الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيننا من ثلاثية : الحسيني، هتلر، ونتيناهو.؟؟

بريهان قمق

2015 / 10 / 22
القضية الفلسطينية


وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كل اللوم على مفتي القدس الحاج أمين الحسيني، باتهامه انه وراء إبادة الملايين من الشعب اليهودي خلال الحرب العالمية الثانية ، في كلمته المثيرة للجدل في المؤتمرالصهيوني العالمي السابع والثلاثين الذي عقد في القدس هذا الأسبوع ، قائلا : إن الزعيم النازي أدولف هتلر كان ينوي طرد اليهود فقط، ولكن مفتي القدس الحسيني أقنعه بإبادتهم وإحراقهم كي لا يأتوا لفلسطين. وكان يشير للمفتي الذي كان آنذاك زعيما كبيرا في فلسطين تحت الإنتداب البريطاني في زيارته الشهيرة لألمانيا ولقاءه بهتلر في تشرين الثاني/نوفمبر 1941 ...
وعلى إثر هذه التصريحات، أعلنت المانيا مسؤوليتها الأخلاقية للمحرقة على لسان المتحدث باسم المستشارة الألمانية شتيفن زايبرت، بقوله : إن المسؤولية عن المحرقة تقع على عاتق النازيين الألمان وحدهم..! مؤكدا على أن الألمان يعرفون التاريخ جيدا وهوس النازيين للقتل ، وان هذا يتم تدريسه في المدارس الألمانية لسبب وجيه، كي يحدثوا القطيعة مع النازيين ..
وواضح أنهم لايريدون تغيير قراءتهم للتاريخ بأي شكل من الأشكال، وبخاصة أنهم يعلمون أن مسؤولية الجريمة ضد الإنسانية هي مسؤولية النازيين، أي ليس الألمان الجدد وبالتالي قد حدثت القطيعة الحضارية فعليا...

لم تأتي كلمات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عبثا، وهو ابن المؤرخ والمتخصص بالتاريخ اليهودي بنتسيون نتنياهو.. فكلامه موزون سياسيا وله مرامي بعيدة، ربما تكون حركشة بالألمان عبر الحسيني و محاولة تبرئة هتلر والنازيين تحديدا من المحرقة، ابتزازا من نوع جديد لألمانيا اليوم ..
لذا جاء تصريح : شتيفن زايبرت واضحا بحدوث قطيعة تامة مع النازيين، مؤكدا بأن المانيا اليوم ليست الماضي ، وكل هذا يأتي في سياق العلاقات المتذبذبة بين المانيا واسرائيل ..
فالمتتبع للعلاقات الألمانية الإسرائلية يلحظ انها في تراجع مستمر على الرغم من الزيارات المتبادلة على أعلى المستويات ، بسبب موقف المانيا الحازم والمنتقد للنشاط الإستيطاني الإسرائيلي المتواصل.
وقد لوحظ أن أي تباين في المواقف إزاء قضايا هامشية بين الجانبين ، سرعان ما يتحول إلى خلاف جوهري يصعب تخطيه، مثل برنامج "افق 2020" الأوروبي للتعاون في مجال البحث العلمي. فنتيجة لحظر التعاون الأوروبي مع كل ما له علاقة بالمستوطنات الإسرائيلية، كان لا بد من خوض مفاوضات عسيرة مع إسرائيل قبل انضمامها للبرنامج خشية تدفق أموال هذا البرنامج الى مؤسسات البحث العلمي في المستوطنات.
والأكيد لغاية الآن أنه من غير المتوقع أن تغير المانيا من موقفها الثابت إزاء النشاط الإستيطاني الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية، وهو ما يعتبر حجر عثرة على طريق إنعاش العلاقات بين البلدين للقناعات الألمانية المعلنة ، بأن الاستيطان يقف حجرة عثرة أمام السلام .

وواقعيا المفتي الحاج أمين الحسيني، الذي لجأ إلى ألمانيا في 1941، كان قد طلب فعلا الدعم من هتلر لاستقلال فلسطين والدول العربية الواقعة تحت الاحتلال والانتداب البريطاني والفرنسي آنذاك ، ومساعدته لمنع قيام دولة إسرائيل في فلسطين ووقف الهجرة اليهودية اليها ....
بينما فكرة حرق اليهود "الهولوكوست" كانت موجودة قبل لقائهما التاريخي في تشرين الثاني/نوفمبر 1941. ففي خطاب ألقاه هتلر أمام البرلمان الألماني في 30 من كانون الثاني/يناير 1939، تحدث هتلر آنذاك عن إبادة للعرق اليهودي...
المحير في الأمر هي الكتابات الرصينة التي تطالعنا حول العلاقات الوثيقة بين النازية وبين الحركة الصهيونية والتي تؤكد أن الهجرة اليهودية من ألمانيا أخذت ميزات ومعالم تختلف عن باقي الهجرات الأخرى ، ذلك لأن الكثير من اليهود الألمان كانوا من أصحاب رؤوس الأموال والصناعيين والتجارالكبار، وعند قدومهم إلى فلسطين، قاموا بنقل معاملهم ومصانعهم ، وتمكنوا من غزو الأسواق الفلسطينية. ونتيجة لذلك أصبحت فلسطين بحاجة إلى أيدي عاملة ، وعوضا عن تشغيل العمال العرب العاطلين عن العمل اتجه هؤلاء المهاجرون اليهود الأثرياء الى طلب المزيد من العمال المهاجرين من بولونيا والإتحاد السوفيتي السابق وبقية دول أوروبا . وبالتالي لولا الهجرة القسرية والمنظمة، لما غادر اليهود الأثرياء المانيا اصلا ، حيث أن رأس المال لا يغادر موقعه إلا في لحظات التهديد، وهو من جذب الأيدي العاملة اليهودية الأخرى ..
وفي سياق ذات الأمر فإن التاريخ يتحدث انه قد تعززت العلاقات الثنائية بين الصهيونية والنازية وتجلت بالسماح لعقد المؤتمرالصهيوني الثامن عشر في 21 /8 / 1933 في مدينة براغ بألمانيا أي في الزمن الذهبي للنازية وهيمنتهم وطروحاتهم الفكرية العنصرية المتطرفة ..!
والدخول بتفاصيل هذه العلاقات يؤكد على أن التنسيق بين الحركة الصهيونية والنازية كان واضحا بغية إيجاد مبرر لإصابة اليهود بالهلع ومغادرة من يمكنه ذلك مهاجرا إلى فلسطين ، وقد كانت الوطن الموعود من قبل بلفور أصلا .!
وتأكيدا على ذلك فانه قد عقد مؤتمر داخلي للحزب النازي في منطقة وانسي جنوب غرب برلين في 20 يناير 1942 والذي نوقشت فيه آلية إبادة يهود أوروبا، وحضر ذلك الاجتماع هينريك هيملر الذي كان من أقوى رجال أدولف هتلر وأكثرهم شراسة ، ونص محضر الاجتماع أن الأسلوب السابق في تشجيع اليهود على الهجرة من ألمانيا قد تم تغييره إلى الاستبعاد القسري...!!
ويمكننا فهم زيارة الحسيني التي جاءت لطلب وقف الهجرة اليهودية الهائلة لفلسطين ومجابهة وعد بلفور بحكم العداء بين المانيا وبريطانيا وطلبا لدعم الاستقلال .
ربما هذا خطأ عربي يتكرر في كل العهود والأزمنة ، أي التخلص من القوي المهيمن بطلب مساعدة قوي آخر لا يقل سوء عنه في تبادلية لم يتوقف عنها العرب حتى اللحظة على الرغم من الثمن الفادح الذي كلفهم ويكلفهم ذلك ...

عودة لتصريحات نتياهو وهي أساس موضوع المقال ،فقد أثارات زوابع و ردود فعل غاضبة لدى الاسرائيليين واليهود في العالم ، والذين يطالبونه فورا بالإعتراف بخطأ تصريحاته تلك ، ذلك لأنها تنسف الرواية الصهيونية من أساسها بتبرئة النازيين وهتلر وهي ذروة قيام دولتهم ومصدر قوتهم من حيث ديمومة الابتزاز..

في الواقع ان نتياهو يعيش مأزقا سياسيا، لذا يحاول جاهدا النجاح في ممارسة سحره السياسي، وأن يصنع سحر سحب الأشياء من القبعة، كي يتمكن من الخروج من أزماته السياسية الداخلية والخارجية وقد تعاظمت.. فبات مضطرا لإيجاد تفاهمات وتحالفات مع محيطه الفلسطيني والعربي والشرق أوسطي. ولا يمكنه الاستمرار بممارسة قمع الفلسطينيين على الرغم من ضعف تأثير المحيط الشرق أوسطي وانشغالهم بحروب أهلية .. حيث انه لا يستطيع المعارضة مع الجميع كالغربيين مثلا ،المتعاطفين نوعا ما مع الفلسطينيين، في ظل إصراره على إظهار دولة اسرائيل الواحة الغربية الديمقراطية الوحيدة وسط الصحراء العربية الموغلة في اللااستقرار، كما يتمكّن من القيام بذلك في كلّ مرّة عبر تصيد صيد ما فيخرج من قبعته حلا سحريا لمأزقه السياسي والايدولوجي ...
المأزق الحاصل اليوم مع الفلسطينيين هو ثورتهم المدنية وتزايد العنف الإسرائيلي ضد المدنيين وتزايد الإستيطان وهو العنوان الرئيسي لكل التحركات الإسرائيلية إلى حد تبرئة هتلر بهدف تشويه سمعة الفلسطينيين عالميا.. فثمة استحقاقات ضاغطة تفرض على نتنياهو خلط الأوراق، على الرغم من العلاقات الاستراتيجية الألمانية الإسرائيلية ، إنما ثمة ما يعتريها من البرود كما أشرت سابقا وبخاصة موقف المانيا من الإستيطان..
التاريخ السياسي الإسرائيلي/اليهودي ليس مكتوبا من قبل المؤرخين الحياديين العلميين ، إنما من خلال كتاب الخيال ، مثل: إيلي فيزيل البروفيسور الأمريكي اليهودي و الناشط السياسي الذي ألف 57 كتابا وغالبيتها باللغة الفرنسية ، أحد الناجين من محرقة هولوكوست ، وغيره ممن تركوا أثرا عميقا في الرواية اليهودية لتاريخ وأحداث الهولوكوست بكثير من المخيلة الواسعة بحنكة وذكاء..
نعم حان الوقت بعد سبعين عاما التاكد من تفاصيل رواية الهولوكست كما يجتهد المؤرخون المراجعون في الولايات المتحدة واوروبا في نقد الروايات المتداولة حاليا ، ولكن ليس على حساب الفلسطينيين .. وليس عبر ابتزازالمقاومة الفلسطينية المشروعة ضد الاحتلال واستيلاء الأراضي وبناء المستوطنات ، بهدف إحراجهم عبر بناء علاقة مصطنعة بين ألمانيا النازية وبين الحركة الوطنية الفلسطينية في الثلاثينيات من القرن العشرين والتي أخذت موضوعا للدراسة العميقة والقديمة على مدى أكثر من 80 عاما. ولكن هذه المرة يبدو أنّ الإنشغال بالموضوع قد انقلب بشكل استثنائي. فكلام رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، حول هذا الموضوع هو استثنائي مقارنة بكل ما قيل حول هذا الموضوع حتّى الآن ،ومقصودة مراميه للإبتزاز كعادته ..

الحركة الصهيونية أصلا تعاني من أزمات عنيفة داخلية ، كسؤال الهوية مثلا ، مع تزايد التناقض الفكري بين التيار الليبرالي المنتشر بين الأوساط المثقفة سواء داخل اسرائيل أوخارجها ، وبين التيار الديني السياسي المتشدد عنصرية وتطرفا والذي يتكيء على جمهوره من المستوطنين في الضفة الغربية والقدس المحتلة أساسا، وقد بات قوة مركزية في الحكم يمسك بزمام كثير من المفاصل المهمة في المؤسسات الاسرائيلية الرسمية ...
وبالتالي.. لن يكون لصالح التيار الديني نفي الهولوكوست، وتبرئة هتلر، ونفي الرواية التي لعبت دورا كبيرا في بروز الدولة الاسرائيلية، والدعم اللامحدود الذي تلقته من العالم الغربي ككل،والمانيا على وجه الخصوص ،عبر الابتزاز الدائم ..

