الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حذار من تجزئة المجزءِ وتفكيك المفكك ...

مسَلم الكساسبة

2015 / 10 / 23
السياسة والعلاقات الدولية


(1)
سيرتكب العالم خطأ فادحا وجريمة حمقاء فعلا إذا لجأ لمزيد من التقسيم أو قبل به ووافق عليه لهذا الجسد العربي الذي سبق له من قبل أن قطّعَه إربا ..
لان كل الصداع والمشاكل التي يعاني منها العالم اليوم هي بسبب من هذا التقسيم الذي خلق تعارض المصالح وتعدد التبعيات بين اقطار ودويلات العرب المبعثرة والتي تتصرف كل دويلة منها كأمة وتسعى لتحقيق ذاتها ومصالحها لو على حساب جاراتها .. حتى لو وصل الامر بالتحريض وبإشعال الحروب والمشاركة بها للتخلص من الجار الذي لا توده كما حصل في العراق وما حصل في ليبيا وما نشأ وينشأ عنه وما يحصل في سوريا واليمن اليوم ..

لقد فشل العرب في إيجاد صيغة من التفاهم بين أقطارهم المتناثرة تحقق لو الحد الأدنى رغم كل ما هو مشترك بين شعوب وبلدان تلك الاقطار بسبب ان ارتباط تلك الاقطار هو بالأنظمة وليس بالشعوب وبدوره ارتباط انظمتهم هو بمصالحها وعروشها كأنظمة لا بشعوبهم وأوطانهم وبأمتهم ومصالحها .. وبسبب ان كل قطر شبه اقطاع وملكية خاصة للنظام هو من يقرر .. وهو ما فرضته التجزئة ذاتها .. وهم سيفشلون دوما ما دام هذا الوقع المزي موجود.
بالتالي لن يشكلوا صداعا لأنفسهم وشعوبهم فقط بل وللعالم ذاته الذي تورط في خطـا تقسيمهم والآن هو يجني ثمرات ذلك .

(2)

ان دولة عربية مدنية قوية وموحدة تقوم على المواطنة والحقوق المتساوية من شأنها ان تقطع الطريق على تلك الجماعات الظلامية التي تجد لها في الاحساس بالظلم والإحباط لدى الناس وفي الصراعات البينية وتناقض المصالح بين المجموعة العربية بيئة خصبة لنموها ولدغدغة مشاعر المسحوقين وهروب بعض الناس من يأسهم وشعورهم بالظلم اليها وتأييد فكرها الظلامي ..
ولو فكرت القوى العظمى التي تعارض وحدة العرب في دولة قوية لوجدت ان المشاكل والصراعات التي تنشأ نتيجة لتفرق ما من شأنه التجمع وتقسيم ما من حقه الوحدة والصراع الناتج عن تعارض المصالح بين اجزائه تفوق بكثير المخاطر المتوقعة نتيجة القوة الناتجة عن إتحاده وان ما تحتاجه للتعاطي مع دولة قوية محترمة ومتحضرة اهون بكثير مما تحتاجه لإدارة الصراع في دول مفككة فاشلة يسودها الصراع وتعارض المصالح
ان الجهود والكلف التي تتكبدها امريكا والعالم لإدارة الصراع بين اجزاء الوطن العربي المفككة - ومع ذلك لا تفلح في ادارته وإبقائه في حدود ما تحت السيطرة - هي اضعاف الجهود والكلف التي تحتاجها لإدارة ولاياتها الخمسين , وهي بالتأكيد اضعاف الجهود والكلف التي ستحتاجها للتعامل مع دولة واحدة محترمة
ان من شان دولة عربية موحدة يتم انشاؤها على احترام المواثيق الدولية والالتزام بالأمن والسلم العالميين ان توفر على العالم الكثير من الشرور الناتجة عن وجود امة مفككة تدب الصراعات بين اجزائها ومكوناتها وتهدد بذلك السلم والاستقرار العالمي.
وان تفكك العرب وخلق تعارض المصالح بين كياناتهم الهشة هو ما يجعل تلك الكيانات المفككة الهزيلة تعيش قلقا وجوديا ملازما فتبقى خارجة على القانون والنظام بينما من شأن دولة كبرى ان تكون محترمة وحجر اساس في ارساء الاستقرار والسلم العالمي ..
فهل تعي ذلك تلك الدول التي تظن خطأ ان مصالحها هي مع عرب مفككين متصارعين وليس عربا متحدين أقوياء ؟؟

(3)
مساحة الوطن العربي مجتمعا مع المسطحات المائية الواقعة ضمنه غير المشاطئة له حوالي 14 مليون ونصف كم مربع وهو بهذا يأتي في المرتبة الثانية مباشرة بعد الاتحاد الروسي مساحة ومتقدما على الولايات المتحدة الامريكية والصين واستراليا .. وعلى تجمعات واتحادات اخرى كثيرة كبرى غيرها.
اما عدد السكان فهو بحدود 355 مليون نسمة وهو يأتي في المرتبة الثالثة بعد الصين والهند متقدما على ما تبقى من تجمعات سكانية واتحادات وأقطار كبرى .
بالتالي فهو الثاني مساحة والثالث سكانا ..
لكن بالنسبة لتأثيره ووزنه السياسي والدولي فهو يأتي في مراتب متأخرة جدا وبعد دويلات ودول صغرى لا تضاهي جيبا من جيوبه وكنتوناته الكثيرة المتناثرة المتناحرة ..
هذا ما يخلق التخلف ويولد لدى الانسان العربي الغبن والقهر والإحساس بالضعة والمهانة لأنه لا يجد نفسه في المكانة اللائقة به والتي يفترض انه يستحقها فيتحول الى العنف والتطرف والإرهاب احيانا كرد على هذا الواقع المزري والمخزي والبائس ..فهو في عين نفسه ينتمي لوطن كبير وأمة مترامية وتاريخ ضارب في عمق القرون الخوالي بينما يجد واقعه البائس لا يعبر عن اشواقه ولا يلبي طموحاته فيحس القهر والإحباط ويتحول مرغما الى انسان متوحش احيانا .
لكن لو كانت لديه دولة محترمة لالتزم واحترم التزاماته الانسانية تلقائيا ولوجده .

