الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المهمة المستحيلة والساسة العجزة

حمزة الجواهري

2005 / 10 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


على افتراض أن أمر التصالح مع البعث ممكن، تبقى الحقية قائمة بأن هناك فرقا كبيرا بين طلب المستحيل وتحقيق الممكن، وفي الحقيقة هو تلك المساحة التفاوضية التي يتحرك بها الخصوم حين يجلسون على طاولة المفاوضات، كل طرف منهم يضع شروطه، منها ما يتم تعديله، ومنها ما يتنازلون عنه، وأخرى قابلة التحقيق، وهذا هو المنطق العام الذي يتحكم في جميع المفاوضات التي تجري بين الخصوم. لكن ما نسمعه من ممثلي البعث في العراق ومنهم هيئة علماء المسلمين أمر مختلف تماما، فالشروط التي وضعوها أول يوم سقط به التمثال، تلك الشورط التي وضعوها لكي يلقوا السلاح ويكفوا عن إرهاب الشعب العراقي، لم تتغير على الإطلاق، بل زادت الهيئة من تعنتها كناطق رسمي غير معلن عن الإرهاب بمختلف أشكاله وهوياته، فقد عدلت من بعض الشروط لتكون هي الأخرى مستحيلة التطبيق، ولا يوجد عاقل يقبل بها، ولو قبل بها أحد، فأنا أنصح الهيئة أن ترفض، لأن نوايا من يقبل بها سوف لن تكون سليمة، لأن لا يوجد إنسان في هذا العالم يسلم رقبته لكي يذبح في الوقت الذي يقف به في موقع القوة! وهذا بالضبط ما يطلبه الضاري من ممثلي الشعب العراقي بكل أطيافه دون استثناء! فإذا أراد عمرو موسى لمهمته أن تنجح، وهي لن تنجح في جميع الأحوال، عليه أن يسقط من ورقته هذه الهيئة ورئيسها الضاري، وكذا يسقط جميع ممثلي البعث، فهو يعرفهم جيدا، لأنه سوف لن يواجه بالرفض وحسب، لكن سوف لن تطأ قدمه أرض العراق مرة أخرى، وإذا قبل الشعب اليوم دخوله لاعتبارات لم يستطع عمرو موسى فهمها لحد الآن، فأنا أضعها أمامه بشكلها البسيط، العراقيون قبلوا دخول عمرو موسى للعراق لكي يسقطوا من يديه قميص عثمان، ادعاءات تهميش السنة العرب، وفي الحقيقة، إن المطلوب هو عودة البعث للسلطة متفردا بها تحت هذا المسمى، كون المسألة لها بعديها الأخلاقي والقانوني الذي لا يمكن التجاوز عليها، حيث أن السنة العرب مكون أساسي من مكونات العراق في الوقت الذي نريد به حكومة توافقية من جميع أبناء الشعب. أما وأن تتبنى الجامعة العربية برنامج البعث للعودة للسلطة تحت مسمى الوفاق الوطني، فإنه نوع من الإستغباء للشعب العرقي الذي شخص كل جهة سياسية تعمل على أرض العراق مهما كنت صفتها ومهما كان خطابها، فما بالك وخطاب هيئة علماء المسلمين هو ذات الخطاب والبرنامج السياسي لحزب البعث للعودة للسلطة، فهذا البرنامج منشور ومعروف من خلال رسائل عزت الدوري العضو البارز في هذا الحزب، والذي مازال فارا عن وجه العدالة.
ولكي لا يكون الحديث عاما، لنمر على الشروط التي وضعها الضاري بسرعة، أولها هو تحديد جدول زمني لانسحاب قوات الاحتلال، وأضيف له اليوم عبارة "مكفول دوليا" وهو ما لم يطالب به حزب البعث نفسه، في حين أن هذا الأمر قد أصبح من الثوابت العراقية وقد أعلن الموقف صراحة على لسان كبار الساسة العراقيين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، إذا على الجامعة العربية مراعات الموقف الرسمي والشعبي من هذه المسألة، لأنه لم يعد موضوع للمساومة ولا النقاش، وإن الأمر يتعلق بشكل مباشر بسلامة وحدة أراضي العراق ودرء الخطر الذي نتوقعه من جيران السوء، فالعودة له تعني وضع شرط مستحيل لا أحد يستطيع أن يساوم عليه بالنيابة عن الشعب مهما كانت صفته. أما الشرط الثاني، الشرط المضحك المبكي في آن واحد وهو "اعتبار المقاومة العراقية حقا مشروعا والإرهاب بكل أشكاله جريمة مرفوضة"، وهل وضع الضاري تعريفا للإرهاب وآخر لمعنى المقاومة؟ وهل أدان عملية إرهابية يوما ما لكي نستطيع أن نتبين وجهة نظره في الإرهاب، على الأقل بشكل غير مباشر؟ وهذا ما فعلته الجامعة العربية أيضا، وما وفعلته جميع الواجهات البعثية في العراق أيضا، واشترك به جميع الأنظمة العربية والإعلام العربي عموما. فالموقف من الإرهاب في العراق موحد فيما بين هذه الأطراف جميعا، ولا غروة أن يضع الضاري شرطا من هذا النوع أمام الجامعة العربية، ولكن يبقى السؤال الأهم قائما، كيف يمكن أن يوضع شرط يبيح الإرهاب في حين أن الهدف الأساسي من مساعي الجامعة العربية هو وقف الإرهاب والعنف المسلح والأنخراط في العملية السياسية؟ فإذا قبل بهذا الشرط، فلا داعي للحوار أو الوفاق أو المصالحة الوطنية، سمها ما شئت، لأن البعث سيكون قاب قوسين أو أدنى من السلطة، والإرهاب سوف تتصاعد وتيرته بحجة المقاومة، ومن يموت من الأبرياء، فهو موت خطأ. إذا هذا الشرط ليس تعجيزيا وحسب، بل ينسف أي مسعى حقيقي وجدي للوفاق أو المصالحة. وهذا بالتحديد ما يسعى له البعث، ففي حال التوصل إلى مصالحة أو وفاق، فإن ذلك يعني سقوط مشروعه من حيث الأساس، في حين هو يسعى للوصول إلى السلطة من خلال القبول بهذا الشرط أو أي شرط من شروط الضاري.
لذا، على عمرو موسى أن يضع في حسابه أن القبول بأي شرط من شروطهم، يعني هو المستحيل بعينه، فلو قبل العراق بانسحاب القوات المتعددة أو قبل بشرعنة الإرهاب أو قبل بإعادة تشكيل الجيش القديم أو أخرج جميع المسجونين، كلها تعني في نهاية المطاف عودة البعث من جديد سواء عاجلا أم آجلا.
لم يكتفي الضاري كما أسلفنا بوضع برنامج حزب البعث للعودة إلى السلطة على الطاولة كشروط، بل زاد عليها منه بضعة شروط إجتهادا منه وزيادة في الآمان، وهي حل جميع المليشيات التي ترفع الطائفية السياسية شعارا لها، لأنه يعرف أن المليشيات مرفوضة شعبيا في أي جزء من أجزاء العراق، وبذات الوقت تستطيع عناصر البعث المسلحة أن ترفع أي شعار غير طائفي من أجل الهدف المنشود، لأنها تستطيع أن تتلون بسرعة هائلة من شكل إلى آخر، إذا بهذا الشرط يريد نزع أسلحة الأطراف الأخرى المعادية لمشروعه، كنوع من الزيادة بالحيطة والحذر.
لقد بات الجميع يعرفون تماما أن الذي يقف وراء الإرهاب في العراق هو البعث وواجهاته كهيئة علماء المسلمين وجماعة المطلق وغيرهم، جميعهم مشخصين ويعملون تحت مسميات معروفة جدا ولا أحد يمسهم بحجة الديمقراطية وحقوق الإنسان، في حين إن هذه الجماعات تقتل الإنسان العراقي بغير ذنب وبشكل عشوائي، فأي الطرفين أحق بالحماية؟ المجرمين الذين يقتلون الأبرياء أم الضحايا؟
الحكومة تحمي القتلة خوفا من التجاوز على حقوق الإنسان! والجامعة العربية تحمل مشاريع لحماية القتلة! والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية والمحلية تحمي القتلة! وترفع عقيرتها حين يعتقلون إرهابي مجرم! والأحزاب العراقية تدعي تمسكها بمبادئ حقوق الإنسان حين يجري الحديث عن الإعتقال للقتلة، فهي بذلك تحمي القتلة! ولا أحد يحمي الإنسان العراقي البريء من القتل! وفي أحسن الأحوال يستنكرون قتله! والكثير في داخل العراق لا يستحي من تمنعه عن الإستنكار! أما العرب والجامعة العربية يستكثرون حتى الأستنكار حين يقتل العراقي البريء! فقط تجد هم يشمرون عن سواعدهم للدفاع عن القتلة والمجرمين في حال قتلهم أو أعتقالهم! وتخرج المظاهرات لأن أحد القتلة قد تعرض لإهانة!
أي عالم هذا الذي قلبت به المقاييس؟!
وأخيرا ها هي الجامعة العربية تحمل مشروعا لتحقيق أهداف القتلة يصفق له العرب جميعا والكثير من العراقيين، حتى الضحايا منهم، ويريدون منا القبول به!
إن من يجد في البعد العربي، المعدوم أصلا، أمرا غاية بالأهمية، وحتى على حساب الضحايا ومستقبل العراق، عليه أم يترك العراق للعراقيين وأن يعود لبيته، فهو ليس أهلا بحمل المسؤولية وحمل الراية، راية المظلومين، وهو بلا أدنى شك يساهم بشكل ما على قتل العراقيين وعودة البعث.
المطلوب هو اجتثاث حقيقي للبعث ونسيان لحقوق المجرمين، فليس لهم حقوقا على الإطلاق في العراق، لأنهم يقتلون ويلوذون وراء حقوق الإنسان، وهم بلا أي حس إنساني، والمطلوب هو نسيان العرب، ولو إلى حين، حتى نحقق الأمن الأمان على أرض العراق من خلال تجريد البعثيين من سلاحهم وتفكيك تنظيماتهم التي أعيدت بالكامل، وزجهم بالسجون ومحاكمة المجرمين منهم وإنزال أقسى العقوبة بهم، وكذا زج كل من يدافع عن البعث في السجن حتى يثوب إلى رشده، وإلا فهو مدان بجرائم البعث، حيث قانوني إجتثاث البعث ومكافحة الإرهاب قد أصبحا أمرا واقعا بعد إقرار الدستور والتصويت عليه من قبل ثمانون بالمماءة من العراقيين.
أود أن أذكر الجميع بشيء، ربما طواه النسيان، وهو يوم وصل البعث للسلطة عام 68 لم يكن في العراق سوى ستين بعثيا، وبعد أن استعمل أساليبه البشعة المعروفة وصل عدد البعثيين إلى مليوني بعثي، لذا يجب أن نستعمل ذات الأساليب لإجتثاث البعث من أعمق جذوره باستعمال القسوة، والقسوة المفرطة. بغير هذا لن يعود العراق معافا ولا نحلم بالأمن يوما ما، ولن نستطيع اعادة بناء بيت أو طريق، ولن يهنأ بال إنسان في العراق.
وأخيرا أنصح الأخوة الأكورد، والسياسيين منهم بالذات الذين يدفعون نحو هذه الكارثة، كارثة التصالح مع البعث، أن يتذكرا ضحايا شعبهم قبل أن يساهموا بعودتهم، لأننا حين ندعمهم كعراقيين من أطياف أخرى، نتوقع منهم أن يفعلون الشيء نفسه ويدعمون باقي أبناء الشعب العراقي الذين لا جبل لهم يتحصنون به حين يعود البعث من جديد للسلطة في العراق. لذا أنصحهم أن يتصرفوا كعراقين بما يتعلق الأمر بما يسمى المصالحة أو الوفاق مع البعث، ولا يدخلوا العراق في آتون الحرب الأهلية ويقفون هم متفرجين على جبلهم، لأن لا توجد تسمية لمثل هذا المنهج السياسي سوى الخيانة لأبناء شعبهم الذين أحبوهم، وعليهم أن يتذكروا جيدا إن من دق الأسافين بينهم وبين أبناء الشعب هم البعثيون، وليس هناك جهة أخرى مسؤولة عن ذلك غير البعث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زعيم الحوثيين يعلن -تدشين العمليات المشتركة مع فصائل عراقية-


.. مسيرات حزب الله تشعل إسرائيل .. وتل أبيب تتوعد بانتقام قاسي




.. صواريخ الحوثي تصيب سفينة أميركية .. والغارات تشعل سواحل اليم


.. نشرة إيجاز - هجوم واسع لحزب الله ووعيد إسرائيلي




.. موكب شاحنات غذائية لاستقبال الحجاج يوم عرفات