الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا انفجر الشباب في الضفة الغربية والقدس؟

عماد صلاح الدين

2015 / 10 / 12
القضية الفلسطينية




كان معظم المحللين السياسيين، والمتابعين للمشهد الفلسطيني، في الضفة الغربية، يتحدثون عن استحالة قيام انتفاضة ثالثة فيها، ويعزون ذلك إلى تبدل الثقافة الوطنية الفلسطينية فيها، وحلول محل منها الثقافة الاستهلاكية، وعملية صناعة الفلسطيني الجديد؛ بأبعاد ثقافية وسياسية، وحتى أمنية جديدة ومركزة.

وبالفعل، جرى الأمر أعلاه في الضفة الغربية، تحديدا عقب أحداث غزة عام 2007، من خلال مشاريع مالية وأمنية، وبغطاء سياسي محلي مدعوم، من أطراف إقليمية ودولية، وفي المقدم منها الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول الأوروبية، ومؤسسات دولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وغيرها من مؤسسات التمويل والإشراف.
وحدث على ضوء ذلك، حالة من الاتجاه البارز، نحو الاستهلاك وقيمه السيولية والسريعة المتسرعة؛ إن كان ذلك على مستوى القروض الربوية، من معظم البنوك المنتشرة في أراضي الضفة الغربية، أو من مؤسسات قرضية أخرى ذات فوائد مرتفعة. وجرى- كذلك- تسابق بين الناس على الاستهلاك، فيما يخص الكماليات، في حين أنهم يعانون الأمرين، في تلبية حاجاتهم الأساسية.

وجرى التشجيع على مسالة الاختزال، في تمرير المشاريع المادية والاجتماعية المختلفة والمتنوعة؛ فتجد الشاب الفلسطيني ابن العشرينيات من عمره، والذي لا يزال يحاول شق طريقه في الحياة مبتدءا، قد تم توريطه بقروض لأجل الزواج وشراء الشقة والسيارة الفاخرة والنقال الفاخر وغيرها في آن معا تقريبا، في حين انه يتقاضى راتبا أو أجرا ضئيلا، يتم كل ذلك من خلال دعوات البنوك والمؤسسات المختلفة الحثيثة، لأجل الحصول على قروض بضعف راتبه 70 مرة مثلا أو ربما يزيد، حتى أصبح معظم رواتب موظفي السلطة الفلسطينية، تبقى في بطن البنوك، ولا تخرج للصرف في جيوب هؤلاء الموظفين، سدادا لتك القروض.

وقد تزامن مع ذلك كله، حالة من تضخم الأسعار هائلة، وخصوصا في مسالة الرسوم والضرائب والمكوس؛ بحيث أصبحت مضاعفة في بعضها عشرات المرات، وبحيث أصبح كقاعدة لسمة النمط المعيشي الفلسطيني في الضفة الغربية، انه لا يوجد قدرة على الادخار لمعظم شرائح الناس الطبقية والاجتماعية، وتلاشت تقريبا ما عرف كلاسيكيا في الأراضي المحتلة حالة الطبقة الوسطى، وأصبح الإنسان في أحسن أحواله مدينا ببعض ألاف الشواقل أو الدنانير، وفي حالات كثيرة جدا إلى درجة تمظهر الظاهرة، بوجود مدينين بعشرات ومئات ألاف الدنانير والشواقل، وقد مس هذا الغالب الأعم من الفلسطينيين في الضفة الغربية.

وأدى هذا كله، إلى حالة تفشي الأمراض الاجتماعية والأخلاقية في المجتمع؛ فكثير من الناس أصبحوا مضطرين للكذب واللف والدوران بخصوص ديونهم، مع انه معروف عنهم – تقليديا- أنهم من حسني الأخلاق والسلوك. وبهذا انتزعت الثقة ما بين الناس حتى بين اقرب المقربين للإنسان الفلسطيني هناك. وهذا ساهم في انتشار الإحباط واليأس والخداع، والميل إلى التكاسل والخمول الإنساني والاجتماعي والمهني، وأخيرا الوطني.

هذا على حين، أن جماعات شبه مافيوية سياسيا وماليا واقتصاديا وربما امنيا، ترتع بثروات الناس مقايضة لمقاولة تدبر أمرهم في إزاحة الهم الوطني لصالح هموم خاصة قاتلة لهم، وتزاوجا من ناحية أخرى مع بعض قطاعات رأس المال المتنفذ والمحتكر فلسطينيا.

وكل ذلك أعلاه، أتى ويأتي في ظل احتلال إحلالي وعنصري، وفي ظل سلطة تحت الاحتلال، وفي ظل أوضاع إنسانية هي صعبة بالخصوص على المجتمع الفلسطيني، الذي يعاني الفقر والجهل والمرض وعدم الوعي.

والاحتلال الإسرائيلي، استغل الأوضاع الفلسطينية الغاية في السوء، في غير صعيد، وتحديدا فيما يتعلق بالانقسام الفلسطيني الفلسطيني، وعموم الأوضاع العربية الأسوأ في تاريخها المعاصر؛ فأراد هذه المرة تنفيذ خطوات متقدمة في مشروعه سواء في الضفة الغربية أو في القدس وتقسيم المسجد الأقصى زمانيا ومن ثم مكانيا، بالإضافة إلى عديد جرائم القتل والحرق بحق أفراد وعائلات فلسطينية تقريبا بأكملها في الضفة الغربية وقطاع غزة، فكان بسبب ذلك كله وقوع الانفجار المتصاعد في الضفة الغربية شعبيا- هذه المرة- ومن فئة الشباب التي تعاني أقسى الظروف الإنسانية، على حداثة عمرها وتجربتها في الحياة، وهذا أيضا ما شاهدناه في اندفاعة الشباب نحو الحدود الشرقية لقطاع غزة مع الكيان الإسرائيلي.

إن الفلسطينيين منذ سنوات عديدة وطويلة نسبيا، ومنذ أوسلو أصبحوا يقعون في دائرة رد الفعل بدلا من الفعل الممنهج والمنظم في الدفاع عن أنفسهم وحقوقهم الإنسانية والوطنية، وأصبحت ردة الفعل هذه تتكرس عبر السنوات مع التأثير المباشر وغير المباشر على مسالة الوعي والإدراك والتطلع إلى مستقبل القضية والهوية الوطنية الفلسطينية.

إن إسرائيل عملت على اكتساح الفلسطينيين إلى درجة الدهس والهرس، ومن ثم التقطيع والحرق ديموغرافيا وجغرافيا، مما حدا بالفلسطينيين إلى ممارسة دهس وهرس مستوطنيهم وجنودهم بسياراتهم الخاصة وغير الخاصة، والى طعن وتقطيع أجسادهم بالسكاكين والحراب كردة فعل على كل هذا الإجرام الإسرائيلي. والفلسطينيون في هذا غير ملومين، لان إسرائيل لم تستبق لهم شيئا.

و الفلسطيني اليوم، بحاجة إلى إعادة تأهيل ثقافيا وسياسيا ووطنيا وحتى ماديا في ظل الأمراض الإضافية الخطيرة، التي أتت له عبر أوسلو وعلى مدار عشرين سنة. وهو بحاجة إلى إعادة الثقة بين أفراده وجماعاته وطبقاته وفئاته وأحزابه وعلى العموم، بسبب الآثار المدمرة للمحددات السياسية والوطنية والأمنية والمالية التي جلبتها الاتفاقات الفلسطينية الرسمية مع إسرائيل، ليكون للعمل الثوري مبادرته الايجابية والتراكمية المستمرة، على طريق التحرر وتقرير المصير.
لقد تم إيصال الفلسطيني إلى درجات خطيرة من فقدان القدرة على استبصار الأمل والثقة بالذات وبالغير، وعلى التوجيه السليم نحو المستقبل، مع ما يعانيه –أساسا- من اهانة وذل وكبت وألم ذاتيا وموضوعيا، في ظروف الاحتلال الإسرائيلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. #ترامب يهدي #بايدن أغنية مصورة و النتيجة صادمة! #سوشال_سكاي


.. التطورات بالسودان.. صعوبات تواجه منظمات دولية في إيصال المسا




.. بيني غانتس يهدد بالانسحاب من حكومة الحرب الإسرائيلية


.. صحفيون يوثقون استهداف طاي?رات الاحتلال لهم في رفح




.. مستوطنون ينهبون المساعدات المتجهة لغزة.. وتل أبيب تحقق