الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النهضة و النداء يضعان أقدامهما في مرحلة ما بعد التاريخ

رضا لاغة

2015 / 10 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


خلافا للأسلوب الذي يراد أن يزاح به الإسلام السياسي في المنطقة العربية ، و الذي ترك خلفه ويلات و كوارث عصفت ببراءة الحلم العربي في حياة ديمقراطية، رفعت حركة النهضة في تونس شعار : المحافظين بدلالاته التكتيكية التي نزعت حجاب الدين لتكشف عن قفص فولاذي تموضعت فيه سياسيا و اجتماعيا بمعزل عن جوهرها السحيق الذي هجرته كأفق مرحلة مضى زمانها.
كان الزمان السياسي للاتجاه الإسلامي في الحقبة البورقيبية و النوفمبرية يعاش بصفته كزمن عبور إلى الدعوة . إن جوهر الفعل السياسي يستخرج آنذاك معياريّته من الدين ؛ لذلك اتّخذت مسألة التأسيس الذاتي للحزب شكلا حادا يبتعد عن مواضعات الحياة الحداثوية اليومية عبر الانتصار العابرــ نكوصاــ من الحداثة إلى السلف الصالح.
إن الإسلام السياسي في الساحة الوطنية يعي نفسه في تعارضه مع عصر تجاوزي لصورة ماضية .؛ إنها صورة تسعى إلى إثبات نفسها بوصفها ما سيكون ذات يوم. جاءت اللحظة و دخلت حركة النهضة مسرح الحكم المتجذّر في البيروقراطية التي يشتمّ منها رائحة تبعث على الغثيان . بيروقراطية نسجت صلة قرابة مع المنظومة القديمة كمظهر لتحيّز الحداثة. و الطريف أن هذا التقارب لا ينكشف إلا بتحطيم لحظة التديّن نفسها.
إن سمة الرّاهن السياسي لحركة النهضة يقوم على معاني مطاطية من ذلك : الموضة ، الإثارة ، الالتصاق باليومي ، لذة الاندهاش ، تذوّق اللحظة ، شاعرية القول، عطر الطلاق مع الماضي الممتلئ بالتشدد العنيد، الصورة اللماعة للنجم ...و هلم جرّ.و ما تنفك تتالى الأحداث المنفتحة على مستقبل ما بعد حداثي ، حتى رأينا الحركة تنزع ، كما الأفعى جلدها، لتتنازل بذلك عن جوهر يقف بلا حراك على عتبة الزمان و يقطع مع الصورة الأبديّة لتراث كان يؤطّر الحركة كفاعلية ثورية للإسلام . هذه الصلة الجديدة فضحت النرجسية الخفيّة لوعي منتسبيها المتمركز أصلا حول الدين. فصرنا نرى شخوصا رومانسية في الحزب بتعييناتها الحداثية العاكسة فوجدنا ، و قد دهشنا مما وجدنا، المرأة السافرة التي تجلس بلباس غير محتشم و تارك الصلاة و بزناس المال و الفهلوي ( اللي يجيب روحو ) . لقد صارت جهود القادة واجهة تولّد في ذاتها و بانسجام غريب فسيفساء لصورة كلية مجردة عن العقيدة و الدين. من المؤكد أن هذا التهجين الأسطوري للمصالحة مع الحداثة يسطع في حلة مقززة عبر الانسياب المستسلم للنداء الذي يلهث وراء قبر الحراك الثوري برمته . إن هذا " التدافع" الممسوخ جعل من السياسة معبودا بدل الواحد القهار؛ فحرص كل طرف ( النهضة و النداء) ــ و بشكل مضمر و مخادع ــ أن يظهر كنتاج متكامل لهذا الحلف الرخيص ( وزير في حكومة السيد الحبيب الصيد).
لا شك أن هذه الوضعية اللاأخلاقية للانتفاع السياسي، جعلت حماسة أنصار حركة النهضة ، و لهم الحق في ذلك، تخبو في مسرح الأحداث السياسية. لقد تسرّب إليهم نسيج من الوسواس الذي جعل منهم قواعد مسلوبة ، مغلوبة على أمرها و منسلخة عن التاريخ التضامني لطور تأسيس حركتهم.
إن خلل التوازن بين الماضي و الحاضر المعاش يتراءى في غوص الحركة في ظلمات النفعية السياسية و الارتزاق السياسي ؛ و لكنها تبرر ذلك بمسميات براقة تحاك بلذة الإثارة و مذاق التحديث: المصلحة الوطنية هي التي تملي... بلّوط.
إن هذا التواشج و التلاحم و حتى التزاوج ، الغير شرعي، بين النهضة و النداء يدعونا إلى طرح السؤال التالي:
لم تنقسم الحداثة على نفسها ؟ هل من موحّد لها عبر مؤتمر تأسيسي يجمع الحزبين؟
من الممكن جدا أن يصبح السيد الباجي أمين سر حركة النهضة ، إن لم يكن و من الممكن أيضا أن يصبح السيد راشد الغنوشي الرئيس الشرفي للنداء، لا فرق؟ طبعا دوما نتحدث في حدود رسم الخطوط الأساسية للفعل السياسي المنجز لكلا الحزبين بوصفهما قوة مصالحة موجهة نحو المستقبل ، نحو المنظومة القديمة ...
هكذا يجد الصراع المغشوش بين النهضة و النداء حلاّ أنيقا صلب بوتقة كلية تعاليمها : إن عصرنا لم يعد يهتمّ بمعرفة أي شيء عن الدين . إن حدسنا انتهى إلى الانفصال عن العالم الديني نحو الإحساس التافه باللاديني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات في جامعات عراقية للمطالبة بوقف الحرب في غزة


.. مشاهد من لحظة وصول الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى قصر الإليزيه




.. فيضانات وسيول مدمّرة تضرب البرازيل • فرانس 24 / FRANCE 24


.. طبول المعركة تُقرع في رفح.. الجيش الإسرائيلي يُجلي السكان من




.. كيف تبدو زيارة وليام بيرنزهذه المرة إلى تل أبيب في ظل الضغوط