الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة وجودية قصيرة تنتقد سوريي المهجر بعنوان -عبد القادر السوري-

أمين نور

2015 / 10 / 20
كتابات ساخرة


إسمي "عبد القادر" , سوريّ أعيش في تركيا, كنت أدرس التجارة و الاقتصاد في سوريا, و تركت الدراسة بسبب "الأحداث", كنت أعيش في حمص, حيث كان والدي نحّاساً و ترك لي بعد وفاته حصة كبيرة من الورثة من محله في السوق. إلا أن "الأحداث" لم تعطني الفرصة للاستمتاع بما قسمه الله لي.
أعيش اليوم في مدينة أنطاكيا, و أتنقل بينها و بين اسطنبول. أكره أنطاكيا, فهي مليئة بالعلويين, و "سبحان الذي خلقن" يتصف هؤلاء الأنطاكيون بالشكل القبيح و الرأس المنبسط من الخلف. لا أدري لماذا يعبس الأنطاكيون في وجهي عندما أشتري و أبتاع منهم, أظن أنها صفة عامة عند الأتراك, و صفة خاصة عند الأنطاكيين, و أعرف السبب, الأول أنهم علويون, و الثاني لأنني سوري.. فهم يكرهون السوريين. لا أحب العيش مع هؤلاء أبداً, كم أتمنى أن أبتعد عنهم و أذهب إلى "عينتاب" المدينة الأكثر "سنيّة", أضف إلى أن عينتاب يوجد فيها فرص عمل أخرى, و يتواجد فيها صديقي "أبو بكري".
أما اسطنبول, فماذا أقول؟ هل كانت هذه حقاً عاصمة الخلافة في يومٍ من الأيام؟ العري في الشوارع, النساء و الرجال و "الخمر" في كل مكان, كم قالوا كلاماً عن ساحة تقسيم تلك, الساحة المليئة بالملاهي و المقاصف الليلية و بيوت الدعارة, إلا أنني أعترف بابتهاجي عندما جلست في مقهى الطابق السابع من المغرب حتى بعد منتصف الليل, مع العلم أنني شعرت بالتضايق نوعاً ما أن المقهى يقدم مشروبات روحية. شعرت برغبة كادت أن تغلبني لكي أقول لصاحب المحل أن يخفت صوت الأغاني عند آذان العشاء, فأرى أن هذا فعلاً قويماً يدافع عن الإسلام, بالرغم من أنني لا أصلي. و قد أصلي أحياناً مع "أبو بكري" إما لأريه أنني أصلي أو لشعوري بالإحراج إذا دعاني.
عرّفني "أبو بكري" على عدة شباب متطوعين في الأعمال الإغاثية في المخيمات, كان من بين هؤلاء شباباً أجانب و آخرين ملحدين و آخرين مسيحيين. شعرت بشيء من القرف, ماذا يفعل الملحدون هنا؟ ألم يحن الوقت للمسيحيين أن يدركوا أن لا دور لهم في سوريا الجديدة؟ .. سوريا لي, لنا, للسُنّة, لطائفتنا, لقبيلتنا , فقط .. على كلن, كان موضوع جلوسنا هو الحديث عن حملة من قبل هؤلاء الشباب, و يريدونني أن أكون جزءاً منها, و الحملة تتناول موضوعات إصلاحية شبابية تجس نبض الشارع و تعرضها على شكل فيديوهات حوارية تنتشر في التواصل الاجتماعي. و قد استطاعوا الوصول إلي بعد ما سمعوا صيتي الشهير بأنني الإنسان "الكفو" دائماً, الذي يؤيد أي حركة إصلاحية في المجتمع أو في الثورة أو في سوريا, فحسابي الفيسبوك مليءٌ بدعوات الإصلاح, و حديثي القليل مع المجتمع السوري حولي قد أعطى الناس عنّي صورة "الإصلاحي" , صورة "المتحمس للتصحيح" , و كنت حقاً دائماً ما أدعو لتصحيح المجتمع الإسلامي و أن داعش لا تمثل الإسلام و أن الإسلام الحقيقي لا يطبقه المسلمون بل يطبقه الغرب الذي تعلم مننا المدنية و سرق علومنا. يبدو أن هذا الصيت نجح بالانتشار, و ها هم الناس يأتون ليقبّلوا يداي و قدماي لكي أشارك معهم في مشاريعهم. فرددت على الشاب: "كان عندي نفس الفكرة و الله! عنجد! بس طريقة التطبيق مختلفة شوي, كان بمخي نوصل هاي الأفكار عن طريق تمثيلية فكاهية أو ساخرة". لماذا لا نناقش المواضع بسخرية؟ حتى ولو كانت حساسة و بحاجة لكل جدية, فبالنهاية, أنا من حمص, العاصمة العالمية للضحك و السخرية و الفكاهية, و يبدو أنني متأثر بهذه "العالمية الفكاهية" مباشرة. أضف إلى أنني لا أريد أن أتكلم بلا قناع, أحتاج إلى قناع "التمثيل", أحتاج لأقول للناس عندما ينتقدونني أنني "كنت أمثّل", فهذه الحجة أءمن و ذات دفاع أكبر. لكن, في المقابل ذات الشاب الذي اقترح المشروع عليّ حمصي أيضاً, و عليه أن يكون متشرباً بثقافة السخرية و الفكاهة, لا يبدو أنه يوافقني أبداً , بل يبدو أنه غضب و قال لي بأنني "جبان" بعد ما انفجر غاضباً "كيف بدك تعرض مأساة اللاجئيين و البنات المغتصبات و موتة الشباب بالكوميديا و التمثيل؟! بدك تروح حقن و حقنا" , في الحقيقة لا يهمني ما تكلم, فلم يمت لي أحد يذكر بسبب "الأحداث" , و لكن تعرضت للضرر المادي و تهدم منزلي و محل والدي الذي ورثته. لا أرى أن حجته تقنعني, بل أيضاً بعدما رفض التماسي بتحويل القضية الجدّية إلى ساخرة بدأت أشك أن سبب اجتماع هؤلاء الشباب حول هذا المشروع هو سبب إصلاحي حقاً, بل أكاد أوقن تماماً أنهم مدفوعون بتمويل من إحدى المنظمات الغربية. كان هذا الشاب مجنوناً , فأنا أعرفه من أيام حمص قبل "الأحداث" , كان معروفاً بأفكاره الغريبة و نقده المستمر و عزلته الاجتماعية الناتجة عن طرده الدائم, لم يكن ذو استحقاق و مكانة.. "مينو هادا؟ نكرة , لاشيء , ما حدا, واحد مجنون ههههههههه!" . هذه ردة فعلي. سأعترف بكذبة, لم ينفجر غضباً, بل كان غاضباً باحترام, و في كل مرة أنا بحاجة لإضافة عنصر كلامي مثل "انفجر غضباً" لكي أؤيد موقفي, أما هنا, فأنا أكتب لأكون صادقاً , لقد نعتني بال "جبان" حقاً , أذهلني هذا, قالها باللغة الفصحى فجأة في خضم الحديث العاميّ, كأنها الكلمة المميزة "أنتَ جبان" . أفحمني الشاب بشجاعته, و عبرت له عن إعجابي به و بمشروعه حتّى, قلت له من صميم قلبي "عنجد ضل متلك عالم إنتي؟ ما بصدق, منيح والله! في لسا متأملين و ناس مصدقة إنها فينا تغير شي" , لكن في النهاية اعتذرت عن المشاركة بعد رفضهم تطبيق فكرتي, فأنا لا أريد أن أعرف دوري, لا أريد أن أكون مجرد "مالئ للشاغر" , لا أريد أن أكون مجرد "عامل" , لا أريد أن أكون خاضعاً لأفكار الآخرين حتى ولو كانت إصلاحية, أريد أن أكون قائداً , أريد أن أكون رئيساً , أريد أن أكون صاحب المشروع, و مولّد فكرته, أريد أن يكون أي مشروع هو أنا, و إن لم أستطع, فليكن جزءاً منه هو أنا, و لا يهمني حقاً إن كان عندها إصلاحياً أم لا, فليكن أي مشروع, ولكن أريد أن أرى إسمي عليه.
عدنا أنا و "أبو بكري" إلى منزله للسهر, سأنبئه بخبر جديد قد يصدمه:

