الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دوائر ميليس

صبحي حديدي

2005 / 10 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


نقلت اليومية البريطانية "دايلي تلغراف" هذا التصريح البليغ الذي أدلى به المناضل السوري الأبرز رياض الترك (قرابة 20 سنة من الإعتقال في عهد حافظ وبشار الأسد)، تعليقاً على تقرير المحقق الدولي ديتليف ميليس: "الآن في وسع العالم بأسره أن يرى جرائم هذا النظام. ولكن ينبغي أن يعرفوا أنّ الشعب السوري عانى من الجرائم بحقّ الإنسانية ما يملأ 20 تقرير ميليس"!
وليس من عادة هذا الرجل الكبير، الذي استحقّ بالفعل صفة "نلسون مانديلا سورية"، أن يبالغ أو يستزيد أو يجنح إلى بلاغة مفرطة، سيّما حين يتصل الأمر بطبائع الاستبداد. وبالفعل، إذا كان اغتيال الحريري و22 من المواطنين اللبنانيين قد استدعى هذا التقرير، على ما فيه أو ما يكتنفه من ثغرات ونواقص وإشارات استفهام وتعجب، فكم من تقرير تحتاج أربعة عقود ونيف من أنماط الإستبداد العاري التي عاشها الشعب السوري منذ 1963 حين تولى حزب البعث السلطة، ثمّ بصفة خاصة منذ 1970 حين انقلب حافظ الأسد على رفاقه واطلق تلك الصيغة البربرية من استبداد عارٍ مفتوح، منفلت من كلّ عقال، بلا حدود أو وازع، ودون رقيب أو حسيب؟
كم من التقارير، وليس التقرير الواحد، تحتاج مجزرة حماة، 1982، التي سقط فيها قرابة 20 ألف قتيل بريء؟
وكم من المحققين ينبغي أن يجنّد العالم لإنصاف ذكرى، وذاكرة، أبرياء آخرين من ضحايا مجازر تدمر، وجسر الشغور، وأريحا، ودير الزور، وكفر نبل، والمشارقة، وسرمدا... خلال سنوات إراقة الدماء ذاتها؟
وأيّ تقرير سوف يفلح في كشف الأستار عن مجزرة القامشلي الأخيرة، حيث خرّ الأبرياء من المواطنين الأكراد صرعى رصاص السلطة، في ملعب كرة قدم؟
بل أيّ ديتليف ميليس يمكن أن يخترق أستار هذا النظام الأمني، الذي يجمع بين تثاقل الديناصور وخفّة رجل المافيا ودموية السفاح، حين يكون عدد السجون في مدينتَي دمشق وحلب وحدهما 30 سجناً، وأقبية المخابرات في العاصمة السورية وحدها تتسع للتحقيق مع أكثر من ألف شخص في وقت واحد، بما يعنيه ذلك من توفير طواقم التحقيق، ومعدّات التعذيب، والوثائق، والتقارير، والمستلزمات اللوجستية الأخرى (تقرير منظمة Middle East Watch)؟
وكيف سيفلح أيّ ديتليف ميليس، ألمعي شاطر ذكيّ أريب، في الإحاطة بأجهزة أمنية يزيد عددها عن 16جهازاً مختلفاً، وتتشعّب ميادين اختصاصاتها، وتتداخل صلاحياتها وتفويضاتها على نحو عنكبوتي عشوائي، وتتضخّم أعداد العاملين فيها ولصالحها (بين 250 إلى 300 ألف عنصر)، الأمر الذي يضع رقيباً أمنياً على كلّ 60 مواطناً سورياً؟
وكم ميليس يحتاج "العالم الحرّ" لكي يدرك مغزى تصريح رياض الترك، عن بلد عريق جميل أصيل اسمه سورية، حكمه نظام دكتاتوري شمولي استبدادي طيلة أكثر من أربعة عقود، ثمّ مُسخت جمهوريته (التي يعود تأسيسها إلى عقود طويلة خلت، قبل سلطة حزب البعث) إلى طراز سفاحيّ من الحكم هو "الجمهورية الوراثية"، قبل أن يضع الورثة المغامرون البلد على هاوية التفكك الداخلي واستدراج الغزو الخارجي؟