(4)

وان الكثير من الصراعات والمشاكل المزمنة التي صدّعت راس العالم زمنا طويلا وكبدته جهودا وكلفا باهظة ومع ذلك لم تثمر جهوده شيئا في انهائها او حتى خفضها - ستختفي تلقائيا وتزول للأبد دون محاولات للحل اذا نشأت مثل تلك الدولة ، وذلك لآنها صراعات مفتعلة من قبل الانظمة ذاتها نتيجة التناقضات بينها ونتيجة للقلق الوجودي الذي تعيشه ولحفاظ كل منها على ذاتها ولو على حساب جارتها وشقيقتها وهي كذلك صراعات ناشئة عن تعارض المصالح والتناقضات بين تلك الكيانات ، كل ذلك هو سبب ما نلاحظه من صراعات وقلاقل دائمة يتكبد ويتجرع مرارتها الناس انفسهم في تلك الكيانات وكذلك تزعزع الاستقرار العالمي ..
وكل تلك المشاكل ستختفي تلقائيا دون اي جهود للحل تبذل ..في حين ان كل الجهود منذ عقود فشلت في انهائها .. وهي ستفشل دائما ما دام الحال قائما.
من الصعب تحقيق دولة المواطنة والحقوق المتساوية والحرية والتشاركية الحقة في الدولة القطرية وبنفس الوقت ضمان استقرارها ورضى مواطنيها ..فإضافة لتأثير الدول والأنظمة المجاورة التي لا ترى لها مصلحة في نشوء هكذا دولة والشد العكسي الذي تمارسه ..فهناك معارضة لها في الداخل ايضا .. إذ لا يمكن ان يقبل مواطن أي قطر عربي ما ، اللبناني أو السوري أو المصري أو الأردني ....الخ - أقول لا يمكن أن يقبل ان يحظى مواطن عربي اخر بالمواطنة والحقوق الكاملة لديه في حين ان لذلك المواطن قطر ودولة وهوية قائمة فعلا ، فيكون لعربي ما دولتان وجنسيتان وحقان وهويتان ولغيره دولة واحدة وحق واحد ؟ عدا عن ان فصر تلك الدولة على من يحملون تابعيتها اصلا سيجعلها دولة لا تفي بشروط التشاركية الحقة بالمفاهيم الحديثة عدا عما سبق وضحنا انها ستواجهه من كبح وشد عكسي من الجوار ..
بينما غياب مثل تلك الدولة هو من اهم اسباب الاضطرابات والقلاقل في المنطقة وهي معضلة مركبة ..
على أن تلك الوحدة لا يمكن ولا بحال من الاحوال ان تتم بالقوة والجبر او بتفاهمات بين الانظمة دون رضا الشعوب ومباركتها ووفق شروطها وتصورها لتلك الوحدة ، ولا ان تدعيها فئة ما من فئات الامة وتعتبرها منة من مننها وثمرة لنضالاتها او تسعى مقابل تلك الدعوى للحكم والسلطة .. بل يجب ان تنبع من ضمير ووجدان الامة ذاتها الواعية المتمثلة تماما للبعد الانساني والمحلي والقيمة المضافة التي تحققها له ولوجوده وكينونته مثل تلك الدولة في حال نهضت وأصبحت حقيقة واقعة .

(5)

قول واحد سيبقى العرب هكذا متناحرين متخلفين ما داموا متفرقين .. ويبقوا مصدر قلق لأنفسهم وللعالم كما هو حاصل اليوم ..
فالعرب هم الامة الوحيدة التي لا تصلح إلا بالوحدة .. بأي صيغة كانت لكن بما يذهب تلك التناقضات المزعجة بين قطرياتهم المبعثرة ..
تفرقت امم كثيرة ففلحت رغم الفرقة والانقسام :
تقسم الالمان وفلحوا رغم الانقسام
تقسم الصينيون ففلحت الصين وفلحت هونج كونج وتايوان كل منهما على حدة..
تقسمت شبه القارة الهندية وفلحت حتى اصبحت دولة نووية هي والباكستان معا .
تقسمت الكوريتان وفلحت كدول صناعية منتجة قوية .
والأمثلة كثيرة ..
إلا العرب اذا انقسموا انشغلوا بعضهم ببعض واشغلوا العالم معهم بهم ..










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات القاهرة بين الموقف الاسرائيلي وضغط الشارع؟


.. محادثات القاهرة .. حديث عن ضمانات أميركية وتفاصيل عن مقترح ا




.. استمرار التصعيد على حدود لبنان رغم الحديث عن تقدم في المبادر


.. الحوثيون يوسعون رقعة أهدافهم لتطال سفنا متوجهة لموانئ إسرائي




.. تقرير: ارتفاع عوائد النفط الإيرانية يغذي الفوضى في الشرق الأ