الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس ومهام المرحلة الصعبة ، ومضعافة الكفاح من اجل تحقيق اهداف الثورة .

بن حلمي حاليم

2015 / 10 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


تونس، ومهام المرحلة الصعبة، ومضاعفة الكفاح من اجل تحقيق أهداف الثورة.

تعيش الجمهورية التونسية سيرورة ثورية، سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية ، انفجرت بقوة شديدة، ورهيبة. بعد أكثر من قرن وكادحي وكادحات البلد ظلوا يعيشون تحت هيمنة استبداد حكم البايات ثم سلطة وقهر الاستعمار الفرنسي وحكم ملوك البايات معا، و من بعد استبداد كل من الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. مرت حياة كل من الجد، والجدة والأب وألام والابن والابنة بأصناف القهر والعذاب، والاعتقالات والاغتيالات السياسية والمنافي، هؤلاء المظلومين جميعا فجروا ثورة هزت أركان اعتدى الحكام المستبدين بالبلدان العربية.

رفضا لكل ذلك الظلم والطغيان ،ومن اجل تونس حرة ومستقلة قدم شباب وشابات تونس الشجعان والشجاعات تضحيات جد كبيرة من اجل كرامتهم وكرامتهن وحريتهم وحريتهن، واغتصب نظام الاستبداد أرواحهم وأرواحهن، وقاتلوا ببسالة دفاعا على استقلال تونس الحقيقي والكامل من سيطرة القوى الامبريالية وكل عملائها. وكانوا شبان وشابات في عمر الزهور يهتفون في شوارع العاصمة بشعارات " الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية " " الشعب يريد إسقاط النظام" و"ارحل" تحت الرصاص، وساروا على درب الكفاح بدون توقف وبلا خوف أو تململ حتى زعزعوا رئيس الدولة من عرشه وتحت نضال الشوارع المستمر هذا جمع حقائبه وفر مع أسرته مذعورا هاربا من تونس. إن شعب تونس يريد الكرامة لان شهيد شعلة الثورة البائع الفقير المتجول محمد البوعزيزي صب على ذاته "البنزين" وأشعل فيها النار،إنها درجة قصوى من رفض حياة الذل والاحتقار، والعيش في منطقة مقصية ومهمشة .

كفاح القواعد النقابية يهز عرش النظام الاستبدادي

في هذه المرحلة المجيدة من تاريخ تونس، لعبت قواعد النضال العمالي في نقابة الاتحاد العام التونسي للشغل بجميع قطاعاتها الأساسية دورا عظيم ، وكانت الإضرابات السياسية والاعتصامات الجماهيرية الشعبية والمقرات المفتوحة في كل بقعة من تونس ، وتحركت كل الهيئات والجمعيات في مقدمتهم منظمة أصحاب الشهادات بدون موطن شغل والطلبة والتلاميذ والهيئات الحقوقية والنسائية والقضائية والآلاف من الفقراء المعدمين . وناضل التونسيين والتونسيات الموجودين في بلاد الغربة ورددوا الشعارات نفسها ضد الاستبداد في كل بقعة من العالم مناصرة للثورة.

والعودة اليوم ، إلى الخطاب الغير مباشر، الموجه إلى الرأسماليين المحليين أولا، والأجانب ثانيا، عبر طريق تقنية الحوار الخاص الذي أجراه الإعلامي برهان بسيس من قناة نسمة مع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، مساء يوم الثلاثاء 22 سبتمبر2015 ومن خلال هذا الحوار/الخطاب،الذي يتضح انه عرف تعديلات وتحسينات وتركيب،لكي يبث على طريقة السيناريو والإخراج. طرح الرئيس عبره برنامج المرحلة،مضمونه هو سيطرة الرأسماليين على البلد وضمان انتصار الثورة المضادة وتعزيز خدمة ومصالح القوى الامبريالية. وهذا هو دور الإعلام الخاص المرتبط بالرأسماليين وشركات الإشهار والإعلانات التي يتهافت عليها الإعلاميين والإعلاميات الشباب. هؤلاء الجنود المجندين لتنشيط ترسانة من البرامج الترفيهية والتسلية لقتل الوقت وأخرى للتسول وجمع الصدقات للمعدمين والبؤساء من طرف الأثرياء أصحاب الملايير" المحسنينًً!" سارقي أموال الشعب ومكسري ضلوعه وقتلة أبنائه وبناته. برامج " اربح المليون" و " احكي يا فقير عن حياتك التعيسة" لكي يتفرج عليها الأغنياء.
الثورة تحتاج إلى إعلام بجميع أنواعه يكون ثوري حقيقي. شعبي وديمقراطي يساير الوضع الذي تعيشه تونس ، وليس إعلام يخدم الحكام المستبدين الجدد أصحاب قوانين الاستثناء. الرئيس الباجي وحكومة الحبيب الصيد وأكثرية نواب مجلس الشعب يريدون تكبيل نضالات الأجراء والعمال و قواعد النقابة محليا وجهويا عن طريق البيروقراطية ، وهذا ما تبين في حواره.

رئيس الجمهورية المحامي الباجي والإعلامي برهان و الرأسمالي نبيل القروي صاحب قناة نسمة كلهم على ملة واحدة ، ومن عناصر عهد الاستبداد والطغيان، ويخدمون الأغنياء القدماء والجدد، ضد مطالب وحاجات الفقراء.

الدين سلاح معنوي في يد البورجوازية ، تستعمله ضد أنصار الكادحين، في كل وقت وحين.

نجاح الثورة المضادة بهذه الطريقة والسرعة مهدت له بشكل كبير وفتحت له الأبواب الكبرى كلها على مصراعيها ،القوى الرجعية وأعداء الكادحين،أعداء "الزوالي والقيليل" بزعامة حزب النهضة اليميني الرجعي.هذا الحزب الذي تشكل من عناصر تريد نشر الدين وأفكار ما وراء الطبيعة بدل الفلسفة والعلوم والسياسة، شحنوا ولازالوا يشحنوا رؤوس الناشئة بان حياة السعادة ستكون بعد الموت، والدنيا فانية ومتاعا للغرور.هذه العناصر اجتمعت في أواخر الستينات وبداية السبعينات 1972 على أساس نشر الفكر الغيبي وتربية الشباب على ربط الأرزاق بأمور بعيدة عن الواقع الحقيقي والمادي للحياة الشقية، التي يعيش فيها أغلبية التونسيين والتونسيات.

ورأت الطبقة الحاكمة في هذه العناصر مادة أساسية للتعاون معها لتحقيق مصالحها، التي تعمل ضد استقلال تونس من هيمنة الامبريالية وضد تقرير مصير شعبها الكادح ، وفي سنة 1974 سمحت دولة الرأسماليين لأعضاء الجماعة بإصدار مجلة "المعرفة" لسان الحركة الرجعية التي استطاعت أن تطبع نحو25.000 نسخة سنة 1979 وفي صائفة نفس السنة، نظمت الجماعة مؤتمرها في ظروف سرية ، ومن خلاله تمت هيكلة التنظيم وبدأت العمل السياسي من اجل نشر مشروعها الرجعي الذي يخدم الامبريالية والرأسمالية.
في 9-10 ابريل1981 نظمت مؤتمرها الثاني في نفس الظروف بمدينة سوسة موازاة مع انعقاد مؤتمر استثنائي للحزب الحاكم الحزب الاشتراكي الدستوري الذي عبرت فيه الطبقة البرجوازية الحاكمة على لسان المستبد الحبيب بورقيبة، بأن الحزب الحاكم سيسمح بتأسيس الأحزاب،وهي مناورة سياسية من النظام للتنفس من الضغط والخروج من الانغلاق بدرجة متحكم فيها إلى حد بعيد،وتفعيل خدعة الانفتاح وهذا بعد انفجار انتفاضات الكادحين أشهرها التي انفجرت في 26 يناير1978 وأغرقها النظام البورقيبي في الدماء، واستعملت الدولة فيها الجيش بسلاحه وعتاده وقتلت المئات وزجت بالآلاف في السجون ، جاءت الانتفاضة على اثر إضراب عام أعلنت عليه النقابة المركزية الاتحاد العام التونسي للشغل بضغط من القواعد المكافحة ضد سياسة الرأسماليين المطبقة بقوة السلاح على كادحي وكادحات تونس، ودخل النظام الاستبدادي في أزمة سياسية وعزلة عاشتها الطبقة البورجوازية .

