الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخنزير ... قصة قصيرة

صلاح زنكنه

2015 / 10 / 16
الادب والفن


هاهو جالس الآن على المقعد المقابل لمقعدي في الحافلة ، رجل عجوز محدودب الظهر، بشعر أبی-;-ض وصلعة عری-;-ضة تتوسط رأسه ، ی-;-ضع على عی-;-نی-;-ه نظارة طبی-;-ة سمی-;-كة العدسات، وی-;-توكأ على عكازة بی-;-ده ، ی-;-ده التي كانت تمسك بالسوط وتحمل الهراوة في سالف السنی-;-ن ، أعرفه من خلال عی-;-نی-;-ه الجاحظتی-;-ن.
الخنزی-;-ر، إنه الخنزی-;-ر الذي بحثت عنه طوال سنی-;-ن عجاف لأشفي غلی-;-لي منه ، لم أكن أتصور أبداً أن ألقاه وهو على هذه الحال ، هرماً، بائساً، تملأ التجاعی-;-د وجهه وبالكاد ی-;-وازن جسمه المتهدل ،وی-;-ده ترتعش على العكازة.
ما كانت ی-;-ده تخطئ أو تزل أو ترحم وهي تهوي بالسوط أو بالهراوة أو بالسلسلة الحدی-;-دی-;-ة على أنحاء جسمي، بغضب وحقد وتشفٍ ، كنت أمقته ، أحتقره وأنعته بالخنزی-;-ر وهو ی-;-صول وی-;-جول في غرفة التعذی-;-ب ، بقامته المدی-;-دة وعضلاته المفتولة ی-;-توعدني دوماً بالوی-;-ل والثبور، تارة ی-;-كوي جسدي ، وتارة ی-;-جلدني ، وتارة ی-;-قلع أظافري متلذذاً بألمي وصراخي ، ومازالت أثار أعقاب السجائر التي أطفأها على جسدي شاخصة ، وخطوط السوط الذي ألهب به ظهري مرات ومرات منقوشة كالوشم ، ومازلت أشم رائحة الشواء، شواء لحمي ی-;-زكم أنفي وی-;-صی-;-بني بالدوار
ی-;-ومئذ قلت له وأنا أغلي غضباً منهك القوى (سوف أنال منك ، إن بقی-;-ت حی-;-اً وأجعلك تدفع الثمن غالی-;-اً أی-;-ها الخنزی-;-ر) ها هو الخنزی-;-ر الذي غدا هرماً عجوزاً في تعتعة العمر ی-;-جلس قبالتي دون أن ی-;-عرفني أو ی-;-نتبه لي ، أتأمله عن كثب ، أتملى
في ملامحه الواهنة وسحنته البشعة وعی-;-نی-;-ه الجاحظتی-;-ن اللتی-;-ن كان ی-;-خزرني بهما آنذاك وی-;-تطای-;-ر منهما الشرر، كم كان قاسی-;-اً وشرساً وعنی-;-فاً ، وكم هو الآن مهدم ی-;-ثی-;-ر العطف والشفقة ، وهو ی-;-ستعی-;-ن بعكازته كي ی-;-ترجل من الحافلة ، قمت وأسندته بكتفي وأنزلته بهدوء ونزلت معه ، مع الخنزی-;-ر الذي وعدته وهددته بالاقتصاص والانتقام منذ أكثر من خمسة وعشری-;-ن عاماً ، أصفعه ، أجلده ، أسحله ، أهی-;-نه ، أذله كما كان ی-;-فعل معي ، وها هو الآن تحت رحمتي وأنا أقبض على ذراعه الواهی-;-ة ، وهو ی-;-كبل لي آی-;-ات الشكر والامتنان ، وبعد هنی-;-هة من الوقت قال لي :
- لا ی-;-بدو صوتك غری-;-باً عليَّ ؟
قلت له :
- أما أنا فصوتك وصورتك، مدبوغتان في ذاكرتي منذ زمن طوی-;-ل.
قال :
- من أنت ی-;-ا بني ؟ فذاكرتي متعبة وممسوحة.
قلت له :
- كنت أتمنى أن أراك وأنت أحسن حالاً وأكثر حی-;-وی-;-ة كي أقتص منك ، أقصد
من الخنزی-;-ر.
تركته وذهبت لسبی-;-لي ، قرفص على الأرض وراح ی-;-جهش في البكاء.
- لا تتركني أرجوك ، لقد عرفتك الآن ، تعال لأقبلك وأعتذر منك ، تلك
لم تكن حقی-;-قة كانت قصة ، قصة قصی-;-رة ، كما كنت تقول ، تعال أرجوك.
إلا أنني لم ألتفت إلی-;-ه ، واصلت مسی-;-ري عازماً أن أنسى الأمر تماماً.
2001








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان فضيل يتحدث عن جديد أعماله في صباح العر


.. الجزائر تقرر توسيع تدريس اللغة الإنجليزية إلى الصف الخامس ال




.. حياة كريمة.. مهمة تغيير ثقافة العمل الأهلى في مصر


.. شابة يمنية تتحدى الحرب واللجوء بالموسيقى




.. انتظروا مسابقة #فنى_مبتكر أكبر مسابقة في مصر لطلاب المدارس ا