يبقى السؤال أين تقف وسائل الاعلام العربية من كل هذا الصراع في ظل ضعف الموقف السياسي العربي المنشغل بحروب طائفية وأهلية ...؟؟؟
اين وسائط الميديا وملايين المنصات الإلكترونية/ الرقمية العربية فيما نشهده مما يبدو تلاعبا باللحظة التاريخية وبالمحاولات الرامية لضرب المقاومة الفلسطينية المشروعة..؟؟
أين يقف مثقفونا ومفكرونا العرب من ثلاثية : الحسيني ، هتلر ، ونتيناهو .. ومن كل القضايا التي تتعلق بالقضية الفلسطينية ، المفتاح لكل ما يشهده عالمنا العربي اليوم من فجائع و خراب ...؟!!؟

بريهان قمق












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيد المحترمة بريهان قمق
عتريس المدح ( 2015 / 10 / 22 - 06:17 )
نعم أتفق مع أغلب ما جاء في مقال الهاديء عن موضوعة تعاون النازيين في تهجير اليهود من ذوي رؤوس الاموال والصناعيين إلى إسرائيل، ودعيني ألفت إنتباهك إلى إتفاقية بين الحركة الصهونية والنازيين الالمان قد نظمت هذه المسألة وهي إتفاقية الهافارا التي عقدت في العام 1938 وإليك الرابط حول هذا الموضوع
http://www.sulafahijjawi.ps/Studies.aspx?ID=8
بينما دعيني أختلف معك حول موضوع معارضة ألمانيا لسياسة الاستيطان الاسرائيلية
ففي الوقت الذي تقوم به ألمانيا بمعارضة سياسة اسرائيل الاستيطانية وتعارض التعاون العلمي في هذا المجال فإن هذه المعارضة تأتي نتيجة الضغوط الشعبية ، بينما ألمانيا نفسها تعتبر من أكبر المزودين الرئيسيين لاسرائيل في مجالات التكنولوجيا العسكرية والدليل الاوضح على ذلك هو تزويد ألمانيا لاسرائيل بغواصات ذات تكنولوجيا متطورة جدا فكيف يمكن تفسير هذه الازدواجية ما بين رفض التعاون العلمي في موضوعة الاستيطان والتعاون في مجالات التكنولوجيا العسكرية المتطورة جدا


2 - ردا على تعليقا الاستاذ عتريس المدح
بريهان قمق ( 2015 / 10 / 22 - 10:33 )
شكرا للمداخلة القيمة والاضافة النوعية وبخاصة اشارتك المهمة لاتفاقية الهافارا ، التي تفسر الكثير مما يبدو عداء وما خلف الاكمة حتى في السياسيات التي انتهجتها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة مع عدد من الدول الشرق اوسطية ...
بالنسبة للشق الثاني من المداخلةأ تفق مع رأيك ذلك لان اسرائيل تمكنت بدهاء وذكاء سياسي من عمل اتفاقيات استراتيجية مع كل دول العالم تقريبا سواء اكانت تحالفات استراتيجية عسكرية او اقتصادية او حتى في البرمجيات والمعلوماتية كما هو حاصل اليوم مع الهند التي بقيت مخلصة للقضية الفلسطينية ولم تعترف باسرائيل الا مؤخرا لما سقط العرب في سلة اتفاقيات التسوية وعلى راسهم السلطة الفلسطينية ..انما لالمانيا كدولة ديمقراطية لها مواقف قد تتقاطع مع التحالفات الرسمية العسكرية والتي لاشك لها تأثير تماما كما حركة مقاطعة اسرائيل في أوروبا على الصعد الثقافية والأكاديمية ضد سياسات الاستيطا على الرغم من وجود تحالفات قوية مع حكومات دول تلك القوى ..بالعموم الامساك بابسط المواقف الغربية يعد ذكاء نضاليا لطالما انه يسبب صداعا وازعاجا للاحتلال..ومع شكري وتقديري لك

اخر الافلام

.. حاكم دارفور: سنحرر جميع مدن الإقليم من الدعم السريع


.. بريطانيا.. قصة احتيال غريبة لموظفة في مكتب محاماة سرقت -ممتل




.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين يضرمون النيران بشوارع تل أبيب


.. بإيعاز من رؤساء وملوك دول العالم الإسلامي.. ضرورات دعت لقيام




.. بعبارة -ترمب رائع-.. الملاكم غارسيا ينشر مقطعاً يؤدي فيه لكم