الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقفون العرب!

السيد شبل

2015 / 10 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


لا نتصور أن هناك قضية تم الإفساح لها في صفحات الجرائد قدر "الثقافة والمثقفين" وأزمتهم مع مجتمعهم أو مع السلطة القائمة في بلادهم، هذا بالإضافة إلى دورهم سواء المفترض أو القائم بالفعل. ونعتقد أنه من العبث بما كان التعامل مع المثقفين ككتلة واحدة، كما أن نزع فكرة التكتل عنهم بالكلية أمر غير سليم، وإنما الأصح تقسيمهم إلى جماعات وتوجهات بناءًا على دورهم الفعال في أوطانهم، وهل هم قوة دافعة للامام أم عامل مشوش ومضلل؟. وإذا سلمنا بهذا التقسيم، يصير لكل مثقف على حده دوره الفردي ومنطلقه الذاتي وملعبه الذي يستطيع من خلاله التأثير.

الجدل القائم حول الثقافة بعيد، وليس وليد اللحظة، لدرجة أن علماء الاجتماع حين أرادوا وضع تعريفًا لها، أسهبوا حتى وضوعوا نحو 160 تعريفًا، ولا نظنهم قد أحاطوا بها لتشعب القضايا المتعلقة بالمسمى ولعمق غورها، ولا شك في أن الجدل الذي أحاط بالمفهوم أمتد لمن انتسبوا للاسم ونعني: المثقفين، حيث أحاط بهم قدر لا بأس به من الغموض، عززته الصورة النمطية التي انطبعت في أذهان العامة عن المثقفين، والمرتبطة بالعزلة والتكبر واحتقار الآخر والتباهي الدائم. العجيب أن قطاع كبير ممن تسموا بالمثقفين استسلموا لهذه الصورة النمطية بل واستملحوها، فاقدين بذلك جوهر دور المثقف المتصل بمجتمعه والمؤثر فيه.

إن أسوأ داء ابتلي به المثقفون العرب هو الاستعلاء، وتشوه رؤيتهم لذواتهم ولمجتمعهاتهم للدرجة التي جعلتهم ينفرون منها وبالتالي لفظتهم. دور المثقف الحقيقي، أن يمثّل جوهر ومضمون بيئته الصالح حتى لو كان الظاهر منها، في فترة زمنية معينة، غير ذلك؛ بمعنى آخر: فإن وظيفته تدور حول إعادة صياغة الوعي الفطري وتقديمه لأصحابه مرة ثانية، بالإضافة إلى تدعيمه بكل ما هو مطلوب من أسانيد في حال أن تمت مواجهة هذا الوعي الفطري العادي بمؤثرات خارجية تريد تضليله أو تغييبه، وهذا يحيلنا بالضرورة لكون الفطرة هي النور الأصلي الذي يمتلكه كل فرد، والعِلم: هو مقدار ما يمكنك تحصيله من هذا النور، سواء بشكل مباشر أو عبر التلقين بوسيط، وهذه قضية شديدة الأهمية والحساسية، وقل من أعطى لها الاعتبار المطلوب.

في السنوات الأربع الماضية، وفي خضم حالة الفوران العربي، حاولت الجماهير البحث عن مثقفيها، لتهب لهم مقعد القيادة بإرادتها ومن غير التفات في الحقيقة لسعي المثقفين للحصول على هذا المنصب، إلا أن الأحداث وتعقيداتها أثبتت فشل "النخبة" المثقفة في الاضطلاع بهذا الدور، وصرنا أمام حالة انكشاف قيمي وتعري حقيقي، وظهر أغلب المنتسبين للمجتمع الثقافي كمجموعة من المرتزقة والمتفعين الذين ينافقون التيار العام، ويخوضون في السائد دون البحث عن البدائل الجادة، فزادوا من تعقد الأزمات، عوضًا عن أن يكونوا جزءًا من الحل.. تبدت انتكاسة المثقفين الحقيقية عندما عجزوا عن التفريق بين النظام والدولة، وبين الحرية والفوضى، وبين أن تكون ثائرًا تريد تحقيق الحرية والعدالة وبين أن تكون أداة ينفذ عبرها خصوم الوطن مشاريعهم وأجنداتهم. زاد من تعقيد هذه الحالة نرجسية بعض المثقفين والتي صورت لهم امتلاكهم للحقيقة كاملة، فما عادوا يقبلون نصيحة أو نقدًا. ونحن هنا حين نهاجم "المثقفين" فلا نعني عمومهم، ولكن نقصد من طغى على السطح منهم في السنوات الأربع أو الخمس الماضية.

بالانتقال إلى قضية المثقف والسلطة، أو المثقف حين يتشبث بمقعده على يسار السلطة، فنقول، أنه حسب التعريفات الكلاسيكية، فالمثقف لا يصح منه التماهي مع السلطة القائمة في مجتمعه، ربما يتقاطع معها لكن يظل محافظًا على المسافة التي بينه وبينها حتى لا تبتلعه وتستهلكه؛ لكن هذا المبدأ يتطلب من الفرد أمرين، حتى نقر له بالصحة: أولًا، أن يسعى الفرد لتطهير نفسه من كل الحظوظ الشخصية (المال - الشهرة - المنصب) بحيث يكون مجردًا من الأهواء حين يخوض دوره كمراقب أو ناصح للنظام الحاكم، فالعمل يكتسب قدرًا عظيمًا من صلاحه أو فساده من جوهر صاحبه، فإن كان مختل الضمير صار عمله ضارًا حتى ولو كان في صورته صالح، وهذه مسألة تحتاج إلى عناية، وقل من يركز عليها. إذن فالمثقف عليه أن يُعمل شعاراته في نفسه قبل أن يرفعها في مواجهة نظام أو جماعة أو طبقة، وأن لا يتوهم أن مطالباته المتكررة بالإصلاح العام، تبرر له التكاسل عن إصلاح نفسه. أما ثانيًا: فهو البقاء متيقظًا، حتى لا توظّف أدوراه المخاصمة لسلطته المحلية، لصالح سلطات عالمية تريد أن تبسط هيمنتها على سواها، وتخضعها وتقسمها وتفكك أصولها، وهذه القضية تدفعنا، حتمًا، للحديث عن قضية التمويلات الخارجية، التي اقتحمت مجتمع المثقفين العرب، وهي مسألة لا شك تكشف عوارًا في ضمير "المثقفين". إذ كيف لفرد يدعي الشرف، ويزعم قدرته على توجيه مجتمعه، أن يقبل الارتشاء من منظمات غربية هي في حقيقتها ستار لعمل أجهزة مخابرات، تبغي فرض أجندة بعينها بالشكل الذي يحقق مصالحها. ولا نريد أن نتورط في خوض غمار هذه القضية، فقد أفسحنا لها سابقًأ، لذا فحسبنا أن نشير إلى أحد أهم وأخطر هذه المنظومات، وهي منظومة الوقف الأمريكي للديمقراطية بأذرعها الأربعة " المعهد الديمقراطي - المعهد الجمهوري - المركز الأمريكي للتضامن مع العمال (أداة لاختراق اليسار عبر أطروحات أغلبها تروتكسية) - مركز الشركات الخاصة الدولي "؛ والوقف الأمريكي، أسسه الرئيس رونالد ريجان في أوائل الثمانينات، ورأسه في أوقات سابقة (هنري كسينجر وزبيغينو برجنيسكي)، ويتم تمويله حكوميًا، ويعتبر الواجهة القانونية لوكالة الاستخبارات المركزية. المخزي أن عددًا من الصحف المصرية التي تأسست منذ 2004 وصاعدًا قد تلقى ناشروها ومؤسسوها تمويلات عبر هذه الجمعيات، والحال في مصر ليس استثناءًا، بل يجري فيها ما يجري في غيرها من الدول العربي، وحتمًا، قد أدى هذا إلى خراب المجتمع الصحفي والثقافي، واعطي انطباعًا سلبيًا بالجملة عن مجتمع المثقفين، وأسهم في إنتاج أجيال من المثقفين المرتهنين للخارج والدائرين في فلكه.

الأزمة المضافة هنا، أن هؤلاء المثقفين الناشطين في مراكز التمويل، قد لعبوا دورًا في المعارضة، والتحقوا (والتصقوا) بالحراك الشعبي الرافض لبعض النظم العربية القائمة، بل وهيمنوا عليه أحيانًا، بما لهم من علاقات وثيقة بوسائل الإعلام المحلية أو الدولية والتي لعبت دور خطير في تلميعهم وإبرازهم، وهذا أدى بدوره لانتكاسة الانتفاضات الشعبية، سواء باستفادة النظم الحاكمة منهم، حيث تمكنت عبرهم من وصم وتقبيح الحراك الثوري بالكلية، وهذا أدى إلى انصراف الأغلبية الشعبية عنه؛ أو عبر إعادة إنتاج ذات السياسات التي انتهجتها النظم الحاكمة التي تم إسقاطها، لأن جوهر المعارض وصاحب السلطة قد صار واحدًا، هنا.

ختامًا، نقول، أن المثقفين، من المفترض، أن يكونوا في أي مجتمع هم الطليعة الوطنية التي تتصدر المشهد، والتي تتزعم أي حراك مجتمعي، لتحاول أن تهديه إلى رشده، وتضبط له بوصلته. وفي حال تلفت دائرة المثقفين أو هيمن الجانحون المعْوَجون عليها، ينتكس المجتمع بالضرورة، وينعزل عن التفاعل مع العالم الخارجي كوحدة واحدة، ويتقسم إلى ما يشبه الجزر المنعزلة، لأن المثقف يلعب، ضمن أدواره، دور المادة الصمغية التي تقرب وتؤلف بين الأفراد والجماعات داخل المجتمع الواحد.. وعند غياب هذه المادة، يصير التفكك واقع حتى ولو بشكل مستتر. لذا فعلى مجتمع المثقفين العرب أن يبدأوا بتطهير أنفسهم مما التصق بهم في السنوات الماضية، وأن يعودوا إلى لعب أدوراهم الأصلية في نشر الوعي والثقافة والمعرفة، بعد أن استهلكتهم أدوارًا نمطية خصمت كثيرًا من رصيدهم، وأدت إلى تدهور أحوال مجتمعاتهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو طريف.. كاميرا مراقبة ترصد ما فعلته دببة شاهدت دمى تطفو


.. الرئيس العراقي: نطالب المجتمع الدولي بالضغط لوقف القتال في غ




.. سقوط مزيد من القتلى والجرحى مع تواصل القصف الإسرائيلي على غز


.. أكسيوس: إسرائيل قدمت خطة لمصر لإدارة معبر رفح| #الظهيرة




.. ما -الحكم العسكري- الذي يريد نتنياهو فرضه على غزة في اليوم ا