الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخطاب الفلسطيني وتغطية المواجهات

ناجح شاهين

2015 / 10 / 13
مواضيع وابحاث سياسية



هل هناك شيء من التلذذ والتباهي عند ذكر الشهداء وتزايد أعدادهم؟ أرجو من أبناء جلدتي أن يفكروا معي في ذلك عند الاستماع إلى المذيعات والمذيعين الفلسطينيين من المشارب والاتجاهات المختلفة وهم يقولون بشيء من الفرح شبه المعلن: "وأشارت بيانات وزارة الصحة إلى ارتفاع عدد الشهداء إلى ..." لماذا هذا "اللعب" بالدم وبالمأساة الفردية للفتية والفتيان؟ سوف أقول الجواب بجملة واحدة: إنها حكمة تم تطويرها في لبنان قبل بزوغ إرهاب حزب الله فحواها أن قوة لبنان في ضعفه وفي درجة معاناته بحيث يتمكن من الحصول على رعاية الأقوياء.
هنالك من ألقى في روعنا: في روع مصطفى البرغوثي وزهيرة كمال وبسام الصالحي وعبد الرحيم ملوح ورياض المالكي وقيس عبد الكريم وتلفزيونات وطن وفلسطين اليوم وفلسطين ونابلس...الخ أن المقصود هو أن نفضح الاحتلال ونثبت أنه غير أخلاقي. المباراة من جانبنا تستلزم أن نموت وأن يظهر الاحتلال في مظهر الوحش الفاشي المعتدي المفتقر للقيم الإنسانية، قاتل الأطفال ومنتهك حقوق الإنسان. ومن أجل ذلك يلزم أيضاً أن لا نفعل شيئاً يسيء لصورتنا بصفتنا الضحية العاجزة التي لا تستطيع شيئاً سوى انتظار شفقة الشعوب المتحضرة التي أنفقت ما يربو على عقدين ونصف من الزمن في تدريبنا من جيبها الخاص على قيم حقوق الإنسان وقيم: make love not war
حسناً لعبة حقوق الإنسان هي اللعبة الوحيدة في المدينة منذ أن تفكك الاتحاد السوفييتي. ولست واثقاً من أن إخوتي يجهلون أن المال قد أنفق بسخاء لتدريب الفلسطيني على حقوق الإنسان ولكنه لم ينفق بأي شكل لتدريب جارنا "الإسرائيلي" على الموضوع ذاته. لست واثقاً أيضاً من أن إخوتي يجهلون أن حقوق الإنسان بضاعة راجت أولاً في مواجهة الاتحاد السوفييتي وكتلته عندما كانت الدنيا تقوم ولا تقعد بسبب منشق سوفييتي يهودي يتم وضعه قيد الإقامة الجبرية. طبعاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي قامت الولايات المتحدة زعيمة العالم الحر بدون منازع بحروب واسعة قتل فيها ملايين البشر في العراق وأفغانستان وصربيا. ولم تجد حقوق الإنسان شيئاً في حماية الأبرياء الذين أبيدوا في مناطق كثيرة من العالم وخاصة العراق. حقوق الإنسان أيديولوجيا تستعمل في خدمة المصالح التي تهم "العالم الحر" لا أكثر ولا أقل. ولا يستطيع معتقلو غوانتانامو أن يستفيدوا منها شيئاً، ولكن أي شخص في جهة المصالح الأوروبية والأمريكية والإسرائيلية يمكن بالطبع أن يتمتع بالحماية الكاملة من قوى القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ومنظمات حقوق الإنسان المختلفة.
ولكن هل يؤمن أصحاب خطاب الضعف الفلسطيني في مواجهة الغطرسة والجبروت والعدوان "الإسرائيلي" بأن خطابهم سوف يؤثر في مواقف العالم الحر؟ إذا كان هذا إيمانهم فهم على الأغلب واهمون. ليست قنواتنا التلفزيونية الناطقة بالعربية قادرة على الوصول إلى أحد خارج حدودنا. ومعنى ذلك أن هذا الخطاب إنما يتم استهلاكه واستدخاله من قبل أبناء شعبنا. وهنا بيت القصيد، إذ يبدو أن النتيجة الفعلية للتغطية الإعلامية الأيديولوجية الراهنة هي أن يصل الفلسطيني إلى قناعة مفادها أن عليه أن يتسول الحقوق من الدول الرأسمالية الاستعمارية الكبرى صديقة إسرائيل. ولكن ما قد يغيب عن البال هو أن هذا الاتجاه يحكم العمل الفلسطيني منذ أوسلو. فماذا كانت النتيجة؟ تقدم العدو أكثر نحو مزيد من الاستيطان وقضم الأرض، والتوسع باتجاه تطهير فلسطين نهائياً. هذه لعبة خطرة وقد تقود إلى إنجاز يأس الفلسطيني وقناعته بالعجز التام مما ييسر على المشروع الصهيوني التقدم بخطى أكثر ثباتاً نحو خط النهاية.
حاول حسن نصر الله أن يبين أن سنوات وسنوات امتدت على مدى عقدين من الزمن في السبعينيات والثمانينيات شهدت عدواناً متصلاً للطيران "الإسرائيلي" على جنوب لبنان، ولم يحدث شيء باستثناء بيانات الشجب العربية، مع بعض القرارات الدولية التي طالبت "إسرائيل" بوقف ذلك أو بالاهتمام بعدم إيذاء المدنيين، لكن شيئاً لم يتغير في المستوى السياسي. كادت "إسرائيل" أن تبتلع جنوب لبنان ومياه لبنان، ولكن المقاومة غيرت قواعد اللعبة. تقول المقاومة أشياء حول انتهاك "إسرائيل" لحقوق الإنسان، ولكنها ترفق دعاء حقوق الإنسان ببعض "قطران" المقاومة. وهكذا أصبح الحال عندهم "مستورا" بينما ظل عندنا مفضوحاً.
الخطاب الفلسطيني مصر على أن يتسول الحماية الدولية، ومنظمات حقوق الإنسان، وقرارات الأمم المتحدة، وهو في الحقيقة يفعل ما يناسب العدو من حيث عدم إزعاجه بأي فعل جدي. ومن هنا فإن المواجهات الحالية إنما تزيد معاناة الفلسطيني الذي يصل في النهاية إلى الاقتناع بأنه لن يستطيع شيئاً فيذبل عطاؤه وينتي به الأمر إلى القبول بالمزيد من التنازلات على طريق فقدان ما تبقى من فسيفساء الأرض الفلسطينية.
ما العمل؟ بالطبع: ما العمل؟ لا بد من البحث عن عناصر القوة الأخرى، ولا بد من الإقلاع نهائياً عن قواعد اللعبة المحددة منذ أسلو، وهذان شرطان ضروريان وإن لم يكونا كافيين لتغيير احتمالات الواقع والمستقبل. أما حراك الأطفال في ظل الشروط ذاتها فلن يقود إلا إلى إعادة إنتاج الشروط والإمكانيات ذاتها على نحو أسوأ.
لسنا نظن أن اتفاقيات السلام التي توقعها "إسرائيل" بين الفينة والأخرى إلا استراحات صغيرة على درب إكمال مسيرة التطهير العرقي التام الهادف إلى أن تكون أرض إسرائيل أرضاً للرجل الأبيض وحده لا ينغص عيشه فيها أحد من العرب الفلسطينيين. وهذه المسيرة تشبه تماماً مسيرة الرجل الأبيض في أمريكا. ولذلك تحظى "إسرائيل" بالحب والرعاية، ولذلك أيضاً لا يهم أن يكون سكان إسرائيل ومواطنوها يهوداً أو مسيحيون روس أرثوذكس أو حتى ملاحدة. المهم أن يكونوا بيضاً ما أمكن مع أن بعض الإثنيات المتدنية النوعية من قبيل الأفارقة قد تكون مفيدة من أجل اعتبارات العمل الشاق الذي تقتضيه السوق. وذلك بالطبع يسهم في التخفيف من الحاجة إلى شر العمال العرب الذين يقومون بالعمل الأسود في معظم الأحيان.
ليس بالوسع منطقياً أو سياسياً أن نلوم "إسرائيل"، كما أن محاولة إثبات أنها "شريرة" عملية عبثية تصب في خانة طحن الماء أو تحصيل الحاصل المنطقي أو الرياضي. ذلك أن المشكلة ليست في أداء "إسرائيل"، المشكلة هي في أداء العرب والفلسطينيين الذين يشيحون ببصرهم بعيداً عن الوقائع التاريخية السابقة والراهنة بغرض أن لا يضطرهم ذلك إلى الاعتراف بأن أية أوهام تتصل بالتسوية لا فائدة ترجى منها إلا لإسرائيل، لأنها تمثل المدخل السياسي الضروري لإكمال الخطة "داليت" التي لم تكتمل كما ينبغي في "نكبة" العام 1948. ولا بد أن ذلك الاعتراف مزعج جداً للفلسطيني والعربي، لأنه يتطلب منه أن يتوقف عن بناء الأبراج في دبي وعمان ورام الله، من قبيل برج الشيخ خليفة الشهير أو مدن روابي والياسمين. ذلك أن الأبنية الخرقاء لا تتوافق مع طلب مزعج آخر يتصل بتفعيل المقاومة بأشكالها المختلفة، وخصوصاً –لأسفنا الشديد- الشكل المسلح منه.
نستطيع أن نواصل إلى الأبد دون أن يدري بنا الكثير من خلق الله هجاء "إسرائيل" بسبب انتهاكها لقواعد الأخلاق منذ أرسطو ومسكويه مروراً بكانط وانتهاء بالأخلاق الليبرالية المعاصرة لجون رولز وغيره. وذلك لن يؤدي إلى شيء في الواقع السياسي، كما أن تهمنا الأخلاقية ذاتها ستظل موضع جدال وأخذ ورد قد ينتهي وجودنا في فلسطين قبل انتهائه. طريق المقاومة طريق مختلف، ولا بد أن أبناء وطني يعرفونه أكثر من خبراء منظمات حقوق الإنسان الغربية الذين يهيمنون للأسف على مفاتيح الخطاب الفلسطيني الراهن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترامب يحصل على -الحصانة الجزئية- ما معنى ذلك؟ • فرانس 24


.. حزب الله: قصفنا كريات شمونة بعشرات صواريخ الكاتيوشا ردا على




.. مشاهد من كاميرا مراقبة توثق لحظة إطلاق النار على مستوطن قرب


.. ما الوجهة التي سينزح إليها السكان بعد استيلاء قوات الدعم على




.. هاريس: فخورة بكوني نائبة الرئيس بايدن