الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر عباس خضير ـ الحرب والاعتقال والمنفى والذهول

حمزة الحسن

2003 / 1 / 13
الادب والفن



 

             خاص: الحوار المتمدن


  كلما قرأت الشاعر عباس خضير خطر لي ان هذا الكائن قدم الينا من الاتجاه الغلط، اي الاتجاه الذي لا أحد يتوقع منه ظهور أحد أو شروق شمس أو بزوغ نجمة أو قدوم نشيد أو غيمة أو زخة مطر.

وكثيرا ماتساءلت: ماذا يفعل هذا البريء بيننا اذا كان مصمما على الاعتصام داخل طفولته رغم كثرة الايدي الممدودة لاخراجه منها؟ وكيف نجا عباس من اغتيال وتشوه الذات؟ في هذه الحقبة الصعبة ليس مسموحا لأحد ان ينشد للبراءة لحسابه الخاص، وليس مسموحا لأحد أن يظل نقيا ونظيفا وطاهرا حتى في مكان بعيد وناء ومنعزل لأن الجمال يعري ويكشف نظما ومؤسسات وأفرادا من مصلحتها أن يدخل الجميع في نسيج البشاعة ويضيع "الابتر بين البتران" كما تقول الحكمة الشعبية البسيطة
والمفعمة بالخبرة والمعنى والوضوح.

  عباس خضير ولد في عام تأسيس الجبهة الوطنية في 73.واعتقل في عام 93 بعد سنتين على نهاية حرب الخليج الثانية.
  واطلق سراحه 95.وطرد من الجامعة في السنة ذاتها.  وخرج من العراق سنة 96.
وطاف يبحث عن بقعة ارض في قارات العالم حتى عثر مؤقتا على منزل وامراة ونافذة ومدفأة في ألمانيا.  لكن ورطة عباس خضير لا حل لها لأن البراءة تمُأزق. لماذا لا يخرج عباس من طفولته الى هذا الزمن الحافل بالعجب العجاب ويدخل في النسيج العام ويكف عن هذا العصيان الابدي، والتطرف، داخل طفولته، ويتوقف عن أن يكون مختلفا وأعزل ومنشدا خارج الجوقة؟  قصائد عباس خضير هي قصائد جاءت في غير موعدها، لأننا الان على موعد مع اشياء كثيرة، ومع قصائد كثيرة ليست البراءة واحدا منها، وهذه البراءة، كما قال الدكتور حسن ناظم في مقدمة لديوان عباس " تدوين لزمن ضائع" هي براءات جمة ومنها براءة العمر وبراءة الحس وبراءة الاهات وبراءة اللغة.

وكل واحدة من هذه البراءات فخ.لكن هل يمكن فعل تدوين زمن ضائع؟ واي زمن هذا الذي يريد الشاعر تدوينه خاصة وان
سيرته هي سيرة قتيل مؤجل ومشروع موت تم نسيانه بحكم مصادفة هنا أو اهمال هناك أو غفلة؟

هل يمكن تدوين زمن الحرب الذي عاش الشاعر مشاهده وهو طفل في الخليج الاولى، ثم عاشه وهو شاب في الخليج الثانية؟

هل يمكن تدوين عذابات السجن وحكم الموت المؤجل؟
لماذا لا ينسى الشاعر هذا التاريخ؟

كل هذه الاسئلة مشروعة وتنطبق على اي شاعر في العالم إلا عباس خضير نفسه، والسبب ان هذا الشاعر كان يعيش في وعيه مشاهد الحرب الاولى وهو يحلم بعالم نظيف وبريء ونقي، اي انه كان خارج لعبة الحرب الفعلية.

وكان في الحرب الاخرى، كما في السجن، وفي المنفى الان، يعيش لعبة الهرب والاختباء المدهشة والطفولية التي لا يجيد غيرها وهي العزلة داخل عالم طفولي بعيد عن كل مايدنس الانسان ويخدش كرامته.لكن حتى داخل هذه العزلة وفي نسيج البراءة المحكم كان  يجب أن يدفع ثمنا ما، كاد أن يكون باهظا ، لكن انقذه هذه المرة عقل الشاعر حين اعلن هو الاخر،
وفي لحظة نفاد الطاقة،العصيان، والذهول، والانفصام، وهو آخر سلوك دفاعي للضمير في مواجهة موقف فوق الاحتمال يشبه موقف الانسان الاول حين يواجه الاسد في مكان ما مفاجيء فيصاب بالاغماء لكي يهرب من الموقف كله.

