الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا بعد تقرير ميليس: سلطة ومعارضة -1

خلف علي الخلف

2005 / 10 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


بلادٌ يشرّعها النظام للخراب

يبدو أن السوريين ستظل حياتهم معلقة بانتظار ما. فسلسلة الانتظارات الطويلة التي مرت على الشعب السوري في انتظار انتهاء " المنعطف الحاسم " الذي نمر به وصل على ما يبدو الى محطة مفصلية وحاسمة لأول مرة وهي تقرير ميليس. لقد سُلم التقرير وأشار الى اصابع امنية سورية لبنانية في عملية اغتيال الحريري، وكما هو منتظر من النظام السوري فقد تابع اسطوانته حول تسيس التقرير وتابع نغمته ونبرته وألية استجابته الاعلامية نفسها التي لا زالت سائدة منذ عقود طويلة. فسوريا كانت تنتظر الحقيقة كما يقول وزير اعلامنا. ويبدو أنها فوجئت بهذه الحقيقة أو لنكن دقيقين فوجئ وزير اعلامنا الذي اطلع على فحوى التقرير من وسائل الاعلام ورد " كإنسان سوري ".
ماذا كانت ينتظر النظام في سوريا من التقرير؟ يبدو انه كان ينتظر تقريراً يشيد بصموده امام محاولات امريكا عزل سوريا ( كون سوريا اصبحت هي النظام ) دولياً وكذلك يتحدث عن الدور المحوري لسوريا.. وعن محاربتها للإرهاب.. وعن صداقتها العميقة مع الحريري وإن سوريا فوق كل الشبهات..
سيظل النظام السوري متجاهلاً المسار الجديد للعلاقات الدولية، ومتجاهلا كذلك الواقع الجديد لما بعد 11 سبتمبر وتاليا إسقاط نظام صدام.. ويقود البلاد عبر الخطابات المملة والقبضة الامنية الى مستقبلٍ وجهة غامضة ، ويصبح بقاءه ممسكاً بكل مفاصل السلطة أهم من البلاد والناس ومستقبلهم ، ليتحدث هذا النظام عن خيارات يمتلكها في حال تمت محاصرة سوريا، ويسد أذنيه عن كل النصائح التي تقدم له (مجاناً ) من الانظمة العربية التي حاولت مساعدته.
شهدت سوريا خلال نصف العقد الاخير تفشي الفساد بشكل محموم في ظل شعارات محاربته، بل ان هذا الفساد تم شرعنته بعقود وشركات ليبدو أبيضاً، وليصبح أبناء المسؤولين السابقين واللاحقين والذين على راس اعمالهم رجال أعمال يمتلكون شركات تعمل داخل وخارج البلاد بشكل علني. وقد تردى الوضع الاقتصادي وانخفضت معدلات النمو وازدادت مستويات البطالة في ظل الحديث عن النهوض الاقتصادي، واستنفد القطاع العام وظيفته كإقطاعيات خاصة عبرها تم نهب البلاد وتحويلها إما نقداً مودعاً في مصارف خارجية أو استثمارات داخلية بيضاء ناصعة واحتكارية حتى ! ليكون التوجه الحالي نحو تصفيته دون قرارات معلنة.
ورغم التغيرات الطفيفة أمنياً فلازالت القبضة الامنية هي التي تتحكم بكل شيء ولا زال الحل الامني لكل مشكلة داخلية هو الاسبق والاسهل لهذا النظام الذي يبدو عاجزاً عن مواجهة أي مشكلة مهما كانت صغيرة خارج التفكير الأمني، إلا ان هذا النظام لم يمل من دفع السوريين للانتظار والايحاء لهم إن وضعنا متماسك وإننا مستمرون في " التصدي " لكل محاولات زعزعة ثقة الجماهير بهذا النظام التاريخي (وحقيقة هو تاريخي على الأقل زمنياً )
وهكذا كان على السوريين قبل انتظار "التقرير" (كما اصبح يشار اليه اختصاراً ذو دلالة) ان ينتظروا مؤتمر حزب البعث الاخير الذي تمخض عن جملة من الانشاءات الكلامية الفارغة التي لم تؤد الى تزحزح الوضع عن سابقه شيء.
التقرير اتهم رؤوس في النظام الأمني السوري بشكل مباشر وبالاسماء، وتحدث عن معلومات وتفاصيل، وأشد مايلفت الانتباه في تقرير ميليس هو اشارته ان وزير الخارجية فاروق الشرع قد ضلل التحقيق بمعلومات خاطئة وكأن ميليس كان كان ينتظر من المسؤولين السوريين ان يقدموا له الحقائق !! وقد كانت استجابة النظام السوري الأولية عبر محلله الاسترتيجي ! (ان سوريا لم تكن تنتظر تقريراً إنشائياً ) وليعيد اسطوانته السابقة. ويمكن أن يعطي هذا التحليل الاسترتيجي للتقرير وكذلك الكلام الانشائي لوزير الاعلام السوري أن يعطي مؤشراً لألية تعامل النظام مع هذا التقرير ويبدأ بحملة اعلامية ذات محتوى خطابي إنشائي توجه نحو الداخل السوري بشكل اساسي، كي لا تتزعزع ثقة (المواطن ) بنظامه التاريخي الذي يقوده نحو المستقبل.
إن تعاطي النظام السوري مع العالم الخارجي هو تعاطي داخلي بشكل اساسي فكل مفاصل هذا التعاطي كانت ولا زالت تتم لفض اشتباك هذا الخارج مع الداخل وتحييده عن الفعل الداخلي ليظل الحكم مستتباً للسلطة الحالية دون أي مشاكل داخلية والتي لو حدثت فإن التعاطي الأمني معها كفيل بحلها. ولم يتوان النظام السوري عبر هذا التعاطي من اعادة زمن الاعتقالات، دون أي خشية من تأثيراتها الداخلية، بل واستثمار هؤلاء المعتقلين خارجياً كورقة تفاوضية في علاقاته الخارجية (مع الاتحاد الاوربي تحديداً ).ولم يدرك النظام انه بموجب التغيرات الخارجية لم يعد كل ماهو داخلي داخلي. ومن هنا يبدو ان النظام كان متوقعاً أن تمر جريمة اغتيال الحريري كجرائم اغتيالات اخرى غيرها مضت دون كشف من ورائها أو امامها ، بل إن بعضها مضى حتى مع وجود دلائل واضحة على من ارتكبها، ويبدو أن مصدر هذا التعاطي ان النخبة الحاكمة في سوريا هي نخبة أمنية عسكرية لا تعي ولا تقرأ ولا تعرف شيئاً عن اليات تشكل العلاقات السياسية الدولية ولا عن الاستراتيجيات المتبدلة لهذه العلاقات وفق سياقها الزمني ووفق الوقائع المتبدلة.. وعلى هذا فإن النظام تعامل أمنياً مع شخصية بحجم الحريري كما يتعامل مع الداخل السوري منذ عقود وكذلك سحب هذا التعامل فيما بعد على تداعيات جريمة الاغتيال الى ان وصل الى حافة الهاوية ليتراجع كما في كل مرة أمام أي ضغط خارجي جدي من الممكن أن يزعزع تحكمه بالداخل السوري فاتخذ قرار الانسحاب من لبنان مرغماً وحاول اخراجه بغباء ووقاحة أعلامياً بالحديث عن جيشنا العقائدي الذي عاد بعد أن اتم مهمته. لكنه حتى هذا الدرس لم يستوعبه فعاد الى المماطلة بشان الاستماع الى مسؤولين سوريين من قبل لجنة (ميليس ) إلا انه عاد إلى الرضوخ مرة أخرى وإن بممانعة شديدة.. ويذكرنا هذا النموذج من التعامل بالايام الاخيرة لنظام صدام الذي استخدم هذه الالية (حافة الهاوية )

ولا يبدو النظام السوري انه يعاني من أي ارتباك في تعامله الخارجي فهو يعيد ادوات بالية الى ساحة علاقاته الخارجية من العالم من الايحاء بقوة علاقاته مع النظام الايراني الى اعادة اظهار الفصائل الفلسطينية الميتة الى العودة الى نظام الحملات الاعلامية التي تشنها صحفنا ووسائل اعلامنا التي يعتقد هذا النظام ان هناك من يقرأها او يسمعها لنسلم جدلا مع النظام السوري والناطقين باسمه ومع كل من يقول ان التقرير قد سيس وان ميليس كان يتلقى اوامره من الادارة الامريكية هل سيغير هذا الامر من مفاعيل هذا التقرير؟ ماذا اعد النظام السوري لمرحلة ما بعد التقرير ؟ كيف سيتصرف النظام السوري في حال تم توجيه التهم الى الاسماء الامنية السورية المذكورة في التقرير (التي بقيت والتي حذفت ) هل ستكون سوريا أمام لوكربي جديدة؟ هل تتحمل سوريا حصاراً كالذي فرض على ليبيا القذافي وعراق صدام؟ هل بقي لدى هذا النظام ما يقدمه للادارة الامريكية كي تغض النظر عنه ليبقى فترة اخرى.. أو ليحصل على فرصة أخرى؟
أن أي مراقب لوضع النظام السوري يرى بالعين المجردة انه بخروجه من لبنان فقد آخر اوراقه التي كان يلعب بها وسياسة الأوراق هي التي اعتمدها النظام طيلة العقود الماضية في علاقاته مع العالم الخارجي.
سيناقش مجلس الامن خلال الايام القادمة تقرير ميليس هل سيكون رد سوريا هو نفس الكلام الموتور لمندوبها الدائم في مجلس الامن خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده بعد اعلان التقرير والذي وصف تسجيلات صوتية بأنها اكاذيب.. لماذا لا يريد هذا النظام ان يقتنع ان الزمن تغير وان عليه ان يتقدم بمبادرة حقيقية اتجاه شعبه قبل ان يجبره العالم ان يتقدم تحت الضغط والاكراه ؟ لما يريد أن يجرهذا النظام البلاد والناس الى خراب كل ما سيقدمه هو اطالة عمره فترة زمنية ليست طويلة ، ويذكرنا التعاطي السوري مع العالم منذ القرار 1559 بنظام صدام في آخر ايامه، ولا ندري على ماذا يراهن النظام السوري في مواجهته للداخل والخارج ولا ماذا يخبئ كي يواجه استحقاقات حقيقية افرزها التقرير؟ ففي غمرة انتظار الناس والنظام لتقرير ميليس قرر النظام ان يتعامل امنياً مع مؤتمر صحفي لبعض المعارضين السوريين ليعلنوا عن اعلان دمشق من اجل تغيير ديمقراطي بالطرق السلمية هؤلاء المعارضين الذين أيضاً يستخدمون نفس اليات النظام في فهم الداخل والخارج








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران.. هيئة الانتخابات تعلن عن جولة إعادة لانتخابات الرئاسة


.. -ليش الطفل في غزة يموت؟- وقفة داعمة لغزة في محافظة بنزرت الت




.. أسامة حمدان: الاحتلال الفاشي يمعن في حرب تجويع تستهدف أبناء


.. بسبب مسيرات أمريكا في البحر الأسود.. روسيا تعد الغرب شريكا و




.. أعدت سحرا لرئيس البلاد لتتقرب منه.. السلطات في جزر المالديف