الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


!!صناعة دماغ.. ثقيلة

ياسر العدل

2005 / 10 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


أخى المواطن، فى ظل موات حركتنا الثقافية وتخلف إدارتنا الاجتماعية وتعثر خطانا الاقتصادية، أنت لست بحاجة لأن تصبح إنسانا فاعلا، تبحث عن حلول لمشاكلنا، ترهق مخك فى رصد وقائع التقدم والتخلف، تبدى رأيك فى فساد العولمة وعولمة الفساد، تثق بنفسك وتنحاز لأنصارك وتفضح أعدائك، لست فى حاجة لكل ذلك كى تبدو فاهما لأقوال يروجها كبار المسئولين وبعض المثقفين عن الانتماء والحرية والتقدم المأمول، ذلك انه فى ظل موات حكومتنا الرشيدة يصبح أصل مشاكلنا قرين بثقافة المصاطب، وحلول مشاكلنا قرين بأفكار المشعوذين.
أخى المواطن، حين تفقد ثقتك مثلنا فى فاعلية الحكومة، وتحزبك أمور الحرب والسلام والتقدم والحرية وشرعية الانتخابات وتداول السلطة، سلم نفسك لحالة من التبلد الذهنى الجميل، واعمل دماغ فول مصرية ثقيلة.
الوصفة سهلة، استيقظ مبكرا واذهب إلى عملك دون إفطار، قاطع المشروبات الغازية والمأكولات الغربية، اسحب جثتك إلى ركن بين زملاء العمل، أحضر رأسين من البصل الناشف مع طبق فول مدمس بالزيت والطحينة وقطع الطماطم واخلط الجميع بعصير الليمون، جهز أربعة قرون من الفلفل الأخضر وعودين من الجرجير مع رغيفين بلدى، واملأ كوبا من شراب الطرشى بالثوم والشطة، ضع الجميع على أرضية من أوراق جرائد ومجلات مصرية، تناول فطورك بحيوية مع ترديد بعض الأدعية المناسبة، أكرم نفسك بكثير من التجشؤ، ولا مانع من أن يلكمك الزملاء على ظهرك كلما أردت ابتلاع طعامك دون مضغ كاف، احبس الطعام فى معدتك بكوب من الشاى الثقيل, افرك يديك وعبئ صدرك بقدر كاف من الهواء والدخان، وحين تشعر ببطنك الثقيلة تحرك بهدوء واربط نفسك فى دولاب العمل.
هو ربع ساعة سيمر عليك فى أمان كامل وتبدأ معك وقائع التثاؤب، تتباعد عن أذنك أصوات الرؤساء والمرؤوسين والحكماء والفنانين، تتصاعد أبخرة ثقافة على تلافيف مخك فيختلط عليك أمر الواحد مع الثلاثة ويتساوى لديك من يفكرون ومن لا يفكرون، هكذا تثقل رأسك وتصبح محايدا جميلا، جاهزا للموت البطيء، يقبل عقلك التعايش مع أفكار بليدة يروجها كبار المسئولين وبعض المثقفين.
ستطوف برأسك فكرة اجتماعية عبيطة، أن أعدائنا يشنون علينا الحروب لأنهم يغارون من جمال بلادنا، انفض رأسك قليلا من أثر الفول وماء الطرشى لتعلم أن أعدائنا يحرصون على الحياة فتوهب لهم القوة، وأن أعداءنا أقوياء بضعفنا، ذلك بأن نظم تربيتنا وهيئات تعليمنا لا تدربنا على الإحساس بالجمال فلا نحسن التفرقة بين ورود وأشواك، تتمحور ثقافتنا الشعبية حول أفكار تدس فينا أن حظنا فى الحياة هم ونكد وأن الموت خلاصنا من كل ألم، نتدرب كل يوم على أنوع بليدة من القبح، تحيطنا أضواء تعمى العيون فيما نقرأ، ونشاز يثقب الأذان فيما نسمع، وروائح تزكم الأنوف فيما نشم، ولا نتعلم أن المبتهجين بالحياة وحدهم هم القادرون على الانتماء لوطن والكفاح على عقيدة والتضحية من اجل حياة سعيدة0
ستطوف برأسك فكرة اقتصادية ساذجة، أن الأعداء يشنون علينا الحروب لأنهم يحسدون ثراء أرضنا، انفض يدك قليلا من أثر الزيت والطحينة لتعلم أن الأرض فى كل بقاعها تحمل ثروات وفيرة لأصحابها، والثروة لا تجمع بغير عمل يقيسه عالم ويضبطه خبير، الأعداء يعقدون الصفقات معنا، يداعبون الأرض تحت أقدامنا لتخرج لهم الثروات ويتركوا لنا أجر حراس المقابر، أجرنا قليل من الزاد وحجاب عورة مع وعد بحراسة مزيد من الآبار والمناجم وطرق المواصلات.
ستطوف برأسك فكرة إعلامية متخلفة، أن الأعداء يشنون علينا الحروب ليمسحوا أصالة تاريخنا العظيم، امسح يديك بأوراق الجرائد والمجلات وتخلص من أثر الشطة لتعلم أن تاريخ البشرية طوال العشرة آلاف سنة الماضية صناعة مشتركة بين الناس، التاريخ لا يعطى لأحد فضلا بعينه ولا يعطى صفاء لجنس بعينه، فالعظيم صنعته أمة والحقير صنعته أمة، وأصالة تاريخنا فى الماضى لا قيمة لها دون أن يكون لنا حداثة الفعل فى الحاضر، وأعدائنا يفرضون تاريخهم الماضى بجدية فعلهم الحاضر0
يا أخى المواطن، حين تشعر مثلنا بفساد ما يحيط بنا من آليات ثقافة تبرر تخلفنا، انفض عقلك من أفكار بليدة يروج لها مسئولون ومثقفون عن الانتماء والحرية والتقدم المأمول، ورتب حياتك على الصبر مثلنا حتى يأتينا يقين التغيير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية في بريطانيا.. هل باتت أيام ريشي سوناك م


.. نحو ذكاء اصطناعي من نوع جديد؟ باحثون صينيون يبتكرون روبوت بج




.. رياضيو تونس.. تركيز وتدريب وتوتر استعدادا لألعاب باريس الأول


.. حزب الله: حرب الجنوب تنتهي مع إعلان وقف تام لإطلاق النار في




.. كيف جرت عملية اغتيال القائد في حزب الله اللبناني؟