- "أبو بكري, شو رأيك باللجوء؟ أنا ناوي هاجر على ألمانيا"
- "يه! ما على أساس بدك تكمل دراسة سنتين بتركيا و بعدين بدك تلحق أخوك عالسعودية؟ على حد علمي حالكن المادية ماشي الحال"
- "لاااااء, شو بدك بهالشغله المعته, مانك شايف الأتراك شقد نكدين و عابسين, بعدين وين بدي إتعلم تركي! مين بدو يصرف عليي سنتين أنا؟ ما معي مصاري, معي هالكم ليرة بدي هاجر فيهن, ليكا هاي ألمانيا شوف ما أحلاها بيعيشوك على حسابن و بيعطوك الجنسية و إنتي لافف رجل على رجل, و يتجوز ألمانية كمان! قال إشتغل بالسعودية, الشغل بالخليج متعب, و بكرا إذا تحلحلت الأوضاع بسوريا كمان, الشغل بيتعب و المردود قليل يا أخي"
- "إي ليش لاء! معك حق, بس ليش ما بتهاجر على بريطانيا يعني؟ بعدين مانك ناوي ترجع عسوريا إذا خلصت المشاكل؟"
- "يا أخي المهاجر بيشوف الدولة اللي بتدفع علي و بتعيشو ببلاش, بريطانيا غالية, و بيقطعو عنك الراتب على بكير, الألمان أحسن بيعطو مصاري كتير, بعدين لسا ما كملتك الخبر, لك أنا ناوي إتزوج, رح إتزوج و إطلع على ألمانيا, بعدين شو سوريا ما سوريا, اللهم نفسي نفسي, الأنبياء هيك قالوا يعني, ليش أنا ما قول هيك, إنسى سوريا خلص, ما تحلم ترجعلا و تعمرا"
- "إي و الله حلال عليك و الله! بتجبلنا عبوديات صغار لهالدنيا, دخيل الله, بتعزمني عالعرس ها"
و تقهقهنا طول الليل على أحاديث اللجوء, كان "أبو بكري" إحدى الأصدقاء الحقيقيين, الذي يوافقونك على كل ما تقول, حتى في إحدى المرات أول قدومي إلى تركيا و انصدامي بالأتراك و كثرة مديحي لهم قلت له "يا أخي و الله هالأنطاكيين بضحكوا و البسمة ما بتفارق وجهن" , فوافقني الرأي مع ذكر الأمثلة التي تؤيد كلامه. ثم اليوم قلت له "يا أخي هالأنطاكيين ما بيضحكو بوجه مخلوق! بشعين و عبسين , يخربيتن شأد كرهانن" , فقال لي "إي و الله! حطيت إيدك عالجرح, من زمان بدي قول هالكلمة, يا أخي علوية هدول شو بدك يكونو يعني؟ الحور العين؟ ههههههههه" هههههههههه فعلاً , إنه شيء مضحك, لله درّك يا أبو بكري, قليلون الأصدقاء مثله.
كانت سهراتنا تتمحور حول طاولة الشاي و القهوة و المتّة و صحن السيجارة و اللابتوب, و كان أبو بكري من أولئك المدمنين نوعاً ما على الفيسبوك, فأغلب حواراتنا كانت أثناء تصفحه الفيسبوك و الإنترنت, و عندما يرى شيئاً مثيراً للاهتمام دائماً ما يسرده لي, و إحدى هواياته المفضلة, تصيد الصفحات العلمية العربية, التي تدعو إلى التطور و الإلحاد و التجرد من الأخلاق. لا أرى أننا بحاجة لعلماء أجانب لكي يقولوا لنا ما نفعل و كيف نمشي! قال علم قال! ماذا عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة؟ إنه أعظم علم يكفينا كل علوم الأرض. هههههههههههههههه قال أصل الإنسان قرد قال, حمقى! لا يعرفون أن أصل الإنسان هو عجينة من طين بطول ستين ذراعاً نفخ الله فيها الروح القدس. قال نحن و القطط نشترك بسلف مشترك هههههههههههههه, لا يعرفون أن القطة عطسها أسد في سفينة نوح من أجل تقتل الفئران التي تكاثرت بكثرة في السفينة و هكذا نشأت القطة هههههههههه, أستغرب حقاً من هؤلاء الملحدين, كيف يلحدون؟ كيف يلحدون و كل هذا الإعجاز موجود في القرآن, حمقى فعلاً.
ثم سألني "أبو بكري" بعد جلسة سريعة من مشاتمة الصفحات العلمية الإلحادية هذه سؤالاً خارج سياقه :
"كم ولد رح تجبلنا عبودي؟"
قلت "هلأ شوف, لسا ما فكرت بالموضوع, بس كل ما أكتر كل ما أحسن, النبي قال تزايدوا فإني مفاخر بكم الأمم, بعدين خلينا نكتر شوي نحنا المسلمين, و من شو بدي خاف؟ كل رزقو على الله, و في الألمان بكرا رح يدفعو كل المصاريف, أنا شايل إيدي, كلو بإيدين رب العالمين و من بعدن هالألمانيين, و شوف بيني و بينك, المسلمين لازم يكتر عددن, أنا سمعت مرة إنو الغرب يشعر بالغيظ من كثرة المسلمين, إي فبقى عم نتحدى الغرب, لازم نسبقو للغرب و نتغلب علي بصراع الحضارات لك أبو بكري! "
- "إي و الله حكيك صح! و الله شايفلك لازم دورلي على شي عروس و روح فيا على هالألمانيا, بلا سوريا بلا بطيخ"
- "اي بالله, كلشي بإيد رب العالمين, كلشي قضاء و قدر, كلشي مكتوب أبو بكري لا تخاف"
أنا أؤمن أن ما يحصل هو قضاء الله و قدره, لهذا سأجلس أنتظر الفرج, لإنه إن كان هناك فرج فهو بقضاء الله و قدره أيضاً و ليس بيدي حيلة أبداً , أنا أؤمن أن الإعجاز العلمي هو العلم الحقيقي ولا حاجة لأحد أن يلقننا العلم, أنا أؤمن أن كثرة العدد تغلب كثرة العقل و أننا بحاجة لقطع لحوم متحركة حتى ولو كانت بلا عقل, أؤمن أنني سيّد الموقف دائماً , سيد كل المشاريع حتى ولو كان مشروع غيري, أؤمن أن داعش لا تمثل الإسلام, لأنني أن الإسلام و داعش لا تشبهني, أؤمن أن الأتراك قبيحين و عابسين و سيئين و علمانيين كاهين للدين الإسلامي يشربون الخمر و يربون الكلاب, أؤمن أنني لا يجب أن أستمر بتعلمي لأن التعليم صعب, أؤمن أنني لا يجب أن أعمل, فلماذا العمل أصلاً؟ لكي أستحق إنسانيتي بعرق جبيني؟ هه!, ولّت تلك الأيام, أصبح لدينا اليوم ألمانيا و السويد, إنهم يعطوننا مالاً مقابل أن ننام و نتغوط و نأكل في بيوتهم! تخيل! أؤمن أنني عربي و متعصب لعروبتي بالرغم من أن جدّي من أصول كردية, أؤمن أن كثرة التفكير و النقد تأتي بالمشاكل و الأحزان, و أن الناقدين و هؤلاء الذين يفكرون كثيراً هم مجرد حمقى, في الحقيقة أملك فوبيا منهم, "إنتيلو-فوبيا", أؤمن أنني سعيد لأنني لم أفكر حقاً بأي شيء, أنا سعيد! أؤمن أن ليس من واجب أحد إصلاح المجتمع, ببساطة لإنه ليس من واجبي, فأنا صغير , أنا لا أحد أمام المجتمع, أنا لا أفعل شيئاً أمام هذا الكيان الكبير.. أنا أريد أن أحافظ على سعادتي. أؤمن أن هذا سيرفع من شأني, و من شأني بلدي, و سيجعلنا نلحق بركب العالم, و ندرك الحضارة الغربية.
أنا عبد القادر, حمصي, سنّي, سوريّ, عربيّ.. هذا إسمي و اسم قبيلتي, و كم أتمنى أن لا يظل في الوجد سوى قبيلتي, كم أتمنى أن تسود قبيلتي على الجميع.













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم شقو يضيف مليون جنيه لإيراداته ويصل 57 مليونًا


.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس




.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى