الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات الحرب.... من وحي مقالة (خوذة الجندي العراقي عبد علي)

يونس حنون

2015 / 10 / 25
الارهاب, الحرب والسلام


مقالة رائعة للاخ الكريم الحكيم البابلي اسمها خوذة الجندي العراقي عبد علي اثارت في نفسي شؤونا وشجونا كثيرة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=489493
بسبب هذه المقالة تذكرت او بالاحرى اعاد ذهني تشغيل شريط قديم لكن لازال تام الوضوح عن سنوات قضيتها في جبهات القتال خلال الحرب العراقية الايرانية رأيت فيها من المآسي الانسانية ما لايمكن ان انتزعه من مستودعات الذاكرة التي امتلأت رفوفها بصور وخيالات ضحايا وابرياء ، قتلى وجرحى ، بعضهم ربما حالفني التوفيق في ابقائهم احياء بغرس ابرة سائل مغذي في اوردتهم قبل ان يصلوا الى مرحلة نسميها الصدمة غير الراجعة والتي يتضاءل بعدها جدا اي امل في انقاذ المصاب ، وكل ذلك يعتمد على كم نزف الجريح حتى تم ايصاله الى من يستطيع تقديم الاسعافات له
طلب مني الاخ البابلي في رده على تعليقي على مقالته المؤثرة كتابة ذكرياتي كطبيب عن تلك الحرب...وانا بالفعل لدي خزين كبير من تلك الاحداث المريرة ...لكني اتساءل مع نفسي هل كتابة مقالات تصف الجثث الممزقة والجروح الغائرة وصرخات الالم والانين التي لازال بعضها يرن في اذني فيه ما يمكن ان يجذب القاريء الكريم للمتابعة ؟ ومن ذا الذي يريد تعذيب نفسه بالقراءة عن تلك المآسي ، انها تختصر ببضعة كلمات ... حروب مجنونة ليس فيها من قصص البطولة والاقدام الا بقدر مايترافق معها من شراسة وهمجية في قتل المقابل بلا رحمة ، نعم في كل انحاء العالم يصورون شجاعة المقاتل في قدرته على اهلاك العدو متناسين ان الاعداء ليسوا الا بشرا ايضا مغلوبين على امرهم غالبيتهم لم يحضر الى ساحات القتال بمشيئته بل مرغما بسبب جنون العظمة لدى حفنة من السياسيين والقادة الذين لا تهمهم سوى الامجاد الاعلامية عند تحقيق الانتصارات ولا يأبهون البتة بما يقدمون في سبيلها من ضحايا من اولاد الفقراء والضعفاء.. كان العراقيون يتفرجون كل يوم تقريبا على البرنامج المسمى (صور من المعركة) والذي كان يعرض علينا وعلى اطفالنا صورا مقززة لجثث الاعداء المتناثرة هنا وهناك مع وصف لبطولات مقاتلينا في قتل هؤلاء البشر ، وبالمقابل كان الجانب الاخر يعرض بدوره صورا مشابهة لكنها عن ضحايانا نحن ، وهكذا كانت تختصر بطولات الطرفين بجثث يتجمع عليها الذباب ويخرج الدود من فتحات الانف والفم ... اجسام فارقتها الحياة ملقاة في العراء حتى انتنت وفاحت منها رائحة الموت الكريهة ... كنا نعرض صورا لتلك الجثث ونتفاخر بأننا نحن من قتلناهم .... الا تبا لتلك البطولات
اذكر في احدى الايام حدث هجوم ليلي ايراني في منطقة الشيب قتل فيها اكثر من 50 من جنودنا وهم نائمون وبقيت جثثهم في العراء 3 ايام في شهر آب حتى امكن اخلاؤها وجلبها الى الموقع الطبي الذي كنت فيه بمفرزة طبية حيث كان من ضمن واجباتي ان اكتب وصفا لاصابة كل شهيد وان ابحث في جيوبه عما يدل على شخصيته وان اضع مالديه من امانات في كيس بلاستيكي ليتم تسليمها فيما بعد مع جثته الى ذويه ، ما رأيته من اكوام من اللحوم البشرية المتعفنة والمتخشبة جعل معنى البطولة بالنسبة الي في تلك اللحظة يتمثل في اولئك الجنود الذين يصعدون الى حافلة ملأى بالجثث ويقومون بانزالها الواحدة بعد الاخرى رغم ان رائحة العفونة تصيبك بالغثيان من على بعد كيلومترات ، قمت بشراء قنينة ماء كولونيا رخيصة وكنت اقوم برش كمية من ذلك العطر على قبضة من القطن واطلب من اولئك الابطال ان يضعوها داخل كمامات تغطي انوفهم وافواههم عسى ان تقلل من حدة الرائحة العفنة ، ومع ذلك كان البعض منهم يصاب بنوبة قيء فيفرغ ما في معدته ثم يعود بكل شهامة الى ذلك الواجب . في ذلك اليوم المشؤوم الذي لا يمكن ان اقتلعه من ذاكرتي ...كنت اقلب الجثث كي اثبت وصف الاصابات في النموذج الخاص المسمى بطاقة الميدان، وكانت الدموع تنهمر من عيني وتختلط بالعرق الغزير الذي يملأ وجهي بسبب الحر القائض دون ان اعرف ان كانت دموع حزن واسى ام دموع الغثيان بسبب ما اراه واشمه ، ام الاثنان معا..عثرت في الجيوب على هويات فيها صور لشباب يتطلعون الى الحياة دون ان يعرفوا ما تخبئه لهم الاقدار المجرمة ، وعلى صور لمن كان متزوجا مع اطفاله ، وعلى اوراق كتب عليها آية الكرسي ، وعلى عناوين واسماء اقارب للاتصال بهم في حالة الاستشهاد وكأنهم يتنبأون بمصائرهم ، واحيانا لم اكن اعثر على اي شيء واضطر الى كتابة شهيد مجهول الهوية الى ان يتم ارسال من يمكن ان يتعرف عليه من منتسبي لوائه
في ذلك اليوم الذي قضيته مع جثث الشهداء المساكين تغير مفهومي للبطولة كما قلت ، اصبح البطل من يسعى الى السلام حتى عندما يكون هو الاقوى ،و البطل هو من يساهم في اخلاء شهيد من ساحة الحرب ويحمل جثته غير مبال بما ينبعث منها من روائح الموت والعفونة
اخي البابلي ...هذا قليل مما اختزنه في عقلي من تلك الذكريات ...فهل تريد المزيد ؟



