في ظروف أزمة النظام تلك برزت الجماعة الإسلامية وأعلنت عن عملها وخرجت إلى النشاط العلني وركزت على نشر الإيديولوجية المرتكزة على الدين واستغلت أماكن تأدية الشعائر الدينية ، وانشاء المنخرطون في مشروعها الرجعي الجمعيات بعدد من البقع في تونس بشكل واسع ، هذه المهمة ساندتها ودعمتها الطبقة الرأسمالية والبرجوازية وتعاون معها الحزب الحاكم الحزب الاشتراكي الدستوري المسيطر على الأوضاع بشكل قوي.وكان الهدف المشترك بين الرجعيين والحداثيين البرجوازيين هو التصدي والوقوف ضد الديمقراطيين الحقيقيين والثوريين، ومنعهم من نشر فكر الطبقة الكادحة بين العمال والطلبة وكافة كادحي وكادحات تونس.

مناورة المستبد الحبيب بورقيبة وحاشيته لخلق أحزاب في الواجهة على أساس أنها تعددية سياسية،والأغلبية الساحقة من كادحي وكادحات تونس لا يميزون بين التعددية الحزبية والتعددية السياسية، والأحزاب التي تسمح بها دولة البرجوازيين هي تلك التي لا تمس الملكية الخاصة والنظام الرأسمالي في شيء. في هذا المناخ السياسي أعلن اليمين الرجعي عن "الاتجاه الإسلامي "كحركة سياسية من خلال ندوة صحفية عقدها كل من الأستاذ راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو. ومن بعد تعرضت حركة الاتجاه الإسلامي للاجتثاث من طرف النظام الاستبدادي وأجهزة الدولة الرأسمالية والبرجوازية الملتفة حول الحبيب بورقيبة زعيمها وقائدها وحبيب روحها ، ووزعت السنوات الطوال على أنصار الحركة اليمينية الرجعية ، وهذه المناورات السياسية للطبقة الرأسمالية الحاكمة معروفة( قسم متعاون وقسم متصلب) أو ما تصفه الصحافة الليبرالية " الحمائم والصقور" ومن خلال هذه السياسة انبطح وانحط عدد من الذين لهم تاريخ نضالي محترم عبر ممر "الحمائم".

سنة 1983 تم الإفراج عن عبد الفتاح مورو، وفي 1984 تم الإفراج عن راشد الغنوشي من خلال وساطة وتدخلات الوزير الأول محمد مزالي على اثر عفو عن معتقلي انتفاضة يناير 1978وفي سنة 1985 بعد كل الترتيبات والتنازلات وأهداف العمل المشترك ضد أنصار الفكر الثوري المناصر للعمال والكادحين، أسس الاتجاه الإسلامي الرجعي اليميني إطار نقابي طلابي داخل الجامعات التونسية ، تحت اسم "الاتحاد العام التونسي للطلبة" . وهذا تم في ظروف انتفاضات عارمة جماهيرية و شعبية ضد سياسة النظام الرأسمالي المتسببة في الجوع والعطش والتشرد. سياسة المؤسسات المالية الامبريالية. وفي سنة 1986 تعرض زعماء الحركة الرجعية وعناصرها الأكثر نشاطا للقمع الشرس من طرف أجهزة الحبيب بورقيبة.

يوم 7 نوفمبر 1987 تسلم الحكم زين العابدين بن علي، رحبت حركة الاتجاه الإسلامي ببن علي الرئيس والعهد ، مثل ما فعل عدد من الليبراليين والحداثيين البورجوازيين ، وكانت دولة الرأسماليين تريد إعطاء لعملها إشارة سياسية موجهة للخارج بعد إزاحة الرئيس الحبيب بورقيبة المريض والمنهوك، وقدمت للواجهة رئيس جديد شاب ، وبمناسبة ذلك تم الإفراج عن اغلب المعتقلين السياسيين، من بينهم زعماء حركة الاتجاه الإسلامي. وفي 7 نوفنبر1988 وقعت حركة الاتجاه الإسلامي اليمينية الرجعية مع عدد من الهيئات على وثيقة " الميثاق الوطني" وثيقة وضعت أسسها الطبقة البورجوازية المحيطة بزين العابدين بن علي باستثناء حزب العمال الشيوعي الذي أعلن رسميا على رفضه لهذه الوثيقة، و كذلك فعلت التيارات اليسارية الجذرية الصغيرة الممنوعة والمحظورة. ومن خلال هذا التوقيع دخلت حركة الاتجاه الإسلامي في ابريل 1989 المشاركة الانتخابية التشريعية بعدد من اللوائح المستقلة وحصلت على نتائج لابأس بها ، وعلى اثر ذلك طورت عملها السياسي والعلني وغيرت الاسم من الاتجاه الإسلامي إلى اسم " حركة النهضة" وفي منتصف سنة 1989 خرج زعيم الحركة راشد الغنوشي من تونس، وتوجه إلى الجزائر الشقيقة، لكنه غادرها في اتجاه الخرطوم عاصمة السودان الشقيق ، وهناك تحصل على جواز سفر دبلوماسي. وفي سنة 1990 تعرضت الحركة للقمع الشديد من طرف الطبقة البرجوازية الحاكمة، وفي سنة 1991 أصبح راشد الغنوشي رئيسا لحركة النهضة وناطق رسمي باسمها. وانتقل إلى منطقة "اكتون" في ضواحي العاصمة البريطانية لندن، وفي صائفة سنة 1993 حصل على حق اللجوء السياسي. ومعروف عن راشد الغنوشي انه كان في بداية 1960 ناشط في وسط طلاب شمال إفريقيا في فرنسا وانظم إلى جماعة "التبليغ" واهتم بنشر الإيديولوجية الرجعية في وسط المهاجرين العرب، وقد ساعده نظام بورقيبة الاستبدادي عندما غير نظام التعليم وتم توظيف التعاليم الدينية في منظومة التربية والتـأطير.هنا التقى التعاون بين الاستبداد والرجعية ضد التوجهات الماركسية في النقابات والجامعات، هذا بعد دخول راشد الغنوشي إلى تونس قادما لها من باريس، وفي سنة 1970 شجعت الدولة الرأسمالية بزعامة بورقيبة ببناء المساجد وبيوت إقامة الشعائر الدينية في الجامعات والمصانع ، وشجعت على الدراسات الدينية الإسلامية وركزت عليها في مناهج التعليم والدراسة، ومن "فرن" الدولة الرأسمالية خرجت حركات الإسلام السياسي بكل أصنافها، بما فيها الأكثر تشددا ومغالاة ودموية.

راشد الغنوشي وجد في لندن مكان مهما ومركزيا للعمل في التنظيم الدولي لحركة "الإخوان المسلمين" ويعتبر واحد من منظري الإسلام السياسي عالميا، فهو رئيس حركة/حزب النهضة الرجعية في تونس، ومساعد الأمين العام لشؤون القضايا والأقليات في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ونائب رئيس هذا الاتحاد،وعضو مكتب الإرشاد العام العالمي لجماعة الإخوان المسلمين

هذا هو مسار الحزب البرجوازي الرجعي وشيخه وزعيمه ورئيسه، الحزب الذي حصد 89 مقعدا من بين 217 مقعد بالمجلس الوطني التأسيسي سنة 2011، وشكل سلطة مع حزبين بورجوازيين : المؤتمر من اجل الجمهورية ، والتكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات، في انتخابات الثورة التونسية .


أحزاب بورجوازية تستعمل خطاب ديماغوجي حول الديمقراطية وتنفد برامج غارقة في الرجعية ضد أهداف الثورة.

حزب المؤتمر من اجل الجمهورية،الذي تزعمه وكان رئيسه وأمينا عاما له الدكتور المنصف المرزوقي الرئيس المؤقت للجمهورية سابقا،ظهر هذا الحزب إلى الوجود سنة 2001 وتشكل من طرف مجموعة من العناصر ذات الأفكار والتصورات المختلفة والمتناقضة أحيانا ، وأصحاب مرجعيات سياسية متنوعة ، وهي تتجمع وتتفق على فكرة الدفاع عن الهوية العربية والإسلامية من زاوية رجعية تخدم البرجوازية والرأسمالية،وتدعي أنها ديمقراطية ووفية لكفاح ومقاومة المجموعات التي تناصر الزعيم صالح بن يوسف الذي اغتالته البورجوازية التونسية، واستعملت في خطابها أنها تدافع عن القيم والأفكار التحررية الإنسانية، وهذا الادعاء له أسبابه، لان اغلب هؤلاء العناصر عاشوا في المنافي في عواصم أوروبا الغربية مثل ما استعملتها كذلك عناصر حركة النهضة الرجعية . حزب المؤتمر من اجل الجمهورية عبارة عن مجمع لعدد من معارضي الرئيس بن علي الذي أسقطته الثورة، و قد نشطوا كحركة سياسية تونسية تحضر للقاءات وتشارك في أنشطة تقوم بها المعارضة وتوقع على البيانات المشتركة ،وهو من احد مكونات هيئة 18 اكتوبر2005 لحقوق والحريات. وكان أعضاء حزب المؤتمر يتعرضون دائما للقمع والمتابعة والحصار.

