الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف التنويري في مواجهة إستحمار الشعوب

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2015 / 10 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


المثقف التنويري في مواجهة إستحمار الشعوب

رابح لونيسي
- جامعة وهران-
البريد الإلكتروني:[email protected]


تناول الفلاسفة في القرن19 مسألة العوامل المتحكمة في حركة التاريخ والتقدم، إلا أننا نعتقد عدم إهتمام البعض منهم بقصص الأنبياء التي ركزت عليها الكتب السماوية جعلتهم لم يدكوا مسألة هامة جدا، وهي أن حركة التاريخ كانت نتيجة تفاعل دياليكتيكي بين ثلاث أطراف وعناصر متحالفة وهي السلطة المستبدة أو الفرعون وأصحاب المال والقوة الإقتصادية مثل قارون، ولن يكون لهاتين السلطتين أي نفوذ لولا إمتلاكها لآلة ايديولوجية تتخذ في كل فترة من فترات التاريخ تسمية معينة، ففي الماضي كانت المعابد وسدنتها، واليوم نجد المدرسة على رأسها، فهذه الآلة الأيديولوجية والقائمين عليها هي التي تبرر الإستبداد والإستغلال بإستغفال وإستحمار وتخدير الشعوب، فلا يمكن تحريك عجلة التاريخ والتقدم بمواجهة مباشرة مع الإستبداديين والإستغلاليين، لأن المعركة المباشرة معهم ستكون خاسرة شعبيا، لأنه لن يقف عدد كبير من الناس مع قوى التغيير الإيجابي بسبب قوة الآلة الأيديولوجية التي تدعم الإستبداد والإستغلال والمتحكمة في عقول الكثير من العامة بواسطة سدنة المعبد في الماضي وقوى أيديولوجية تدافع عن النظام الإجتماعي السائد، ويمكن تشبيههم ب"حراس المعبد" أو "السدنة الجدد" بالنسبة لحاضرنا، ولهذا فالمعركة من أجل دفع حركة التاريخ إلى الأمام عادة ما يكون على صعيد أيديولوجي وثقافي وفكري وعلمي، وإذا وقع تغييرا في ذلك أنهار كل البناء القديم ليحل محله البناء الجديد الذي يكون جاهزا أيضا بواسطة هذا العمل الفكري العميق.
أن حركة التاريخ إلى الأمام هي نتيجة معركة يقودها المثقفون التنويريون ضد الإستبداد والإستغلال وأيديولجييهما، ولهذا فالمثف التنويري يصطدم مع السلطة وفي نفس الوقت مع المجتمع الذي خدرته بشكل غير مباشر الأدوات الإيديولوجية للسلطة والقائمين عليها الذين نسميهم ب"السدنة الجدد" الذين يتملقون للسلطة أحيانا، ويخدرون المجتمع أحيانا أخرى بدغدغة عواطفه تحت غطاءات شتى، فيتحكم هؤلاء في عقول الكثير كما كان يتحكم فيها سدنة المعابد في الماضي، ويوجهونها ضد الأنبياء والرسل، كما يوجهونها السدنة الجدد ضد المثقفين الذين يفضحون الإستبداد وإيديولوجييهم، وذلك بتشويههم وإطلاق الأكاذيب عليهم وتحريف أقوالهم على طريقة "ويل للمصلين"، وإتباع أي هفوة لهم وتضخيمها، وهدفهم من ذلك كله هو الحد من دورهم في تفكيك وفضح الطروحات المخدرة والأفكار المميتة التي يروجها هؤلاء السدنة سواء اليوم أو في الماضي-حسب تعبير بن نبي- الذي للأسف حتى هو تعرض