الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخيارات الروسية في الحرب السورية

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2015 / 10 / 11
مواضيع وابحاث سياسية



ثمانينات القرن العشرين وضعت نهايات الحرب الباردة بين شرق يقوده الاتحاد السوفيتي وغرب تقوده الولايات المتحدة الامريكية. أراد الاتحاد السوفيتي لنتيجة الحرب الباردة ان لا تكون هزيمة مذلة له، بينما ارادتها امريكا انتصارا تاريخيا تكون فيها القائد الاوحد للعالم لحقبة تاريخية طويلة.
ولم تكتفي الولايات المتحدة الامريكية، في بداية تسعينات القرن الماضي، بتفكيك اوصال خصمها وانهيار منظومته العقائدية والاقتصادية والاجتماعية، بل وسعت بكل ما تملك من وسائل القوة والتأثير، ان تقتل في الدب الروسي كبريائه الوطني وان تغرقه في مشاكل داخلية اقتصادية واجتماعية واثنية تستنزف ما بقى من عناصر قوته، وان لا تترك له خارج حدوده حليفا يستقوي به يوما. فكان لها ان تدمر يوغسلافيا، الحليف الاقرب اثنيا الى الروس، وتسعر العداء بين روسيا من جهة وجورجيا ومولدوفا واوكرانيا من جهة اخرى.
أدركت روسيا، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، اللعبة الامريكية ولكنها لم تكن تقوى على مقاومتها. ففي مواجهة الدمار الذي تعرضت له يوغسلافيا، لم تتمكن روسيا سوى من تحرك عسكري بسيط لا اهمية له، بنقلها لقوات محدودة العدد الى مطار كوسوفو. كما قبلت موسكو، ولو على مضض، بتغيير لا دستوري في هرم السلطة الاوكرانية بضغط "الميدان" الاول. وحتى عند ردها على الاعمال العدوانية في جورجيا والفوضى المدبرة في قرغيزيا، لم تكن روسيا في موقع المبادرة والتخطيط المسبق للمواجهة، بل كانت تحركاتها ردًات فعل على وقائع معادية تخلقها الادارة الامريكية على حدودها.
واستمر الحال على ما هو عليه حتى تحرك "الميدان" الثاني الذي اطاح بالرئيس الشرعي لأوكرانيا وأوصل تحالف من الفاشية الجديدة وعملاء امريكا الى سدة الحكم في كييف. فتغير الحال بعدها، لتقوم روسيا بمبادرات مفاجئة، بضمها لشبه جزيرة القرم الى اراضيها وتقديم دعم فعال للجمهوريات المنتفضة على سلطة كييف في شرق اوكرانيا. واصبحت روسيا بعدها لاعبا اقليميا هاما لا يسهل تجاوزها، خاصة بعد ان تصدت بنجاح للعقوبات الاقتصادية عليها، ووسعت قائمة تحالفاتها الاقليمية والعالمية.
ومن جهة اخرى، عملت روسيا ما بوسعها من اجل بقاء تأثيرها في مناطق العالم التي كان للاتحاد السوفيتي السابق علاقات استراتيجية وطيدة بها، مقدمة لها يد العون ومدافعة عنها في المحافل الدولية. هذا اضافة الى ان روسيا قامت بتوسيع علاقاتها وتطبيعها مع دول تعتبر تاريخيا معادية لها وتربطها بواشنطن علاقات تاريخية، تجعلها في دائرة التنفيذ للمخططات الجيوسياسية الامريكية.
ومن هنا يتبين لنا ان تدخل روسيا في سوريا لم يكن صنيعة لحظته، وقد كان نتيجة دراسة وتخطيط طويلين، لعبت فيه الدبلوماسية الروسية دورا فعالا في تهيئة دول المنطقة والتحالف الذي تقوده امريكا، لقبول فكرة التدخل العسكري الروسي في سوريا، أو على الاقل ضمان حياد الدول التي تقاتل داعش والمنظمات الارهابية الاخرى في سوريا، في حالة بدء العمليات العسكرية الروسية هناك.