حزب التكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات، ينحدر من مجموعات منشقة عن حركة الديمقراطيين الاشتراكيين التي تزعمها احمد المستيري المنشق بدوره من الحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم ، المحامي احمد المستيري(المنستيري) نسبة إلى منطقة المنستير عمل على تنفيذ سياسة المستبد الحبيب بورقيبة البرجوازية الرأسمالية، فهو ابن أسرة بورجوازية من الملاكين العقاريين الكبار، ويعتبر من ابرز العناصر التي ساهمت في الاتفاقيات مع فرنسا حول مصير تونس واستقلالها سنوات (1955-1956) ومنذ بداية الخمسينات وهو يشتغل في جهاز الدولة الرأسمالية سياسيا ودبلوماسيا،التحق بديوان الحزب الذي حكم تونس بيد من حديد سنة 1952 وأصبح مدير ديوان وزير الداخلية المنجي سليم سنة 1954 ، وفي أول حكومة تونسية شكلها المستبد بورقيبة في 14 ابريل 1956 عين احمد المستيري على رأس كتابة الدولة/وزارة العدل، فترة سياسة (التونسة) إصلاح القضاء والقوانين ومجلة الأحوال الشخصية ، وعمل سفيرا لبورقيبة في عدة بلدان غربية وعربية وفي الأمم المتحدة ، وفي سنة 1966 عينه بورقيبة وزير للدفاع، وبعد معارضته لسياسة (التعاضد الفلاحي والتجاري) التي تزعمها احمد بن صالح احد أهم العناصر المشهورة في الحزب الحاكم ونقابة الاتحاد العام التونسي للشغل تم إبعاد ضجيجه من الحزب الحاكم سنة 1968، لكنه رجع سنة 1970 إلى الديوان السياسي لحزبه الأم، وفي نفس السنة عين وزير للداخلية ،لكنه غادرها ،وفي سنة 1971 تم انتخابه في اللجنة المركزية للحزب، وبعد خلافات بسيطة مع بورقيبة، تم إبعاده من الحزب سنة 1972 وفي سنة 1973 طرد من مجلس النواب الذي ظل ساكن فيه منذ 1956. احمد المستيري هو الذي أسس حركة الديمقراطيين الاشتراكيين مع عناصر غادرت الحزب الحاكم سنة 1978 بسبب مناصب في جهاز الدولة وليس حول برامج سياسية وخلافات إيديولوجية، وكانت له جريدتين "المستقبل" باللغة العربية و " لافونير" باللغة الفرنسية، والباجي قائد السبسي مؤسس حزب نداء تونس اليوم ورئيس الجمهورية حاليا ، كان من الملتحقين بحركة الديمقراطيين الاشتراكيين أثناء تأسيسها ثم غادرها. وابرز عناصرها هم من اشتغل مع الرئيس الهارب بن علي.

من قلب هذه الحركة خرج حزب التكتل الذي تأسس في ابريل 1994 ولم يحصل على تأشيرة العمل القانوني إلا في 25 أكتوبر 2002، ومنذ 1988 إلى يوم حصول التكتل على التصريح لم تسمح الدولة الرأسمالية الاستبدادية لأي حزب بالعمل القانوني المصرح به. وفي سنة 2007 اصدر التكتل صحيفة "مواطنون" وهو من أعضاء هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات التي ظهرت سنة 2005 ويشارك في لقاءات دولية تجمع أحزاب من أمثاله أحزاب بورجوازية"الاشتراكية الدولية " .عقد الحزب مؤتمره الأول في العاصمة تونس في 30-31 مايو 2009 وانتخب الدكتور مصطفى بن جعفر امينا عاما له ، وهو احد مريدي احمد المستيري ، وبن جعفر هو الذي ترأس المجلس الوطني التأسيسي..


هذه هي الأحزاب التي قادة المرحلة الثورية، وتم إقصاء مجموعة العريضة الشعبية للعدالة والحرية والتنمية التي تزعمها الهاشمي الحامدي الرأسمالي والإعلامي ومالك قناة المستقلة التي تبث برامجها من لندن، وهو يميني رجعي منشق عن حركة النهضة في بداية 1990، وقد ترشح لرئاسة الجمهورية. لقد أقصت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي ترأسها كمال الجندوبي ستة قوائم للعريضة الشعبية وكانت إحداها من سيدي بوزيد مكان ولادة الهاشمي الحامدي،العريضة الشعبية، حصلت على 27 مقعد بالمجلس الوطني التأسيسي والمرتبة الثالثة،وعلى اثر إسقاط القوائم، تمرد أغلبية سكان سيدي بوزيد على كل رموز الدولة ونظموا احتجاجات وعصيان ومواجهات مع الحكومة، وبعدها أعلنت المحكمة الإدارية بإعادة 7 مقاعد للعريضة.

جاءت الأحزاب الثلاثة إلى مهمة قيادة مرحلة ثورية، بسبب تشتت الماركسيين وغياب حزب عمالي ثوري يقود الكادحين إلى تحقيق النصر التام ودك الرأسماليين، وتفكيك وتدمير جهاز دولتهم الظالمة، جماعة السراق كما عبرت عن ذلك الجماهير الشعبية .

أحزاب منحدرة من أصول قومية وشيوعية،كانت في لهب الثورة مترددة وبتدبدبها سقطت في أخطاء فادحة بسبب انتهازيتها السياسية.

بروز قيادة رجعية يمينية محاطة بأحزاب بورجوازية،ساهمت فيه كذلك مواقف أحزاب منحدرة من حركات سياسية قومية عربية بورجوازية ومن الحزب الشيوعي الذي كان يخدم دبلوماسية موسكو،وقد أعلنت هذه الأحزاب عن مواقفها السياسية المترددة والغير ثابتة على مبدأ، والانتهازية.وفي معمعة الكفاح أثناء الساعات الأخيرة مع الاحتجاجات الشعبية الجماهيرية في قلب العاصمة تونس. طالبت بالجهر بحكومة "وحدة وطنية" وحكومة" انقاد وطني " وترميم وترقيع دستور الاستبداد،وشاركت في حكومة محمد الغنوشي احد أهم عناصر نظام بن علي، التي أسقطتها اعتصامات الجماهير الثائرة في القصبة،تلك المحطة الرائعة التي لن تنسى أبدا من تاريخ تونس.

بعد استقالة عدد من الوزراء،وسفراء من حكومة محمد الغنوشي بعد هروب رئيس الجمهورية بن علي إلى مملكة ال سعود المدعومين من الامبريالية على حكم وقهر أهلنا وأشقاءنا بالحجاز. التفت الطبقة البورجوازية الحاكمة على الأوضاع ،وعينت كل من فؤاد المبزع رئيس مجلس النواب وعضو ديوان حزب التجمع ومن ركائز النظام على رأس الدولة، ومحمد الغنوشي رئيسا للحكومة، الذي أعلن يوم 17 يناير2011 عن تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم رموز المعارضة،وأكد على فصل الحكومة عن الأحزاب. وقد التحق بهذا الالتفاف بدون حياء بيروقراطية الاتحاد العام التونسي للشغل مهرولة، وزعماء الأحزاب التالية : مصطفى بن جعفر الأمين العام لحزب التكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات الذي تسلم وزارة الصحة،واحمد نجيب الشابي الأمين العام للحزب الديمقراطي التقدمي،تسلم وزارة التنمية الجهوية والمحلية،واحمد إبراهيم الأمين العام لحركة التجديد تسلم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ومن الاتحاد العام التونسي للشغل كل من : الطيب البكوش الذي تسلم وزارة التربية والتكوين، وحسن الديماسي تسلم وزارة التدريب المهني والتشغيل،وعبد الجليل البدوي عين نائبا للوزير الأول .

وتشكلت هيئات سياسية من اجل الإشراف على المرحلة مكونة من شخصيات وطنية بورجوازية،وتم تعيين محافظ بورجوازي على البنك المركزي التونسي مصطفى كمال النابلي،وتم خلق لجنة عليا للإصلاح السياسي ترأسها عياض بن عاشور،وخلق لجنة وطنية لتقصي الحقائق حول الاعتداءات خلال العهد السابق ترأسها توفيق بودربالة، ولجنة وطنية لتقصي الحقائق حول حالات الاختلاس والفساد ترأسها عبد الفتاح عمر.

الأستاذ الأكاديمي احمد إبراهيم التحق بالحزب الشيوعي التونسي المحظور في منتصف الستينات (1960- 1970) وفي سنة 1981 انتخب عضو في لجنته المركزية،وفي سنة 1993 أسس مع عناصر أخرى "حركة التجديد" وهي الاسم الجديد للحزب الشيوعي التونسي، وانتخب عضوا في اللجنة التنفيذية في المؤتمر التأسيسي، وفي سنة 2001 انتخب أمينا عاما مساعدا لحركة التجديد وفي سنة 2007 أصبح أمين عاما أول. وفي سنة 2009 شكلت حركة التجديد مع كل من الحزب الاشتراكي اليساري، وحزب العمل الوطني « المبادرة الوطنية من اجل الديمقراطية والتقدم " التي كانت وراء ترشح الأستاذ الجامعي والأكاديمي احمد إبراهيم للانتخابات الرئاسية. وبعد الثورة وإسقاط حكومة محمد الغنوشي،والإعلان عن انتخابات للمجلس الوطني التأسيسي ترشح عن تحالف القطب الديمقراطي الحداثي، وحصل على مقعد بالمجلس، لكن هذا القطب تفكك في ما بعد، وأسس احمد إبراهيم مع كل من سمير بالطيب والفاضل موسى حزب "المسار الديمقراطي".
المحامي احمد نجيب الشابي مارس السياسة منذ منتصف الستينات (1960-1970) ويعتبر من احد ابرز مؤسسي "حركات البعث العربي" في تونس وقد أصدرت الدولة في حقه أحكام قاسية بالسجن ففي سنة 1968 صدر حكم في حقه ب 11 سنة قضى منها سنتان ، ثم غادر الى الشقيقة الجزائر لاجئا سياسيا ومنها حصل على دراسة في الحقوق ، وفي سنة 1971 تفرغ للعمل السياسي المحامي احمد نجيب الشابي انخرط مبكرا في تيار" الطلبة البعثيين" ثم في تنظيم " العامل التونسي" في بداية سنة 1970 وكان حركي ونشيط في المهجر، وبعد موجة الاعتقالات الواسعة وتدمير" العامل التونسي" من طرف نظام الاستبداد البورقيبي، رجع احمد نجيب إلى تونس في سرية تامة ، سنة 1977 ، وفي سنة 1981 أسس مع عناصر أخرى حزب "التجمع الاشتراكي التقدمي "ودخل العمل العلني وفي سنة 1983 حصل على الرخصة القانونية ، وفي سنة 1984 برزت إلى الوجود جريدة " الموقف" لسان الحزب ، هذا الحزب الذي وقع على وثيقة " الميثاق الوطني" سنة 1988 ، سنة 2001 تغير اسم الحزب الى " الحزب الديمقراطي التقدمي" و هو من مؤسسي "هيئة 18 اكتوبر2005" والمحامي احمد نجيب الشابي ترشح لرئاسة تونس سنوات (2004-2009)

الثوار الحقيقيين والجماهير الشعبية استمروا في الكفاح واسقطوا التفاف الرأسماليين والانتهازيين والوصوليين.

تصدت الجماهير الشعبية والقوى الثورية وقواعد الاتحاد العام التونسي للشغل لهذه المناورة السياسية التي قامت بها الطبقة الحاكمة والانتهازيين بشكل كفاحي جبار ومقدام ، وتراجعت القيادة البيروقراطية النقابية والأمين العام للاتحاد عبد السلام جراد وطلبت من أعضائها الخروج من الحكومة، واستقال مصطفى بن جعفر، وفي يوم 27 يناير 2011 تم تعديل على حكومة النظام الذي سقط رئيسه،وتمسك كل من الطيب البكوش بمنصب الوزارة بالأسنان والأظافر،وكذلك فعل كل من احمد إبراهيم واحمد نجيب الشابي، ومر نحو شهر كامل وكل بقعة من تونس تحتج وتنتفض وينتقل الثوار والثائرات من كل الجهات إلى العاصمة وينظمون اعتصاما مفتوح بالقصبة مدعومين من الهيئات المدنية المناضلة القضاة والمحامين والنساء ماديا ومعنويا، و كان في مقدمتهم شكري بلعيد ومحمد براهمي، مستفيدين من تجربة كفاح كادحي ميدان التحرير في القاهرة بالشقيقة مصر، وتدخلت أجهزت الدولة من اجل قمع الاعتصام وسقط شهداء ومئات الجرحى، وتحت الضغط الشعبي قدم الوزير الأول محمد الغنوشي يوم 27 فبراير 2011 استقالته عبر ندوة صحفية نقلتها الإذاعات والقنوات التلفزية الوطنية، وشاهد الفقراء الظالم الذي اشرف على سياسة بيع القطاعات العمومية للرأسماليين يبكي ويسيل الدموع، الم يكن يدري ويحس بدموع الآلاف من الأطفال التونسيين الجياع. محمد الغنوشي هذا هو الذي تكلف بالملف الاقتصادي التونسي وتقلد عدة مناصب مهمة في القطاع،تقلد كتابة الدولة في تخطيط الاقتصاد الوطني سنة 1975، وفي سنة 1987عين لفترة قصيرة في حكومة بن علي مديرا للإدارة العامة للتخطيط، وتم تكليفه بالتخطيط الاقتصادي سنة 1988، وتحمل مسؤولية وزير التخطيط والمالية سنة 1989وفي مارس 1990 تقلد منصب وزير الاقتصاد والمالية،وفي سنة 1991 عين وزيرا للمالية وفي سنة 1992 تكلف بوزارة التعاون الدولي والاستثمار الخارجي ، وفي سنة 1999 تحمل مسؤولية الوزارة الأولى ، محمد الغنوشي هو النائب الثالث لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي، وفي سنة 2008 أصبح رئيسا للحزب،على من يبكي مثل هؤلاء المجرمين الذين خربوا تونس؟

يوم 28 فبراير 2011 قدم كل من المحامي احمد نجيب الشابي و الأستاذ احمد إبراهيم استقالتهما من حكومة نظام أسقطته ثورة عارمة ، إنها استقالة في الوقت الذي أنهت فيه الجماهير الشعبية عهد قديم، طردت رموزه وزعمائه من البلد وتطمح إلى تأسيس عهد جديد، واتضح للجميع مصير الإصلاحيين في ظل أزمة النظام الرأسمالي والمد الثوري..

في هذه الفترة المهمة من الثورة طالبت القوى الثورية بمطالب ديمقراطية حقيقية وجذرية في مقدمتها انتخاب جمعية تأسيسية لصياغة دستور ديمقراطي جديد ، ووقفت حركة النهضة اليمينية الرجعية بالمطلب ذاته مسايرة بذلك القوى الثورية اليسارية الجذرية ومتابعة لخطواتها ، وحققت انتصار سياسي على بيروقراطية الاتحاد العام التونسي للشغل الخائفة، وعلى الأحزاب العلنية البورجوازية. وفي أهم الساعات من زمن الثورة التاريخية برز المحامي الباجي قائد السبسي، ومنحت له البورجوازية الرجعية والحداثية والبيروقراطية النقابية والهيئات النسائية والحقوقية،فرصة سياسية ثمينة لقيادة مرحلة مهمة وحاسمة من تطورات المسار الثوري، وقد عوض الباجي الوزير الأول المستقيل محمد الغنوشي تحت ضغط الجماهير الشعبية ، وأعلن عن إسقاط دستور عهد بن علي و التصريح بالعمل على التحضير لانتخابات مجلس وطني تأسيسي، وتسطير خطة طريق وبرنامج يقودان المرحلة.

وإذا رجعنا إلى حواره مع الإعلامي برهان بسيس عبر قناة نسمة، يظهر أن خطوات الثورة المضادة انطلقت بشكل ضامن نجاحها من هذا اليوم مع الباجي ، ومن الفرصة السياسية الثمينة التي منحت له.

