الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو أعادة بناء حركة نوادي المسرح (4) خلق مساحات جديدة للعرض

عبد الناصر حنفي

2015 / 10 / 20
الادب والفن


استعادة الأمل، أو مقاومة اليأس الذي أورثتنا إياه محرقة بني سويف، مع استبقاء "الحلم" الذي ولد في حينها لمقاومة تبعات تلك المحرقة، واستحضاره من افق النسيان الذي تم دفنه فيه، كل ذلك مرتبط بتنشيط ما يمكننا تسميته بأفق "الخيال الايجابي" لحركة مسرح الثقافة الجماهيرية، أي رفع العقل – ولو قليلا- من إنغماسه في بؤس الواقع المطبق عليه من كل اتجاه، ليتطلع إلى سماء المستقبل الممكن، فالخيال هو نقطة البداية "المجهرية" والجوهرية لتغيير ما هو كائن، وذلك عبر تلك المساحة التي يرسمها في افق ما يمكن ان يكون، والتي مهما بدت للوهلة الأولى في نظر البعض بسيطة أو محدودة الامتداد، أو متباعدة عما هو واقعي وخاضعة لسيطرة طموح جامح غير قادر على تبرير ذاته، بل وايا كانت درجة شطوحها أو انعدام دقتها وتجاهلها لما هو قائم وموضوعي، ففي النهاية: فإن كل مساحة من تلك المساحات المستقبلية التي يخطها الخيال تخبرنا بشيء ما عن النظام الذي أنتجها على نحو يعيد تحديده ويفصل ملامحه وإمكانياته أكثر فأكثر، المرة تلو الأخرى، واغلبها بالطبع يمكن أن يكون قاعدة للنقاش حول ما لا يمكن لهذا النظام أن يكونه، أو تلك النقاط أو المناطق التي لا يستطيع أن يبلغها، والأشكال التي يستحيل أن يتحول إليها، والأهداف الممتنعة عليه، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه " الخيال السلبي"، أما الخيال الايجابي فهو ما يأخذ في حسبانه احتمالات الواقع الصلد، ويكرس لرسم بعض الخطوط الواصلة بين ما هو آني وما هو ممكن على نحو يحدد للنظام نقاط توجهه الممكنة أو حتى "الواجبة" تجاه المستقبل. وبالتالي فأي نظام بلا خيال هو ايضا نظام بلا مستقبل، فهو إما نظام منكفئ على نفسه لا يعي ذاته ولا يعي علاقاته بما حوله، أو أنه نظام في طريقه للتحلل والفناء.
وأحد المزايا العظمى لأفق الخيال الايجابي النشط داخل أي نظام أنه قادر على أن يعمل كمنصة لاجتذاب الافكار واستقبالها، على نحو يمهد ويتيح فرزها واستيلاد العلاقات فيما بينها، بحيث أنه كلما اضيفت مساحة جديدة إلى هذا النظام، سواء عبر إجراءات جديدة أو كيانات مستحدثة نشطت هذه العملية وبدأت في تدبيج منطقة افق الخيال الممكن الخاصة بتلك الإضافة.
وأعتقد أن شيئا كهذا حدث مع بدء تنفيذ بعض القواعد التي تضمنتها ورقة مبادرة التعاون مع فرق الهواة التي لا زالت محور حديثنا هنا بوصفها واحدة من أهم التطلعات أو المشاريع التي يمكن عبرها إعادة بناء نوادي المسرح، فما أن بدا أن بالامكان مع مرور الوقت أن نصل إلى حالة تتوفر فيها أعداد مناسبة من فرق شباب النوادي ذات النشاط المنتظم والموزعة على مساحة مصر باكملها، ولكل منها ذخيرته ومخزونه من العروض التي يمكن استدعائها في اي وقت، وبتكلفة مالية زهيدة، أو حتى منعدمة، حتى بدأ التفكير في إمكانيات استثمار هذا الأفق المتوقع، باحتمالاته الواعدة وبما يتطلبه من ضرورة البحث عن تكثيف الفرص المتاحة أمام هذه العروض. ونتيجة لذلك فقد بدأنا مع مطلع عام 2006 (أنا ومجموعة من المهتمين) في مناقشة هذه الاحتمالات اثناء الإعداد لخطة إنتاج عروض موسم النوادي الجديد. وهو ما أفضى إلى التفكير في محورين يمكن العمل عليهما من أجل فتح مساحات جديدة لاستقبال النوادي.
وأول هذين المحورين كان يقوم على بحث وتحديد الفراغات القائمة في برامج نشاط المسارح التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة والتي – كما هو معروف- لا يتم تشغيلها بكامل طاقتها طوال العام، سواء بسبب ضآلة الميزانيات المخصصة للأنشطة، أو التقاعس البيروقراطي المعتاد، أو التعقيدات والعراقيل الإدارية "الشهيرة" التي يثيرها بعضهم أمام اي نشاط يرى نفسه غير ملزم به (أمام قياداته على الأقل).
أما المحور الثاني فكان يقوم على إجراء مسح أولى لمساحات العرض المسرحي المتاحة وغير المستغلة تقريبا، ووضع خرائط لأماكن تواجدها حسب موقعها الجغرافي وعلاقته ببؤر نشاط عروض ومجموعات شباب نوادي المسرح، بحيث يتم التواصل مع المسئولين عن هذه الأماكن والتفاوض معهم حول إمكانية استقبالهم لبعض عروض النوادي القريبة من موقعهم الجغرافي في التوقيتات التي يرونها مناسبة لذلك وبدون أعباء مادية تقريبا. وخلال اسابيع قليلة كان قد تكون لدينا بضعة خرائط أولية للغاية -ولكنها فريدة من نوعها- حول الشركات والمصانع والنقابات والمدارس وغيرها من الجهات التي لديها مسارح مجهزة بالفعل إلى هذه الدرجة أو تلك، أو على الأقل لديها مساحات تصلح لاستقبال عروض مسرحية (وبالمناسبة كان الصديق شاذلي فرح المدير الحالي للنوادي واحد ممكن شاركوا في عملية المسح هذه في منطقة الصعيد)، وكانت الخطوة التالية هي تجميع المعلومات المتاحة حول طبيعة النشاط القائم الذي تستخدم فيه هذه المسارح والأماكن، وسياسات إدارتها، ونوعية الكتل والتجمعات السكانية المحيطة بها بوصفها ما يمثل الجمهور المحتمل أو المستهدف للعروض، ومستوى علاقة التعاون القائمة أو الممكنة بين القائمين على إدارة الجهات المالكة لهذه المسارح والمساحات وقيادات المواقع الثقافية القريبة منها أو الشخصيات المحلية النافذة المرتبطة بالنشاط الثقافي والتي يمكن أن تلعب دور الوسيط أو الممهد في التفاوض مع تلك الجهات حول إمكانية استقبالها لعروض النوادي.
كانت هذه الأفكار تطرح وتناقش بعد شهور قليلة من محرقة بني سويف، وقبل حتى أن ينقشع دخانها الخانق والكثيف، بحيث كان من الصعب الشروع في تنفيذها على الفور وسط هذا المناخ، ولذلك كان تأجيلها منطقيا إلى ما بعد النجاح في التحدي الاعظم حينها وهو انتاج عروض الموسم الجديد للنوادي، وبعد ذلك جرت مياه كثيرة تحت الجسور، ولكن هذه الأفكار لم توضع قط موضع التنفيذ. إلا أنها برغم هذا تظل تشكل جزءا من افق التفكير الممكن، والمطلوب، في مسارات إعادة بناء حركة نوادي المسرح، وهو الأفق الذي اصبح يتعين علينا محاولة استعادته دون إبطاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا