الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


راعي الماعز المغربي

فؤاد وجاني

2015 / 10 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


المغرب بلد الطبيعة الساحرة والشواطئ الرملية الذهبية على امتداد المحيط الأطلسي والبحر المتوسط، هو بلد الجبال الشاهقة الجاذبة لعشاق التسلق والتزلج وموطن الكثبان الرملية الصحراوية الفريدة ، هو بلاد الأكلات الطيبة والمقاهي الحميمية. هو بلد فسيفساء الحضارات والتسامح بين الأديان وملقى تلاقح المذاهب والمبادئ والأفكار. هذا ما يسوقه أصحاب القرار في الدولة المغربية للعالم.

وتلك سلعة إشهارية قديمة ظهرت منذ نهاية القرن التاسع عشر بحيث أن صورة المغرب تلك ظهرت على يد أول صانعي الأفلام الأخوين الفرنسيين لوميير وتحديدا في فيلم "راعي الماعز المغربي" .

ثم توالت الصور النمطية للمغرب مع بداية القرن العشرين في الفيلم الأمريكي الشهير "المغرب" لجوزيف فون سترنبرغ والذي مثل فيه غاري كوبر مع مارلين ديترش، ثم "أوتيلو" لأورسن ويلس، و"سفر إلى طنجة" لشارلز وارن، و"الشخص الذي عرف الكثير" والذي تقمص دوره الممثل جيمس ستيوارت، ثم "لورانس العرب" الذي جسده بيتر أوتيلي وشهد تمثيل عمر الشريف وأنتوني كوين، و"فيلم الرجل الذي سيصبح ملكا" من إخراج جون هيوستن وتمثيل شون كونري، وأفلام إيطالية مثل "أوديب ملكا . "

كان للسينما على ما يبدو فضل كبير في التعريف بجغرافية المغرب ولو أنها اقتصرت في كثير من الأحيان على تصويره أنه بلاد الرمال والجِمال.

مازال المخزن والقصر يستثمران تلك التركة الصورية في السياسة الخارجية، فلا تخلو محافل السفارات والقنصليات على امتداد الكرة الأرضية من تذكير ممثلي الدول ووزرائها بأن المغرب أجمل البلدان، وأنه أول من اعترف بالولايات المتحدة بعد استقلالها من بريطانيا العظمى، واستقطب اليهود الفارين من الأندلس أيام الحروب الصليبية، وأنه أرسل جنوده لمستعمرة فرنسا في الفيتنام ودوره في محاربة هتلر والقوى الفاشية بين قوسين. ولا يُفوت موظفو الدبلوماسية المغربية فرصَ أعياد العرش والشباب والاستقلال والمسيرة الخضراء وثورة الملك والشعب بين معقوفتين ليذكروا الحاضرين وهم يتناولون الشاي بالنعناع وكعب الغزال وما لذ وطاب من أطباق فاسية ومراكشية شهية أن المغرب قد قطع شوطا كبيرا نحو تحقيق الديموقراطية في عهد محمد السادس محدثا قطيعة مع الماضي الذي شابته بعض الخروقات والتجاوزات ، أو كما يحلو للدبلوماسيين صياغته من كلام منمق وديباجته من خِطاب مُحَسّن تقليلا للفظائع ودرءا للمفاسد، فالحقائق غالبا ما تعكر صفو الأجواء وتقهي الآكلين النهمين عن الطعام وتسد مباعث الشهوات.

يبدو أن المُشاهد الغربي لما ترويه الدبلوماسية المغربية وصحافة الوكالة حول الديموقراطية بدأ يستفيق من تأثير حبكة الظلام المخصصة للفرجة. ووعى أن الأمر لا يتعدى سوى فيلم خيالي يفرج به المخرج عن الناس ما سببته نواغص الواقع، وأن الاستبداد لم يغادر يوما هذي البلاد بل اتخذ لباسا أكثر رونقا واختبأ تحت دثار ذرائع من قبيل : الاستفتاء على الدستور الجديد، وشفافية الانتخابات، والتنمية الجهوية، ومجلس حقوق الإنسان، وتعديلات مدونة الأسرة، وحرية الصحافة المكلومة، والحكامة، ودولة الحق والقانون. نحن المغاربة نعرف أن تلك الألفاظ تشبه أوراق الكارطة، لعبة الورق المغربية - خصوصية مغربية أخرى- قد نطلق عليها ألقابا متعددة لكنها تبقى في الأول والأخير لعبة للتسلية فقط، والرابح في الأخير ورقتا الملك والعصا.

المخزن مُخرج بارع في استحداث ألفاظ جديدة وإعادة تدوير القديمة واستنباط الاختلاف من الخصوصية المغربية ، فكما هو متميز في جغرافيته وموقعه وتاريخه وقربه من الشرق والغرب فإنه متميز أيضا في ديموقراطيته وملكيته التي لا يمكن أن تشبه ملكيات العالم. فهي ملكية تستحضر الماضي السحيق وتربطه بالحاضر، متصلة في نسبها بالرسول الأعظم وآل البيت، تستمد شرعيتها من الله مباشرة ولو تاجرت في الخمور وحققت الأرباح من الأبناك الربوية والتأمينات على الحياة، ولو بذرت ونهبت أموال الفقراء تبقى ملكية الفقراء لأنها توزع عليهم القفف أيام رمضان وتفطرهم عندما يصدح مؤذن قُبيل لياليه :حيّ على الفلاح. وهي ملكية ضامنة للمستقبل، فلو أجدبت السماء مثلا، دعا الإمام الأعظم أمير المؤمنين الناسَ إلى صلاة الاستسقاء في كل ربوع المملكة، ونادرا ما تتم الدعوة الملكية الميمونة المباركة دون استشارة القيّمين على علم الأحوال الجوية وقُرب نزول الغيث ، فتتحقق بذلك إرادة سليل الدرة النبوية. وهي ملكية حامية للوحدة، فبدونها سنتشتت ونتبعثر ونصبح أمما متفرقة بعد أن كنا مجتمعين مؤلفة قلوبنا على قبول الضيم والقهر.

المغرب دار سينما كبيرة حافلة بالأفلام الديموقراطية، والمخزن كان مخرجا عظيما، علينا أن نعترف بذلك، وعلينا أن نقر أيضا أنه قد هرم وفشل في مسايرة الذوق العام الجديد، وعصرنا المتقدم لم يعد يحتمل مخرجا واحدا بل قد أتاح للناس تصوير أفلام أكثر واقعية من فيلم الديموقراطية المخزنية بفضل زيادة الوعي ووفرة الإنترنت وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل نجح الرهان الإسرائيلي في ترسيخ الانقسام الفلسطيني بتسهيل


.. التصعيد مستمر.. حزب الله يعلن إطلاق -عشرات- الصواريخ على موا




.. تركيا تعلن عزمها الانضمام إلى دعوى -الإبادة- ضد إسرائيل أمام


.. حراك الطلاب.. قنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه أميركا بسبب إسرائ




.. لماذا يسعى أردوغان لتغيير الدستور؟ وهل تسمح له المعارضة؟