الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


• الصورة تهمس 01

رياض محمد رياض

2015 / 10 / 8
الادب والفن


• الصورة تهمس

جلس الجميع في خشوع يفترشون الأرض أمام الصورة متطلعين نحوها لا ترف عيونهم ينصتون علها تهمس لهم بشيء علها تتبدل ملامحها علها تبعث برسالة .. مر الراهب يحمل الاناء و يصب القليل من القهوة لمن يريد في أوعيتهم الصغيرة التي اخترعوها كيفما اتفق في هذا الوادي المقفر البعيد عن الحضارة و المدنية ، كانت روؤس البعض بدأت تتمايل ترقص ذات اليمين و ذات اليسار ، ترى هذا العدد الغفير من الروؤس تتمايل في انسجام و وحدة واحدة متتبعة دخان نوم يتراقص صاعدا للسماء حيث تحلق الأرواح النائمة فتتوجس و تهاب النظر اليهم .
لم يكن الأمر هكذا قط ، منذ انتقل لهذا المكان و لم يرَ عددا من الرواد يزيد عن أصابع اليد الواحدة حتى أيام الآحاد كان مجموع الزوار لا يزيد عن خمسة ، ريناد ابنة صاحب المزرعة المجاورة للدير المدعو بترو الملعون هكذا كانو يلقبونه ، و أمها ماري و أخيها الشرس ماثيو الذي يحرص على الحضور ليتمكن من رؤية جانيت التي تحضر مع أمها . هكذا كانوا خمسة أفراد لا يزيدون ، حاول القس حين أتى لهذا الدير متحمسا أن يميل قلب بترو الملعون لكن لا فائدة هذا رجل لا يفيق من سكره إلا ليتشاجر فممن تظن اكتسب ماثيو عاداته .

ريناد ابنة العشرين عاما كانت كالملاك الذي اعتاد القس أن يستيقظ على تحديقه اليه كل صباح لتأدية صلاة الصبح كانت ريناد تحضر كل صباح في نفس الموعد لتضع ابريق الحليب أمام باب الحجرة و تغادر مسرعة ، ذات ليلة زارته في الحلم وضعت الابريق مكانه و تلكأت في المغادرة و قفت في حديقة الدير تقطف بعض الازهار اليانعة و ترنو بعينها الى نافذة غرفته كمن تنتظر ردا . استيقظ من نومه جزعا غير متفائل بقطف الزهور من حديقة الدير و لا بنظرات ريناد المليئة بالشهوة الى نافذة غرفته هكذا انطبعت في نفسه نظراتها ، أدى صلاته و طلب من الرب أن يصرف عنه كيد هذا الشيطان الصغير المليء بالحيوية و الجمال .

خلال عظة الأحد تابع القس نظرات ماثيو الى جانيت كاتما غيظه مفكرا في طريقة لكسب ماثيو الى الدير في مواجهة أبيه الذي يريد أن يقتطع جزءاً من أرض الدير غير المعمورة ليضمها الى مزرعته و مازال النزاع قائم و مازالت نظرات ماثيو لا تنقطع نحو جانيت من هنا لمعت في ذهنه الفكرة حتى أنه من غبطته بفكرته تلعثم في الحديث و نسى ما الذي كان يقوله أنهى عظته سريعا و قرر التنفيذ السريع لفكرته ، بينما يلقم رواده لقيمات من جسد يسوع همس الى ماثيو " هلا تشرفني بالجلوس معك لدقائق لنحتسي نبيذا مباركا من صنع الأخوات " نظر ماثيو الى الأخوات المتشحات بالبياض الجالسات خلف آلات العزف على المنصة أسفل أقدام تمثال المسيح المنصوب فوق روؤسهم و جرى بنظره سريعا نحو جانيت التي كانت تتلكأ في الخروج و ترمي بأنظارها نحو ماثيو لاحظ القس نظراتهما فقال " لن نتأخر و أعدك بأنه شأن يهمك حقا " .

جلس ماثيو منتظرا أن يبدأ الآب بالحديث لكنه وجده يتصنع المماطلة فكر ماذا يريد أسيحدثني عن الأرض و النزاع المتوارث عليها هذه ليست مشكلتي سأخبره أني لا أبالي و عليه أن يحدث أبي مباشرة في هذا الموضوع فهو الذي ورث هذه المشكلة عن أبيه أما أنا فما زال أبي حي و لم أرثها بعد ، أم تراه سيحدثني عن جانيت هل لاحظ نظراتنا فليكن تبا له ما الذي يريده ، إن تطاول عليّ ظنا منه أنه يستطيع التفريق بيننا سأجدع أنفه أم عساه رآنا أمس نتجرد من ملابسنا في الحظيرة المجاورة للدير لا أعتقد أن أحدا لاحظ دخول جانيت لكن المجنونة تتمتع بحنجرة قوية و ضحكات مستهترة فاضحة ستفضحنا ذات يوم بالأصوات التي تصدرها هذه ، لربما كنت أبالغ و سيحدثني في المواظبة على زيارة الدير كل يوم سأجاريه لننتهي من هذا السخف ، و دفع بالكوب غاضبا الى سطح الطاولة التي صارت مكتبا متواضعا منذ حل القس الجديد على الدير ، أسرع القس يخفف من وطأة شغف ماثيو هذا فتى لم يعتاد مثل هذا الفخ من الفضول من قبل ، لم يترك و أفكاره و خيالاته لتنازعه مده مماثلة مثلما وضعه فيها هذه أو هكذا ظن القس .

" في الحقيقة ماثيو أنا على علم بما بينك و بين جانيت " ثم أردف مسرعا حتى لا يثير غضب ماثيو " و إني لأود مساعدتكما في الاقتران ، إن الرب يبارك الحلال و يكره أن تشرد خرافه بعيدا عن تعاليمه ، أخبرني ماذا يمكنني أن أقدم لأسهل الأمر عليكما " حار ماثيو لا يعرف أيفرح أم يقلق هل القس يعني ما يقول حقا أم أنه فخ يستدرجه اليه فآثر الصمت و عبوس الوجه ، حاول القس أن يكسب ثقته " ما أراه واضحا في هذه الزيجة أن أبيك بترو الملعون آسف لم أقصد هي فقط العادة و ... " ، قرر الفتى أن يغضب لأجل أبيه و أن يغادر لكن شيئا ما دفعه للجلوس و الاستمرار في الانصات علّ القس لم يقصد حقا أنا نفسي أدعوه أحيانا ببترو الملعون أم تراه القس يضغط على أعصابي ليستشف ما بداخلي ، أمعن ماثيو في العبوس و تململ في مجلسه ، عاود القس الحديث ممسكا بأطراف كأسه هازا اياه يمينا و يسارا محاولا صرف نظر ماثيو عن التحديق الى عينيه ، سأعرض عليك عرضا قيما لكن قبلا أريدك أن تطمئن الي و لن تطمئن سوى بالثرثرة و كلي آذان مصغية .

في حضرة رئيسه لم يستطع سوى البوح بكل أفكاره و بكل ما أسر به ماثيو اليه " إن الأرض ستعود عاجلا او آجلا الى الدير فقط الآن سأجعل هذا الفتى يكسب ثقة أبيه كي يزوجه الفتاة التي يحب " ، " و ما بالنا نحن و من يحب و من لا يحب ما الفائدة التي ستعود علينا من هذا لقد فقدت صوابك و ها أنت تعرض أملاك الدير للضياع إن هذه الأرض قاتل من أجلها عشرات القساوسة تأتي الآن لتتصرف فيها من نفسك هكذا " ، " أنا لم أتصرف بعد يا سيدي فقط عرضت على ماثيو الموضوع ليكسب ثقتي " ، " أي ثقة تلك فليذهب الى الجحيم ماثيو و أبيه و الفتاة التي يحب " ، " يا سيدي إن الدير و في عظة الأحد لا يرتاده سوى خمسة أفراد بهذه الطريقة سنفقد كل شيء لكن حين نكسب ثقة من حولنا سيعطوننا آذانهم بعد قليل قلوبهم ثم أراضيهم و ممتلكاتهم ليتقربوا بها الى الله ليضمنوا الملكوت لا تخشى شيئا الأرض ستعود و أكثر منها لربما بنينا ديرا آخر بالقرب من تبرعات المؤمنين فقط ، صدقني يا سيدي فقط خولني سلطة التصرف و انتظر لترى نتيجة فعلي و مجهودي " ، " أنا لن أمنحك شيئا ليس من صلاحياتي سأرفع الأمر إلى الأب فيدور و هو يتولى أمرك ، لا أدري كيف تفكر كيف " ، زفر القس بثبات الآن يحدث ما تمنى سيقنع الأب فيدور هو على يقين من هذا و قد حدث ، كوب حليب ارتفع الى شفاه الأب فيدور ثم انخفض عنها لتكون كلمات الموافقة ، و بعد أن مضى القس همس الأب فيدرو الى جوناثان " عله يفلح أرى أن تفكيره مختلف عن سابقيه " ، " لكن يجب ألا يترك له الحبل على الغارب يا مولانا " ، " لا تقلق يا جوناثان ءأتني بكوب حليب آخر " .

بينما يجلس الى مكتبه يطالع من نافذته حديقة الدير ، تذكر الحلم تذكر قطف ريناد للزهور الثلاث من حديقة الدير هل كانوا ثلاث زهور نعم إن ذاكرته الآن كأوضح ما تكون ذهنه ضافي و يستطيع الإمعان من مكانه هذا في موضع وقفة ريناد كأنه يرى آثار أقدامها تحط هناك على العشب ذات الموقع الذي كانت تنظر منه الى نافذة غرفته ، الآن أستطيع التقرب من ريناد ، أخوها سيفاتح أبيه بأنه استطاع إقناعي بإنهاء الشجار القائم على قطعة الأرض و أنه يبغي الزواج من جانيت سيجن أبيه " كيف تفكر في شيء كهذا جانيت ابنة الفقير جاكسون ! " لكن مع قوة العرض الذي يجلبه له ابنه ، " قطعة الأرض المتنازع عليها بيننا و بين الدير أستطيع تسوية الأمر مع الدير لصالحنا " ، " إن استطعت فهذه الزيجة مباركة من أبيك و إن لم تستطع فلن تطأ أرض الدير ثانية و لن ترى جانيت هذه مرة أخرى " .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنار بيفو أيقونة الأدب الفرنسي رحل تاركًا بصمة ثقافية في لب


.. فيلم سينمائي عن قصة القرصان الجزائري حمزة بن دلاج




.. هدف عالمي من رضا سليم وجمهور الأهلي لا يتوقف عن الغناء وصمت


.. اختيار الناقدة علا الشافعى فى عضوية اللجنة العليا لمهرجان ال




.. صباح العربية | نجوم الفن والجماهير يدعمون فنان العرب محمد عب