الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرة أخرى عن الحصان والعربة..!!؟

كريم كطافة

2005 / 10 / 27
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


طرح موقع (الحوار المتمدن) خمسة أسئلة حول الدور المطلوب لقوى اليسار والديمقراطيين في المرحلة المقبلة. سأختار منها السؤال الرابع. السؤال الذي يستفهم عن الموقف أو طريقة التعامل مع التيارات الإسلامية فيما لو قفزت إلى الحكم من خلال صناديق الاقتراع. واخترت هذا السؤال تحديداً، لأني وجدته يختصر في داخله باقي أسئلة الاستطلاع.
منطق السؤال يفترض معادلة طرفاها التيارات الإسلامية بمواجهة العلمانيين وضمنهم قوى اليسار والتحرر. لكن، في مثل هذه المواضيع، وقبل أن نحدد المواقف المتوقعة، دعونا نعرف أولاً من نحن ومن هم. لأني أجد ثمة شبهة بإلغاء الآخر تكتنف مثل هذا الخطاب، مثلاً: لماذا سيكون من حقنا المناداة بالتحرر والحرية والعلمانية وفق رؤيتنا اليسارية لهذه القيم، ولا يكون من حقهم المناداة بالإسلام والحكومة الإسلامية وفق رؤيتهم السياسية- الدينية..؟
من هم..!؟
هم ليسوا ملة واحدة تقصد ذات الهدف. منهم من لا زال يتصور أمر الحكومة على شكل خلافة من الثلاثي المعروف.. أمير مؤمنين.. سياف.. قاضي قضاة. ومنهم من يقصد شكلاً من ولاية الفقيه الإيراني، وفق رؤية يؤطرها بمفهوم (حاكم عادل)، ولأن غطاء العدالة الوحيد وفق إيمانه لا يكون إلا للخالق، إذن، لا مفر من دور رئيسي لرجل الدين، ليقوم بدور الوكالة عن الخالق، وعلى هذا الوكيل هناك خلاف جذري بين من يقول بإمكانية توفره من بين صفوف أحزابهم وفقهاءهم، ومن يرفض هذه الإمكانية من الأصل، رابطاً عدالة الحاكم بالعصمة، وهذه منوطة باثني عشر رجلاً ماتوا كلهم منذ زمن بعيد، باستثناء آخرهم الذي غاب ولم يمت. ومن الآن إلى ذلك الظهور المنتظر يكون من الجائز أن تحكم الأمة بحكومات دنيوية، ودور رجال الدين في عصر الغيبة لا يتعدى الموعظة والإرشاد لمن يطلبها. وهناك من هو أقرب إلى العلمانيين منه إلى الإسلاميين، كونه لا يقر للمرجعية الدينية إلا بدور في عدد محدود ومتفق عليه من المسائل يجري الاتفاق عليها بما يشبه العقد، في الغالب مسائل تخص العبادات، كل ما عداها يُترك لقوانين وضعية تستنبط أحكامها من التجربة الإنسانية الطويلة في شؤون الدول والحكم، بهدف تحقيق أقصى ما يمكن من عدالة ورفاهية وإحقاق للحقوق. لكن تبقى الخلفية التي تحكم رؤية هذا النفر خلفية دينية في فهم الحق والعدل والرفاهية، رغم أنها لا تمنعه من الإيمان بالديمقراطية كوسيلة يمكن الوصول عبرها إلى تلك الأهداف، لكنها ديمقراطية بمضمون لا يلغي أو يعادي الدين على الأقل.
من نحن..!؟
نحن كذلك لسنا بالملة الواحدة، لنا ذات الرؤية ونسعى لذات الهدف. في الواقع لسنا أقل تنوعاً واختلافاً عنهم. صحيح أننا نتفق على هدف الدولة العصرية. لكن، منا من لا يتصور هذه الدولة إلا وفق النموذج الغربي، طارحاً من حسابه بضعة قرون تفصل بيننا وبين الغرب. في وقت انتهى فيه الغرب من خرافة (ما بعد الحداثة)، مستشرفاً آفاقاً جديدة، نحن ما زلنا نعيش ليس في ظلال ما قبل تلك الحداثة، بل ما قبل الثورة الصناعية. ومنا من لا زال متورطاً بالوهم الاشتراكي الذي عمر لسبعة عقود قبل أن يعلن هزيمته. وثالث يروج لنموذج اشتراكي على الطريقة السويدية، كذلك طارحاً من حسابه تلك القرون المهمة التي أوصلت السويد إلى ما وصلت إليه. رابع يقصد شيء شبيه بنموذج الصين، حيث الجمع بين العام والخاص في اقتصاد متعدد الملامح.. خامس لا يخرج أبداً عن دولة البعث وعبد الناصر، حيث الدولة والمجتمع كلهم قطاع عام مملوك للحزب الحاكم..
القاسم المشترك بيننا وبينهم، هو الزمن الذي لم يحترم أبعاده أي منا..!! هم منشدون إلى ماض مضى وانقضى لم يروا لحاضرهم بديلاً غيره ونحن منشدون إلى مستقبل لن يأتي بآليات الخيال والحلم والتمني. أننا وإياهم نتناسى البعد الثالث من الزمن، ننسى الحاضر. وننسى من بين ما ننساه في خضم المواجهات الكلامية والإعلامية، ذلك الحصان الذي لا غنى عنه لجر العربة.. ننسى المقولة، التي رغم ماركسيتها إلا أنها تصلح للجميع.. المقولة التي تتحدث عن شيء اسمه الاقتصاد.. الاقتصاد ولا شيء غير الاقتصاد هو الحصان الذي سيجر العربة. أما القيم الأخلاقية ومفاهيم العدالة والعالم الأول والعالم الآخر، هذه كلها ما هي إلا نتائج وتجليات وانعكاسات لنوع الاقتصاد السائر عليه هذا البلد أو ذاك.
صحيح أن الرأسمالية ليست هي الخيار الذي يحلم به الإنسان لمستقبله، لكنها، وللأسف مطروحة الآن كخيار وحيد. إذ لم ينوجد بعد اقتصاد آخر يشكل بديلاً لهذا الخيار المطروح. عندها يكون من العبث القفز على هذا الواقع وعدم الدخول في دراسة آليات هذا الاقتصاد لمعرفة كيف لنا أن ندخل منظومته بأقل الخسائر. وخسائرنا في هذه الحالة هي مؤكدة وتحصيل حاصل، لأننا لم نواكب سيرورة هذا الاقتصاد. كان علينا الدخول في منظومته قبل قرون، لكننا فضلنا أو أُجبرنا (لا فرق من حيث النتيجة) على تفضيل وتجريب كل شيء باستثناء ذلك الدخول. ولولا الثروة النفطية التي نمَُت رساميل وطنية في بعض البلدان النفطية لكنا جميعاً الآن في الهوا سوا، دول وشعوب متسولة. لأننا فقدنا حتى الزراعة، وأهملنا أرضنا التي لم تعد غلتها تكفينا، صرنا نستورد حتى رغيف الخبز، ونفتقر لرأسمال وطني ينمي نفسه بنفسه دون الاعتماد على نهب ثرواتنا النفطية وغير النفطية. هذا الغائب الكبير في طروحاتنا وعلى المتراسين، هو الذي سيصعب من مهمة استجلاء المواقف.
أنا لست باحثاً اقتصادياً، لأتمكن من التأشير إلى أين تسير بلادنا وما هي القوى المنتفعة وماذا تريد هذه الفئات والطبقات والجماعات المختلفة وأي المشاريع هو المطلوب ولماذا. لكن الحقيقة أن كل هذه الأمور الغائبة عند التحليل السياسي هي التي ستفعل فعلها في النهاية. وكل ما يحدث الآن من حراك اجتماعي وسياسي في بلداننا، ما هو إلا نتيجة لاقتراب دائرة الاقتصاد الذي غدا عالمياً من انعزالنا. علماً أن هناك مقاومة شرسة لهذا الاقتراب، مقاومة يتبناها قطبان متخاصمان، قطب الأنظمة الحاكمة المعزولة عن الشارع وقطب الدين الذي غدا هو مرجعية الشارع. الأمر الذي يجعلني متيقناً، ووفق واقع الحال الراهن، أن الإسلاميين وعلى المدى القصير سيتمكنون عبر صناديق الاقتراع أو عبر صناديق السلاح من السيطرة على السلطة وبالتالي قيادة البلاد. لكنهم في النهاية سيفشلون ، لأن إدارة معاش الناس وعمليات الدخول في السوق العالمي، لا يتقرر لها النجاح بمفاهيم أخلاقية أو سور قرآنية، إنما هي تعتمد على منهج علمي يستقرأ الواقع الحقيقي ويخرج بنتائج ويبنى أفعاله وردود أفعاله وفق تلك النتائج لا وفق الخيال والأوهام ومتطلبات العالم الآخر، أما أن تدخل اللعبة وتلتزم بقوانينها وأما أن تكون خارج اللعب وتدفع الثمن.. لا خيار ثالث في هذا الأمر. ولنا في التاريخ عبر كثيرة. أن من يقاوم منطق التاريخ، لا يستطيع أن يمنع من حدوث ما يجب أن يحدث، لأن ما يجب أن يحدث سيتخذ له مساراً آخر تحت الأرض.. وهو المسار الذي كان وما زال الأكثر شعبية في بلداننا.. مسار السوق الأسود..!!
لهذا، على قوى اليسار وبدل من التطير من احتمال سيطرة الإسلاميين على السلطة في هذا البلد أو ذاك، أن يعدو أنفسهم للمستقبل كقوى تقود مطالب الطبقات الفقيرة التي ستتضرر أكثر من غيرها في حالة صعود الإسلاميين، وانتشار ظواهر السوق السوداء.. عليهم الانفتاح على بعضهم واختيار الوسائل الأكثر شعبية وقرباً من مطالب الفقراء وكل المتضررين من ذلك التضارب المؤكد الحدوث بين السوق الأبيض والأسود.. بما فيها مطالب ومشاريع الطبقة الوسطى من البرجوازيين.. إنما وفق عقلية لا تعتمد التابوات بل الممكنات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع


.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب




.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال


.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني