الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات حول تجربة أدبية - نقدية

ميمون أمْسبريذ لحميدي

2015 / 10 / 26
الادب والفن


الى الأستاذ محمد بودهان: على هامش دراسته المنشورة حلقاتها تباعا على موقع "هسبريس"

سأحاول أن أتجرد من الذاتية ما وسعني ذلك، وان كنت أدرك سلفا أن الرهان خاسر في مثل هذا المقام!
لقد قرأت فصول الدراسة باستمتاع وتبصر في آن : أما الاستمتاع فمرده الى اكتشاف ناقد أدبي محترف لا يستنكف عن مواجهة النصوص في ماديتها من أجل استنطاقها، غير مكتف – كما جرت العادة عندنا في المجال الأمازيغي – بالتحليق حول الأسماء والعناوين؛ وأما التبصر فقد كان ضروريا لكي لا أستسلم لدوار الغرور وأنا أقرأ عبارات التقدير والاستحسان التي جُدتَ بها على محاولاتي المتواضعة...
لقد خسر الأدب الأمازيغي – في شخصك – ناقدا أدبيا من الطراز الأول. وأرجو أن لا تعتبر هذا القول مني من باب "رد المصعد" : فلا أنت في حاجة اليه ولا طبعي بالمتزلف¬! اذ على الرغم من أنه لا يُستفتى الكاتب فيما كتب فاني أرى أنك استطعت أن تكتشف المفاصل/النوابض التي عليها تتمفصل الكتابة وبها تقوم. والواقع أن هذا ليس بغريب على على من تكوينه وحرفته الفلسفة: فان أعمق النقود نقد الفلاسفة للأعمال الأدبية (ريكور، دولوز، فوكو...). وذلك – في رأيي – لأن الناقد الأدبي ينقد الأدب بالأدب (وهو ما يذكرني بالقولة المأثورة عن "عْزيزي حدو": "أكشُّوض وَرْ إِنجَّرْ أَكشوض!")؛ فيأتي نقده في الغالب الأعم نقدا شكلانيا صوريا لا ينفذ الى عمق الإشكاليات التي خلف الأَشكال، والتي هي (الإشكاليات) من النصوص بمثابة المحرك من الآلة.
ولا يُفهمن من حديثي عن الفلسفة والفلاسفة أن نقدك لممارساتي الكتابية تحليل "عقلاني" صرف لا مكان فيه للإحساس الجمالي! كيف يكون ذلك ومن المباحث الكبرى للفلسفة : الجمال؟ّ وإنما أعني به أن التقييم الجمالي – عندك – يسنده نظر عقلي لا يفهم الجمال شُهُبا اصطناعية من الصور البلاغية العاطلة التي تستنفذ مفعولها في انفجارها المبهر للأعين؛ بل الجمال هو الإشكالية وقد تمثلت شكلا (لغويا أو موسيقيا أو حركيا أو نحتيا أو صباغيا...).
هذا، وإنك بدراستك هذه تكون قد أتممت الدائرة: فقد كنتَ السبب في وجود النصوص موضوع الدراسة عندما أتاحتَ لها جريدتك "تاويزا" مكانا للتحقق كتابيا والانتقال من الكمون إلى الظهور، ومن القوة الى الفعل. والآن، وبعد انصرام سنين عن ظهورها، ها أنت تعود إليها لتمنحها حياة جديدة من خلال تقديمها لقرائك الجدد تقديما لا يجافي فيه العطفُ والحدبُ التحليلَ المنهجيَّ الرصين ولا هذا ذاك. فتكون بذلك قد وهبتها الحياة مرتين: مرة عند الخلق، ومرة عند البعث. وما كنتُ لأكتب ما كتبتُ هاهنا لو أني كنت أعتبر موضوع هذا الحديث أمرا ذاتيا يخصني ويخصك: فقد كان ذلك يكون مني "قلة حياء"، وإنما كتبته لأن الأمر يتعلق بقضية تتجاوزنا معا، ولا تخصنا إلا من حيث إننا حَمَلَة لها: عنيتُ قضية الأمازيغية بجميع أبعادها.
وقد سرني أن دراستك جاءت شاملة لجميع مستويات الكتابة: حيث عنيتَ بالأدب والميتاأدب معا في تلك الكتابات. وهذه – حسب علمي – سابقة نقدية تُحسب لك: إذ الرائج عندنا أن الأديب مجرد "شاهد" ساذج لا يملك وعيا نظريا : لا فكريا ولا استطيقيا. وقد خول لك ذلك أن تضع النصوص في أفقها الفكري والجمالي باعتبارها ممارسة واعية بذاتها، تندرج ضمن مشروع بناء أدب أمازيغي انتقالي قوي بضعفه. و لا تَجِدَنَّ في العبارة الأخيرة خُلْفا: فإن لها أسباب نزولها التي يعلمها المشتغلون باللغة والأدب الأمازيغيين علم اليقين.
هذا، وإن كان لي أن أعترض على شيء مما ورد في الدراسة فعلى إشارة ساقها الأستاذ على سبيل الظن والتخمين؛ مما يخفف علي من ثقل هذا الاعتراض وما يتبعه من استدراك. أريد أن أشير الى قوله في الحلقة الثانية من الدراسة: " الكتابة القصصية لأمسبريذ ليست فنّا روائيا فحسب، بل هي تتضمن، وبشكل عفوي قد لا يكون الكاتب قصد ذلك قصدا، "تأريخا" للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية واللغوية التي عرفتها منطقة الريف الشرقي ابتداء من أواخر الستينيات (...)". محل الاستدراك هاهنا: العفوية وغياب القصد الذين افترضمهما الأستاذ؛ ومردّه الى أن ارادة رصد تلك التحولات هي بالذات التي كانت حافزي إلى كتابة سلسلة من القصص تتمحور حولها. وإنما حرصت على أن يكون الرصد أدبيا غير تقريري (وهو ما عمل الأستاذ على ابرازه عبر كل صفحات الدراسة). وذلك أن المراحل الإنتقالية في تاريخ الشعوب كانت دائما مصدرا غنيا تنهل منه الآداب، لما يكتنفها من ظواهر التردد بين نمطين للحياة الاجتماعية والثقافية : أحدهما يحتضر والآخر يعاني من عسر الولادة، مع ما يصحب ذلك من اهتزاز في القيم الموروثة، وعدم وضوح معالم النموج القيمي الذي هو قيد التشكل؛ وترجمة كل ذلك في سلوك ومواقف الأفراد والجماعات...
ومهما يكن، فإنه يحق للأدب الأمازيغي الناشئ أن يحتفي بناقد أدبي حصيف، لا تلهيه الحذلقة "المصطلحية" عن القراءة الصبورة المتأنية للنصوص، محققا نموذج "القارئ المتعاون" الذي يحيِّن إمكانات النصوص في القراءة، ويجيد صياغة قراءته في لغة سِمَتُها الشفافية والوضوح. ولئن انشغل عن النقد الأدبي بالمطارحات الفكرية، فان من قرأ له مقالة قديمة عن الراحل علي صدقي أزايكو كان يستطيع أن يدرك أن "وراء الأكَمَة ما وراءها"...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي