الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف الشعبي الفلسطيني !!!

عبدالله أبو شرخ
(Abdallah M Abusharekh)

2015 / 10 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


اليابان العظمى ضربت بالقنابل الذرية في الحرب العالمية الثانية، والإمبراطور أعلن استسلامه، وقام بتوقيع اتفاقية الاستسلام التي نصت على تجريد اليابان من قوته العسكرية وحرمانها من الصناعات العسكرية. ماذا فعل أذكياء اليابان ؟! بكل بساطة فهموا أن العدالة هي حق الأقوى، وأن على الأضعف أن يخضع لشروط الأقوى. لم يكن لدى اليابان فصائل تتبنى خرافة المقاومة العنيفة، ولا تفجيرات المدنيين ( بعد درس بيرل هاربر الانتحاري الرهيب ). كان كل ما فعلوه أنهم قرروا التفوق في ميادين العلم والصناعة والاقتصاد، احترموا المعلم وأعطوه المكانة التي يستحقها كصانع للعقول، فكان لليابان ما كان من التفوق والازدهار وللشعب الياباني كل السعادة والرخاء والرفاهية.
لكن ماذا عن شعبنا الفلسطيني ؟! ماذا عن المثقف الشعبي والقومي والوطني والإسلامي ؟! لقد رفض التسليم للأقوى، وقرر أن يحرر فلسطين من أعتى قوة عسكرية في العالم وهو مجرد من السلاح ! رفض التقسيم عام 1947 باعتباره خيانة وطنية عظمى، راهن على ما أسماه العمق القومي والإسلامي، فإذا بالدول العربية والإسلامية تطبع علاقاتها مع إسرائيل علناً ( مصر والأردن ) أو سراً ( دول الخليج والمغرب ). المثقف الشعبي لم يقيم أي وزن للتفوق العسكري والتكنولوجي الأمريكي والغربي والإسرائيلي، بل قاوم بصلابة وبلا يأس، فاغتال وفجر وطعن ودهس، ومع كل اغتيال أو طعن أو خطف كان الشعب يهلل طرباً بالانتصارات الآنية. المثقف الشعبي الفلسطيني لا يقيم وزناً للموت الرهيب ولا لهدم المنازل، ولا للحصار الاقتصادي، ولا لمنع السفر، ولا لفقدان العلاج، ولا يهم المثقف الشعبي إن أصبحنا معزولين عن العالم، مطاردين، مسجونين في معازل ومخانق، مطاردون في مطارات وموانيء العالم كالذئاب المتوحشة.
المثقف الشعبي قام بإقناع نفسه وإقناع غيره أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، من دون أن يفهم حتى مفهوم القوة وعلاقتها بالحداثة والمعاصرة والتقدم !
قمنا بالتصفيق لطلقة عيلبون، وهللنا طرباً لخطف الطائرات، واحتفلنا باغتيال الفريق الرياضي الإسرائيلي في ميونخ على مرأى ومسمع من العالم دون خجل أو وجل !
لم نتعلم من الدروس، ولا من الموت الزؤام، لم يهمنا هدم المنازل وتشريد الناس، لم يهمنا المعاقين والجرحى، لم يلقي المثقف الشعبي بالاً للفقر ولا للبطالة التي أصبحت تقرر مصير بقاء أو رحيل الأحزاب الحاكمة في الغرب. فالأهم من كل هذا حدث دهس درامي، أو مشهد سكين مغروزة في رأس أحد المحتلين، دون أن نفهم ونعي ونحلل بأن العالم من حولنا غير مستعد لتبرير العنف ولا الوحشية.
ولكي لا يفهم القاريء أنني أعفي الإسرائيليين وقواهم اليمينية والمتخلفة والعنصرية من التسبب بكل العنف، ابتداء من السطو المسلح على أرض فلسطين دون وجه حق، إلا أن المعركة العادلة تحتاج أيضاً إلى وسائل عادلة وشريفة. المعركة كلها كانت تدور منذ النكبة، على مشروعية دولة إسرائيل، مقابل مشروعية النضال الوطني الفلسطيني، فماذا كانت النتيجة ؟؟؟!
بكل صراحة نحن خسرنا المعركة بكل جدارة، فإسرائيل قدمت للعالم المتحضر أبحاثها العلمية والتكنولوجية. ساهمت في العلوم الحديثة، ورغم الجدل حول " ديمقراطية " إسرائيل، إلا أن من يحكم إسرائيل هي صناديق الاقتراع في انتخابات نزيهة، ولديهم حرية رأي واعتقاد لدرجة أن البروفيسور شلومو ساند قام بنشر كتاب مقتضب عنوانه ( كيف لم أعد يهودياً ؟! ) ولم يقتل، لم يصلب، لم تقطع أطرافه من خلاف، وظل يمارس مهنته كأستاذ محاضر في جامعة تل أبيب. أتحدى أن يقوم أي مسلم بكتابة شيء مثل ( كيف لم أعد مسلماً ) ويبقى على قيد الحياة !!!
المثقف الشعبي أقنع نفسه وضلل غيره، بأن العالم كله يساند الخطأ، ويدعم الاحتلال، وأن منطق العالم كله أعوج، ولم يكلف نفسه بأن يفتح بوابات الفكر على مصاريعها. فهل هذا صحيح ؟؟!
لا يا سادة، العالم لا يساند الاستيطان والاحتلال مثلاً، بدليل حملات المقاطعة الواسعة لإنتاج المستوطنات في الدول الغربية المتقدمة، لكن هذا العالم نفسه، لا يفهم أن يتباهى الشعب الفلسطيني بمشهد السكين المغروزة في رأس مستوطن !! هل تذكرون صورة الطفل السوري ( الكردي ) كيف جلبت تعاطف القارة الأوروبية بأسرها مع اللاجئين السوريين ؟؟! الإعلام الذي يستهتر مثقفنا الشعبي به، رفض كل التفجيرات ضد المدنيين الإسرائيليين، ورفض الطعن والدهس ويرفض العنف من حيث المبدأ، ولكنه يرفض الاستيطان والاحتلال، وهنا المشكلة. نحن لم نتعظ ولم نتعلم من تجربة غاندي في الهند، ولم نتعلم دروس مقاومة الفصل العنصري والأبارتهايد في جنوب أفريقيا. العالم من حولنا ليس مهماً فقط، بل قد يحسم المعركة برمتها كما حدث في جنوب أفريقيا ( النووية ) !!
قبل يومين شاهدت منشورا على الفيسبوك لأحد الزملاء، ينتقد فيه كل من لا يستخدم التقويم الهجري باعتبار ذلك تخلي عن الإسلام، حيث التقويم الميلادي ( مسيحي ) والتقويم الهجري ( إسلامي ) مع تجاهل كامل للفروقات العلمية بين التقويم القمري والشمسي .. كتبت ما يشبه الرد على المنشور، فهاجمني صاحب المنشور مورداً ما تيسر له من الآيات القرآنية التي تؤكد بأن التقويم القمري فرض إلهي لا يمكن مناقشته !!!!
لقد هزمتنا قوى التخلف، وخسرنا التحضر، وخسرنا العلم، وقبل ذلك وبعده، خسرنا حرية الرأي والاعتقاد، كما خسرنا في المعركة أخلاقنا، فلم نراعي مشاعر العالم من حولنا، ولم نراعي أن الدولة اللقيطة رسخت صورتها في العالم كدولة ديمقراطية متقدمة، بينما ظل مثقفنا الشعبي يرفض تبني التقويم الشمسي، رغم أن أقدس مقدسات المسلمين وهي الصلاة خمس مرات، تسير وفق حركة الشمس وليس القمر !
فإذا كان العرب والمسلمون لا يمكنهم المفاضلة العلمية والفلكية بين التقويم القمري والشمسي، فهل يمكنهم حسم معركة الرأي العام العالمي لصالح قضاياهم ؟؟! لكن ما هي قضاياهم حقاً ؟؟! الحيض والنفاس وبول البعير ومغموس الذباب واعتبار الموسيقى مزامير شيطان ؟؟!
التقدم الحضاري لا يهم .. البطالة لا تهم .. انتشار الفقر لا يهم . الجهل والتعصب لا يهم .. التخلف لا يهم .. فقدان العلاج لمرضى السرطان لا يهم .. أبحاث الهندسة الوراثية لا تهم .. تصور قوة الصواريخ الموجهة أمام الحجر لا تهم .. يا مثقفنا الشعبي اذهب .. فالتاريخ لن يسير وفق أهواء وأوهام .. قد تتمكن من حصد اللايكات الكثيرة لعملية دهس أو طعن أو هجوم بلطة، لكن كل النظام التربوي والتعليمي المتخلف في فلسطين لن يكون قادراً على الحصول على جائزة نوبل واحدة !

دمتم بخير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال جريء وصريح
نبيل عودة ( 2015 / 10 / 16 - 14:28 )
قرأت المقال بمتعة كبيرة رغم الألم من الواقع الذي تنتقده والذي انهى عمليا دور العالم العربي لألف سنة قادمة .
المقال جريء وقنبله بقوة مزلزلة.. ليت العرب يقرأون ليفهوا انهم في حضيض الحضارة العالمية والاسرائيلية.
طريق الخناجر لن تقود الى التحرر وقد ينظر العالم الى الفلسطينيين بكونهم ارهابيين بينا ارهاب اسرائيل دفاع عن النفس.
اعتقد ان العمل السياسي الذي تقوم به السلطة الفلسطينية يحقق انجازات اكثر من صواريخ حماس.
صواريخ- ابو مازن فعالة ومؤثرة وصواريخ حماس تعطي التبريرات لاسرائيل-.
اسرائيل نجحت بتطوير العلوم والتقنيات والهايتك واصبحت مركزا علميا دوليا طليعيا يحتاج العالم الى علومها وتطويراتها
في الطب تقف في المكان الأول مع اهم دول العالم
في الابحاث العلمية ( وليس العسكرية) تصرف أكثر ب 15 مرة من كل العالم العربي
توظف ما يقارب 7% من ناتجها المحلي بينما العالم العربي بكل نفطه وغازه وقضبان ملوكه يوظفون 0.02 في الابحاث. جامعات اسرائيل تخرج باحثين وعلماء يهود وعرب، بينما جامعات العرب تخرج حملة
شهادات والقائمة طويلة في الفجوة بين اسرائيل والعرب..
فقط بسياسة عقلانية ووحدة ستنجز فلسطين استقلالها


2 - متفق في المحصلة النهائية ولكن بمحاكمة مختلفة
مصعب بشير ( 2015 / 10 / 16 - 22:50 )
عزيزي عبدالله،أتفق معك في أن الفلسطينيين لم يديروا صراعهم مع الصهيونية بحكمة بل بعقلية الطوشة.لا يوجد لدينا مثقفون شعبيون بل متخرفين أي أولئك الذين يحكون الخراريف حسب اللهجة الفلسطينية.المثقفون حتى الشعبيون منهم شبه منعدمين.لكن دعني أسقط لاضوء على بعض ماجاء في مقالتك: بيرل هابر كان هحوما عسكؤيا على هدف عسكري، واليابان كانت لها قاعدة علمية وثقافية شبه ناضجة من قبل الهزيمة في الحرب العالمية الثانية.رفض الفلسطينيين للتقسيم كان أمر طبيعي فلو عرض على أي شعب لرفض نفس الشكل.أما الحرب التي تلتها فكانت نتيجة لتراكم العنف المسلح من قبل المنظمات الإرهابية الصهيونية، مثلا بعيد الإعلان عن قيام جولة إسرائيل هاجمت الهاجاناه أحياء يافا بقوة مفرطة ضد مدنيين عزل، في تلك الفترة كان الصدام هو الخيار الأوحد موضوعيا ولا يجوز إسقاط الظروف الذاتية والموضوعية اليوم على ذلك الأمس. بلا شك نحن في حالة مزرية، وأننا نحتاج...للكثير


3 - الأستاذ نبيل
عبدالله أبو شرخ ( 2015 / 10 / 17 - 06:01 )
كم أسعدتني قراءتك المستنيرة للمقال .. شكرا للمرور والتعليق وتقبل مودتي


4 - عزيزي مصعب
عبدالله أبو شرخ ( 2015 / 10 / 17 - 06:07 )
من الرائع أن نتفق في نقاط معينة أو نختلف في أخرى .. فالعقول ليست واحدة ..
لكن اسمح لي أن أنتقد تفكيرك حول إسقاط ما يحدث اليوم على قرار التقسيم، لأنه ببساطة، ما حدث عام 48 حدث في الأردن ولبنان وغزة ( ثلاث مرات ) .. وهذا المقال يحذر من نكبة جديدة ستحل بنا جراء الثقافة الشعبوية، فرفض التقسيم حدث في 1947 ولكن الطعن والدهس يحدث في 2015 .. لن نحقق شيئا، وكما قال السيد نبيل عودة، سوف يتهمنا العالم بالإرهاب ليصبح إرهاب إسرائيل مجرد دفاع عن النفس كما حدث في الحرب الأخيرة وقبلها.
شكرا للمرور وإثراء المقال وتقبل مودتي


5 - كيف يفكر الذين هم مثلي في الغرب؟
أفنان القاسم ( 2015 / 10 / 17 - 17:36 )
منذ يومين تم طعن طالبتين في المدرسة الثانوية التي ليست بعيدة عن مسكني، المدرسة الثانوية التي أتنزه أحيانًا قربها بعد أن يكنمل نهاري الأدبي، فقررت ترك بيتي، والابتعاد مئات الكيلومترات عن مدينة كهذه مجرمة...

اخر الافلام

.. شاهد ما حدث لناطحات سحاب عندما ضربت عاصفة قوية ولاية تكساس


.. المسيرات الإسرائيلية تقصف فلسطينيين يحاولون العودة إلى منازل




.. ساري عرابي: الجيش الإسرائيلي فشل في تفكيك قدرات حماس


.. مصادر لـ-هيئة البث الإسرائيلية-: مفاوضات إطلاق سراح المحتجزي




.. حماس ترد على الرئيس عباس: جلب الدمار للفلسطينيين على مدى 30