هرب عباس خضير الى الذهول والانفصام رافضا اية تسوية مع اي شيء لا يريده. والانفصام بتعبير جاك ديريدا هو سلوك ضد التدجين والالفة والقبول والقناعة الزائفة والتصالح مع اوضاع غير انسانية.  الانفصام منقذ، حين يكون الاندماج  في القطيع إغترابا ومنفى أو جريمة احيانا. جريمة المشاركة في حفل عام للزور والنميمة.هذا الشاعر كان يجب أن يكون قاطع طريق أو لصا أو وحشا أو جلادا بعد كل تلك المرارات التي عاشها باكرا ولم يكن مستعدا لها لكن ، ومرة أخرى، كانت
الطفولة منقذة، وكانت البراءة منقذة، وحين صار الموقف فوق الاحتمال جاء الذهول ليعلن قفل الباب.
هل هناك طفولة يمكن ان تستعاد قسرا؟ هناك من قال عن الشاعر الفرنسي رامبو انه الشاعر الذي استعاد طفولته قسرا وان الشعر هو الطفولة المستعادة بالكلمات.

هذا حين حين تكون الطفولة طفولة حقا وليست كارثة أو حربا أو موتا أو سجنا، لكن عباس خضير يرى في طفولته غير مانراه نحن الشهود على السيرة.


يجلس الشاعر على الرصيف وهو يصرخ أويشتم أو يبكي أو يضرب العالم بالاحجار والكلمات لعله يستيقظ.

  " كان الجلادون يعدون لصمتي
       وجبة عشاء أخرى"


وعباس خضير بخيل بالشتيمة على هؤلاء، على الجلاد العلني، والجلاد المختبيء خلف قناع، لأنه يعرف، كما يقول أنسي الحاج، ان الشتيمة هي سلاح جبار، وهي سلاح الاعزل، وهي لغة انسانية ذات قيمة كبيرة كما يقول سارتر ولا يجوز منحها
لمن لا يستحق، فهي آخر سلاح بيد الفقراء، وهي باقة ورد حرام ان توضع على رقبة خنزير أو شاذ أو وسخ.


ان  قصائد ديوان" تدوين لزمن ضائع" هي سيرة رجل اعزل ووحيد كلما داهمته الاقدار والاوضاع والظروف بماهو غير متوقع أو منتظر، دخل في صدفة الطفولة حتى نهاية العاصفة.

  إنه الثعلب القطبي في العواصف الثلجية.
  انه زوربا اليوناني وهو يكتب قصيدته رقصا على الارض.

   وحين تفشل الطفولة في توفير الحمية والامان والدفء، يلوذ بالانفصام، وحين لا يعود هذا قادرا على حراسة القلب من الاوجاع، يلجأ الى الحب.

وهذا الشاعر الان مقيم في المرأة.
المراة الكبيرة وطن.
وهي آخر ملاذات الشاعر.

لكن الى اين يمضي اذا انهار الحصن الاخير؟!

 

             مقاطع من قصائد الشاعر

     1من قصيدة: خمر الحزن الحمائم


         هائل
         هو انتظاري
         كما ربية تهفو لنجمة صبح عشية الرصاص،
         كما وقف الوجه حائرا بين بساتين القتل والهزائم
         مرغما على وجعي.
         مكرها على الرقص  وحيدا تحت القرابين
         انا ياعربات الانتظار،
         موزع على بريد المسافة، حجرا..
         تعبره الحمائم من هنا،
         وأنا أصفق للموت.

 

  2 من قصيدة:سيرة مبسترة


     تطايري، ايها الاجساد المثقوبة بالورد،
     تطايري، ايتها القبعات المثقوبة بالرصاص
     تطاير، ايها القلب المباح للمراكب الغريبة
    تطايري، ياأبجدية دوار البحر
    تطاير، ايها الشاعر ولا تعد.


3 قصيدة: سياسيون

  ينشرون العالم امامي
مقسما على رقعة شطرنج
جنودا، جنودا:

كلب احمق
كلب مسعور
كلب دنيء
كلب وفي
لا تستغربوا اذن
ان نبح علينا العالم


4 قصيدة: الى...

أأقدار هي؟!
أن أبقى ساقا خضراء
عصية على النار
وكلكم رمادْ

5 قصيدة: خاتمة

لا سيجار لك
نشعله
غيفارا

6 قصيدة: خاتمة اخرى


في كل صباح
لي ولادة اخرى
للموت.


ــــــــــ
ديوان: تدوين لزمن ضائع/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد


.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم




.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?


.. لعبة الافلام الأليفة مع أبطال فيلم البحث عن منفذ لخروج السيد




.. إيه الدرس المستفاد من فيلم البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو ب