للتشويه، وأول وفهم البعض مقولته "القابلية للإستعمار" في1939 بأنها دعوة لبقاء الإستعمار في الجزائر،فكان ذلك التشويه أحد أسباب رفض بعض قيادات الثورة إنضمامه إليها في القاهرة، وكتبت مقالات عنه في ذلك، ومنها مقالة شهيرة لمصطفى لشرف، لكن مايؤسف له هو تلقف الكثير ذلك دون تمحيص وتبين للحقيقة، ولم يعودوا حتى إلى ماكتبه بن نبي فعلا، كما يفعل الكثير اليوم للأسف الذين يتلقفون أكاذيب وتحريف لمقولات البعض دون حتى العودة إلى ماكتبه هؤلاء أصلا ليتبينوا الحقيقة، كما يوجد مرضى النفوس الذين يسايرون الكذب والبهتان، ويصفقون له حتى ولوعرفوا أنه ليس صحيحا مايروج له، ويحركهم في ذلك للأسف التعصب القبلي والأيديولوجي والمشاعر البدائية كما كان يفعل بعض اليهود الذين رفضوا الإيمان بسيدنا محمد )ص( إلا لأنه ليس منهم، وللمفارقة أن الكثير من هؤلاء يلبسون عباءة الدين دون الإلتزام بأخلاقه التي ترفض إطلاق الأكاذيب والاراجيف على الناس، فهدفهم تشويه كل من يقترب من المعبد الذي يحرسونه، ويفرضون به نفوذا دينيا وثقافيا على المجتمع، كما يستفيدون منه إقتصاديا وسياسا بالتواطؤ الواعي وغير الواعي مع الإستبداديين والإستغلاليين.
إن أول ما يواجهه الرسل والأنبياء هم رجال الدين السائدين وسدنة المعابد والمعتقدات التي يروجونها ، ويمتلك دائما هؤلاء السدنة تهما جاهزة ضد الأنبياء والرسل كما هي جاهزة اليوم ضد المثقفين التنويريين النقديين كالتكفير والتخوين وغيرها من التهم التي تعد أفتك سلاح يستخدم ضد المثقفين التنويريين، وللأسف تنطلي هذه التهم عن الكثير، لأنهم أخضعوا لسيطرة أيديولوجية من قبل على يد المدرسة وغيرها من ألأدوات الأيديولوجية التي عادة ما يحولها المستبد إلى أداة لترويج أيديولوجية الخضوع وغرس عوائق معرفية في ذهن الإنسان عندما كان طفلا، ولهذا تجدهم يرفضون كل فكرة جديدة أو أي محاولة لإعادة النظر في الأفكار والطروحات السائدة بالإستناد على البحث العلمي، ويغيب عن الكثير أن من أهداف البحث العلمي ليس فقط البحث عن الحقيقة، بل أيضا النقد وإعادة النظر المستمر في النظريات والطروحات السائدة في كل المجالات، ومنها بعض الأحداث والقضايا التاريخية، فكم مثلا من قضية تاريخية أعيد النظر فيها بعد ما أعتقد في الماضي أنها حقائق؟، وكم يعاني الباحث المتابع يوميا للمستجدات من نظريات وطروحات عند مناقشته أو طرحها مع المتوقف والمتخلف عن المتابعة لها منذ مدة، وبقي يردد نظريات وأفكارا أكل عليها الدهر وشرب، كما يكرر معلومات أعادت البحوث الجديدة النظر في صحتها، ويعود رفض الكثير للطروحات والأفكار الجديدة إلى الآلة الأيديولوجية للإستبداد التي عطلت عقلهم وسلامة تفكيرهم، ومنعتهم من إمتلاك روحا نقدية تسمح لهم بالتمييز، مما يتطلب تحريرعقولهم، ودفعهم إلى التشكيك في كل مايتلقونه.
فالأيديولوجيون أو السدنة الجدد الذين يقفون في وجه المثقف التنويري والنقدي يتصرفون مثل كل سدنة المعابد في الماضي الذين واجهوا الأنبياء والرسل، ويشبه حرصهم على بعض الأوضاع والأفكار السائدة نفس حرص قريش وتصرفهم مع سيدنا محمد)ص( بردهم عليه "بل نتبع ما ألفينا عليه أباءنا"، أي معناه إبقاء الوضع على ماعليه وتقديسه، وإن تتبعنا هذا المنطق فمعناه الجمود والتخلف وتوقف حركة التاريخ نحو التقدم، فمن أبرز مهام المثقف النقدي التنويري هو خلخلة الأفكار المميتة السائدة في المجتمع، والتي تعرقل حركة التاريخ وتمد في عمر الإستبداد والإستغلال.
فقد تعرض الكثير من المثقفين الجزائريين للتصفية الجسدية في تسعينيات القرن الماضي بسبب تكفير هؤلاء السدنة لهم، ولازال الكثير من مثقفينا يعانون اليوم من بعض هؤلاء الأيديولوجيين السدنة الذين يتهمونهم أنهم ضد الإسلام إلا لأنهم يحذرون من إعادة إنتاج الإرهاب بترويج بعض الأفكار المتطرفة المنتجة له، ويؤكد هؤلاء المثقفين بأن هذه الأفكار تستخدم من أعدائنا التقليديين في شمال المتوسط كفرنسا وكذلك الصهيونية وأمريكا لتفجير أوطاننا وزرع الفوضى لإعادة إستعمارها من جديد، بعد ما نظر هنتغتون منذ تسعينيات القرن الماضي لصدام الحضارات وأسس ل" الحرب الإستباقية" كأسلوب إعادة السيطرة على بلداننا، وما أنفك يحذر هؤلاء المثقفين المتهمين من هؤلاء السدنة الجدد بأن صعود الفاشية في شمال المتوسط وصعود هؤلاء المتطرفين في اوطاننا معناه صدام حتمي لا محالة بين الضفتين، وستتخذ ذريعة لإستعمارنا من جديد بأشكال اخرى.
ويروج هؤلاء السدنة الجدد عن هؤلاء المثقفين بأنهم بتحذيرهم هذا فإنهم يدعون في الحقيقة لضرب الإسلام دون أن يميزهؤلاء المروجين لهذه الأراجيف بين الإسلام كدين سماوي ومختلف التأويلات البشرية له، فنجد منها تأويلات تنويرية وأخرى تأويلات متطرفة ومتخلفة عادة ماتأتينا اليوم من المشرق العربي، وتتمثل في بعض الأفكار الوهابية المنتجة للإرهاب، وعندما يقولون أنها تأتينا من المشرق العربي، يتهمونهم بأنهم يريدون فصل الجزائر عن المشرق العربي ورميها في أحضان الغرب، فكأنه قدر محتوم على الجزائريين إختيار الولاء لأحد من الطرفين، وتناسينا بأنه يجب أن نكون جزائريين قبل كل شيء معتزين بهويتنا وثقافتنا مع التفتح على الجميع، ويضيف آخرون طامة أخرى، فيربطون الإسلام بالمشرق العربي، فيضيفون لتلك التهمة ضد هؤلاء المثقفين تهمة أشنع وهي تكفيرهم بالقول أنهم مادام هؤلاء المثقفين ضد المشرق العربي فإنهم ضد الإسلام، وكأن الإسلام أنتجه هذا المشرق، فهذه هي الطامة الكبرى ليس بعدها أي طامة أخرى، فالإسلام جاءنا من الله سبحانه وتعالى، ولم يكن في يوم من الإيام منتوجا مشرقيا أوغير مشرقي، لأنه لو قلنا بذلك فمعناه حولنا الإسلام إلى منتوج بشري، وليس دينا جاء من الله سبحانه وتعالى لكل البشر، فلنتضرع إلى الله جل جلاله بالدعاء "ربنا لاتؤاخذنا بمافعل السفهاء منا، ربنا إنك غفور رحيم".

البروفسور رابح لونيسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الباب الأوسع
زمورة فاتح ( 2016 / 4 / 4 - 18:30 )
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بسم الله الرحمان الرحيم
أعتقد أن البروفيسور رابح لونيسي سلك أشواطا كبيرة في فك رمانة الشعوب المغلوبة على أمرها .فهو مشكور
اما بخصوص الموضوع فأنا أطلب من الدكتور الرد على شخصيا على الأقل عن عن موضوع الاية 69 من سورة العنكبوت و التي يقول فيها الله عز وجل شأنه (و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و إن الله مع المحسني) في حين لم يقل سبيلنا ألى ترى أن الله جعل سبلا كثيرة في تحقيق كل ما يرضي الله هذا من جهة ، ومن جهة ثانية نحن نعلم ان الله ترك إدارة شؤون البشر للبشر و لم يحددها على الإطلاق في شكل معين مطلق نظرا للتغيرات الزمنية و المكانية وانا هنا أربط بين السبل و الطرق و شكرا .
إحتراماتي بروفسور 


2 - رد على تعليق زمورة فاتح
رابح لونيسي ( 2016 / 4 / 4 - 20:45 )
انا متفق تماما معك يا زمورة فاتح، واشكرك على نباهتك، و لا أرى ماذا سأضيف لتأويلك لهذه الآية القرآنية، فهذه الآية تشير فعلا إلى التعدد في كل شيء، وهي طبيعة القرآن الكريم الذي يعترف بالتعدد في كل شيء، ومنها مختلف تأويلات النص القرآني ذاتهن وطبعا صحيح ما تقوله ولهذا وضع قيما عامة فقط في كل القضايا التي تتطور وتتغير وترك حرية الإجتهاد للبشر، ولهذا قلت في إحدى كتاباتي ان مفهوم الإجتهاد ليس هو الفتوى في الحلال والحرام، بل هي مهمة كل المختصين في الشؤون السياسية والإقتصادية والمفكرين ، وذلك بهدف وضع ميكانيزمات وآليات تطبيق تلك القيم والمباديءعلى ارض الواقع، ونعتقد أن هذه القيم والمباديء قد توصل إليها العقل البشري ووضع بعض ىليات تطبيقها الغرب اليومن ولهذا نراه هو الأقرب نسبيا إلى قيم ومباديء الإسلام اليوم


3 - رد على تعليق زمورة فاتح
رابح لونيسي ( 2016 / 4 / 4 - 21:03 )
أنا متفق تما ما معك يا زمورة فاتح، واشكرك على نباهتك وتأويلك لهذه الاية القرآنية التي تدل فعلا على التعدد في كل شيء وهي من طبيعة القرآن الكريم الذي يدعو فعلا إلى هذا التعدد في كل شيء، ومنها تعدد تأويلاته، طبعا لم يضع القرآن تفصيلات وميكانيزمات لكل القضايا المتغيرة ، فأكتفى بمباديء وقيم عامة فقط، وترك اساليب وميكانيزمات تطبيقها للبشر، ولهذا أعطيت في إحدى كتبي مفهوما آخر للإجتهادن واعتبرت المفهوم الحالي المرتبط بالحلال والحرام أنه إنحراف، وأن المجتهد الحقيقي هو من يبدع ويضع ويطور أسس وميكانيزمات وآليات تطبيق هذه القيم والمباديء على أرض الواقع، ونعتقد أن أغلب هذه القيم، قد توصل لها العقل البشري اليوم اتفق حولها، وأصبحت قيم إنسانية، ونعتقد أن الغرب قد وضع لها أحسن آليات وميكانيزمات تطبيقهان ويمكن تطويرها أحسن بفعل العقل البشري،

اخر الافلام

.. الرئيس التونسي قيس سعيد يحدد يوم 6 أكتوبر موعدا للانتخابات ا


.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويعلن تحقيق انتصارات على




.. حادث طعن في مجمع تجاري في #كرمئيل شمالي #إسرائيل حيث جرح 3 أ


.. يائير لابيد: على الجيش احترام قرار المحكمة وتنفيذ قانون التج




.. المبعوث الأميركي آموس هوكستين يعقد محادثات جديدة في باريس بش