هل الثورة انفجرت من اجل حل حزب التجمع الدستوري حزب الرئيس الهارب ومحاسبة عائلات كل من بن علي وليلى الطرابلسي فقط ؟؟

طيلة الفترة الأولى من المسار الثوري كانت البرجوازية والرأسماليين الكبار والملاكين العقاريين المتضررين من احتكار الثروات والمال والسلطة بتونس من طرف حفنة الرئيس ودائرته ،ترفع شعارات ضد عائلة "الطرابلسية " أسرة زوجة الرئيس بن علي. أما الأحزاب البورجوازية التي ظلت على هامش المشاركة السياسية في مجلس النواب والبلديات التي كانت تحصل على نسبة 20 بالمائة لماكياج النظام فقد رفعت شعار"حل حزب التجمع الدستوري الديمقراطي" وتصفية ممتلكاته. وقادوا معهم مجموعات شبابية غير مهتمة بالسياسة بما فيه الكفاية حول هذا المطلب الذي ليس هو الأهم والرئيسي في ثورة بلد اغلب سكانه فقراء معدمين وشباب بدون مواطن شغل،هؤلاء الشباب التحقوا بشبكات التهجير الجماعي نحو ايطاليا عبر المراكب مباشرة بعد سقوط بن علي وعاشت أسرهم فواجع إنسانية بعد أن غرق الكثير منهم في البحر، وآخرون سيلتحقون في ما بعد وفي معمعان الثورة بالتنظيمات الإرهابية في بلدان عربية ليبيا وسوريا، ومن هنا يظهر مستوى الشباب سياسيا ، وشعار حل التجمع والتركيز عليه كانت من ابرز الوجوه التي انساقت مع هذا الاتجاه الصحفية والحقوقية البورجوازية السيدة سهام بن سدرين.إحدى مؤسسات الحزب الديمقراطي التقدمي رفقة احمد نجيب الشابي ، واستقالة منه في ما بعد،وكانت من القدماء المنخرطين بالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان سنة 1979، وفي سنة 1985 انتخبت في مكتبها الإداري،وانضمت مبكرا لجمعية الصحفيين التونسيين سنة 1980 وأصبحت منذ 1987 مسؤولة على العلاقات الخارجية للجمعية .وعند ما حلت الرابطة سنة 1992 فقد ساهمت في تأسيس المجلس الوطني للحريات في تونس ، وذلك بمناسبة حلول ذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان في 10 دجنبر1998. وكانت هي الناطقة الرسمية باسمه من 2001 إلى 2003. وأسست عدد من دور النشر وكانت دائما تتعرض للقمع والمتابعة، في يوم 6 يونيو 2014 انتخبت على رأس هيئة الحقيقة والكرامة من طرف المجلس التأسيسي الذي حاولت الرجعية السيطرة عليه.

أهداف الثورة جذرية وعلى رأسها تقرير المصير والاستقلال التام عن السيطرة الامبريالية،ومحاكمة المجرمين السياسيين الذين تسببوا للشعب التونسي في حياة بلا كرامة وسرقوا أمواله وجوعوا أبنائه وبناته، أهداف ثورة الحقيقية والكرامة هي السكن والشغل والصحة والتعليم والنقل والحياة الكريمة لأغلبية الشعب، هل كان منتظر من البورجوازية الرجعية والحداثية تحقيق كل هذا ؟ الصحفية والحقوقية سهام بن سدرين انحطت بسبب انتهازيتها وارتماؤها بين أحضان الرجعية الفائزة بانتخابات 2011. هذه القوة التي تحالفت مع عناصر حزب بن علي"التجمعيين" وعناصر بورقيبة"الدستوريين" في انتخابات2014، واتفقوا على قانون المصالحة الوطنية ! بعد التقهقر الذي يقود إلى شبه الاندثار لكل من حزبي" المؤتمر" و"التكتل" اللذان عرفا انشقاقات وتوجهات تصحيحية أثناء الحكم مع حزب " النهضة". ومن لم يحدد موقفه في الصراع الطبقي على السلطة ويقف بجانب المظلومين، سيطحنه الظالمين ويرمونه جانبا.

وضد تطلعات الكادحين والكادحات التونسيين،دافعت الأحزاب المشكلة لثلاثي الحاكم حزب النهضة وحزب المؤتمر وحزب التكتل على سياسة المؤسسات المالية الامبريالية وحمت الرأسماليين ، وعملت كل ما في جهدها لبيع تونس للرجعية العربية. وظلت مصممة على عملها. لقد حصل الباجي قائد السبسي على فرصة سياسية ثمينة وعرف كيف يستفيد منها ، وقد التفت حوله نساء كثيرات خوفا من التراجع على مكاسب تاريخية وهذا ما استغلته قوى الثورة المضادة ، ونادت بأنه " منقذ تونس" وانجرت مجموعات من النساء مع ذلك بسبب الأمية السياسية وفي يوم 16 يناير 2012 نشر بيان وفي يوم 6 جوان2012 أعلن عن تأسيس نداء تونس في اجتماع عمومي بقصر المؤتمرات بالعاصمة تونس وفي 7 جويلية 2012 تحصل على التصريح القانوني. نداء تونس حسب مؤسسيه هو حزب له إيديولوجية علمانية وسطية ليبرالية! تفصل الدين عن السلطة، حزب يريد بناء مجتمع متطور يسود فيه العلم والثقافة.

إن شعارات رئيس نداء تونس وجماعة من إيديولوجييه هي الدفاع على الدولة وإعادة لها هيبتها " هيبة الدولة" أي النظام الذي قامت ضده الجماهير الكادحة وفجرت ثورة لتدمير أسسه من الجذور، وبناء نظام جديد عادل وحر ومستقل على أنقاضه. إن الباجي قائد السبسي ومريديه يستعملون الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وحكم الأقدمون والمآثر الشعبية والحكايات الغابرة ، وحتى الخرافات ونوادر جحا ، هذا من اجل تطبيق علمانية وسطية، وإعادة لدولة الرأسماليين هيبتها.

لتمهيد الطريق وترتيب الأجواء لإنجاح التعاون والتحالف والتشارك والتعايش ، خطط الرأسماليين عملاء الامبريالية بجميع ألوانهم وديانتهم لإزاحة مناصري حق الشعب التونسي في تقرير مصيره من الساحة ومن الحياة، تتعدد وسائل وأدوات الإجرام والاغتيال السياسي ، لكن لمصلحة من ؟

زعيمين وطنيين تمت تصفيتهم جسديا أثناء نضال ثوري ومعارك سياسية من اجل الاستقلال التام لتونس، من المستفيد من اغتيالهم ؟

في يوم 6 فبراير 2013 أطلق الأعداء المجرمين أربعة رصاصات على المحامي و المناضل والوطني الصادق شكري بلعيد،أمام مسكنه،رصاصة قاتلة في الرأس وثانية في الرقبة ورصاصتين في الصدر،وتمت تصفية زعيم سياسي أمين عام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، واحد مؤسسي الجبهة الشعبية وعضو مجلس الأمناء فيها،وعضو الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، وهو ماركسي- لينيني.

على اثر هذه الجريمة الكبرى،اهتزت الدنيا،وتزعزعت المؤسسات المؤقتة المجلس التأسيسي الذي انتخب رئيس له مصطفى بن جعفر يوم 22 نوفمبر 2011 بحصوله على 145 صوتا مقابل 68 صوتا لمية الجريبي الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي، واهتزت رئاسة الجمهورية والحكومة المنبثقين عنه. رئاسة الجمهورية المؤقتة حصل عليها المنصف المرزوقي بعد انتخابه يوم 12 ديسمبر 2011 وحصوله على أغلبية الأصوات 153 صوتا مقابل 3 أصوات لمنافسه وامتناع 2 و44 ورقة بيضاء. واهتزت الحكومة المؤقتة التي ترأسها حمادي الجبالي الأمين العام لحزب النهضة الرجعية، واحد أهم عناصرها التحق بالحركة منذ الثمانينات بمؤتمراتها ومجالسها، وانتخبه مجلس الشورى سنة 1982 رئيسا للحركة،وهو من تولى رئاسة تحرير صحيفة "الفجر" لسان الحركة وفي سنة 1990 حكم عليه ب 16 سنة ، وفي سنة 2006 تم الإفراج عنه ، قال هذا البورجوازي اليميني الرجعي في مهرجان خطابي في مدينة سوسة بقعة مسقط رأسه... يا إخواني انتم الآن أمام لحظة تاريخية أمام لحظة ربانية في دورة حضارية جديدة إنشاء الله في الخلافة الراشدة إن شاء الله مسؤولية كبيرة أمامنا والشعب قدم لنا ثقته ليس لنحكم لكن لنخدمه..)

