الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لامعقولية الأبد الدموي السوري

هيثم بن محمد شطورو

2015 / 10 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


" سوريا بدا حرية". اغلب المتابعين للازمة السورية و السوريـين انفـسهم ربما بمن فيهم من لا يزال يحمل راية الثورة ضد النظام السوري، قد نسى هذا الشعار الذي أرعـد في سوريا من جنوبها الى شمالها و من شرقها الى غربها. ينسى عديد المتابعين ان المظاهرات السلمية للشعب الاعزل قـد نشبت نيرانها من درعا جنوبا على الحدود الاردنية، الى اللاذقية شمالا و غربا حيث لم تـشهد اعمال العنف و التدمير، كما ان هذا الشعار دوى كنفخ الصور في دمشق التي كانت لعـقود اسيرة شعار " الى الابد يا حافظ الأسد"
التأبيد الامعقول استلزم طبعا الارهاب الامعقول لشعب مثـقـف تعددي وجد نـفـسه يئن تحت احذية عـسكر النظام و مخابراته و اجهزته الامنية القمعية بلا حدود او مروءة. فالشهادات عديدة و لا تحصى و لا تعـد. ففي الثمانينات هذه الشهادة للكاتبة السورية "سحر حويجة" التي قالت :" جمعوا النساء في مهجع بلغ عدد نزلائه ستين في مساحة اربعة على ستة أمتار" و غيرها من شهادات الاهانة و التعذيب للمثـقـفين و السياسيـين و الابرياء المشتبه فيهم و اقارب السياسيين من زوجاتهم الى امهاتهم و اخواتهم و آبائهم ..
السياسة التي كانت في سوريا تعـددية حزبية من الشيوعيـين و الاخوان و البعث الديمقراطي و غيرها من الاحزاب تحولت تحت انياب الحركة التصحيحية الى قمع شامل للكل. هذا القمع شمل السنة و الشيعة و الدروز و حتى العلويـين اللذين كانوا ضمن حزب البعث الديمقراطي، اي البعث الاصلي لمؤسسيه "ميشيل عفلق" و "صلاح البـيطار" الذي اغـتالته المخابرات التصحيحية في المانيا حسب رواية البعض.
في التسعينات اتذكر حادثة معبرة جدا وقعت في دمشق و قد ذكرتها انذاك جريدة القدس العربي. اتذكر ان الامر تعلق بكهل يـبيـع بعض الاغراض في الشارع. مصيـبته انه لم ينتبه الى امرين. اولهما انه قابع تحت صورة الابد حافظ الاسد، و ثانيتهما انه لم ينـتبه الى هبوب رياح قوية. يا له من قـدر ماحق اراد ان يؤرخ للنظام التصحيحي بطريقـته الخاصة بما ان الحادثة وصلت الى منبر اعلامي كبير كجريدة القدس. صادف ان مرت سيارة فيها امنيـين او مخابرات لحظة تمزق الصورة او بعـدها بقليل. اعتـقـلوا البائع بتهمة تمزيق الصورة. طبعا تعرض الى ما يسميه جلادو التعذيب التصحيحي بالدولاب الذي يحصر الراس بين الساقين لتـنهال عليك ضربات الخيزران و الكرباج حتى يفقد القدرة على المشي على قدميه، فتنهال عليه العصي ليهرول كي يتمكن الدم من الجريان من جديد في عروقه.
كان من المنطقي جدا ان تـندلع الثورة السورية خاصة بعد نجاح الثورة في مصر. لكن الشبـيحة التصحيحية نجحت في جر الشباب الثائر عـديم الرؤية السياسية الى حمل السلاح. و ما ان تـلـقـفـتهم السعودية و قطر حتى بدا المشهد ينـقـلب. صحيح ان اغلبهم كان مضطرا بمنطق معين. منطق شراسة القمع عند النظام التي تحفـز الرغبة في الانتـقام. صحيح ان الرغبة في الانتـقام قد تحقـقت و لكن ضاع الهدف السياسي و هو الحرية.
من غير المعقول تـقبل التخندق في الهيكليات القطرية و السعودية في معركة الحرية. فـفاقـد الشيء لا يعطيه. كان من السذاجة القاتلة ان يتم الامر تحت الغطاء القروسطي الذي يجلد الناس في الشوارع و يسجن شاعرا لخمسة عشر سنة من اجل قصيدة و يطلق العنان لهيئة الامر بالمعروف التي تمارس كل منكر في التدخل السافر في ابسط حريات الناس. لقد تساوق الفعل الذي كان ثوريا مع لامعـقولية الابد التصحيحي الذي يعتبر كل منتـقد للنظام خائن و عميل.
و هكذا كانت كل محاولة لحل سياسي فاشلة لأنها قائمة على لامعقولية النفي المطلق من النظام و الثوريـين. من جهة اخرى فان الرداء الاسلاموي و الممارسات الارهابية الشنيعة و التجسيدات المناقضة للحرية حولت الثورة من ثورة حرية سورية الى ثورة فوضى الاسلامويات و التدخلات الاجنبـية. صحيح ان الامر جلب مقاتلين من الخارج. صحيح ان النظام التصحيحوي للصحيح نسبـيا قـد شمل قمعه العرب من فلسطينيـين و اردنيـين و لبنانيـين و غيرهم. لكن النتيجة التي تدحرجت اليها الثورة هي ان تكون مجموعات ارهابية هي ذاتها مضادة للحرية. فالمسالة غدت حربا بين قمع و قمع و ارهاب و ارهاب. و قد كان الرئيس الامريكي "اوباما" على حق حين قال ان القضاء على داعـش قد يدوم لثلاثين سنة. اي في حدود المعادلة الامريكية التي لا تريد حسم الامور لصالح ارهاب النظام ضد ارهاب المجموعات الاسلاموية. فباتت القـناعة تـتأكد انها حرب الثلاثين عاما مثل التي حدثت بين البروتستانت و الكاثوليك في اوربا القرون الوسطى. لم يكن يوجد حل إلا تركهم يتحاربون حتى ينهك بعضهم الاخر و في كل الحالات ان تم الانتصار ضد النظام، فأمام بلد فارغ مدمر و محطم سيكون النظام الجديد تحت رحمة الامريكان و الغرب و القوى الاقليمية. و لم نذكر هنا امكانية التوسع التركي في الاراضي السورية. لكن افضل السيناريوهات هو ازاحة سوريا من المعادلة الدولية و التي بدورها ستـزيح نفسها عن مطلب الحرية لتـتحول الى شكل من اشكال الطالبانية.
من هنا كان الخطر جسيما. فراغ منطقة الشام امر غير معقول على مدى التاريخ. من هنا، تحركت روسيا لتحسم الامور. لن تحسمها طبعا لصالح النظام فعليا و انما لصالح فرض انهاء الحرب. تحسمها لصالح انتاج معادلة جديدة. هذه المعادلة لا اتصور ان الروس اغبـياء بحيث تـتجاوز المطلب الاصلي للثورة الذي هو المطلب الاصلي للشعب السوري الثابت في مكانه رغم الدمار و الشعب اللاجئ. مطلب الحرية. مطلب الكرامة و ازاحة نظام اوغل في انتهاك كرامة الانسان حتى بات يكره نـفسه. و ان جل التصريحات الروسية تلمح الى هذه المسالة، بل ان التفاهمات العامة قد اوجدت مع الامريكان و الاوربيـين و ما الاختلاف الا في حيثيات المسالة. اي معارضة و هل يمكن اعتبار جبهة النصرة قوى ثورية ام ارهابية..
من هنا كذلك يبدو ان التضحيات الجسيمة للشعب السوري لن تكون عبثا. اي عاقـل يفكر في المسالة بهدوء لا يمكن ان يصل الى عبثية المآل او المايحدث السوري. انه الان افصح عن بعـضه في القـفـزة الروسية نحو السيادة في العالم. انها بفعل الالم و العذابات السورية. كما ان الازمة السورية التي عبرت عن نفسها كأزمة عالمية لا يمكن ابدا ان تعود بالأمور الى ما كانت عليه قبلها. فـقبلها كان التوسع الاسلاموي القطري الذي استغل ثورة الحرية للشعوب العربية لأجل سرقة الثورات، اما الان فمصر عادت الى اهلها و تونس ازاحت كابوس الاسلاميـين نسبيا و غيرها من مشاهد اندحار الاسلاميـين.
ان هذه الازاحة التاريخية للإسلاميـين هي الشرط الضروري لكل حرية حقيقية و لكل دخول حقيقي للحداثة. الاسلاميـون في التاريخ السياسي المعاصر وفروا للأنظمة الدكتاتورية الحجة و الذريعة لقمع الجميع لغبائهم و ارتباطهم بالأجندات الخارجية و ليس بالمسائل الوطنية.
فالحرية من النفوذ الامريكي و الاسلامي لصالح صعود القوة الروسية و الصينية و فتح المجال لصعود قوى اقليمية عربـية تسير نحو بناء انظمة الحرية و العدالة الاجتماعية هو ما ساهم فيه السوريون بدرجة كبرى. السوري الشعب الصامد الرافض للمعارضة الخليجية و النظام. السوري كذلك النظام و المعارضة في الصراع الدامي الوحشي المتبادل الذي دفع الى ما يشبه اضطرارا روسيا الى التـدخل السريع لحسم الامور. حسم الامور لصالح السلم اولا. ليس لصالح ايران او النظام مثلما يتخيل البعض اللذين يصرون على النظر الى الامور ببوصلة خليجية او عراقية..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق


.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م




.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا


.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان




.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر