الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكاتب المأزوم والأفكار -العميطة-

محمد السعدنى

2015 / 10 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


فى العنوان إحالة إلى مقال الصفحة الأخيرة فى جريدة الشروق الإثنين الماضى بعنوان "بتوع المعيز والدولة العميطة" بقلم يسرى فودة، الذى جاء من عجب الطالع مجاوراً لمقالات فهمى هويدى فى الصفحة ذاتها. ومنذ أن انضم كاتب المقال إلى كتاب الشروق توالت مقالاته عناويناً دالة وأفكاراً متناقضة ورؤية أحادية المنظور. فى مقاله الأول "طيب.. وما البديل؟" يطرح عدداً من الأسئلة مفادها أن المجتمع المصرى مريض لايمكنه التصدى لمخاطر الداخل والخارج، أو أن يشارك فى أى مشروع أو نشاط ذى معنى بينما يُهتك نسيجه، ويصير مرتعا للأمراض النفسية؟ وأين تقبع الحكمة فى الدفع بأسوأ من فى مصر فى شتى المجالات إلى صدارة المشهد، بينما يُكبت أفضل من فيها ويُجبرون على البقاء خارج السياق؟ وهل صار الفساد أقوى من النظام نفسه؟ ثم ما الذى أزيل حتى الآن من الأسباب التى أدت بنا إلى الثورة وهى تقترب من إكمال عامها الخامس؟، ويخلص إلى أنه عندما تتوافر لدينا الرغبة والجرأة والقدرة على مواجهة أسئلة من هذا النوع سنكون على بداية الطريق.
فى مقاله الثانى 12 أكتوبر "حرية تعبير غير مسبوقة" عاد يردد أن مصر بعد 30 يونيو، تحولت في بحر أسابيع إلى قاموس مخيف للأمراض النفسية فى مجتمع قوامه من أصابتهم صدمة من جراء مذبحة رابعة العدوية والنهضة مفعمة بأحاسيس الظلم، ومن أصابتهم هستيريا وبارانويا الشحن المسعورة، واكتئاب من ديسوا بالأرجل والسنابك والجنازير والحوافر حتى انفعصوا، ثم يهزأ من فكرة الطابور الخامس والخلايا النائمة ليقفز إلى أنه "مفيش حاجة اسمها حروب الجيل الرابع" ويكررها عدة مرات. ويتساءل مستنكراً: كيف يمكن أن أعود إلى واقع من هذا النوع؟. والمفارقة هنا هى أنه بمقالاته تلك قد عاد بالفعل إلى ذلك الواقع الذى يرفضه ويدينه، وصار مرة أخرى جزءاً من مشهد الإعلام، ولعله يقصد أن عودته لاتكون بالصحافة، إنما بالتليفزيون، واقع الأمر أنه عاد، وياله من تناقض.
ويصعب على أى منصف الدخول إلى تحليل مضمون ماكتبه يسرى فودة دون أن يواجهه إحساس طاغ بأنه أمام كاتب مأزوم، تحركه نوازع من تشوش أو إغراض ملك عليه أفكاره ومواقفه، فراح يتخبط فيما لايليق بمثقف مثله، يدفعه مايكاد يخفيه حتى بدا فى إمعانه كمن يكشف عن خلاف مايبديه، فتتساقط منه ربما عن غير قصد وتتكرر فى مقالاته مفردات الأمراض النفسية والإكتئاب والهستيريا والبارانويا والصدمة وإنكار الواقع والإحساس بالظلم والمجتمع المريض، وجميعها عناوين دالة على التأزم وعدم التصالح حد التضاد مع الحقائق والوقائع والأحداث والأفكار. ثم ماكل هذا التزيد والمبالغة والرؤية السوداوية واجتزاء الصورة العامة لمصر بعد 30 يونيو والتى لايراها إلا من منظور أحادى متعسف قاتم مظلم وظالم، وكأنه "السيكلوب" فى الأساطير اليونانية الذى لايملك إلا عيناً واحدة، أو كأنه ارتضى عن هوى أن يتعالى على حقائق ماتعايشه مصر، ويعاقر أفكاراً مأزومة مغرضة، يتوحد فيها مع ذاته ونفر قليل من المثقفين على شاكلته من أمثال فهمى هويدى ومصطفى حجازى وعمرو حمزاوى وأيمن الصياد ومصطفى النجار وبقية دراويش البرادعى، وكأنه مرض التوحد "الأوتيزم" وقد أصابهم جميعاً فعادوا لايبصرون من العماء، ولايرون إلا دماء الإرهابيين فى رابعة والنهضة ويعاقرون إحساس الضحايا والمظلومية المدعاة، وليس فى موقفهم هذا إلا مايخدم المتآمرين والمجرمين والدواعش والمتربصين فى الداخل والخارج. إنه اجتزاء للصورة غير منصف ومخل، وهو المثقف الذى يعرف أن الإجتزاء ضد المنهج، أى منهج. ثم السؤال هنا، لماذا يصر فودة أن يضع نفسه "فى طريق الأذى" فينتقل من معاقل القاعدة إلى حواضن داعش؟.
نحن هنا بصدد محاولة للتفسير والفهم، أكثر منها محاولة للإتهام والإدانة. إذ يعز علىّ كل هذا التطابق والتماهى بين مايقوله يسرى فودة وزملائه "المدبلجين" مع مايراه ويدعيه التنظيم الدولى للإخوان وكل القوى الظلامية والإرهابيين وأعداء الوطن وطابورهم الخامس الذى ينكره ويسخر منه فودة كمصطلح وواقع، كما يدعى ويكرر أنه لاشئ يسمى الجيل الرابع من الحروب، ويالها من جسارة ومخاتلة وتخفى وجرأة، إذ ينكر يسرى فودة هذه الحرب الغير متماثلة Asymmetric Warfare ولعله يراجع كتابات ومحاضرات أستاذ الاستراتيجية بكلية الحرب الأمريكية "‬-;-ماكس مانوارينج‮-;-"‬-;-،‮-;- ‬-;-التي شرح فيها‮-;- ‬-;-كيف يدير الغرب حروب اليوم ضدنا، وأحيله لما كتبته فى هذه الزاوية 14 يناير 2014 بعنوان "السيسى لايلعب النرد مع هارى بوتر". لكن ماذا تقول فيمن يتناصحون علينا ويضللونا من المثقفين. إنهم بالفعل زمرة مارقة من المدبلجين، والدبلجة doublage‏ مصطلح تلفزيوني فرنسى، يستخدم عند القيام بتركيب أداء صوتي باللغة "العربية مثلاً" بديلاً للنص الأصلي المنقول عن "الأمريكية مثلاً"، كما يفعل دائماً البرادعى وصبيته وطابورهم الخامس ممن تتماهى مواقفهم مع الأمريكان وتابعيهم ومن والاهم على حساب الوطن. ‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-وأحيلك أيضاً إلى مقالى هنا فى 12 أغسطس الماضى "أصابع تخزق عين الوطن" ومن يدفع للزمار؟ وكتاب "فرانسيس سوندرز" عن قصة المخابرات الأمريكية ومن تجندهم من الكتاب والمثقفين ليكونوا طابوراً خامساً فى حربها الباردة، ولعلك تعرفه.‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-‬-;-
ونحن لاننكر على يسرى فودة أوغيره أن يعارض السلطة وينتقدها لحرمان الوطن من أفضل كفاءاته والإصرار على اختيار محدودى القدرات والفكر وانصاف الموهوبين، وأن يدين الفساد ويحاربه، وأن ينعى هؤلاء الشبان المغيبين خلف القضبان، وأن ينتقد الرئيس ويختلف معه، بمقتضى حقه الدستورى كمواطن، وأن يطالبه كما نفعل وغيرنا كثيرون، بأن يوقف مغالاة حكوماته فى إنحيازاتها للرأسمالية المتوحشة على حساب بسطاء الشعب الذين يتحملون عبء التنمية وتمويل المشروعات الكبرى ويكتوون بنار الأسعار ويحاصرون فى معايشهم وتدنى خدماتهم، لا ننكر عليك ذلك، لكن من موقع وطنى وليس مدفوعاً بمصالح عابرة للقارات، وشريطة توافر الموضوعية والاستقامة وتغيى صالح الوطن، لا العمد للإضرار به والوقيعة بينه وأشقاءه وحلفاءه فى الخليج بالحديث عن عنصرية مصرية تتعالى على الأشقاء وتراهم "بتوع معيز"، ثم الغمز واللمز فى موضوع تسريبات مكتب السيسى كما ذكرت فى مقالك الأخير الذى يحاول أن ينكأ جراحاً حسبناها برأت وكأنك تعمد للوقيعة والمكايدة بالحديث عن قناة "الجزيرة المبهرة" وعن غزو محمد على لشبه الجزيرة العربية، وتنعى على مصر عنصريتها وتخلف مواقفها فى مقابل تفوق الآخرين ورؤاهم السياسية التى تراها أكثر عمقاً، ولأن المعالجة مفتعلة ومخاصمة للواقع وتنضح بالإغراض، فقد أوقعك تسرعك فى التناقض مع ذاتك، تنعى عنصرية النظام المصرى وتمييزه ضد "بتوع المعيز" فى أول المقال، ثم تمارس العنصرية نفسها بتحسرك على حال مصر التى تعرض أوبريت صنع فى الإمارات. ثم تنحت مصطلحاً للدولة "العميطة" لتسخر من الدولة العميقة باعتبارها دولة عبيطة. ليتك توقفت عند هذا الحد، لأنه كان أفضل لك ولنا أن تنتقد الدولة، ولا تثير غضبة إخواننا الخليجيين بالتصغير من شأنهم والتلسين المبطن لتوغر صدورهم. إذا لم يكن هذا عملاً من أعمال الطابور الخامس والجيل الرابع من الحروب، فماذا عساه يكون؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء سجن المحامية التونسية سنية الدهماني؟ | هاشتاغات مع


.. ا?كثر شيء تحبه بيسان إسماعيل في خطيبها محمود ماهر ????




.. غزة : هل توترت العلاقة بين مصر وإسرائيل ؟ • فرانس 24 / FRANC


.. الأسلحةُ الأميركية إلى إسرائيل.. تَخبّطٌ في العلن ودعمٌ مؤكد




.. غزة.. ماذا بعد؟ | معارك ومواجهات ضارية تخوضها المقاومة ضد قو