الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع الحضارات .. فخ منصوب فلا تقعوا فيه

جعفر المظفر

2015 / 10 / 14
مواضيع وابحاث سياسية



بمناسبة موسم الإنتخابات في امريكا وكندا وفي غيرها من الدول يكثر الكلام عن حجم وتاثير الصوت المسلم على نتائج الإنتخابات وكأن هذه المجتمعات صارت تماما ساحة لتنافس أحزاب وتجمعات وأقوام مسيحية وإسلامية ويهودية وبوذية. هكذا نقترب من هذه المجمتمعات بطريقة خاطئة وبعقل لا علاقة له البتة بطبيعتها وطريقة تفكيرها ومستوى تطورها. قضيتنا في أمريكا وكندا وكل المجتمعات الأوروبية ليست قضية إسلام في مواجهة دين آخر بل قضايا إنسانية مشروعة.
نحن نتحدث عن وجود مؤامرة دون أن ندرك أننا نحن أول المتآمرين على أنفسنا. قراءة سريعة لكتاب صموئيل همنغتون المعنون صراع الحضارات سوف تجعلنا نفهم أن هذا بالضبط ما تريده الدوائر المعادية: أن يكون الصراع ذا بعد واحد هو البعد الديني الذي يقوم بدوره بإلغاء كل اشكال ومستويات الصراعات الأخرى التي يتقدمها الصراع الإقتصادي وما يتفرع منه على المستويات الإنسانية والوطنية.
إن طريقة الإيحاء السياسي غالبا ما تجني ثمارها. يتركونك تتصور انك قوي ومهيوب والغرب كل الغرب يخاف منك ويحذرك. هكذا صوروا لصدام حسين أن قنبلته الصوتية لوحدها ستكون قادرة على ان تترك الأعداء صما بكما عميا لا يفقهون, وإن بإمكان جيشه الخامس الوصول إلى اي مكان يرغب, وذلك بإشارة واحدة من خنصره فكيف إذا أعطى تلك الإشارة بسبابته.
هو صدق بما أرادوا منه أن يصدقه فظن أنهم مصدقون بما أرادوا منه أن يصدقه, وكانت نتيجة الإيحاء كارثة. إيران تعيش نفس المأزق, صدقت أنها صارت إمبراطورية يخشاها الغرب وإن بإمكان حرسها الثوري أن يجدع الأنوف ساعة يشاء. وأخشى عليها أن تصدق بأنهم صدقوا بما أرادوا لها أن تصدقه فتسير على نفس الدرب.
في صراع الحضارات الذي يضع الإسلام في مقدمة المتصارعين مع الثقافة الغربية ((المسيحية !) : الحضارة الغربية لم تتاسس إلا على أشلاء إندحار الفكر الديني المسيحي السياسي وبالضبط من خلال تجاوز العلاقة ما بين الدين والدولة. هناك خدعة تحاول أن توهمنا ان هناك صراع حضارات بالفعل, بينما في الحقيقة هناك صراع حضاري من جانب واحد, اللهم إلا إذا إعتبرنا أن الحالة السعودية والباكستانية والأفغانية والعراقية والسودانية وكل الحالات الإسلامية الأخرى هي حالات حضارية منافسة وكفء لأن تكسب السباق ولو دخلته على عكازة.
لقد إنتصر الغرب أولا على (مسيحيته). هو لم يدعو قومه إلى أن يتركوا دينهم بل سمح لهم بممارسته في كنائسهم وفي بيوتهم ويتركوا الشارع للناس من كل دين وللناس بلا دين. كل ما يقال عن وجود عقيدة صليبية بالمعنى السلفي لدى رجال السياسة الغربيين هو محض إيحاء كاذب لأن هؤلاء الساسة كانوا قد خاضوا معركتهم ضد الصليبية في بلدانهم قبل أن يفكروا بوضع قمرهم على قمر الله.
ما يريده العتاة من أولئك الساسة أن نعتقد بأنهم ما زالوا صليبيين حتى نكون نحن أيضا صليبيين على طريقتنا الإسلامية. هنا أصل الداء في مرحلتنا الحاضرة: أن يحاربونا بإسلامنا لا أن يحاربوا إسلامنا, وأن يتآمروا علينا بإسلامنا, لا أن يتآمروا على إسلامنا, وإسلامنا الذي أقصده هو إسلامنا السياسي الذي لا يفرق بين الجامع والجامعة ولا يعترف حتى هذه اللحظة بأن الدين لله والوطن للجميع.
إن إسرائيل لم تنتصر علينا في فلسطين. نصرها الحقيقي هو ذلك الذي حققته في المجتمعات الأوروبية حينما إستطاع اليهودي ان يكون جزءا لا يتجزء من تلك المجتمعات. أمريكا نفسها لم يصنعها الكاثوليك والبروتستانت لوحدهم وإنما شاركهم اليهود تلك الصناعة أيضا, ولا تصدقوا الكذبة التي تقول أن اليهودي لا يستطيع أن يخلع جلباب المرابي. فقط تعرفوا على عدد اليهود العلماء الذين حازوا على جائزة نوبل ستعرفون مع من تتنافسون. وما كان أيننشتاين إبنا لأحد منكم حتى تفاخروا به الأمم بل نراكم تفتخرون على العالم بتزاوجكم وتناسلكم.
تصوروا ما الذي سيحصل في الغرب حينما تكونوا أنتم في صف وكل الديانات واللاديانات في الصف الآخر. أما العاقل منكم فبإمكانه أن يتصور معنى العزلة والحجر الصحي, والمضحك بعدها أن نوحي لأنفسنا بأن هناك مؤامرة صهيونية لعزلنا عن تلك المجتمعات, أما الأشد إضحاكا فهو أن نصدق بما أوحينا لأنفسنا أن تصدقه فنذهب ضحية لإيحاءاتنا.
أيها المسلمون الأفاضل .. حذار ان تقعوا في فخ الحضارات هذا .. كونوا مسلمين في بيوتكم وناس كغيركم من بشر المجتمعات التي "تنتمون" إليها, ولتكن لكم بعد ذلك قضايا تحسن التعبير عن ذاتها إنسانيا. وحينما يصدق الغربي أنكم أصبحتم جزءا من مجتمعه فسيعطيكم صوته, أما قبل ذلك فسوف لن يكون غريبا إذا ما حجب عنكم حق التصويت لأنكم ضيوف عليه ولستم جزءا منه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ..هل الإسلام السياسي يمثل الحضارة الإسلامية
سعد سامي نادر ( 2015 / 10 / 14 - 16:28 )
.. -استاذنا الفاضل، قراءة تختصر خلفيات وحقيقة كتاب- صراع الحضارات لهمنغتون.. نعم اهم الحقائق تكمن في اختصارهم لهذا الصراع مع الإسلام السياسي الذي هو صناعة غربية بامتياز، تعبر عنه ما كتبت : -ما يريده العتاة من أولئك الساسة أن نعتقد بأنهم ما زالوا صليبيين حتى نكون نحن أيضا صليبيين على طريقتنا الإسلامية . هنا أصل الداء في مرحلتنا الحاضرة: أن يحاربونا بإسلامنا لا أن يحاربوا إسلامنا, وأن يتآمروا علينا بإسلامنا, لا أن يتآمروا على إسلامنا, وإسلامنا الذي أقصده هو إسلامنا السياسي الذي لا يفرق بين الجامع والجامعة ولا يعترف حتى هذه اللحظة بأن الدين لله والوطن للجميع -.. تحياتي

اخر الافلام

.. مصدر عسكري: إسرائيل تستعد لتوسيع العملية البرية جنوب لبنان


.. لماذا يحتكر حزبان فقط السلطة في أمريكا؟




.. غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت والجيش الإسرائيلي يطلب إخلا


.. معلومات جديدة عن استهداف إسرائيل لهاشم صفي الدين




.. الحرب على لبنان | لقاء مع محمد على الحسيني