تشكل الغالبية على الساحة الدولية، ترى أنّ من مصلحتها بقاء المنظمة الدولية وتطويرها. وفي الواقع تؤدي منظمة الأمم المتجددة اليوم دوراً رئيسياً مهماً ومؤثراً في مسار العلاقات الدولية المعاصرة، وهو دور قد يختلف الكثيرون حوله - إيجاباً أو سلباً - لكنّ الجميع يتفقون على أنّ هذه المنظمة الدولية العريقة، تشكل عنصراً لا بديل عنه لضبط واقع العلاقات الدولية القائمة والحد من الأزمات ومظاهر العنف والنزاع التي لا تخلو منها بقعة في العالم.
ولكنّ التوقف عند لحظة التأسيس هو بحكم المستحيل، ولا يستقيم مع واقع التغيير الذي شهده العالم، المحكوم باستراتيجيات وتحالفات وتحولات كبرى في النظام الدولي لصالح قوى جديدة.

تونس في 30/9/2015 الدكتور عبدالله تركماني
باحث استشاري في الشؤون الاستراتيجية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يخيب آمال الديمقراطيين خلال المناظرة الأولى أمام ترامب


.. تهديدات إسرائيل للبنان: حرب نفسية أو مغامرة غير محسوبة العوا




.. إيران: أكثر من 60 مليون ناخب يتوجهون لصناديق الاقتراع لاختيا


.. السعودية.. طبيب بيطري يُصدم بما وجده في بطن ناقة!




.. ميلوني -غاضبة- من توزيع المناصب العليا في الاتحاد الأوروبي