الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما أنذلني!

مصعب وليد

2015 / 10 / 25
كتابات ساخرة


كأنني تُهت للحظة... فور دخولي البلد، فكرتُ بصوتٍ عالٍ ونقلت الأفكار بسرعةٍ كافية لإنتقال الكلام من فمي لأذني صديقي الذي بدا حائراً من المكان الذي سوف نقصده بعد خروجنا من سيارة الأُجرة؛ مشينا كئيبين بضعة أمتار في شارعٍ لم يتعرَّفَ على السعادة أبداً، فقُلتُ بصوتٍ خافت: "فلنذهب الى كافيه نستريح؟" فردَّ بسرعةٍ معقولة ليكون رد الفعل على الفعل الذي باشرت به: "لِم لا، إختر المكان." وكُنت أعتقد بأن هذا الصباح لا ينقصه سوى سيجارة فرنسية من النوع الخفيف وفنجان "أميريكانو"، وكان لا بُدَّ أن أضيف على ذلك موسيقى شامية هادئة؛ حتى وإن كان ذلك يتطلب سؤالاً مؤدباً من موظف المقهى الذي سوف أقصده!

الوقت تشرين الأول، أو كما يفضل قوله صديقي: أُكتوبر، والأمطار تأخرت لأسباب غامضة إلا أن الجوَّ يبدو غائماً تعيساً.

الوقتُ موتٌ الآن، أو منتصفه، والأحداث تُشير الى حُزنٍ مُعتاد؛ أخي الذي وُلِدَ في أُكتوبر رحلَ فيه لأنه وُلِدَ في المكانِ المُناسب للحظةٍ مُناسبة أمام شاشة "الأقصى"، و"الجزيرة"، وهو يُشاهد إنتفاضةً تخلو من السِلم الدولي الذي تدعوا إليه الأمم المتحدة. تأخر موتُ أختي التي وُلِدت كذلك في منتصف الوقت من تشرين الأول لأنني تعلمتُ من الموت الأول، فحافظتُ عليها من مشاهدة كل الشاشات التي تُظهر الأقصى وأكنافه في دعاياتها الإخبارية.

حاولتُ أن أُخفي عن أفراد عائلتي كل المواعيد التي تُشير الى أن الموت مُتعلقٌ بشهر تشرين الأول؛ بعد زعم الكثيرين بأن نهاية الحياة ستكون في أُكتوبر، ربما أواخره، على الأغلب بينه وبين الشهر الذي يليه؛ نوفمبر، أي تشرين الثاني كما نُسميه في الشام وما يحيط الشام من دولٍ مجاورة... أخفيتُ كل هذه الإشاعات عن العائلة، وقررت عدم مشاهدة الأخبار كي لا أعلم الخبر اليقين منها؛ بعبارةٍ أُخرى، كي لا أكون الكاذب في العائلة الصادقة، في حال معرفتي بموعد الموت الأخير.

الوقتُ تشرين الأول... أو أكتوبر؛ الوقتُ تعيسٌ الآن...

مشينا مُهرولين الى المكان المقصود... كانت الشوا رع فارغة من المتبضعين المعتادين؛ المتاجر كانت مُغلقة تلبيةً للإضراب الإقتصادي الذي شددت على ضرورته جهات معنية في الحكومة. خلال الهرولة، كُنّا منهمكين في تشخيص الأحداث من حولنا، حيث جنازة لشهيد الإنتفاضة كانت تملأُ شوارع البلدة، بادرتُ في بدءِ النقاش، في غفلةٍ عن الأحداث الجارية أمامنا في الشارع، وأوجزت بأن الوضع شبه "مُعقد" وليس بإمكان المفاوضات طرح أي إقتراحات مفترضة لتبسيط عقدتها. أوجزت بمثالٍ مُجاور للأزمة السورية وأبديتُ رأيي، فقُلتُ بأن التدخلات الخارجية حالت دونما إيجاد أي حلول مفترضة، فلو تُركت لطرفي الصراع لكان الحل وشيك؛ لتوضيح الأمور، قسمتُ أطراف الصراع الى طرفين، وذلك معلومٌ لصديقي، النظام السوري والمعارضة. أما الأطراف المُتدخلة أو الخارجية، كما يُحب غيري وصفها، فكان تدخلها لمصالح ذاتية.

أكملتُ الحديث؛ أما المثال السابق فينطبق تماماً على الواقع في البلد... حددتُ أطراف النزاع أو الصراع أو المشكلة، وأخطأت في الكلام فبدل أن أقول حكومة الإحتلال الصهيوني، قُلت حكومة السلطة الفلسطينية وشباب الإنتفاضة! وأن التدخلات الخارجية من الأمم المتحدة وغيرها من الدول التي تسعى الى تهدئة الأوضاع، تتمحور في مشكلة أخرى وتهدف بالضرورة الى إشباع رغباتها ومصالحها في منطقة الشرق الأوسط.

تعجب صديقي من كلامي الذي وصفه بالمعقول، وشدَّدنا على ضرورة عدم الخوض في المواضيع المُعلَّقة وأن نترك هذه المواضيع لأصحاب الشأن.

بعد دقائق قلائل من الهرولةِ السريعة الى المكان الذي شاء لنا القدر أن لا نجلس فيه، وتفاجئنا بأن الكافيه، مُغلق تلبيةً للإضراب الإقتصادي الذي لم يَجلب للشعب سوى اللا شيء، أو الرثاء المؤقت، غير المقصود لما يدور من أحداثٍ في البلد. وكان القرار البديل شوارع البلد عوضاً عن الكافيه الذي يتسم بصبغةٍ أجنبية، حيث إتخذنا قراراً سريعاً وفورياً لشرب قهوةٍ سادة بدلاً من قهوة الأميريكانو في الشوارع العامة حيث يبيعها المهمشون، أصحاب "البسطات" المُعدمة.

إشترينا فنجانين قهوة من بائعها "أبو أحمد"، فضَّلتُها سادة، ورَغِبَ السُكرَ فيها صديقي. إتكأتُ على سلالم الرصيف التي يستخدمها العجزة أو المترجولن من عامة الناس، في حين جلس صديقي على الرصيف وألقى بقدميه على الشارع المُكوَّن من الإسفلت؛ أشعلت سيجارةً وشربتُ القهوة متلذذاً بمرارتها التي تَصِف المرحلة التي تعيشها البلد... شربنا قهوتنا شديدة السواد في منتصف الشارع كالكادحين؛ نظر لي صديقي شامتاً عندما تأففتُ من المكان الذي إتخذنا منه مجلساً للراحة...

قرر صديقي المغادرة نتيجةً لإتصالٍ هاتفي، إدّعى بأنه هام، وقبل مغادرته أبدى تردداً في عقله من وصفي بكل الكلمات التي تحوي أوصافاً سيئة... إختصرتُ أفكاره ولخصت فحواها بجملة تعجبية: "ما أنذلني!"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل