الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الواضح الغامض في العراق

محمد خضير سلطان

2005 / 10 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


يذهب مبدأ” الواضح الغامض“في النزعات الفكرية الانسانية، بان غلالة من الغموض تتخلل الظواهر الانسانية بالرغم من وضوحها والمرء لايتأمل ظاهرة ساطعة، جلية الا وتكشف في جوانبها عن درجة من الخفاء والعتمة ما يجعلها مادة لاضاءة جمالية وفكرية، لان الوضوح لايستنفد دفعة واحدة ما لم يتح الغموض في جوانبه مجالاً واسعاً لتحفيز المدارك نحو الاكتشاف والتعرف الحقيقي على الاشياء من جديد.
وقد اختفى الشاعر العربي علي احمد سعيد” ادونيس “ في كتابه الشعري” احتفاء بالاشياء الواضحة الغامضة “ باستعادة الوضوح والغموض معاً في الاشياء واطلاق رؤياه الشعرية على النحو الذي يشكل محاولة في تكامل ووحدة الاثنين .
في العراق المتحرك كظاهرة سياسية والمنفعل كظاهرة فكرية الان في المنطقة والعالم، بوسعنا على نحو معين ان نستجمع كل المظاهر فيه من اجل دفعها نحو اختبارية الوضوح والغموض ومفارقة الوحدة بينهما. نقتصر بايجاز على ظاهرتين فقط للدلالة ويمكن للقارئ الكريم ان ينظر المفارقة بتطبيق المبدأ لدى كل ظاهرة يختارها.
الظاهرة الاولى، السقوط السريع للنظام الديكتاتوري في 9 / 4 / 2003 ، الذي كابد وقاسى العراقيون جراءه شتى صنوف القمع والعسف والتنكيل قل نظيره في التاريخ طوال الاربعة عقود المنصرمة حتى بات من الواضح والجلي، ان انهياره بمنزلة انهيار الجحيم وبغروبه سوف يحل الفردوس على ارض العراق .
لم تمر اشهر في خضم ردود الافعال الدولية والاقليمية حتى ادرك العراقيون، ان” آثار “ الاستبداد والطغيان، هي القضية الاكبر من انهياره ويحتاج الشعب العراقي بكل مكوناته الاجتماعية الى طاقة قصوى للقضاء على الاثار المتجذرة، تساوي قوة القضاء على السلطة القمعية.
واكتشف الناس، ان سقوط الطغيان لايهب الحياة ما لم تستكمل بالقضاء على آثاره، والملاحظ للمراقب، ان فلول الطغيان وقواه الارهابية بعد القضاء على السلطة المركزية، استعادت التشبث بالمرجعيات الاجتماعية والدينية التي هي منها براء، وتحاول زج نفسها في الانتاج الاجتماعي الفاقد للسلطة، وتلك ثقافة خطيرة تستبدل الوضوح بالسلطة المفقودة منها بمضمار جديد ومراوغ من الغموض في المجتمع الذي يرفضها.
وهذا يفرض على مؤسساتنا السياسية الجديدة، التفرس في طرق الاحتيال والاحابيل الثقافية لفلول الاستبداد وقطع الطريق على مرجعياته الاجتماعية والدينية وفك الارتباط الزائف بها.
الظاهرة الثانية، هي محاكمة الطاغية التي تبلغ درجة من الوضوح والجلاء بحيث لايختلف اثنان الاول قاضٍ والثاني مواطن عادي على نتيجة المحاكمة وانزال اقسى العقوبات لابسط جرائم الطاغية ولكن الغموض الذي ينشأ في افئدة الناس ويتحرك في وسائل الاعلام، يكمن في المفارقة العميقة او البسيطة في ان الطاغية ليس شخصاً مجرماً حسب انما هو منظومة قانونية قمعية، كان يمثل هرمها الاعلى وهو لم يأت من الفراغ الكوني فقد كان نبتاً ساماً ووحشياً في الارض والانسان المتعينين في تاريخنا وعصرنا ومن ثم فان محاكمته لاتمثل مرافعة لانزال اقسى العقوبات به، لان مثل تلك العقوبة لم تنوجد بعد بحجم كوارث الطاغية بل هي الفرصة التاريخية لانشاء وتكوين منظومة قانونية انسانية تستطيع ان تحمي الارض مستقبلاً من هذا النبت البري الضار.
وعلى ذلك لاتكمن الصعوبة في قرار المحكمة ولكن في ابتكارية القضاء لمنظومة قوانين تاريخية، تحتوي جريمة الطاغية وتناسب انزال القصاص العادل به.
لعل بعضاً من المعايير الملتبسة في ضوء الظرفية السياسية اقليمياً ودولياً تزيد من الغموض في هذه الظاهرة ومثال على ذلك المسار المتصاعد للملف القضائي واطنان الوثائق في وقائع محاكمة الطاغية، كلها تحاول ان تتجنب ما تفرضه الظرفية السياسية، وبالرغم من استقلال القضاء تتأثر مساراتها بقدر من الضغط وأجراء توافق زمني بين القضاء والمعطى السياسي واذا لم يكن كذلك، كيف نفسر اقتصار المحكمة على تكامل قضية الدجيل لدى المحكمة وعدم تكامل القضايا الاخرى الكثيرة. هل يعني انطلاق جلسات المحاكمة على ضوء قضية واحدة كما تقرر في الخامس عشر من شهر تشرين الاول الجاري ام ان ما يترتب في سياق ومعطيات الوضع السياسي يكسب الملف القضائي تعجيلاً ممكناً وفي خطى متوازنة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا