الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجازفة في الكلام سورياً

مصطفى بالي

2015 / 10 / 24
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


أصبح واضحا أن سوريا التي كانت تتصف بأنها المنطقة الأكثر أمنا في العالم،قد تحولت إلى المنطقة الأكثر سخونة في العالم،فعلى هذه الجغرافيا تتطاحن القوى،تعترك في معارك عنيفة،وحروب بالنيابة،وتدخل دولي مباشر و غير مباشر،حتى وصل بالبعض أن يسمي ما يحدث في سوريا بأنها حرب عالمية ثالثة،ذلك أن بعض المراكز المهتمة بالحروب قد أحصت وجود ستين دولة مشاركة في الحرب في سوريا(بين مشاركة مباشرة و مشاركة غير مباشرة)بينما الدول التي شاركت في الحرب العالمية الثانية كانت ثمان و خمسون دولة و بنفس المقياس.
ولأن هذه الحرب الدائرة في سوريا هي المجازفة الكبرى للقوى الكبرى في العالم على عتبات القرن الحادي و العشرين فإنها بالمثل ساحة للمجازفة الصحفية و التحليلية،حيث راح الكل يدلي بدلوه فيها محللا،مستنتجا مستنبطا،وفق مقاييس وضعها هو لنفسه،أو وفق الجهة التي تنتج له المصطلحات و الأفكار على شكل معلبات جاهزة للاستهلاك الإعلامي.
في أي واقعة هناك معطيات،ولها سياق تاريخي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار،وما عدا ذلك فاقتصاص ناقص يبقي المشهد على ضبابيته وفوضاه في تناغم مع الفوضى الخلاقة التي تم الدفع بها للشرق الأوسط لاستنساخ دول و كيانات من نتاج تلك الفوضى،تماما كاستخراج الزبيد من خض اللبن،لكن زبيد لمن يذهب؟؟
المحزن في سوريا أن الجميع يحلل و يحرم وفق مصالح الدول لا وفق مصلحة الشعب السوري،وبالتالي يصبح القصف الأمريكي غزوا بالنسبة لمناصري النظام،بينما القصف الروسي تدخلا لحماية سوريا وفق نفس المنظومة،والعكس صحيح،بينما الجميع يتجاهل المعطيات على الأرض.
في سوريا يعاش مشهد سوريالي هو الأعقد إذا ما اقتصصناه من سياقه التاريخي أو تجاهلنا تقاطع المعطيات مع بعضها،لكنه الأوضح إذا ما أخذنا ذلك بعين الاعتبار،ولكي نضع المشكلة السورية تحت مجهر الحقيقة،علينا أن نتخلى عن بعض المصطلحات التي تم إنتاجها في دوائر إعلامية محددة،لا غاية لها سوى المزيد من التضليل و التعمية.
في مقال منشور في الحياة بتاريخ 20 أكتوبر 2015 لكاتبه حسن بن سالم تحت عنوان (هل تقصف روسيا داعش؟؟)يسهب الكاتب في شرح حيثيات التدخل الروسي في سوريا ليصل إلى نتيجة أن روسيا و سوريا(النظام)و داعش متقاطعة في المصالح،ولا احتراب بينها،وفي متن مقاله يورد جملة من المصطلحات(التسميات)وبناء عليها يبني فكرته التي تصل إلى النهاية بإظهار التحالف الغربي على أنهم قوى الخير التي تدعم الشعب السوري و روسيا(ومن لف لفها)قوى الشر التي تنتهك حقوق الشعب السوري،وفي التفاصيل:
يورد الكاتب في المقدمة عن الغارات الروسية (أنها تستهدف وبشكل واضح الفصائل المعارضة المعتدلة والفصائل الإسلامية المقاتلة لنظام الأسد)كمسلمة بديهية لا تحتاج لنقاش،وهي حجة دامغة على روسيا،وكأن روسيا تنكر هذه الحقيقة،أو تعمل كل جهدها لإثبات العكس بينما السيد حسن بن سالم قد أوقع روسيا في خانة اليَك و لم يعد بإمكانها أن تثبت براءتها مما نسب لها.
ما لفت انتباهي كمواطن سوري(قبل أن أكون صحفي)وكمواطن كردي،عاش ويلات كل هذا الجنون في سوريا،تسمية (المعارضة المعتدلة)(الفصائل الإسلامية المقاتلة لنظام الأسد)،طبعا لا أعرف من أين استمد الكاتب مصطلح الاعتدال،وعلى أي مقياس اعتمد في هذا التوصيف،وهي معتدلة وفق ماذا؟؟وما هي أسماء تلك الفصائل المعتدلة،حتى نكون على بينة من متن هذا المقال،وتاليا،الفصائل الإسلامية المقاتلة لنظام الأسد،كل ما أعرفه أن تسمية المعارضة المعتدلة ظهرت على التقارير الخبرية لوسائل الإعلام المعارضة للنظام السوري وبإيعاز من جهات تتحكم بخيوط اللعبة السورية،تلك الجهات طبعا أكبر من المعارضة و أكبر من أن ترى في المعارضة جهة يمكن الوثوق بها أو التحالف معها،ولا يتجاوز منطقها سوى إنتاج المسميات للمعارضة واستخدامها في مشروعها السياسي للشرق الأوسط عموما و ليس لسوريا فحسب،وإن لم تخنني الذاكرة فالأمريكيون أول من استخدم هذه التسمية في برنامجها المعلن عن تدريب(فصائل معتدلة)والتي لم يتجاوز عدد عناصرها الستين(معتدلا)عندما أنهوا تدريبهم انضموا إلى جبهة النصرة(الفرع الرسمي و المعلن لتنظيم القاعدة في سوريا).
الواضح ان الكاتب ما زال ينظر للسوريين كمجتمع عربي سني متجانس،ويتجاهل التنوع العرقي و الإثني في سوريا،وهو نفسه التجاهل الذي أوصل سوريا إلى ما وصلت إليه و بالتالي فوجهة نظره تنحصر لإي إعادة إنتاج نظام،يحدد آلياته داخليا متجاهلا هذا التنوع و وفق تلك الآليات الداخلية يتم تحديد ثنائية المعتدل/المتطرف،لكن كيف بإمكاني ككردي سوري أن اقتنع باعتدال فصيل يسمي نفسه(كتيبة الشهيد صدام حسين)،وكيف لعلوي سوري أن يقتنع باعتدال فصيل إسلامي يعتمد فكر و منهج ابن تيمية،وكيف لدرزي سوري أو مسيحي سوري أن يقتنع باعتدال فصائل إسلامية تدعو لتطبيق الشريعة(هذا إذا تجاهلنا العلمانيين في مختلف هذه الفئات).
ما يؤكد هذه المخاوف،ويدحض الرد المحتمل عليها هو تأكيد الكاتب في فقرة تالية،نوعية تلك الفصائل الإسلامية(المعتدلة)حين حديثه عن أدلب و انتصارات تلك الفصائل و تقدمها على النظام هناك،فمن المعروف أن من يسيطر على أدلب هي جبهة النصرة و حلفاءها(أي تنظيم القاعدة و حلفاءه)ويقود تلك الفصائل الإرهابي عبدالله المحيسني،سعودي الجنسية،وعند الحديث عن القاعدة نفهم عن أي اعتدال يتحدثون،وتنتصب امام الذاكرة مشاهد قندهار و تورا بورا،تحطيم التراث الحضاري الإنساني في كل مكان،وإصباغ اللون الأسود على كل الألوان.
عموما،روسيا لا تحارب دفاعا عن النظام كما يرغب أو يروج البعض،وأمريكا لا تقاتل بالضد من النظام كما يرغب أو يروج البعض،وكلاهما لا يحاربان داعش إلا بالقدر الذي يلزمهما من بروباغندا هذه الحرب لا أكثر،فمن يريد أن يعرف ماذا تريد روسيا في سوريا عليه أن يعود لمئتي عام على الأقل و يستطلع الحروب الروسية من أجل السيطرة على روسيا(وحينها لم يكن هناك شيء اسمه النظام السوري)،كما أن من يريد معرفة ماذا تريد أمريكا من سوريا عليه أن يعود لمشاهد مادلين أولبرايت و هي تنصب بشار الأسد رئيسا لسوريا أمام جثمان والده المسجى.
كل ما في الأمر أن سوريا ككيان سياسي،كانت نتاج لقلم و فرجار السيدين سايكس/بيكون،بينما الآن يردون لها شكلا مختلفا وفق اسمين مختلفين لا نعرف بعد من هما،لكن المؤكد أن الدول ليست جمعيات خيرية لنطلب منها أن تدفع بجيوشها لحمايتنا دون مقابل،وعلى ذلك فلا روسيا ولا أمريكا و لا غيرهم،سيقاتلون وفق مصالح الشعب السوري،والفيصل في هذا هو السوريون أنفسهم،عندما يصل السوريون إلى قناعة تامة بأن اللون الواحد لم يعد شكلا مناسبا للتعايش الإلزامي،وأن التنوع غنى،وعامل قوة،ويبدؤوا بحوار داخلي جاد لترسيخ قيم التعايش المشترك المتنوع المختلف في إطار وحدة عامة،حينها سيكون الروس و الأمريكان و غيرهم مجبرين على احترام هذه الإرادة،ما عدا ذلك فما زال الكثير من البكاء و النواح ينتظر سوريا

مصطفى بالي
كاتب صحفي كردي/سوريا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات جامعة إيموري.. كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة الأم


.. كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في افتتاح المهرجان التضا




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام