الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
حفنة تراب ... قصة قصيرة
صلاح زنكنه
2015 / 10 / 21الادب والفن
![](https://ahewar.net/Upload/user/images/23ed6910-9670-4088-9e3f-4c032127dd65.jpg)
كلما استعی-;-د ذكرى ذلك الی-;-وم الغابر ی-;-نتابني الفزع وی-;-عتصرني الألم ، وذكرى فراق توأم طفولتي آزاد ابن جارنا المعلم الأستاذ قادر في محلة السراي، والذي كان ی-;-شاطرني اللعب واللهو طوال النهار، ولا ی-;-لبث أن ی-;-لازمني في المدرسة ولا ی-;-فترق عني لحظة واحدة ، في الصف ی-;-جلس بجانبي على نفس المقعد لی-;-شاكسني بی-;-ن حی-;-ن وآخر فی-;-ضطر المعلم لتوبی-;-خنا وضربنا بالمسطرة الخشبی-;-ة.
ی-;-ا للأی-;-ام الجمی-;-لة .. بی-;-د أن ذلك الی-;-وم لا ی-;-شبه الأی-;-ام الأخرى ، ی-;-وم أشبه بالكابوس لا ی-;-محى من ذاكرتي بالرغم من مرور عشری-;-ن عاماً ونی-;-ّف .. إذ كنا عائدی-;-ن للتو من المدرسة، جذلی-;-ن نمرح طوال الطری-;-ق ونتسابق للوصل إلى البی-;-ت بشقاوة الأولاد الصغار، متأبطی-;-ن كتبنا ودفاترتنا وأحلامنا وما أن صرنا على مقربة من الحي ، حي السراي القدی-;-م ، ببی-;-وته المتلاصقة ذات الشناشی-;-ل حتى رأی-;-نا جمهرة من الناس محتشدی-;-ن قدام بی-;-ت آزاد الذي شحب لونه على الفور، وندت منه صرخة مكتومة
(ی-;-ا إلهي !!!! )
وراح ی-;-ركض نحو ذلك الحشد فركضت خلفه ، وفوجئنا بالخالة غری-;-بة أم آزاد شعثاء الشعر تنتحب وتولول :
حرام علی-;-كم ، حرام علی-;-كم .
ارتمى آزاد في حضنها وراح هو الآخر ی-;-نتحب والناس ، ناس محلتنا الشعبی-;-ة صامتون باهتون كأنّ الطی-;-ر على رؤوسهم ، وعلى مقربة منهم تجثم سی-;-ارة مكشوفة ی-;-حی-;-ط بها نفر من رجال الشرطة بوجوه كالحة ، حاملی-;-ن بنادقهم ی-;-حثون الخالة غری-;-بة :
_ هی-;-ا ی-;-ا أختاه، عجلي، هذا أمر الحكومة، لسنا سوى مأموری-;-ن.
والخالة غری-;-بة تردد دون هوادة :
حرام علی-;-كم، حرام علی-;-كم ، حرام على الحكومة ، حرام ....
في الحوض الخلفي للسی-;-ارة كان الأستاذ قادر مقرفصاً بهدوئه ووقاره المعهودی-;-ن ی-;-بحلق بعی-;-نی-;-ن مذهولتی-;-ن صوب الأفق البعی-;-د وفي قبضته المضمومة حفنة تراب .
لمحتُ أمي ضمن جمهرة الناس فاندسست بی-;-ن طی-;-ات عباءتها ، وقد أخذ الخوف مني كل مأخذ ، وسألتها في الحال مرتبكاً متلعثماً :
_ ماما، ما هذا التراب في ی-;-د الأستاذ قادر؟!
قالت دون أن تنظر إلي وكأنها تحادث نفسها وهي تشدني بحنو:
_ إنه الوطن ی-;-ا ابني، الوطن.
لم أفهم شی-;-ئاً من إجابتها، ولم أستطع أن أعقب بسؤال استفهامي خشی-;-ة أن تنهرني ...
وفي هذه الأثناء قام اثنان من أفراد الشرطة بحمل الخالة غری-;-بة إلى حوض السی-;-ارة جنب زوجها ، وقام آخر بحمل آزاد فأومأ لي بی-;-ده مودعاً إی-;-اي ، والدموع تخضب عی-;-نی-;-ه وتسی-;-ل على وجنتی-;-ه ، وأومأت له بكف مرتعشة وطفقت أبكي مع أمي بحرقة وأسى والناس من حولنا ی-;-بكون بصمت بكاءً مراً مأتمی-;-اً ، وسألت أمي :
_ إلى أی-;-ن ی-;-أخذونهم ی-;-ا أمي؟
_ الى وطنهم.
_ أو لی-;-س هذا وطنهم؟
_ بلى، بلى
ثم أردفت تكلم نفسها بصوتٍ عالٍ :
_ ی-;-بدو أن لكل منا وطناً بدی-;-لاً آخر؟
_ وهل ی-;-أخذوننا نحن أی-;-ضاً إلى الوطن ؟
_ لا أدري، لا أدري، كم أنت لحوح ؟
قالت ذلك بنفاد صبر، وسحبتني من ی-;-دي باتجاه البی-;-ت وهي تكفكف دموعها بعد أن غادرت سی-;-ارة الشرطة واختفت عن الأنظار..
في الی-;-وم التالي ذهبت إلى المدرسة وحی-;-داً حزی-;-ناً كئی-;-باً وتأملت بوجوم الباب الموصد باب بی-;-ت شری-;-ك طفولتي ورفی-;-ق ألعابي :
آه.. ی-;-ا آزاد بابكم موصد ومختوم بالشمع الأحمر الذي وشم ذاكرتي بالخطر والخوف والفقدان والفراق..
في ذلك الی-;-وم، بعد ی-;-وم من رحی-;-لك، وأنا وحدي من دونك جالس على المقعد مقعدنا أنا وأنت .
سأل المعلم تلامی-;-ذ صفنا صف الثاني الابتدائي شعبة باء :
- ما هو الوطن ی-;-ا أولاد؟
رفعت سبابتي وأجبت على الفور من دون أی-;-ما تردد ، وقبضة والدك المضمومة كانت شاخصة أمام ناظري ، فقلت بثقة عمی-;-اء:
_ أستاذ ، الوطن هو حفنة تراب.
1999
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الجزائر تقرر توسيع تدريس اللغة الإنجليزية إلى الصف الخامس ال
![](https://i4.ytimg.com/vi/JNvEA9rriFA/default.jpg)
.. حياة كريمة.. مهمة تغيير ثقافة العمل الأهلى في مصر
![](https://i4.ytimg.com/vi/Ex5MA29ir3g/default.jpg)
.. شابة يمنية تتحدى الحرب واللجوء بالموسيقى
![](https://i4.ytimg.com/vi/gwGPPStL_jc/default.jpg)
.. انتظروا مسابقة #فنى_مبتكر أكبر مسابقة في مصر لطلاب المدارس ا
![](https://i4.ytimg.com/vi/xlqpmMYeZgw/default.jpg)
.. الفيلم الأردني -إن شاء الله ولد-.. قصة حقيقية!| #الصباح
![](https://i4.ytimg.com/vi/kdkMGJIMno8/default.jpg)