الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أثر الاستبداد في تكوين الشخصية السورية

منذر خدام

2015 / 10 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


أثر الاستبداد في تكوين الشخصية السورية

على خلاف ما جرى في الدول العربية التي عرفت ما يسمى الربيع العربي، لم تستطع المعارضات السورية أن تتوحد في إطار سياسي جبهوي لمواجهة النظام الحاكم، بل لم تستطع توحيد رؤاها السياسية تجاه ما يجري في سورية والمخارج المحتملة والممكنة منه، فبقيت منقسمة جسدا وروحاً. إنه لتبسيط شديد البحث عن سبب ذلك في خضوع فصائلها وشخصياتها لتجاذبات دولية مختلفة، لأن السبب الحقيقي يكمن في طبيعة تكوينها والدور الرئيس الذي لعبه الاستبداد في ذلك.
إن النقص الشديد في الحرية في ظل حكم البعث، وشدة القمع واستمراريته، وتزييف إرادة الناس، وتحويل تنظيماتهم المختلفة إلى أجهزة للتوصيل الديماغوجي، وأدوات للسيطرة ، كل ذلك زرع في نفس كل مواطن رقيباً أمنياً يشل حركته، ويمنعه من المبادرة، والتفاعل البناء مع قضايا وطنه الداخلية، وبالتالي تشكيل معارضة حقيقة لها مشروعها السياسي ورؤيتها.
فبسبب الاستبداد وضغط السلطة على المجتمع، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، والقضاء على الحريات، وتخريب القضاء، وتعميم الديماغوجيا، كل ذلك ساهم موضوعياً وبصورة مباشرة في إنعاش الأطر العائلية، والطائفية، والمذهبية، والعشائرية، والجهوية، باعتبارها ملاذاً للمواطن، يؤكد من خلالها شخصيته وحضوره، ويحقق أمنه.
إن سياسة الإفساد وتعميم الفساد كأسلوب في الإدارة وضبط المجتمع، بالإضافة إلى تعميم العلاقات الشخصانية، وإنعاش جميع البنى الاجتماعية ذات الطابع التفتيتي في الحقل السياسي ، ساهمت في تخريب شخصية المواطن إلى حد بعيد، وجعلت الكثيرين يحنون إلى مرحلة الاستعمار، بل لا يشعرون بالحرج من المجاهرة برغبتهم بقدوم الأجنبي إلى بلدهم لتخليصهم مما هم فيه، أو يحزمون حقائبهم ويهاجرون إليه..
إن السلطة المستبدة الحاكمة في سورية ذات خلفية اجتماعية ضيقة جداً، تنتمي بمجملها إلى الشرائح البيروقراطية والكمبرادورية والطفيلية من البرجوازية، وهي كما بينت التجربة زادت الأوضاع تعقيدا على تعقيد، من خلال تعميمها للفساد في جميع مجالات الحياة الاجتماعية، وبناء نظام في المصالح يقوم أساسا على العلاقات الشخصانية، فسادت قيم اللصوصية وأخلاقها. لقد أصبحت المناصب العامة في الدولة وأجهزتها المختلفة امتيازاً، فضاعت المسؤولية، وغابت المحاسبة وفي المحصلة زاد اغتراب السوريين عن وطنهم وقضاياه.
إن من طبيعة النظام الاستبدادي الحاكم في سورية منع وجود حياة سياسية طبيعة في البلد، مما حال ليس فقط تدون تشكيل معارضة سياسية حقيقية، بل قضى على الروح الحزبية والسياسية في أحزاب السلطة ذاتها.
إن إعادة الروح الحزبية إلى حزب البعث، وإلى جميع الأحزاب المتحالفة معه في إطار الجبهة الوطنية التقدمية، التي هي في أحسن حالاتها ليست أكثر من صورة كاريكاتورية عنه، يتطلب قبل كل شيء إخراجه من السلطة ومن مختلف أجهزتها، ومن مختلف مؤسسات الدولة وأجهزتها، إلى الحياة المدنية، هذا أولاً. وثانيا يتوجب عليه القيام بعملية مراجعة جذرية وعميقة لتجربته في السلطة، وأن يتساءل بجدية لماذا لم يستطع تحقيق أي هدف من أهدافه، بل على العكس أوصل البلد إلى حالة من التأزم، بحيث توشك على الانهيار. وثالثا عليه أن يتحمل المسؤولية الأخلاقية، في الحد الأدنى، عن تعميم مظاهر الخوف في المجتمع، من جراء تعميم القمع و كم الأفواه، حتى طال ذلك أعضاء الحزب ذاته ففقدوا القدرة على توليد الأسئلة الجدية. ويجب عليه أيضاً تحمل المسؤولية السياسية عن تعميم الفساد في المجتمع، وحرمان الشعب السورية من حياته السياسية الطبيعية، مما تسبب في تخريب الشخصية السورية بصورة عميقة.
أما بالنسبة لأحزاب المعارضة، فهي ليست بأفضل حال من شقيقاتها أحزاب السلطة، أليس حال المعارضة من حال السلطة؟!! من الخطأ أن نتصور أن الاستبداد هو نظام في السياسة فقط، بل قبل ذلك، ومن حيث الأساس، هو نظام في الاجتماع، وفي الثقافة وغيرهما. في مثل هذه البيئة من الصعوبة بمكان وجود أحزاب ديمقراطية. ويزيد المشكلة تعقيداً كون السلطة عملت خلال عقود متواصلة على نزع السياسة من المجتمع، وقمع أي عمل سياسي معارض، فتحولت الأحزاب المعارضة (قل بقايا أحزاب) إلى نوع من الأخويات التي تجمعها طقوس السرية.
في ظل هذا الواقع كان من الطبيعي أن تختفي أحزاب السلطة عن كامل المشهد السوري خلال الأزمة الراهنة، لأنها في الأساس لم تكن أحزابا بالمعنى الدقيق للكلمة، بل مجرد أجهزة سياسية شكلية للسلطة، لتتقدم بدلا عنها الأجهزة العسكرية والأمنية التي هي حزب السلطة الحقيقي والفعلي.
على المقلب الآخر لم تستطع أحزاب المعارضة وشخصياتها أن تدرك أهمية توحدها لتشكيل إطار سياسي يقود الحراك الشعبي الذي انطلق في آذار من عام 2011 بتحفيز قوي من حراك الشعب التونسي والمصري على وجه الخصوص، ضد السلطة الحاكمة، ونظامها المستبد مطالباً بالحرية والديمقراطية، مما أفقده البوصلة السياسية الضرورية، وجعله عرضة لتجاذبات شتى من بقايا هذه الأحزاب، التي سرعان ما فقدت أي تأثير لها عليه لتنتقل قوة التأثير عليه إلى حملة السلاح الذين وأدوه ليحلو محله، لكنهم بدورهم عجزوا عن التوحد، بل بقوا شديدي الولاء لتشكيلاتهم العسكرية التي ناهز عددها المئات.
المشهد في سورية اليوم هو مشهد العنف المعمم، ترسمه قوتان: النظام وحلفاؤه من جهة، والمجموعات المسلحة وحلفاؤها من جهة أخرى، وصار الشعب ضائعا بينهما، بل ضدهما معا، مهجراً أو لاجئا أو أنهكه البحث عن مقومات الحياة.
في ضوء ما تقدم يمكن القول إن النظام السوري المستبد كان على الدوام مشروع أزمة كارثية، تبحث عن تحيين لها، فكان ما تشهده سورية اليوم من أزمة طاحنة أودت بالبلد وشعبه. وإن المخرج منها هو في تغييره بصورة جذرية وشاملة، ليقوم محله نظام يعمم مناخات الحرية والديمقراطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد مصرع رئيسي.. هذه تحديات كبرى تواجه إيران ! | الأخبار


.. سر من أسرار محمود وبيسان.. كيف تطورت علاقتهم؟ ????




.. انتخابات مبكرة وإدارة انتقال مضطرب.. امتحان عسير ينتظر إيران


.. جنوب لبنان.. حزب الله ينعى 4 من عناصره ويهاجم مواقع إسرائيلي




.. إعصار الجنائية الدولية يعصف في إسرائيل | #التاسعة