وفي مستوى آخر، أيّ تحقيق يمكن أن يتناول السؤال الحارق الراهن: ما الذي يتبقى من حكاية انتحار اللواء غازي كنعان، وزير الداخلية السوري، الآن وقد أوضح تقرير ميليس ـ ودون أدنى هامش للريبة ـ أنّ "حاكم لبنان السابق" لم يكن في قفص الإتهام الظنّي بجريمة اغتيال رفيق الحريري، كما هي حال السادة آصف شوكت وبهجت سليمان ورستم غزالي؟ والآن، بعد أن ذاب الثلج وبان المرج عن الأكثر جدارة بالإنتحار ثأراً للكرامة الشخصية، هل كان التقرير الذي بثته محطة "نيو. تي. في." كافياً لكي يضع رجل مثل غازي كنعان حدّاً حياته، على ذلك النحو العنيف العجيب المريب الذي لم يكفل له حتى قماشة عَلَم سوري تلفّ نعشه؟
وأمّا السؤال الآخر الأخير الذي لا يقلّ أهمية، ويجوز طرحه مثلما يتوجّب اعتماده كتتمة منطقية للأسئلة السالفة، فهو التالي: هل كان أحد، في "العالم الحرّ" بصفة خاصة، في واشنطن وباريس ولندن، قد اكترث بما جرى في مدينة حماة، شباط (فبراير) 1982؟ بل هل كان لأحد أن يكترث أصلاً، والنظام آنذاك على وفاق كافٍ مع أطراف ذلك "العالم الحرّ"، وثمة من الخدمات الكثيرة التي يوفرها ما يبرّر "التطنيش" التام عن جرائمه، لكي لا نتحدّث عن تبييض صفحته بين حين وآخر، كلما تيسّر؟ وهذه الأيام بالذات، كيف استقام أنّ فرنسا استقبلت رئيس الاستخبارات السورية اللواء آصف شوكت، وتباحثت معه، رغم أنّ الأجهزة الفرنسية المعنيّة كانت على علم تامّ بمحتوى تقرير ميليس، وكانت تعرف طبيعة الإتهامات التي تحوم حول شوكت بالذات، ليس في دائرة الأقاويل والإشاعات وحدها، بل في نصّ تقرير المحقق الدولي نفسه؟
لهذا فإنّ تصريح رياض الترك ليس شكوى إلى أولي الأمر في "العالم الحرّ"، بل هو شكوى عليهم وإدانة لصمتهم الطويل على جرائم أنظمة الإستبداد العربية جمعاء، إذْ ليس بعيداً ذلك الزمن الذي شهد تستّر واشنطن على الطغاة، واحتضان أنظمة الطغيان. نعرف مواقف البيت الأبيض، أياً كان شاغله، من الحقوق السياسية والإنسانية والدستورية للشعوب العربية، ولهذا يقلقنا ذلك "القلق" الذي قيل إنه أصاب جورج بوش بعد قراءة تقرير ميليس. أليس مرجحاً أن يفضي قلق سيّد العالم إلى وضع الشعب السوري على سنديان العقوبات الإقتصادية، الواقع أصلاً تحت مطرقة الإستبداد؟ وهل علينا، نحن السوريين، وليس البتة على نظام بشار الأسد وآصف شوكت والشركاء، ستدور دوائر ميليس في نهاية المطاف؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب.. قطط مجمدة في حاوية للقمامة! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. موريتانيا: مع تزايد حضور روسيا بالساحل.. أوكرانيا تفتتح سفار




.. إسرائيل تحذر من تصعيد خطير له -عواقب مدمرة- بسبب -تزايد اعتد


.. هدوء نسبي مع إعلان الجيش الإسرائيلي عن -هدنة تكتيكية- انتقده




.. البيان الختامي لقمة سويسرا يحث على -إشراك جميع الأطراف- لإنه