بين سلطة بورجوازية يمينية رجعية ترتبط مصالحها مع الرجعية العربية وحركات الإسلام السياسي والتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين ومن وراءهما القوى الامبريالية ، ورأسمالية محلية متحكمة في الاقتصاد الحقيقي والمؤسسات المالية وكل الثروات إنتاجا وتسويقا ، باختصار إنها مسيطرة على كل خيرات تونس، وبيروقراطية عسكرية وإدارية متحكمة في دواليب الدولة تعيش في بحبوحة ونعيم، هرب عنها رئيسها وانحل حزب حكم تونس بقوة لخدمتها، قوى بورجوازية انصهرت في الاقتصاد العالمي الامبريالي. بين هؤلاء وجدت القوى الثورية والطبقة العاملة وكل الكادحين والكادحات نفسهما بدون حزب ثوري قوي، وفي معارك النضال والحرب السياسية فقدت احد زعمائها الوطنيين.

بعد الاغتيال السياسي والجريمة الشنعاء،أعلنت بيروقراطية الاتحاد العام التونسي للشغل عن تنظيم إضراب عام ، تحت سخط وغضب القواعد المحلية والجهوية للنقابة،وفي 7 فبراير قررت الهيئة الإدارية للاتحاد العام عقب جلسة استثنائية تنظيم الإضراب العام يوم 8 فبراير 2013. بعد أن شل الإضراب العام والاحتجاجات العارمة كل البلد ، ناورت الأحزاب الحاكمة، وأعلن حمادي الجبالي رئيس الحكومة عن تنازل وتشكيل حكومة غير حزبية،هذه هي وسائل البورجوازية -غير حزبية معناه غير منخرط في الحزب ولكنه يخدم مصالح البورجوازية- لكن حزبي النهضة والمؤتمر رفضا ذلك مرددين أن عدد من الدول عرفت مثل هذه الأحداث ولم تستقيل حكوماتها !!. يا للعار على ضحايا الأمس ! وفي يوم 13 مارس 2013 منح المجلس التأسيسي لحكومة ترأسها علي العريض الذي عوض حمادي الجبالي 139 صوت وعارضها 45 صوت وتحفظ عليها 13 صوت. وعلي العريض امسك بوزارة الداخلية في حكومة حمادي الجبالي بيد قوية لخدمة مشروع الحركة الرجعية. بعد هذه الجريمة السياسية ابتعد حمادي الجبالي عن حركة النهضة تنظيمياـ،لكنه وفيا للمشروع اليميني الرجعي روحا وقلبا.

علي العريض الذي عوض حمادي الجبالي، هو رئيس الهيئة التأسيسية لحزب النهضة وعضو مكتبها التنفيذي، وأمين عام للحركة إلى أواخر 1990 تاريخ اعتقاله وحكم عليه في صائفة سنة 1992 ب 15 سنة ، وبعد الإفراج عنه برز أثناء تشكيل هيئة 18 أكتوبر سنة 2005 التي جمعت معارضي بن علي ونظامه البوليسي.

على اثر الاعتصامات والعصيان والاحتجاجات والإضراب العام والسخط من كل جهة والاستنكار لجريمة اغتيال الشهيد شكري بلعيد، صرح رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ، لقناة المتوسط ... إننا نترحم جميعا على الفقيد شكري بلعيد .. وعلى دم الفقيد أن يكون رسالة وحدة وتوحيد بين مختلف الحساسيات الفكرية والإيديولوجية..) قال هذا بعد أن شعر بالزلزال القوي تحت أقدام الحكم. وكانت جنازة الشهيد مهيبة هزت العاصمة تونس.

في 25 يوليو 2013 أطلق الأعداء المجرمين وابل من الرصاص على محمد براهمي المناضل الوطني، والأمين العام السابق لحزب حركة الشعب والمنسق العام للتيار الشعبي المنشق عنها ونائب عن سيدي بوزيد بالمجلس الوطني التأسيسي،وقد التحق بالجبهة الشعبية بعد تأسيس التيار الشعبي،وهو قومي ناصري، 14 طلقة 6 منها على الجزء العلوي من جسده و8 طلقات على رجله اليسرى.

سنة2013 كانت جد قاسية على الثوار بعد فقدانهم زعيمين وطنيين احدهما في المجلس التأسيسي، وعرفت تونس احتجاجات قوية ومسيرات شعبية وعصيان، ودائما تحت ضغط المكافحين في الاتحاد العام التونسي للشغل، أعلن الاتحاد عن تنظيم إضراب عام في يوم 26 يونيو 2013، أما الاتحاد الجهوي لنفس النقابة في سيدي بوزيد فقد اصدر بيان يدين فيه الاغتيال السياسي ودعا من خلاله إلى العصيان المدني المفتوح وطلب بحل المجلس التأسيسي.

وأعلنت الجبهة الشعبية على لسان الناطق الرسمي لها المناضل حما الهمامي بالعصيان المدني في كل بقعة من البلاد حتى تتم الإطاحة بالائتلاف الحاكم،رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والمجلس التأسيسي. واهتز الرأي العام العالمي استنكارا للجريمة. وعلى اثر جريمتي الاغتيال السياسي لكل من شكري وبراهمي وجرائم القمع الوحشي لسكان المناطق المحرومة والمهمشة مثل ما تعرض له سكان منطقة سليانة من طرف وزير الداخلية علي العريض الذي رشهم برصاص يثقب الأجساد وينغرس في لحم البشر، وتعود هذه الجريمة إلى شهر نوفمبر 2012 بعد تنظيم أشكال نضالية من طرف سكان الجهة المطالبة بالتنمية والعدالة الاجتماعية وبحق أصحاب الشهادات العليا المعطلين عن العمل مرفقين بأسرهم وبإقالة والي الجهة وبإطلاق أبناء المنطقة الموقوفين من طرف السلطات التي جاءت بها الثورة ن أشكال نضالية حضرية وبناطير من الاتحاد الجهوي للشغل، هذه الاحتجاجات التي ستقمعها حكومة حمادي الجبالي ووزير داخليته علي العريض بالرصاص الانشطاري "الرش" وعرفت تونس كذلك في الفترة نفسها جرائم الإرهابيين الإسلاميين المتشددين خريجي مدارس ومعاهد وجامعات العهد البائد الذين يريدون تطبيق نظام الشريعة الإسلامية بقوة السلاح والإرهاب على الشعب وقتلهم للجنود أبناء الفقراء المعدمين و المعزولين ، وجرائم لجان حماية ، الأحزاب الحاكمة " الترويكا" التي احتمت بهذه اللجان بعد أن شعرت باقتراب لحظة سقوط ، لجان حماية السيطرة الرجعية على الثورة نعتوها بلجان " حماية الثورة" . الم يدرس هؤلاء الإسلاميين المتشددين والمغالين في مناهج تعليم أشرفت عليه الدولة وبتأطير منها في عهدي كل من بورقيبة وبن علي ؟

و دائما عندما تحدث جرائم الاغتيال السياسي في معمعة الصراع الطبقي، يطرح السؤال من المستفيد من تصفية مناضلين يدافعون عن حق التونسيين في حياة كريمة ويناضلون ضد سياسة التطبيع مع الدولة الصهيونية المغتصبة لحق الشعب الفلسطيني ؟


في خضم الصراع الطبقي الحاد، وتردد البيروقراطية النقابية المرتعشة من الجماهير الشعبية ، ودخولها إلى المناورات السياسية للرأسماليين، من خلال ضغطها على العمال والعاملات الذين يخوضون الإضرابات خارج سيطرتها في مد ثوري من اجل تحسين أوضاعهم، وأوضاعهن، وعدم تنفيذ الإضراب العام السياسي من اجل مصلحة الفقراء والأجراء المعدمين، من اجل فرض شروط حوار جدي وحقيقي لتحقيق مطلب العدالة الاجتماعية وبرنامج تنموي يقطع مع اقتصاد السوق وجرائم النيوليبيرالية. في مناخ التصلب البيروقراطي هذا ، تجمع عدد من المنحطين والانتهازيين الذين كانوا محسوبين على النضال الديمقراطي البورجوازي في البلد، حول شخص المحامي الباجي قائد السبسي وجماعته المتكونة من الرأسماليين الكبار على رأسهم فوزي اللومي ، تحت راية نداء تونس.

مؤسس حزب نداء تونس رئيس الجمهورية حاليا، ينحدر من أسرة إقطاعية وملاكين عقاريين وتجار كبار من الذين سيطروا على أسواق تونس، أسرة من قواد وولاة وجنرالات، وموظفين ساميين ومستشارين لنظام البايات الإقطاعي الاستبدادي. والباجي قائد السبسي مؤسس "نداء تونس" فقد تحمل عدد من المهام والمسؤوليات في العهد القديم/ النظام البائد ، تولى مهمة مستشار للمستبد الحبيب بورقيبة، وتم تنصيبه على رأس إدارة الأمن الوطني سنة 1963،وفي ما بعد تم تنصيبه وزير للداخلية سنة 1965،وتم تعينه وزير للدفاع من بداية نوفمبر 1969 إلى منتصف جوان 1970،وأصبح سفير للحبيب بورقيبة في فرنسا . وفي 1978 التحق بمجموعة احمد المستيري "حركة الديمقراطيين الاشتراكيين" لكن الباجي عاد في 3 ديسمبر1980 للحكومة وتقلد منصب وزير معتمد لدى الوزير الأول محمد مزالي، وفي 15 ابريل1981 تم تعينه وزير خارجية بورقيبة،وفي سنة 1987 تم تعينه سفيرا في ألمانيا الغربية، وفي سنة 1989 شارك في الانتخابات تحت عهد المستبد زين العابدين بن علي وانتخب في مجلس النواب ، وتولى رئاسة المجلس بين سنتي 1990 و1991.

الباجي هو احد مريدي المستبد بورقيبة ، وأنجز كتاب حوله عنوانه " الحبيب بورقيبة البدرة الصالحة والزاؤم" سنة 2009 ، وفي سنة 2011 أنجز كتاب" الحبيب بورقيبة المهم والاهم" ولهذا يريد إعادة هيبته وهيبة دولته الاستبدادية ، وأحيانا يرتدي لباسا شبيه بما كان يرتديه بورقيبة ،ويتكلم بتململ مثله.

حزب نداء تونس عبارة عن وكالة انتخابية لها عدة آلات على رأسها الرأسمالي الكبير فوزي اللومي، وعدد كبير من الذين كانوا التحقوا بحزب بن علي " التجمع الدستوري الديمقراطي " وهو الاسم الذي تحول في منتصف 1988 عن " حزب الاشتراكي الدستوري" ففي سنة 1989 حصد التجمع جل المقاعد البرلمانية ب 80.48 في المائة من مجموع الأصوات حسب جهاز الدولة، وفي سنوات 1994و1999 و2004 كان يفوز على التوالي بكل المقاعد تاركا حصة 20 بالمائة مقاعد المعارضة الشكلية الأحزاب القانونية التي تتماشى مع الاقتصاد الرأسمالي، ودائما يفوز"التجمع"بنسبة 90 في المائة، سنة 2005 حصد 4.098 مقعد من أصل 4.336 مقعد بالمجالس البلدية،وفاز رئيسه بن علي برئاسة الجمهورية في فترات 1989 و1994 و1999 و2004 بنسبة 90 في المائة . هذا الحزب الذي حكم تونس من يد من حديد كان يشارك في أنشطة "الاشتراكية الدولية" وله جريدتين " الحرية" بالعربية "لورونوفو" بالفرنسية ، ويسيطر على الإعلام الوطني بشكل تام. لقد خرجت من رحمه أحزاب كثيرة بعد أن حلته المحكمة، في وقت وجيز، انه حزب كان مرتبط بجهاز الدولة واغلب عناصره رباهم بن علي على الوصولية والانتهازية والتملق والقوادة ،وقد وجد فيهم نداء تونس مادة أساسية لإنجاح الثورة المضادة، مستعملا في ذلك خطابة وديماغوجية خميس كسيلة والأزهر العكرمي وبشرى بن الحاج حميدة وسعيدة قراش وعناصر أخرى على الواجهة في برامج الإعلام الرأسمالي الذي يعيش من الشركات الرأسمالية ومؤسسات الإعلانات ، نسمة نبيل القروي والحوار التونسي سليم الرياحي، واخرون..

تشكيل جبهة الانقاد والانسحاب من المجلس التأسيسي واعتصام باردو.

مباشرة بعد تشييع جنازة الشهيد محمد براهمي الحاشدة والمهيبة تحركت الجماهير الشعبية ضد النظام وحكومة "الترويكا" وأعلنت مجموعات شبابية عن أفكار وحركات كثيرة من أبرزهم " تمرد" وغيرها على نهج "حركة تمرد" للا شقاء المصريين ، هذا المد الجماهيري توجه إلى منطقة باردو أمام مقر المجلس التأسيسي من اجل تنظيم اعتصام جماهيري شعبي،وسيلتحق بهذا الاعتصام عدد من التنظيمات والهيئات والتيارات السياسية في ما بعد، وستبدأ الانسحابات من المجلس التأسيسي والالتحاق بالاعتصام،سيطلق عليه "اعتصام الرحيل" واعتصام باردو، وعرفت عدة مدن تونسية عمالية اعتصامات كبرى موازية وشبيهة له ، وبدأت الثورة تتطور وتتجذر، ودخلت تونس في أزمة سياسية وفقدت "الترويكا" شرعية الحكم وانتهت عذريتها السياسية. ، والتحق بالاعتصام أعضاء وعضوات حزب نداء تونس المنحدرين من انحطاط تجارب سابقة محسوبة على القوى التقدمية، وعلى اثر هذا الاعتصام تشكلت هيئة/ جبهة الاتقاد الوطني.

كانت الامبريالية والقوى الإقليمية التي تخدم مصالح الرأسماليين الكبار تراقب الوضع باهتمام شديد ،وعملت كل ما في وسعها للالتفاف على مطالب الجماهير الشعبية الثائرة باستمرار،ونظمت لقاء في باريس بين راشد الغنوشي والباجي قائد السبسي، وقبل هذا اللقاء فقد سبقته لقاءات تمهيدية بين الرجلين في تونس،من اجل الترتيبات وإعطاء الفرصة لكل طرف من اجل مشاورة المقربين إليه في الدائرة الضيقة والمصالح المرتبطة بالرأسماليين والرجعيين ، وحسب عدد من المصادر الصحفية أن اللقاء كان يوم الخميس 15 غشت 2013 بباريس العاصمة الفرنسية، وساهم في ترتيبات هذا اللقاء بشكل علني كل من الرأسماليين سليم الرياحي رئيس الحزب الوطني الحر ومالك قناة الحوار التونسي ،ونبيل القروي مدير وصاحب قناة نسمة، ولقد تعرفنا على الرجلين في الفقرات أعلاه ، ومثل هذه اللقاءات تكون دائما لها ملحقات سرية غير معلنة وستبقى في الأرشيف مثل أخريات لعهود سابقة تنتظر ثورة عمالية حقيقة لتكشفها للجماهير الشعبية ..

هذا اللقاء الذي كان لابد له من غطاء سياسي واجتماعي واقتصادي وحقوقي بداخل تونس من اجل الرأي العام المحلي ، وهو الدور الذي لعبته بيروقراطية الاتحاد العام التونسي للشغل ووضعت يدها في يد منظمة الرأسماليين الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة ، بمراقبة حقوقية مع الهيئة العليا للمحامين التونسيين ، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وكان هذا الرباعي تقدم بمبادرة للحوار الوطني ،ويوم 23 غشت 2013 أعلنوا فيها (.... انه بعد الاطلاع على الأزمة الخانقة التي تمر منها البلاد وتداعياتها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والأمني والتي ستقود إلى الأسواء ، ومع ذلك لم تقع مصارحة الشعب إلى حد الآن بالحقيقة كاملة ..) بدل فرض إضراب عام سياسي للتصدي لاتفاقيات المبرمة مع الاتحاد الأوروبي حول مناطق التبادل الحر في قطاعات حيوية مثل الفلاحة مصدر الأمن الغذائي للشعب التونسي ، ومع صندوق النقد الدولي وكارثة إغراق الفقراء في دوامة الديون الخارجية والداخلية ، والضغط على الرأسماليين المحليين المرتبطين بالأسواق العالمية وفرض ضريبة تصاعدية على الثروة ، يتم التعبير بكلام مبهم، كانت النقط المتفق عليها هي إتمام الدستور ، تشكيل هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات إقالة الحكومة تعيين حكومة تصريف أعمال ، تحديد تاريخ لإجراء الانتخابات...الخ. تشبثت "الترويكا" بزعامة حزب النهضة الرجعي اليميني بحكومات السيادة،هذا الحوار الوطني الذي كانت ممهداته وأسسه بين النداء والنهضة، وفي يوم 10يناير2014 تسلم مهدي جمعة مسؤولية قيادة حكومة المرحلة بعد الاتفاق على شخصه وقد صادق على حكومته 149 نائبا.هذا الشخص الذي تمسكت به النهضة كان عينه علي العريض في حكومته على وزارة الصناعة يوم 13 مارس 2013 وهو مهندس يعمل لدى شركة توتال الفرنسية في سنة 2009 أصبح مدير عام لقسم الطيران والدفاع وعضو اللجنة التنفيذية ويشرف على 6 فروع في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والهند وتونس، وتمسكت القوى الرجعية كذلك بوزارة الداخلية وبشخص لطفي بن جدو الذي لم يتغير وهو تريكة الوزير اليميني الرجعي علي العريض الذي كان بدوره مكلف بنفس المهمة في حكومة حمادي الجبالي، وهما من تم في عهدهما تصفية المعارضين على طريق الاغتيال السياسي.


حزب نداء تونس الحداثي وحزب النهضة الرجعي يتشاركان ويتفقان ويتعايشان لخدمة الرأسماليين التونسيين و الامبرياليين .

حزب النهضة تعرفنا عليه في الفقرات السابقة ، أما الحزب الوطني الحر فقد تأسس في 19 مايو 2011 من طرف الرأسمالي الكبير سليم الرياحي بعد عودته من ليبيا الشقيقة ، وله سيطرة مالية على الإعلام السمعي البصري في تونس وفي مجال الأندية الرياضية، حزب جمع حوله لمة من الانتهازيين مستعملين آلة انتخابية ماسحة لكل البقع.بالنسبة لحزب أفاق تونس الذي تأسس في 28 مارس 2011 من طرف مجموعة من الأطر الإدارية البورجوازية ، ورشح عناصره لانتخابات المجلس التأسيسي في 23 دائرة ، من بين أعضائه الأكثر بروزا إعلاميا ، إبراهيم ياسين الرأسمالي الذي شارك في الحكومة المؤقتة ثم غادرها ، ويترأس الحزب ، وقد سبق له أن شارك في قوائم انتخابية باسم حزب الرئيس الهارب بن علي "التجمع الدستوري الديمقراطي" سنة 2000.

هذه هي الأحزاب التي تسيطر على مجلس نواب الشعب التونسي المنتخب سنة 2014 ، والتي اتفقت وساندت حكومة الحبيب الصيد على أساس انه "تكنوقراطي ومحايد!؟" وهو الذي تقلد مناصب مهمة جدا في جهاز الدولة الرأسمالية في عهد بن علي وكان على رأس عدة إدارات خصوصا مديريات الفلاحة وتصدير زيت الزيتون وتولى مدير لوزارة الداخلية في عهد بن علي ، وتولى وزارة الداخلية سنة 2011 بعد إقالة فرحات الراجحي، ثم عين مستشارا امنيا لحمادي الجبالي أثناء رئاسته للحكومة

تحالف وتعايش وتشارك حزب النهضة اليميني الديني مع أحزب جديدة مشكلة من عناصر عهد بن علي وضحت دورها التاريخي وعملها مع عهد الاستبداد ضد القوى الثورية والديمقراطية الحقيقية، واليوم بعد حوار رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي مع قناة نسمة التي استقبلته استقبال الملوك والبايات على السجاد الأحمر، هذا الحوار- الخطاب الذي جاء في مضمونه أهم نقط المرحلة التي يجب التصدي لها بكل قوة وجبروت وعناد وكفاح وتضحيات ثوريين وديمقراطيين .

النقط هي ، اتفاق قوى الثورة المضادة مع بيروقراطية الاتحاد العام التونسي للشغل على تطبيق سياسة "السلم الاجتماعي" والهدنة والأمن لتحريك دولاب الاقتصاد وجلب المستثمرين إلى أسواق تونس ويجب على الاتحاد دعوة العمال إلى الإنتاج و"الإنتاجية" بكدح وجد ، وإنهاء عهد الإضرابات.

قال رئيس الجمهورية بان تونس تسير على الطريق الصحيح وشكر بيروقراطية الاتحاد العام التونسي للشغل، وتمنى ان ينسج اتحاد الصناعة والتجارة منوال الاتحاد العام التونسي للشغل!؟

وقال رئيس الجمهورية ، أن مشروع قانون المصالحة الاقتصادية مشروع دستوري بامتياز حسب شهادات كبار أساتذة القانون الدستوري، منهم : عياض بن عاشور،والصادق بلعيد، وأمين محفوظ، وغازي الغرايري، وغيرهم الذين تمت استشارتهم حسب رئيس الجمهورية .

وان الهدف هو إعادة الأموال المنهوبة مع عقوبات مالية،وفي سجال حول الموضوع قال إن معارضي هذا القانون ربما لم يقراء من طرفهم،أو ناقصين فهم. لقد بدأت تتضح الآن بعض نقط الاتفاق الغير معلن عنها بين نداء تونس وحركة النهضة في لقاء باريس العاصمة الفرنسية ، والتي ظلت كل جهة تخفيها عن الناس وتصرح بأمور بديهية وديماغوجية ، فأعضاء النداء كانوا يقولون بأنهم متمسكين بجبهة الانقاد الوطني، وأعضاء النهضة يرددون بأنهم لن يسمحوا لأذناب بن علي بالعودة إلى ممارسة السياسة ولن يتم التحالف معهم. هذه السياسة ستكون لها هزات في القواعد البسيطة جدا داخل أوساط كلا الحزبين والمخدوعة من طرف النداء والنهضة. ان ابتعاد حمادي الجبالي عن حزب النهضة بعد الأزمة السياسية يستطيع أن يؤسس حزب يميني رجعي جديد بذلك ومهدي جمعة بمكانه كذلك هو الأخ تاسيس حزب وسطي بورجوازي ، من خلال الفرصة التي منحت له بقيادة مرحلة أدت إلى الانتخابات التشريعية 2014.

الجبهة الشعبية ومكوناتها ستتعرض للكثير من الضغوطات، من هنا وهناك وستجد مشاكل بسبب الاختلافات الايديولوجية ، وتراجع الاحتجاجات الجماهيرية العارمة نسبيا بعد أن مرت الانتخابات التشريعية ، و تحصلت الجبهة على أصوات في منبر البورجوازية ، ومن الأحسن أن تستعمله أحسن استعمال وتعرف بالمشروع البديل والنقيض للرأسمالية لكي تلم حولها أنصار كثر، لكن درس اليونان وضح المصاعب والمشاكل التي تعرفها مثل هذه الجبهات العريضة حين ما تصل ساعة الحقيقية والجد. النضال الميداني بجانب الجماهير الشعبية الكادحة وحده يضمن الانتصار على الثورة المضادة ، والمجلس ليس سوى منبر لنقل معارك الشوارع إلى الجميع من قلب المؤسسات البورجوازية لتطوير وعي الكادحين سياسيا ورفع مستوى النضال ومعرفة العدو الحقيقي..
وحزبي النداء والنهضة سيحاولون إنشاء نقابات تابعة وديلية لهما في المستقبل لإضعاف قوة الاتحاد العام التونسي للشغل ، وقد عرفت تونس سوابق في ذلك ، وهناك جهات عدة تطالب بالتعددية النقابية وتأسست الجامعة العامة للشغل بتونس ، والاتحاد التونسي للشغالين واتحاد عمال تونس وأعمال أخرى في نفس الموضوع..الخ والانتهازيين والوصوليين كثر والطبقة الحاكمة لن تترك قوة العمل خارج سيطرتها ، ولهذا على مناضلي ومناضلات الاتحاد الديمقراطيين المدافعين على حقوق العمال أن يعرفوا أن الطبقة العاملة قوة ديمقراطية وهي التي أنجزت الثورة وان البرجوازية والرأسماليين لن يسمحوا لها بالانتصار في مسالة السلطة وفرض شروطها عليهم .
حلمي حليم
الهوامش
Wikipedia.
www.nawaat.org
www.nidaatounes.org
www.arrakmia.com
www.achourouk.com
www.majles.marsad.tn
www.turess.com/echaab
www.watania1.tn
www.journalistesfaxien.tn
www.tunisien.tn
www.ugtt(page officielle)
وكالة بناء الانباء
.الجريدة التونسية
.الصباح نيوز
www. Achahed.com
ww.lemaghrebe.tn








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان: هل ينفذ نتنياهو تهديداته؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. لبنان: كارثة إنسانية على الأبواب؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يهدد: سنسوي المصانع والمنشآت الإسرائيل


.. سرايا القدس: إيقاع قوة إسرائيلية في كمين بحارة الدمج في مخيم




.. لحظة سقوط صواريخ أطلقت من لبنان في منطقة الكريوت قرب حيفا