الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التكامل العربي.. البركان الخامد

مصطفى المغراوي

2015 / 10 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


إن الوحدة العربية أمنية غالية يعيش لها العرب، وتنبع من أعماق الضمير العربي، وتدعمها الوشائج العريقة، ولكنها لن تتم وتكتمل بغير الوحدة لأنها ضرورة ملحة، ولن تشق الحياة العربية طريقها كقوة قادرة بدونها، وهذه الضرورة تتوزع إلى ضرورة طبيعية لأن المزايا التي تمثل في بعض الوحدات الصناعية في العالم موفورة على نطاق واسع في البلاد العربية، وتضاف إليها كذلك الضرورة الجغرافية على اعتبار أن البلاد ليست متشابهة كل التشابه في إنتاجها الزراعي، وذلك كله يهيئ لها السبيل نحو التكامل في الصناعة والزراعة والتنويع فيهما.
وهو الأمر الذي لا تستطيعه منفردة أية دولة في العالم، إضافة إلى الضرورة الاقتصادية لان الوحدة هي التي تعصم العرب من الاستغلال الأجنبي الذي دأب في محاولات النفاذ بعمق وكثافة إلى الأسواق العربية، ولعلنا نجده قد نجح في ذلك نجاحا يستحيل معه إيقاف هذا المد الجارف، الذي يؤثر سلبا على الحياة العربية جلها، وهو الأمر الذي سيقود العرب – إن لم يتنبهوا- حتما إلى مهاوي التبعية والسقوط المطلق.
إن اعتماد الوحدة على الأساس الروحي وحده، يعجزها عن مقاومة الرياح الهوجاء التي تغاديها وتراوحها، وأن الأساس الأصلح والأرسخ للوحدة هو أساس المصالح لا العواطف.
فالسياسة في هذا الزمان لم تعد كما كانت في السابق، بل نجدها تسير سيرا حثيثا إلى جانب الاقتصاد، وحتى مفهوم الاستعمار نفسه، قد تغيرا مطلقا وأصبح وسيظل اقتصاديا بعدما كان في السابق احتلالا يَنبَني على استعمال القوة المقترنة بالحرب والجيوش والأسلحة الفتاكة والمتطورة.
وبناء عليه فقد غيرت الدول القوية تعاطيها مع هذه الجوانب بتوظيف أساليب جديدة قائمة على التوغل في عمق المجتمعات، بإخضاعها لسياسة الضغط الاقتصادي التي يترتب علها الخضوع لمنطق تدفقات الرساميل، الأمر الذي ينتج عنه إحداث عجز سرمدي أبدي في ميزانية البلدان الضعيفة غير القادرة على منافسة ومجاراة الدول العظمى.
إنّ عالما مكونا من دول عربية متناثرة لا تَتَوفر له الحيوية السياسية والاقتصادية والثقافية لبناء تكامل عربي متعدد المستويات، إلا إذا تَجمَّع في طاقة كبيرة، حيث يصبح أشد اتساقا وتكون فيه المصالح أكثر تشابكا، وذلك عن طريق الخروج المبكر من الأنانيات الإقليمية الضيقة التي يستحيل معها لأية دولة مهما عظمت إمكانياتها وقدراتها أن تواجهها بمفردها.
فإذا أردنا تقسيم الوطن العربي إلى منطقتين كبيرتين إحداهما زراعية وأخرى بترولية، لن نجد بينهما فاصلا دقيقا، فقد يكون البترول في المنطقة الزراعية وتكون الزراعة في المنطقة البترولية، ينضاف إلى ذلك أن كثافة السكان في البلاد الزراعية أكثر منها في البلاد البترولية، ومستوى الدخل في الأولى أقل منه في الثانية.
إن هذا التوزيع الطبيعي يجب أن يكون بمثابة محفز نحو تبادل نفعي مثمر، فإذا كانت الجغرافيا قد قربت بين الشعوب العربية بما أنعمت عليهم من تجاور في المكان، فقد ابتلتهم بهذا الموقع الاستراتيجي الغني بثرواته وأيقظت شهوة الطامعين، الأمر الذي فرض عليهم تحديات فريدة تجلت في إنشاء تكتل قوي منيع، لتحقيق تكامل شامل سَكن الوجدان العربي منذ زمن طويل.
ولا يفوتنا هنا الاعتراف بأن في الوطن العربي أقطار تميزت عن أخرى بنجاحها الكبير في تدبير منهجي لمجموعة من الميادين، فمثلا هناك دول ارتقت فيها صناعة النشر وتقدم التعليم، و دول أخرى تقدم فيها فن السياحة، وأخرى كذلك رسخ فيها النظام المالي.
ومن هذا المنطلق فالتكامل يقتضي ويفترض أن يُعترَف في كل ميدان بالدولة الرائدة فيه، دون حساسية أو حزازات من شانها أن تفاقم الصراع، لأن اختلاف السياسة لا يقف حائلا أو حَجَرة عثراء دون تحقيق التعاون الحقيقي المثمر، فعدم النجاح في استغلال وتوظيف الموارد العربية الضخمة، مَرَدّه إلى التّفتّت والتشظي الذي يعرفه العالم العربي و الذي يحصره في شكل كيانات صغرى ، تعكس بكل أسف الواقع المتردي الذي يعاني من غياب الحيوية على مستوى الفهم والإدراك السياسي والاستراتيجي.
وحقيقة الأمر أن الوطن العربي حافل بكثير من الرزق والامتياز ولكن يصاحبه قليل من التوفيق، غزير بالعواطف غير انه ناضب من التعاون، مفعم بالشعارات لكنه شحيح في الأفعال.
فلو تدبرَتْ كل دولة عربية أمرها لوجدَت التكامل مبدأ حسابيا قبل أن يكون مطلبا قوميا، فبين البلاد العربية أواصر وثيقة كونت وحدة عريقة سجلها التاريخ، لا تزال مفخرة الماضي وصوت الحاضر وأمل المستقبل، إلا أنها لا تكتمل إلا بتذليل العقبات وتجاوز المعوقات والحواجز الواقفة أمام تحقيق التكامل المنشود.
وحتى نبقى متفائلين نقول أن هذه الأمة لازالت تملك حيوية إثبات الوجود والقدرة على تجنب أيّة محاولات في الغد تروم التشهير أو الابتزاز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله