الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التّدخّل الرّوسي: جولة الضّرورة قبل تسوية الضّرورة

وائل بنجدو

2015 / 10 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


إنّ مفهوم الإمبريالية هو مفهوم إقتصادي بالأساس يحدّده تملّك الدولة المعنية للإحتكارات ، فليس تدخّل روسيا العسكري في سوريا هو ما سيثبت طابعها الإمبريالي أو ينفيه . كثيرة هي الدول التي تدخلت عسكريا في بلدان أخرى و شنّت عمليّات عسكريّة خارج مجال حدودها الجغرافي بينما هي مَحْكُومة مِن أنظمة تابعة أو إشتراكية أو وطنية مثل مصر في عهد عبد الناصر أو الإتحاد السوفياتي أو السعودية...
فهل تتحول هذه الدول لدول إمبريالية بمجرّد تدخلها عسكريا في بلد آخر ؟!
خمسة إحتكارات كبرى تتسَيَّد بها الإمبريالية الأمريكية و حلفاؤها (أوروبا و اليابان) العالم ، و تمسك من خلالها بأَعِنَّةَ الإقتصاد العالمي و هي :السيطرة على الثروات الطبيعية ، أسلحة الدمار الشامل ، الإعلام و البروبغندا ، وسائل الإتّصال و التكنولوجيا ، و النظام النقدي العالمي عبر بعض المؤسسات الماليه اهمها صندوق النقد الدولي و البنك العالمي. كذلك هناك عوامل أخرى تجعل للولايات المتحدة قدرة شاملة على السيطرة وهي هيمنتها عل البحار و المحيطات و غزو القطبين و الاكتشافات السريعة للفضاء التي لا نعرف ماذا تُخبِّئ للولايات المتّحدة الأمريكيّة و للإنسانيّة.
إن الصين و روسيا و هما قوّتان "فوق إقليمية و ما دون كونية" وهما دولتان صاعدتان (والصّعود هو مفهوم إقتصادي) و خاصّة الصين. و لا ينطبق عليهما وصف الدول الإمبريالية لأنّهما لا تساهمان في تلك الإحتكارات الخمسة الكبرى ، بل تسعيان حثيثًا للتّحرر منهم و فكّ الإرتباط معهم.
إنّ الموقف من التدخل الروسي لا يَجب أن ينطلق من توصيف غير دقيق لطبيعة الدّولة الرّوسية و إقتصادها ، بل يجب أن ينطلق من المعطيات الميدانية و تحديد الأولويات التي تتمثل حاليا في: القضاء على الإرهاب و وقف الحرب مع الحفاظ على وحدة سوريا .فالإجابة عن سؤال كيف نريد شكل سوريا بعد الحرب و الإمكانيّات المُتاحة لذلك هي المحدّد الرئيس للموقف من التدخل . لقد باَتَت كلّ الأطراف المتصارعة في سوريا مُتّفقة على ضرورة إنهاء الحرب ( و إن لم يصرِّح الجميع بذلك ) لسببين رئيسيّيْن الأوّل هو صعوبة حسمها بالقوّة العسكريّة و الثّاني خطر الإرهاب الذي أضحى يهدّد الجميع حتّى من ساهم في صناعته مثل تركيا و السّعوديّة.لكنّ الأطراف الإقليمية و الدّوليّة التي تتقدّم باتجاه "تسوية الضّرورة" ليست متّفقة على أولويات الحلّ السياسي التي ذكرناها في بداية المقال وعلى طبيعة المرحلة الإنتقالية التي تُعتبر عِماد الشكل الذي ستكون عليه سوريا ما بعد الحرب .هذا الحل السياسي ستُرسم ملامحه في الميدان و وِفْق تطوّرات الأوضاع الميدانية و تغيير موازين القُوى . و سَيُحاول كلّ محور من المحاور الرّئيسة الثّلاثة في المنطقة : قطر تركيا ــ السّعودية الإمارات الأردن ـــ سوريا إيران ( تمثّل الولايات المتّحدة مرجعا للمحورين الأوّلين و ضابط إيقاع للتّنافس بينهما ، و تمثّل روسيا الحليف الأهم لسوريا و إيران ) تحقيق إنتصارات عسكريّة و تقدّم ميداني قبل جلوسه على طاولة المفاوضات التي يبدو أنّه لا مفرّ منها بالنّسبة للجميع . فَفِي هذه الوضعية شديدة السّيولة ـــ التي يزداد فيها إحتمال أن تأتي النتائج بعكس المُتوقّع لكل القوى الإقليمية المأثرة في المنطقة(تركيا ، إسرائيل ، السّعوديّة ، إيران ) و من ورائها القوى الدولية سواء كانت الإمبرياليه الأمريكية أو البلدان الصاعدة التي تضع الهيمنة الأمريكية موضع تساؤل(روسيا،الصين) ـــ سيرفع الجميع شعار التسويات و التّفاوض . لكن قبل ذلك لابدّ من جولة الرّبع ساعة الأخير التي يلعب فيها كلّ طرف أوراقه الأخيرة و بكلّ قوّة ليتمكّن من فرض تصوّره على مائدة المفاوضات المُقبلة ، لذلك من المرجّح أن تتصاعد وتيرة العمليات العسكريّة في الفترة القصيرة المقبلة ، فالإتّفاقات السّياسية الحاسمة و طبيعة الهدنة تصنعها قبل و بعد كلّ شيء الصراعات العسكرية و نتائجها في ساحة الحرب.
روسيا تُدرك ذلك جيّدا لذلك إختارت بعناية توقيت البدء في عمليّتها العسكريّة لتُقلِّص من نفوذ الإرهابيين والمعارضة المسلحة التي تدربها الولايات المتحدة . و هي تتبنَّى تصَوُّرًا يحافظ على وحدة سوريا و يُحَاصِر الإسلاميّين الإرهابيِّين الذين تنظر لهم روسيا دائما بعين الرّيبة و الحذر لاعتبارات تاريخيّة تعود لصراع الإتحاد السّوفياتي معهم في أفغانستان ، و لاعتبارات تتعلّق بما يمثّلونه من تهديد لا يتوقّف على روسيا الإتحادية في منطقة القوقاز . هذا التّصور يقف حتما في مواجهة الرّؤية الأمريكية و الغربيّة عموما التي طالما راهنت على الإسلام السّياسي كإحدى القوى الرّاعية لمصالحهم في عدّة مناطق من العالم ، و ذلك منذ نشأة تنظيم الإخوان المسلمين، سنة 1928 بدعم من السّفارة البريطانيّة في مصر ، الذي خرجت من رحمه أغلب التّنظيمات الإرهابيّة في المنطقة. يقوم التّصور الأمريكي للحل ، أو لِلّاحَل ، في سوريا على إعادة تجربة الإنتقال في العراق التي قادها "بول بريمر" بعد إحتلال عام 2003 . و هي العمليّة التي أنتجت العراق الذي نعرفه و لا نعرفه . و بما أنّ التدخّل العسكري الرّوسي سَيُضعف الأدوات العمليّة و الميدانيَّة للإمبرياليّة الأمريكيّة من مختلف التنظيمات الإرهابيّة ، التي تساعد في فرض هذا الواقع حين يجلس الجميع على مائدة المفاوضات ، ، فإنّ هذا التّدخّل سيكون له فائدة سياسيّة في مرحلة ما بعد الحرب التي تُصوَّبُ كلّ الأبصار إليها حاليًّا .إنها جولة الضرورة قبل تسوية الضرورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل