الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عولمة الهوية .. مشروع لن يكتمل

مصطفى المغراوي

2015 / 10 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


تسعى العولمة إلى طمس هوية الأمم عبر تفريغها من إطارها الوظيفي والقومي والديني، حيث لجأت إلى تهميش مجموعة من المكونات ومن ضمنها اللغات التي تعتبر من أهم الأسس للحفاظ على الهوية. ولا تخرج اللغة العربية عن هذا الإطار وذلك عن طريق إذابتها في بوثقة لغة عالمية واحدة، تحمل هوية عالمية موحدة، ومن هنا يتم القضاء على الهوية الوطنية، وبهذا لن يكون لها أية سيادة.

لأن اللغة آنذاك ستكون تابعة وليس لها مرجعية تستمد منها مقومات بقائها وازدهارها، كونها تم اختراقها بجملة من الأوهام التي تهدف إلى التطبيع مع الهيمنة وتكريس الاستتباع الحضاري. فثقافة الاختراق أضحت بديلا للصراع الإيديولوجي الذي تتجاذب أطرافه الدول الكبرى.

ومن هذا المنطلق لا يمكن أن نعزل الهوية عن الثقافة، فاكتساب هوية ثقافية من شأنه أن يعود بمنافع على أصحابها بل على المحيط الذي ينتمون إليه، ولكي تتحقق المثاقفة بين الشعوب يجب العمل على إذاعة هويتنا الثقافية وفي نفس الوقت نغتني بثقافات الآخرين وتجاربهم وانتظاراتهم وتطلعاتهم، دون الانغماس والذوبان فيها. لأن ذلك سيؤدي إلى نكران الثقافة الأصلية والهوية الأصيلة، وبالتالي نجد أنفسنا تحت رحمة وسيطرة ثقافات البلدان العظمى، التي تعمل جادة لمحو هويات البلدان الضعيفة ودفعها للتراجع ثم الاندثار.

وهنا يلعب الإعلام دورا أساسيا في تكريس هذه الوضعية وبسط نفوذها وهيمنتها، وخير دليل على ذلك أمريكا التي تنتج أكثر من 60 في المائة من البرامج الوثائقية التي تعرّف بالهوية الثقافية الأمريكية، ورغم أنه يوجد أكثر من 6000 لغة في العالم لكننا نلاحظ أن 90 في المائة من برامج الأنترنيت تبث بالإنجليزية.


وعليه فالمنتج الإعلامي العولمي يروج للقدرات غير المتناهية للكيان الأمريكي وهو ما يثير الشعور بالدونية لدى الكيانات الصغرى التي لم يصلب عودها، مما يجعل من الكيان الأمريكي نبراسا يستضيء بنوره كل المنتمين لكوكب الأرض، مما يعطيه الأولوية والأفضلية حتى صار يستفز القيم والتقاليد ويحرك ثباتها فتأرجحت ولم تستقر بعد وما زال الوقت مبكرا أمام استقرارها.


وفي ظل غياب استراتيجيات ثقافية مدروسة ذات رؤى محددة فإن حالة التأرجح ستبقى هي الحاكمة لسلوك مجتمعاتنا، كما ستساهم في تنامي الازدواجية داخلها. تلك الازدواجية قد تتقدم أو تتراجع بناء على قوة الكيان المجتمعي وعلى مدى النضج النفسي والاجتماعي والمعرفي ودرجة التحقق الاقتصادي والإنساني.


لكن، ورغم هذه السيطرة للهويات المتغطرسة، فإننا نستطيع الجزم أن الهوية لا يمكن أن تقع تحت مقولة العولمة لسبب بسيط. وهو انه ليست هناك هوية عالمية واحدة ولن توجدا أبدا، بل هناك هويات مختلفة ومتعددة تتكون في عمومها من خليط غير متجانس من التصورات والذكريات والقيم والرموز والتغيرات والإبداعات والتطلعات التي تحتفظ لجماعة بشرية معينة بهويتها الثقافية والحضارية.

وهذا يعني أنه ليس من المحتمل أن تكون في يوم من الأيام هوية عالمية موحدة، بحيث يلزم لزوما ضروريا تَقاسُم‘ عناصرها ومكوناتها جميع ساكنة الأرض. بل على النقيض من ذلك ستوجد هويات أخرى مغايرة ومختلفة، تعمل كل منها بصورة تلقائية أو بتدخل إرادي من أهلها للحفاظ على كيانها ومقوماتها الخاصة.

وفي هذا الصدد لا نشاطر الكثيرين ممن يتوقع نجاح العولمة في محو هويات الدول الضعيفة، لأن العولمة قد تنتصر في مجال الحياة المادية، كالاقتصاد والتجارة الدولية والتكنولوجيا والتسلح ووسائل النقل والإعلام. ولكنها تظل دون تحقيق أي انتصار في مجال إقصاء الهويات الضعيفة التي تقوم على منظور شمولي للكون والحياة .

وأخيرا لا يسعنا إلا أن نعمل على شد الانتباه لهويتنا العربية، لكي نوفر لها الانتشار والتوسع والانفتاح قصد ضمان استمراريتها عوض تهميشها وتعريضها للإنغلاق والإنكماش، فالاحتفاظ بهويتنا لا يأتي بدون جهد أو بدون تفعيل الهوية نفسها في الحفاظ على كيانها.

فالقضاء على العروبة باعتبارها رابطة قومية مضادة لحركة العولمة التي تستلزم القضاء على أية رابطة غير الانتماء لفكرة الإنسانية، يعتبر هدفا مباشرا تسعى جل الدول القوية إلى تحقيقه استكمالا لمصالحها ورغبتها الجامحة في الهدم والتدمير، فالوحدة العربية والقومية العربية مصطلحان ينبغي أن يختفيا في عصر العولمة – في نظر القوى العظمى التي تنادي بفكرة الهيمنة والإقصاء- لأنهما يشكلان خطرا عليها باعتبارهما عنصران من عناصر القوة التي يمكن أن توحد العرب وتمكنهم من الصمود أمام هذا السيل الجارف الذي ينتظرهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح