الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
المَرثيَة الثانية – راينر ماريا ريلكه
بهجت عباس
2015 / 10 / 27الادب والفن
كلّ مَـلـَكٍ رهيبٌ . ولكنّي ، وا ألمي ،
أغنّي لكم يا طيورَ روحي المُحتَضَرةَ ،
عارفاً ما أنتم عليه . أين هي أيّامُ طوبيا (توبياس)،*
حيث الأكثرُ لمعاناً وقف على باب البيت البسيط،
مُتَخفِّـياً بعضَ الشيء لرِحلةٍ وما كان مُخيفاً أبداً؛
( كم حدّق الفتى إلى الخارج في الفتى بفضول ).
الآنَ ، لو تخطّى رئيسُ الملائكة ، الخطِرُ، من خلف النجوم
خطوةً واحدةً إلى تحت ، نحونا : نبضاتُ
قلبنا المتصاعدة ستقضي علينـا . من أنتـم ؟
المسرّاتُ الأولى ، غَنِجـاتُ الخليقـة ،
أشكالٌ ساميةٌ ، قِمَمٌ مُحْمَـرّةٌ من الفجـر
لكلِّ تكـوين – بذور الألـوهيّـة المُزهِـرة ،
مفاصلُ الضِّياء ، مَمَـرّاتٌ، سلالمُ، عروشٌ ،
مسافاتُ أصلِ الحقيقة ، دروعُ نشوةٍ ، إحساسُ عاطفةٍ
جيّاشةٍ عاصفةٍ مُضطربةٍ ، وفـَجأةً ،
مرايا وحيدة ، تلك التي تجمع الجمالَ الخاصَّ المُنسابَ
من وجهها في وجهها ذاته مرةً أخرى.
ولكنّنا، أنّى نُحِسّ ُ، نتبخّـرُ : آه نتنفـَّسُ
أنفسَنا خارجاً وبعيداً ، من جَذوة إلى جَذوة
مُعطينَ رائحةً أضعفَ . حقّـاً أن يقولَ أحدهم لنا :
نعم ، أنتَ تجري في دمي ، هذه الغرفة ، يملأ الربيعُ
ذاتَه منك... ما الفائدة ! إنّه لا يستطيع أنْ يحتويَـنا ،
نحن نختفي فيه وحَوالَـيْه . وتلكنَّ ، الجميلاتِ ،
آهِ من يقدر أنْ يحتـفظَ بهنَّ مرّة أخرى ؟ يتجلّى
المنظر بلا نهايةٍ في وجوههنَّ ويذهب قـُدُماً . مثلَ
ندى على عشب الفجر، يتبخّر ما لنا منّـا مثلَ الحرارة
من الإناء السّاخن . آه البسمةُ ، إلى أين ؟
آه أيتها النظرة ُإلى العلا : جديدة ، دافئة ، موجة ُالقلب
الهاربة ُ-، وا ألمي : ولكنْ هذا هو نحن . هل المجال
الذي نذوب فيه له مَذاق منّـا ؟ هل تأخذ الملائكة ُ
حقّاً ثانيةً ما ينساب منها وحده ، أو أحياناً ، خطأً ، بعضاً
من وجودنا معها ؟ هل نحن ممتـزجون في أشكالها
كثيراً مثـل الغموض على أوجه النساء الحوامل؟ لا تلاحظه
في دوّامة رجوعها إلى أنفسها . ( كيف ينبغي أنْ تلاحظه .)
لو أدرك المحبّون هذا ، لاستطاعوا أن يتحدّثوا
بروعة في هواء الليل. ولكنْ يظهر أنّ كلَّ شيء
يلفـّـنا في ظلام . أنظر، الأشجار هي موجودة ؛ البيوت
التي نسكن فيها ، لا تزال قائمةً. ولكنّنـا نمـرّ بها كلـِّها
وحدهـا مثلَ تبادل هوائيّ . وكلّهم متـّحدٌ ، يكتم سرّاً عنّـا ، نصفٌ
خَشيةَ عارٍ ربّما ، ونصفٌ كأمَـلٍ غيرِ ناطقٍ .
يا عشّاقُ ، يا من هم مُكْـتـَـفون ، أحدُهم بالآخر ،
أسألكم عنّا . تلمِسون بعضُكم بعضاً . هل لديكمْ براهين ؟
انظروا ، يحدث لي ، يداي تـُدرك إحداهما الأخرى
أو أنَّ وجهيَ التّـعِـبَ يأخذ راحتـَه بينهما. يُعطيني هذا
إحساساً طفيفاً . ولكن مَنْ يجرؤُ أن يكون كهذا وحده ؟
ولكنْ أنتم ، الذين يزيدون نشوةَ أحدِهم الآخرَ إلى
أنْ يُقهَـرَ فيستجديَـكُـمْ : لا مزيدَ -، أنتم الذين ينمـو أحدهم
تحت يَـدَيِ الآخر كالعنب في سنين عـظامٍ ، أنتمُ الذين
تتلاشَوْنَ أحياناً ، لأنَّ الآخَـرَ سيطر تماماً : أسألكم عنّا .
أنا أعرف أنّكم تلمِسون بعضَكم بعضاً بجـذل ، لأنَّ المُداعبةَ تدوم ،
لأنَّ الموضع اللطيفَ الذي تلمِسون سوف لا يختـفي ،
لأنَّكم تشعرون تحت أيديكم بالديمومة النّقـيّة . لذا يَعِدُ
أحدُكم الآخرَ بالأبديّـة تقريباً عند العناق . ولكنْ ، عندما
تجتازون رُعْـبَ اللحَظاتِ الأولى والاشتياقَ عند النافذة ،
والمَشْيَ معاً مرةً في الحديقة :
أيّها العشّاق ، ألا تزالون أنتم كما أنتم ؟ عندما ترفعـون
شفاهَكم ، بعضُكم نحو بعض ، وتبدؤون -: شراباً فوق شراب:
آهِ كمْ غريبٍ أنْ ينسحب الشّاربُ من العمل .
ألا تستغربون من إشارة الحذر البشرية عند بلاطة العِلـَـيّة**؟
ألم يكنْ حبّ وفراقٌ مُلقـَـيـانِ بلطفٍ على الأذرع ، كما
لو كان صـُنِـعَ من مادة أخرى ليستْ منّا ؟ تذكّـروا الأيدي
كيف تستريح بدون ضغط رغم القوّة الموجودة في الأجساد .
المُسيطرون ذاتـيّاً عرفوا معه : كم نذهب بعيداً ،
لَمْسُ أحدِنا الآخرَ لهذا يعـود لنا . تَضغط الآلهة أقـوى .
ولكنَّ هذا هو شأن الآلـهة .
لو استطعنا أن نجدَ أيضاً قطعة بشريّةً نقـيّةً، مُحتَشَمةً ،
ضيِّـقةً ، شريطاً من أرضٍ خصبةٍ بين نهر وصخر لأنفسنا .
إذ أنَّ قلبَـنا يرفعنا دوماً أيضاً مثلَ الآخرين . ونستطيع
ألاّ نـَراهُ مُجَسّداً ثانية بعد هذا في صُوَرٍ تُروِّضه ، ولا في
أجسام ربّانيّـة ، يكبح نفسَه فيها بقدرةٍ أكبرَ .
= = = = = = = = = = = = =
* توبيت Tobit رجل يهودي متديّن كان يسكن في
نينوى بعد موت سنحاريب ( ملك الآشوريين)، أرسل
ابنه طوبياTobiah´-or-Tobiyah ( في اللاتينية توبياسTobias )
ليجلب نقوداً كان خزنها من ميديا، مدينة بعيدة. جاءه المَلَكُ رفائيل متخفياً في
صورة رجل وعرض عليه مصاحبته في رحلته ليساعده في مهمته.
** غرفة واقعة تحت سطح البيت مباشرة (بيتونة).
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ
.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع
.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي
.. الأسطى عزيز عجينة المخرج العبقري????
.. الفنانة الجميلة رانيا يوسف في لقاء حصري مع #ON_Set وأسرار لأ