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - النسيان عدو الشعوب
عبد القادر أنيس ( 2015 / 10 / 25 - 20:48 )
الكتابة حول هذا التاريخ ضرورية بما لا يقاس. لا يجب أن تنسى الأجيال ما حدث. النسيان هو العدو اللدود لشعوبنا. الشعوب فاقدة الذاكرة التي لا تجد من يذكرها دائما بما فعله بها أعداؤها كثيرا ما تعود كالحمقى لترتمي في أحضان جزّاريها الذين يصورون تضحياتنا العبثية غالبا على أنها تضحيات مبررة وعظيمة. مصيبتنا أننا لا نهتم كثيرا بتدريس التاريخ، وحتى عندما ندرّسه فإننا نحاول تشويهه فتتحول المجازر المرتكبة إلى مآثر وبطولات.
مقالك سيد يونس جدير بالكتابة والقراءة. فقط أعذرني عندما أبدي تحفظي على إطلاق صفة الشهيد على القتيل. فهي لفظة دينية حقيرة يُراد بها دائما خداع الضحايا وذويهم بأن الحرب جهاد في سبيل الله (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله...) أو في سبيل الوطن، وليس في سبيل إرواء النفوس المتعطشة للدماء لدى مرضى الدين والسياسة.
خالص مودتي


2 - التسابق لإعدام (المتخاذلين) المساكين
سمير ( 2015 / 10 / 25 - 21:14 )
تحية لك استاذ يونس ، كثير من المراهقين الذين سيقول للحرب اصيبوا بصدمة الحرب، وانت خير من يعرفها، وبدل من ان يعاد هؤلاء المساكين الى الخطوط الخلفية ليعطوا بعض المهدئات ويرتاحوا لبضعة ايام وكما هو معمول به في كل الجيوش الحديثة، كان يتم إعدامهم على أيدي الرفاق على أساس انهم جبناء ومتخاذلين . كنت أتمنى من اي بعثي ان يحمل سلاحه ويحارب الأعداء بدلا من قتل العراقيين، شلة من الجبناء فاقدي الأخلاق والشرف وقد رأيناهم منذ عام 1963 ولغاية 2003 كيف كانوا يهربون مثل الفئران حالما يلوح الخطر


3 - الكتابة عن حروبنا الكارثية ضرورة # 1
الحكيم البابلي ( 2015 / 10 / 25 - 22:08 )
زميلي الطيب د. يونس حنون .. تحية
حين طلبتُ منك الكتابة عن الحرب المآساوية بين العراق وإيران بصفتك طبيب يعمل في الخطوط الأمامية بحيث أصبحت شاهد عيان نزيه وصادق على ما جرى هناك من الذي لم يتم تسجيله وتثبيته وتوثيقه بصورة كافية، لم أكن أقصد أن تكتب لنا عن ما يُسميه بعض الخراتيت (بطولات وصولات وجولات وإنتصارات وقزرقط)! لا أبداً سيدي العزيز
سببي في طلب ذلك هو التوثيق ونقل الصورة الحية بلا رتوش إلى أبناء شعبنا المسكين وإلى كل شعوب العالم، ليفهوا بالضبط نوع تلك الحرب، ويتخيلوا ولو للحظات حجم وقباحة جحيمها المجنون الذي لم يكتفي بكل الجثث والموت، بل كان يصرخ دائماً: هل من مزيد؟
لاحظتُ أن هناك نقص مؤسف في كل ما كُتب لحد اليوم عن تلك الحرب التي لم يعطيها أحد لحد الآن ما تستحق من خلال الأعمال الأدبية إلا اللهم ربي محاولة هنا ومحاولة هناك، ربما بسبب قلة الذين يجيدون فن الكتابة والتعبير من الذين كانوا على أرض المعركة
أخوين من أولاد عمي الذين يُجيدون فن الكتابة ويملكون أدواتها، رفضوا دائماً طلبي منهم حول تسجيل مذكراتهم، أحدهم كان قائد دبابة، والآخر مشاة تم تأسيره وحجزه في إيران لمدة 16 عاماً
يتبع


4 - الكِتابة عن حروبنا الكارثية ضرورة # 2
الحكيم البابلي ( 2015 / 10 / 25 - 22:32 )
عاد بعدها إالى بيته وعائلته، وحين طرق الباب فتح له أحد أولاده وسأله: نعم سيدي .. ماذا تُريد؟
في جعبة أولاد عمي مشاهد صارخة قد تفوق بعض أفلام هاليوود، وحين يقصوها عليَ يركبني الغضب وأروح اُطالبهم بتسجيلها وتوثيقها ونشرها، لكنهم يرفضون ويتهربون من مواجهتي وكأنهم يخافون أن يفتحوا صهاريج اللهب عبر ذاكرتهم !، رغم أنهم يُحسنون فن الكتابة
بينما نرى آلاف وملايين الكتابات التي سطرتها ذاكرات الجنود في بقية حروب العالم والدول الأخرى كالحرب العالمية وغيرها وغيرها

لِذا أرجوك أن تنقل ذكرياتك بكل دقة ونزاهة ومصداقية أعرف إنك تتمتع بها، كي تكون مشاهداتك عيناً يرى بها القراء ما لم يكونوا شهود عيان عليه

صدقني أخي يونس، أنا لم ولن أشتهي أو أتمنى يوماً أن أكون مشاركاً في أي حرب ، لكني .. فقط أقول: لو كنتُ أحد من شارك في تلك الحروب العبثية لكنتُ كتبتُ ونشرتُ كُتباً وليس كتاباً واحداً لحد الآن، فما بالكم أنتم ؟، وتذكر إن نوعية وفكر الكاتب هي التي تُحدد قيمة وجودة ما سيكتب، وأنا واثق من قابلياتك وعُدتك الفكرية والكتابية
نعم .. اُريد المزيد لإنه واجبٌ عليك مشاركتنا في ذكرياتك عن الحرب
محبتي .. طلعت ميشو


5 - مقال رائع
محمد أبو هزاع هواش ( 2015 / 10 / 26 - 01:41 )
مقال رائع وإنساني

اللعنة على الحروب العبثية التي قتلت شبابنا


6 - الاخ عبدالقادر انيس
يونس حنون ( 2015 / 10 / 26 - 13:51 )
شكرا للمرور الكريم ...انا مثلك لا اؤمن بالمعنى الديني لكلمة شهيد واستخدامي لها هنا احتراما لضحايا لاذنب لهم فيما جرى،فهم لم يأتوا ليجاهدوا بل سيقوا كالنعاج الى المحرقة


7 - الاخ الكريم سمير
يونس حنون ( 2015 / 10 / 26 - 13:58 )

نعم صدمة المعركة تعالج باخلاء المصاب الى الخطوط الخلفية لبضعة ساعات حتى يرتاح ويستعيد قواه. وليس بطريقة فرق الاعدام التي تتألف من اسفل البشر واجبنهم...لكن عندما تكون الحروب لارضاء نزعات الطغاة فسنشاهد هذه السلوكيات القذرة


