الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أهون الشرّين/أقل الكلفتين!!

نور الدين بدران

2005 / 10 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


يقال أن العاقل ليس من يميز بين الخير والشر فقط، وإنما من يميز بين أهون الشرّين.
لنفترض أن ميليس وتقريره ضد سوريا كلياً، وأنهما يفتريان علينا تماماً، والهدف أن الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة،لها مطالب محددة،ولنفترض أن هذه المطالب مجحفة بل لنفترض أنها مهينة.
هذه الافتراضية مبالغ فيها،لأنها مطلقة، بينما الواقع لا يعترف بالمطلقات التي تخترقها العوامل النسبية،لاسيما في عالم السياسة.
لكن سنقبلها جدلاً وخدمة لمنطق النقاش الذي يحاول البحث عن صوت العقل،ونناقشها على ضوء الواقع الملموس،دولياً وإقليمياً ومحلياً.
في الواقع الحق هو القوة، فمن يملك هذه الأخيرة، هو من يملك الحق،حتى لو لم يعترف به الآخرون، والقوة بعناصرها المختلفة هي مع ميليس وتقريره،لأنهما يمثلان المنظمة الأممية، وهكذا يخرج ميليس وتقريره، من إطاريهما ويمتلكان الشرعية الدولية،أي القوة ويجردان كل معاد أو رافض لهما،من أي عناصر القوة،ويعزلانه ويضعانه في مواجهة العالم،هذا إذا كان بالأساس،يملك شيئاً من عناصر القوة،ولم يكن أصلاً معزولاً، وهذا هو حالنا بكل أسف،أي حال سوريا.
وبناء على الافتراضية عينها،إذا كانت العملية(تقرير ميليس وربما هناك من يقول الجريمة كلها مرتبة ومدروسة) كلها مؤامرة لضرب سوريا،فهل على سوريا الانجرار إلى تسهيل تنفيذ العملية/المؤامرة،وبأقصر الطرق؟
إن أقصر الطرق هو وضع أنفسنا في وجه العالم،أي وضع أنفسنا في قلب الهدف الذي تسعى إليه المؤامرة،وأيضاً وفق الافتراضية نفسها.
ما لم يعد خافياً على أحد،أن وضع سوريا دولة وشعباً بالغ الإنهاك ومن المستحيل أن نواجه العالم وقراراته،حتى إذا كانت الوحدة الوطنية في أسمى معانيها،لأن المسألة لا تتعلق برغبات أو أخلاق أو مشاعر،رغم دور كل هذه العناصر في أية معركة، لأن المسألة جوهرياً، تتعلق بالقوة المادية،بكافة روافدها،الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية،والحال أن وضع سوريا،يدعو للرثاء في كل شيء،بما في ذلك الوحدة الوطنية،المفتقدة بشكل كبير،بل إن ثمة احتقانات تغلي كالمرجل،ما إن يرفع الغطاء حتى نرى عجائب الطائفية وسمومها بدءاً من الجيش وليس انتهاء بأصغر مؤسسة، إضافة إلى تغلغلها في نسيج المجتمع،ناهيك بالقنابل الأخرى من مشاكل مكبوتة منذ دهور كالقضية الكردية وسواها.

إن الخيار العاقل الوحيد(هناك مروحة من خيارات الحماقة لا حصر لشفراتها التي تفرم سوريا فرماً كنظام وشعب)هو التآلف مع العالم،بل لنسمِّ الأمور بمسمياتها،الرضوخ للعبة الدولية سلمياً ودبلوماسياً، أي للتعاون المطلق مع القرارات الدولية والهيئات المخولة بذلك، والكف إعلامياً وعملياً،عن الحقن ضدها أي ضد العالم أي في النهاية ضد أنفسنا،لأن ما سوف يقرره العالم سينفذ إما برضانا وإما رغم أنوفنا،وأولئك المفترون أو الواهمون بيننا الذين يدعون للمقاومة والمواجهة،أي للتدمير الشامل،لا يفكرون بوطن ولا بموازين قوى فعلية، ولا بتغيرات العالم والمنحى الأساسي الذي ينحوه شئنا أو أبينا، ظالماً كان أو عادلاً.

حسناً أن أعلنت وزارة الخارجية أنها مستعدة للتعاون من جديد مع لجنة التحقيق، ولكنه إعلان يعرج لأنه فعلاً يسير على رجل واحدة، حيث يرافقه حملة نارية على اللجنة وتقريرها، وتجييش إعلامي مضاد، لا يمكن إلا أن يتناقض كخطاب إعلامي مع خطاب التعاون،وليس المطلوب ألا تنتقد سوريا ما لا تراه صحيحاً في التقرير أو غيره، لكن المطلوب أن تعطي الخبز للخباز،أي أن تدع المختصين القانونيين والدبلوماسيين يقومون بذلك وليس أنصاف المثقفين من مطبلين ومزمرين يهيجون في الصحف والشوارع بالسباب والشتائم،لأن كل ذلك سيزيد الطين بلة،وكله سيقيد ضدنا في ذاكرة العالم،لمزيد من العزلة والإدانة.

آن لهذه البلاد أن تضع السياسة في مكانها الذي يحتله البوليس،وأن تضع القلم والكومبيوتر والعلم والمعرفة في أمكنتها التي تحتلها الأقبية وأدوات التعذيب، وأن تضع القانون والدستور الحديثين بدل المكابرة والاستبداد والغرور الفارغ.
مرة أخرى وعاشرة........وألف، أصحاب العنتريات هم أول الفارين بما خف حمله وغلا ثمنه، والشعب الذي لا يجد أجرة النقل الداخلي سيتحمل الكارثة في رحيل أولئك، كما تحمل كارثة مجيئهم، وهذا ما يمكن ويجب بالعقل تفاديه، أو على الأقل الحد من أضراره.
هذا المخاض الجديد للبلاد، لن يكون بلا ضريبة،لكن العاقل من يميز بين أقل الكلفتين،بين نهاية مرعبة وبين رعب لا ينتهي.
نور الدين بدران.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المكسيك: 100 مليون ناخب يختارون أول رئيسة في تاريخ البلاد


.. فاجأت العروس ونقر أحدها ضيفًا.. طيور بطريق تقتحم حفل زفاف أم




.. إليكم ما نعلمه عن ردود حماس وإسرائيل على الاتفاق المطروح لوق


.. عقبات قد تعترض مسار المقترح الذي أعلن عنه بايدن لوقف الحرب ف




.. حملات الدفاع عن ترامب تتزايد بعد إدانته في قضية شراء الصمت