بررت روسيا تدخلها بانها تقوم بحرب استباقية على الارهاب، فهي بدل ان تنتظر عودة الارهابيين، الشيشانيين خاصة، الى روسيا لتضطر لمحاربتهم على اراضيها، فإنها تستبق عودتهم اليها لتشن الحرب عليهم في سوريا، كما ان روسيا حددت وسائل حربها بالضربات الجوية، وأكدت بانها لا تنوي اطالة امد الحرب ولا تسعى لإبقاء قوات ثابتة وقواعد عسكرية جديدة في سوريا بعد انتهاء الحرب.
ومع ان الحملة العسكرية الروسية كانت قد نالت قبولا، بل وتأييدا واسعا من المجتمع الدولي. ولم يكن ذلك غريبا او مفاجئا، فروسيا تقاتل منظمات شريرة وكريهة في اساليبها التي اجتهدت في نشر افلامها وصورها البشعة على مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب. وهي تدافع عن دولة صديقة تربطها بها علاقات تاريخية قوية وتملك في مياهها قاعدتها البحرية الوحيدة في المنطقة. الا ان الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين سرعان ما انتبهوا الى ان للحرب الروسية على الارهاب في سوريا، أغراض اخرى اكثر اهمية من تلك الاهداف المعلنة.
فروسيا، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وضعت امامها هدفا استراتيجيا، سعت نحوه حتى في سنوات ضعفها، وهو خلق الظروف لعالم متعدد الاقطاب. وها هي فرصة نادرة لتعزيز مسعاها، لاحت بوادرها في الارض السورية. فلو خرجت روسيا من حربها في سوريا منتصرة، تكون قد بلغت هدفها في ان تكون قوة عظمى اخرى لها شأنها في اي قرار دولي يتخذ مستقبلا. اما لو انها فشلت في سوريا، ففي جميع الاحوال، ستبقى قوة اقليمية يعتد بها في شرق أوربا والجوار الاسيوي.
لذا فانه ليس من مصلحة روسيا على الاطلاق، ادامة امد الحرب او اظهار اي ضعف او تردد او تراجع يفرضه الضغط الامريكي والغربي المتواصل اعلاميا ودبلوماسيا من اجل ثني روسيا عن توجيه ضربات فعالة لمنظمات الارهاب التي تحظى برعاية امريكية واقليمية. كما انه ليس من مصلحة روسيا خوض مغامرة عسكرية في اي موقع اخر غير سوريا، مهما كانت الظروف. وروسيا في تقديري، تدرك ان محاولات توريطها في العراق، تهدف الى ارهاقها وتحجيم نتائج انتصاراتها في سوريا.
واخيرا، فان روسيا كانت موفقة في اختيار وحصر وسائل حربها بالضربات الجوية ودعم الجيش السوري في خططه الهجومية على مواقع المنظمات الارهابية هناك، وامداد قيادة القوات السورية والعراقية بالمعلومات الدقيقة عن تحركات القوافل المسلحة للإرهابيين ومراكز انتشارهم. ويبقى مهما، عدم تجاوز هذه الوسائل الا بما تفرضه وقائع الحرب، وفي حالات الضرورة القصوى. هذا من اجل ان يبقى الامل في انتصار روسي يغير قواعد اللعبة السياسية العالمية ويحد من حرية تدخل الدول الكبرى في شؤون الدول والشعوب الصغيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكبر هيكل عظمي لديناصور في العالم معروض للبيع بمزاد علني.. ب


.. لابيد يحذر نتنياهو من -حكم بالإعدام- بحق المختطفين




.. ضغوط عربية ودولية على نتنياهو وحماس للقبول بمقترحات بايدن بش


.. أردوغان يصف نتائج هيئة الإحصاء بأنها كارثة حقيقية وتهديد وجو




.. هل بإمكان ترامب الترشح للرئاسة بعد إدانته بـ34 تهمة؟