8 - اخي الكريم البابلي
يونس حنون ( 2015 / 10 / 26 - 14:21 )
تحية محبة واعجاب
انا اتفهم جيدا ما تقصده من طلبك ، لكن كطبيب فان كل ما عايشته في تلك الحرب المجنونة هو تكرار لما وصفته بمقالتي ..نعم ربما يكون التذكير بتلك المآسي تنبيها للبشر ان الحروب ليست كما يريد ان يصورها مجاهدو الغرائز الدموية مسارح بطولة ولا قصص للشجاعة والاقدام كما يوهمنا التاريخ المزيف... بل مأس ومذابح وساحات لارتكاب السفالات وكل ماهو غير انساني

ربما اكتب مقالات اخرى في المستقبل،وكما تعرف اخي طلعت كونك كاتب مقتدر ان الهام الكتابة لايأتي بضغطة زر بل يهبط عليك فجأة وبلا استعداد فترى الكلمات والجمل والافكار تنساب من قلمك او الكيبورد بلا مجهود وكأنها مكتوبة سابقا ، ولأني افتقدت هذا في الفترة الأخيرة فقد ابتعدت عن الكتابة وندرت مقالاتي.... شكرا لك لتحفيزي واتمنى لك كل الموفقية في حياتك


9 - اخي محمد ابو هزاع
يونس حنون ( 2015 / 10 / 26 - 14:50 )
شكرا لمرورك مع اطيب تمنياتي


10 - تحياتنا لك الاخ يونس حنون
على عجيل منهل ( 2015 / 10 / 26 - 19:17 )
مقال مؤلم ومؤثر حصلت فى فترة مظلمه فى تاريخ العراق المعاصر


11 - تحية ليونس حنون والبابلي الحكيم
كنعان شـــماس ( 2015 / 10 / 26 - 19:23 )
لااظن في العراق وايران من لم يكتوي بهلوســــــــــــــات مجرمي الحرب صدام و خميني المقبورين فماســــينا اليوم سببها الاكبر مازرع هذين المجرمين من هلوســـات اجرامية ضد الانسانية والسلام ... كتابات طارق الاعســــــم في الحوار المتمدن وثقت الكثير من ماسي مذلة الاســـــــر في الجانب الايراني وما يحيرني ما اشار اليه البابلي من رفض اقاربه توثيق وقائع اسرهم في تلك الحرب الاجراميــــــة لان ذلك حدث معي . احد معارفي هنا في المانيا امضى ثماني سنوات في الاســـــر الايراني وعاد الى العراق بساق واحدة وعندما عرضت عليه توثيق وقائع ذكرياته في الاســــــــر رفض وانفجـــر في بكاء ونحيب بصوت عال . عندما عاد كان قد مات والديه واعدم اخيـه الاكبر بتهمة الانتماء لحزب اثوري وتركته زوجته وتزوجت شاب اخر لكنه لازال بكامل قواه العقلية . تحية الى الاخ الدكتور يونس والحكيم البابلي ومساعيها النبيلة في توثيق هذه الاحزان البشرية


12 - شهادات حية
قول على قول ( 2015 / 10 / 27 - 21:55 )
من جملة ما قرأته لشهادات حية لاشخاص اجبروا على المشاركة كجنود في تلك الحرب المدمرة العراقية الايرانية وقد نسيت اسماء كتابها الا اثنان وهما الكاتب ( طارق الاعسم ) وكانت على حلقات في الحوار المتمدن ثم توقفت وكان عنوانها ( رحلتي في بلاد العمائم ) والاخرى للكاتب او الاديب ( نصير الناصري ) ووجدتها في مواقع مختلفة والاثنان السيدان الاعسم والناصري نقلا شهادتهما ورؤيتهما ومعايشتعما للحرب والقتال باسلوب ادبي رائع و صريح وكانت كتابتهما اقرب الى السرد او الى المراسل الصحفي وفيها الحقائق كما هي والالام كما هي ولا بد للقارىْ ان يعيد قراءتها اكثر من مرة لانها تفاصيل حقيقية بدون تزوبق او رتوش او مبالغات ...


13 - الاخ الكريم كنعان
يونس حنون ( 2015 / 10 / 27 - 23:10 )
شكرا لمرورك وتعليقك

اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. ”قاتل من أجل الكرامة“.. مسيرة في المغرب تصر على وقف حرب الا




.. مظاهرة في جامعة السوربون بباريس تندد بالحرب على غزة وتتهم ال


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المشاركين في الاعتصام الطلابي




.. بعد تدميره.. قوات الاحتلال تمشط محيط المنزل المحاصر في بلدة