الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


امرأة في قلب المعركة

كريمة مكي

2015 / 10 / 20
الادب والفن


كانت زميلتي أيام الجامعة و ما كنا لبعضنا جدا مقرّبات لكننا كنا نتبادل الكلام العابر إذا ما التقينا في المدرج أو في ساحة الجامعة فقد كانت لطيفة، بشوشة و سهلة المعشر.
مرّت سنوات عديدة على تخرجنا حين التقينا صدفة أمام مدرسة ابني بمناسبة العودة الدراسية و لكم أسعدنا لقاءنا فقد أعادنا لذلك الزمن الذي كنا نشكو منه ونتذمر فإذا بنا الآن نذكره و نتحسر...
أعلمتني أنها تنتظر خروج ابنة أختها التي تتولى رعايتها بعد وفاة أختها إثر داء عضال و أنها عادت إلى تونس بعد أن انقطعت عن مواصلة دراستها العليا بفرنسا لتقوم بإدارة شركة والدها الذي صار يعاني من اكتئاب حاد بعد رحيل شقيقتها.
صرنا نلتقي بصفة شبه يومية أمام المدرسة فنتبادل أحيانا الأحاديث و إن كنا غالبا ما نكتفي بالتحيات الخاطفة من نوافذ السيارة فدائما السيارات من أمامنا و من خلفنا و دائما الوقت يداهمنا وهرج التلاميذ يحاصرنا...
ذات مساء ركنت سيارتي قرب المدرسة في انتظار خروج ابني و شرعت في مطالعة جريدة الصباح التي أقرأها عادة بعد الدوام...وإذا بها تنقر على زجاج السيارة ثم تفتح الباب و تجلس متهالكة على يميني.
كانت منهكة و شاحبة تلوح هموم الدنيا في وجهها.
قالت:- يا إلاهي.. أنا مهدودة.. أكاد أنهار..كل يوم حرب جديدة!
قلت:- أهلا أستاذة سلمى... و أين تقوم المعارك يا ترى، أفي البيت أم في العمل؟
- والله مازلتِ ساخرة كما عهدتك، "صحّة ليك"... أمازلت تكتبين؟
- أحيانا...
-إذن اكتبي عني..فحكايتي تصلح أن تكون رواية أو فِلما في السينما..
- أسمعيني صوت المعركة الأحب إلى قلبك و سأكتب عنك رواية تهز الدنيا وأعدك بأن نتقاسم حقوق التأليف..‼-;- فقط أرجو أن لا تشوّشي ذهني بمعارك هامشية...
- تعرفين أنني رافضة لمبدأ الزواج للزواج و إلاّ كنت تزوجت من أيام الجامعة فإرضاء قلبي قبل إرضاء من حولي ولو كان أبي و أمي أعزّ من عندي...
- هذه أعرفها.. واصلي...سيخرج ابني بعد قليل فاختصري!
- وحتى الأطفال صرفت النظر عنهم بعد أن رزقني الله بابنة أختي التي تملأ عليّ الدنيا و أعشقها حدّ الجنون.
- جيّد و بعد.
- أنا الآن أريد الزواج اليوم قبل الغد‼-;- ذاك الحب الذي انتظرته كل هذا العمر شرّفني أخيرا و نزل على قلبي كأقوى ما تنزل الصواعق!
- هنيئا لك على هذا الحظ حتى و إن تأخر قليلا، فهناك من يمضي قلبه إلى نهايته دون أن تُبكيه الأغنيات أو يثيره همسا بين الكلمات...
- اطمئني.. أشقتني عوض إسعادي الهمسات و نزلت دموعي من أبسط الأغنيات.
- رائع! هذه هي علامات الحب التي لا تخطئ لكن ما الذي يُشقيك يا ترى في حبه؟ أهو طبعه؟؟ أم هجره؟؟ أم...
- بل زوجته...إنها تطاردني حتى في المنام!
- معركة بين امرأتين إذن؟
- بل قولي معركة بين عاشقة وحيدة ضد كل العالم من حولها...زوجته ألّبت علينا جلّ معارفنا: عائلته، عائلتي، زملاء العمل...
تصوّري... أمي التي كانت تصلّي ليلا نهارا ليسهل الله لي في الزواج صارت تتوسل إلي حتى أصرف نظري عن هذه الزيجة...أردت أن أفهمها أن هذا هو مكتوبي الذي انتظرته كل هذا العمر فما عرفت لاقناعها سبيلا..ربما كانت في سرها تخاف علي من "دعاء الشر"...لكن ما ذنبي أنا إن أحببته..سأموت لو لم أتزوجه!
- و ما موقفه، سيادة الزوج المنتظر؟
- لقد صار شديد التوتر خاصة و أنه يشغل منصبا حساسا و الاستقرار العائلي الزائف من أهم شروطه.
- و لكن الاستقرار العائلي يعتبر فعلا من أهم عوامل نجاح الفرد، فلماذا تعتبرينه زائفا؟
- لأنه مبني على المغالطة و التمثيل البارد...ليس بينه و بينها أي تجاوب حسي أو نفسي.
- - و طبعا أنت تتألمين لحاله بعد أن قال لك بأنها ليست سوى أمّا لأولاده و أنه يتعذب في قربه منها و بعده عنك؟
- و كيف عرفتِ؟
- أغلب الأزواج ممّن تنقصهم الشجاعة في تقرير مصير عواطفهم يعمدون عند الإيقاع بصديقة جديدة إلى ذم زوجاتهم و وإلصاق شتى العيوب بهن و كذلك تفعل الزوجات الباحثات عن أحضان دافئة خارج عش الزوجية البارد و لو اعتمد كل شريك على الصدق و الوضوح مع ذاته و مع نصفه الآخر لما خان أَحدٌ أحَدْ...
- لكنه يتعذب فعلا و هو ينتظر دون صبر الفرصة الملائمة لنتزوج.
- العاشق لا ينتظر الفرصة إنه يخلقها.
- إنها الظروف أو هو الحظ الذي بدأ يسوء.
- وهل بادر بإجراءات الطلاق؟
- ليس بعد، كلما فكر في أبناءه الثلاثة و...
- تريثي إذن.
- لا تقولي لي مثلهم لا تهدمي بيته و تشردي عائلته، إننا نحن المتشردان عن بعضنا.
- اطمئني لن أقول لك ما يقولونه عادة فلا أكره عندي من الكلام المعلب الجاهز للتقديم في مثل هذه المناسبات...أنا فقط أخشى عليك من نفسك، فالمرأة بمجرد أن تسقط في الحب تتجرد طوعا من كل أسلحتها و تضحي بكل ما شقيت في اكتسابه طيلة حياتها.
هل تأكدتِ فعلا من صدقه في حبك؟
- طبعا إنه يحبني جدا ثم إننا الاثنان على درجة من النضج، هل تظنيننا مراهقين؟
- يا مهبولة... في الحب يعود المحبين أطفالا و ليس فقط مراهقين!
- ما معنى هذا؟
- ليس يكفي أن يحبك... يجب أن يضحي من أجل هذا الحب.
- لكن مركزه حساس و حبه لأولاده كبير...
- اتركيه للمنصب و للأولاد إذن!
- و لكنني أحبه؟
- و لكنه لا يحبك بقدر ما يحبهم...أو ربما...
- أو ربما ماذا؟
- ربما يكون مُعوّل على استعداداتك الجامحة للتضحية من أجله، لذلك قد يترك للوقت مهمة إقناعك بالاكتفاء بدور العشيقة... كل ذلك حتى يحمي الأولاد و لا يخسر المنصب...هذا الذي فهمته منك.
- " لا أبدا.. أرجوك لا تقولي هذا.. إنني أكاد أنهار...
لقد صارت تأتيني مكالمات مجهولة المصدر فيها التهديد و فيها الكلام الكثير عنه، منذ قليل فقط كلمني شخص من تاكسيفون ليقول لي..."
و توقفت عن الكلام كأنها خشيت أن أسمع عنه ما يسيء.
- و هل تثبتي ممّا يقولون؟؟؟
اسمعيهم فقد يفتحوا عينيك على أشياء لا يمكنك أن ترينها هكذا بعيون القلب.
- مما سأتثبت؟ لا أحد بمقدوره أن يجعلني أشك في خصاله لحظة واحدة.
- فلماذا إذن أنت قلقة و مضطربة منذ أن جاءتك هذه المكالمة الأخيرة؟
- أنا متأكدة أنها هي...طبعا هي زوجته التي تقف وراء هذه المكالمات... لا تظني أنها تتمسك به لأنها تحبه...هي فقط لا تريد أن تخسر لقب زوجة"سي فلان" و الامتيازات التي يوفرها لها منصبه الرفيع.
- و هل تظني أنها ستقبل أن تُسلّم لك عمرها معه هكذا بمنتهى اليسر؟
- آه لو كانت تعرف أنني لا أريد شيئا من ذلك المنصب و امتيازاته، أنا فقط أريد هذا الرجل الذي يغمرني بنوع من الحنان لم أعرف له من قبل مثيلا...
- و ماهو رأي حبيبك في كل هذا؟
- لقد قلّل كثيرا من اتصالاته معي في المدة الأخيرة...طبعا من كثرة الضغط المسلط عليه، لكنني متأكدة أنه لا يمكن أن يتخلى عني أبدا.
- إذن اتركيه حتى يعود لك بعد أن يعرف كيف يزيل الضغط عن نفسه!
رن الجرس و خرج الأولاد فقلت لها مودّعة: لا تكلميني في المرة القادمة إلا لتعلميني بموعد الزفاف.
فتحت باب السيارة بتثاقل اليائس و قالت : زفاف! و هل سيكون هناك زفاف؟؟
تصورتك تنجديني بكلام آخر يخرجني من قلقي و تعبي فإذا بك تشكّكين في حبه لي مرة واحدة..بالله عليك ما الفرق بين كلامك و كلام أمي؟
- كلانا نفكر بمصلحتك لكننا ننظر للموضوع من زاوية مختلفة...فقط.
- "يبدو أنك تفكرين بموضوع الرواية أكثر مما تفكرين بمساعدتي...على كل حال شكرا و تصبحين على خير."
أغلقتْ الباب و مضت...
كانت الصغيرة تمسك بيدها و تترجاها أن تشتري لها بيتزا من المطعم المحاذي للمدرسة...و كانت ترافقها في أسوأ حالات الشرود الذهني و التشرد العاطفي...
ربما كانت تود أن تُلمّع صورته أمامي أكثر حتى أقف معها في معركتها من اجله فقد كانت عاشقة تنظر إليه بعيون القلب لكنني تعمدت أن أقسو عليها حتى تقسو على نفسها فلا يهينها الحب أمامه فيستهين بها.
في الحب رغبة في الامتلاك لا تَخفى فإما أن تُشعل الحرب و تربح معركة قلبها فتنعم بحبها كاملا و إما أن تنسحب بكبرياء و تفتح المجال للدموع و الذكريات ليكتبوا عنها أجمل الروايات...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | المسرحية والأكاديمية عليّة الخاليدي |


.. قصيدة الشاعر العقيد مشعل الحارثي أمام ولي العهد السعودي في ح




.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل