الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في سوريا: جحيم من نوع آخر

معتز حيسو

2015 / 10 / 8
مواضيع وابحاث سياسية




أفاد تقرير «هدر الإنسانية» الذي أعدّه المركز السوري لبحوث السياسات بالتعاون مع الأمم المتحدة في العام 2014، أن معدّل الالتحاق بالتعليم الأساسي تراجع نتيجة النزاع المسلح وانهيار الأوضاع الاقتصادية من المرتبة 21 من بين 136 بلداً عام 2010 إلى المرتبة 135 من بين 136 بلداً في العام 2013 ويشدد التقرير على أن «تدهور التعليم من شأنه أن يترك أثراً سلبياً كبيراً على جودة رأس المال البشري، الذي يشكل بدوره أحد المصادر الرئيسة للتنمية البشرية والنمو الاقتصادي». ووفق تقديرات الأمم المتحدة فأن الحرب أخرجت أكثر من خمسة آلاف مدرسة عن الخدمة، وتسببت بتشريد مليوني طفل، وإخراجهم من مقاعد الدراسة و« وفق تقرير أصدرته «يونيسف» مطلع الشهر الحالي فإن 2.4 مليون طفل سوري خارج المدارس». أما الأرقام الصادرة عن وزارة التربية فأنها تؤكد تراجع عدد الطلاب الملتحقين بالتعليم بنحو 300 ألف طالب، مقارنة بالعام 2014 الذي التحق فيه نحو 4.3 ملايين طفل. من جانب آخر أقامت «جبهة النصرة» و«داعش» في مناطق سيطرتها أعدداً كبيراً من الصفوف التعليمة التي يدرَّس فيها «تعاليم دينية متشددة»، إضافة إلى دعم نشاط المساجد والشيوخ لتلقين الأطفال التعاليم الدينية المتشددة وإلحاق أعداداً منهم بمعسكرات تدريبية تشرف عليها الفصائل المتشددة وتموِّلها جمعيات خليجية. وبلغ عددها وفق مصادر «جهادية» خمسة عشر معسكراً. ولا تختلف ممارسات باقي الفصائل الجهادية الإسلامية عن ممارسات داعش وجبهة النصرة.
ويفيد التقرير ذاته، بأن «سوريا أصبحت بلداً من الفقراء، إذ أصبح ثلاثة أشخاص من كل أربعة فقراء مع نهاية العام 2013، كما أن 20 في المئة من إجمالي السكان لا يستطيعون تأمين حاجاتهم الغذائية الأساسية، ويزداد الوضع سوءاً في المناطق المحاصرة والساخنة» وبحسب التقرير الذي أُعدّ بالتعاون مع «الأونروا»، فإن الحرب في سوريا، أدت لارتفاع معدل البطالة إلى 54.3 %، أي أن 3.39 ملايين شخص هم عاطلون عن العمل، منهم 2.67 مليون فقدوا عملهم خلال الأزمة، الأمر الذي أدّى إلى فقدان المصدر الرئيس لدخل 11.03 مليون شخص يتوزعون بنسب متفاوتة بين المحافظات. من جانب آخر صرّح رئيس مجلس إدارة جمعية حماية المستهلك السيد عدنان دخاخني إن الأسرة المكونة من خمسة أشخاص، تحتاج لتأمين الحد أدنى من معيشتها اليومية إلى 175 ألف ليرة، ويرى أن «الفترة الحالية شهدت ارتفاع أسعار الدواء، والكهرباء، والبنزين، والمازوت، إضافة إلى ارتفاع سعر الصرف، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الكثير من المنتجات».
إن مقارنة متوسط دخل الأسرة السورية الذي يقدَّره بعض الخبراء بحوالي 30 ألف ليرة سورية مع الحد الأدنى لحاجة الأسرة المكونة من خمسة أشخاص والذي قدّره السيد عدنان دخاخني بـ 175 ألف ليرة سورية يتضح أن أكثر من 93% من السوريين لا يمكنهم تأمين الحد الأدنى من حاجاتهم الأساسية. وهذا يعني أن الأسرة السورية أصبحت تفتقد إلى الأمن الغذائي الذي أطاح به الصراع والسياسات الحكومية الجائرة، ويتزامن ذلك مع تزايد أعداد مجموعات النهابين والقتلة الذين يتحكمون بأرواح السوريين وأرزاقهم. في ذات السياق يشكّل شهر أيلول من كل عام مصدر رعب، إذ يضطر السوريين إلى توفير مبالغ كبيرة لتغطية تكاليف احتياجاتهم الضرورية التي تبدأ من تحضير أطفالهم للمدارس. فالأسرة تحتاج وسطياً في بداية العام الدراسي إلى حوالي خمسة وعشرون ألف ليرة لكل طالب. أي أن الأسرة المكونة من خمسة أشخاص، ولديها ثلاث طلاب تحتاج تقريباً إلى 75 ألف ليرة سورية، أما تكاليف حاجتها من مازوت التدفئة فأنه يقدَّر وسطياً بـ 80 ألف ليرة سورية. ناهيك عن تكاليف مؤن الشتاء التي تتجاوز قيمتها 150 ألف ليرة سورية. وهذا يعني أنها تحتاج إلى ما يقارب دخل عامل في مؤسسات الدولة لمدة عام تقريباً. ولكون الأسرة عاجزة عن تأمين ذلك فأنها ستعاني من الجوع والبرد والمرض والجهل، ويزيد من أزمة المواطن السوري السياسات المالية والاقتصادية التحريرية التي خرجت عن كل السياقات العقلانية والإنسانية. كونها أصبحت تُعبّر بشكل صريح عن مصالح التجَّار والمتنفذين، وتتقلص أعداد هؤلاء بشكل مطَّرد مع ازدياد حدة الاحتكار وتمركز الثروة. فأسعار المواد الأساسية ومنها الغذائية ارتفعت بمعدل 10 أضعاف عن عام 2011 . بالنسبة لسعر ليتر المازوت الرسمي فأنه يوزع للمستهلك بـ 135 ليرة، أما سعره في السوق السوداء حالياً في المناطق المستقرة بحدود 200 ليرة، ومن المعلوم أنه تجاوز في الشتاء الماضي 300 ليرة، ولن يكون سعره في الشتاء القادم أقل من ذلك نتيجة انخفاض الإنتاج النفطي وخروج معظم حقول النفط عن سيطرة الحكومة وتزايد أعداد تجار الأزمة. أما سعر ليتر البنزين الرسمي فيقدَّر بـ 165 ليرة، في وقت يصل سعره نتيجة تلاعب أصحاب محطات الوقود إلى حوالي 200 ليرة. أما سعره في السوق السوداء فأنه يتراوح بين الـ 300 ـ 400 ليرة. بالنسبة إلى أسطوانة الغاز المنزلي فأن مؤسسة سادكوب حددت سعرها بـ 1750 ليرة، ويتضاعف سعرها في السوق السوداء نتيجة فساد اللجان المشرفة على التوزيع، وانخفاض الكميات التي توزعها المؤسسة نتيجة خروج عدد من حقول الغاز عن سيطرة الحكومة. أما فيما يخص ارتفاع عدد ساعات تقنين الكهرباء ورفع سعر الكيلو واط ،التجاري، وتعديل سعر شرائح الاستهلاك المنزلي، فإنه يتعلق بشكل مباشر بعدم توفّر حوامل الطاقة اللازمة لمحطات التوليد، ويرتبط مع ذلك بشكل مباشر بمعدل ضخ المياه، إذ أن سكان عدد كبير من المناطق التي ما زالت في كنف الحكومة لا تصلها مياه الشرب سوى مرتين في الشهر. مما يضطرهم إلى شراء المياه، ويتراوح سعر المتر المكعب الواحد بين الـ 700 و 1000 ليرة سورية. وذلك يزيد من معاناة السوريين. وفيما يتعلق بسعر الأدوية فقد تم رفعه بنسبة 57 بالمئة. ويتزامن ما عرضناه مع ثبات الأجور. وساهم ذلك في فقدان المواطن السوري إلى مقومات الحياة الطبيعة، ووضعه أمام مخاطر تهدد بشكل مباشر استمرار حياته. وكان لذلك دور كبير في ازدياد أعداد المهاجرين إضافة إلى الحرب التي ساهمت في ازدياد أعداد المجموعات المسلحة وانتشار التطرف والعنف والنهب.
في ذات السياق فإنَّ هجرة الكوادر العلمية، سوف تُفضي إلى تفريغ المجتمع السوري من طاقاته الشبابية، ووفقاً لمصادر إعلامية غربية فإن 78% من أعداد المهاجرين، يحملون شهادات أكاديمية. وسوف يكون لذلك انعكاسات كارثية على مستقبل التنمية البشرية والاقتصادية. ويستفيد من هذه الأوضاع حكومات دول غربية تشتغل على توظيف المهاجرين لتأمين يد عاملة رخيصة، ولتغطية حاجتها من الكوادر المؤهلة علمياً، وأيضاً لمعالجة أزمة الشيخوخة نتيجة ارتفاع متوسط العمر، وانخفاض نسبة الولادات، وللتعويض عن المسنين المحالين إلى التقاعد. وتتوقع مؤسسة «بروغنوس» أن القطاعات الاقتصادية الألمانية تعاني نقصاً في اليد العاملة يُقَدّر بـ 1,8 مليون شخص في العام 2020، و3,9 ملايين اعتباراً من عام 2040. هذا في وقت اعتبر فيه حاكم البنك المركزي الفرنسي، في اجتماع مجموعة العشرين الأخير، أن «موجة اللجوء ستنعكس إيجابياً على الثقة والمناخ الاقتصادي، وربما على الماليات العامة في المدى المباشر، وأيضاً يمكن أن تشكل على الأمد المتوسط عامل تعزيز لإمكانيات النمو». وهذا يجعلنا نؤكد أن ترحيب حكومات غربية بالمهاجرين يشكّل استجابة صريحة لفائض الرساميل الباحثة عن آليات جديدة لتوسيع دوائر الاستثمار لتحقيق أعلى معدل من الربح، وذلك يحتاج بدوره إلى عمّال لا يمتلكون سوى خيار بيع قوة عملهم بأبخس الأجور. وهذا يحققه تدفق اللاجئين إلى أسواق العمل الأوروبية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صورة من المقالة الى هجرس الهايس وامثاله منالمجانين
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2015 / 10 / 9 - 04:36 )
شكرا للكاتب على عمق وطنيته الانسانية ورسمه للصورة الماءساوية لظروف الانسان والشعب السوري
ان على كل من يتعرض للهجمة الارهابية التي تتعرض له سوريا اليوم ومنذ سنوات والتي تؤدي الى الخراب المادي والبشري الذي ان استمر فستكون نتيجته الابادة الكامله للوجود السوري
ان الحل السياسي الذي يمر من خلال تخليص سوريا من الارهاب الداعشي والقاعدي بمختلف مسمياته لايعني التصويت للحكم الابدي لحزب او رجل دولة وان التاريخ لن ينتهي حينما تنتصر الارادة السورية والعربية الخيرة ضد الارهاب وبالتاءكيد سيحل اليوم الذي يتم فيه التغيير التقدمي السلمي ليس فقط في سوريا بل قبل ذالك في مقاطعة ال سعود وكذالك ببلد الامبريالية الاعظم اميركا

اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها