الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علم من مدينتي شريف عبيد عبد الغني

قحطان محمد صالح الهيتي

2015 / 10 / 31
سيرة ذاتية


لم يكن هذا الرجل أستاذا او معلما لنا، وليس هو بطبيب او مهندس أو عالم أو شاعر أو فنان لأكتب عنه كعلم من أعلام مدينتي الذين تخطت شهرة بعضهم الوطن وامتدت الى الكثير من دول العالم، ولكنه رجل فاضل، كادح، كريم، (شريف) بكل ما تحمله كلمة الشرف. وله بذمتنا دينٌ كثير لابد من أن نوفيهِ حقه، فقد تخرجنا من (چرداغ گوهته) محبين للحياة دعاة للخير.
-
هو ابن عائلة كريمة أصيلة معروفة في هيت، امتهن الزراعة في صغره في بستان والده في محلة القلقة الشرقية في هيت، ولقرب منزل أهله من النهر مارس صيد السمك، وفي بداية الستينات من القرن الماضي اتخذ شريف أجمل مكان من بستان ابيه ليجعله مقهىً صارت مدرسة لنا نحن أبناء (القلقة والدوّارة) مثلما كانت الشاقوفة التي سبقتها في الوجود مدرسة لأبناء (القلعة والباب الغربي). وعرفت باسم مقهى شريف او مقهى الفرات.
-
لقد اتخذ شريف لمقهاه مكانا كان ومازال أجمل الأمكنة في ذاكرة كل من ارتادها او زارها حيث كانت واقعة في(صدر) دالية نواعير الدوارة، ولا تبعد عنها سوى أمتار معدودة، مُشرفة على نهر الفرات وكأنها مقصورة في ملعب. أثاثها بسيط تخوت وكراس ٍ ومساطب من أخشاب شجرة التوت ومن عمل النجار (جلوي)، على التخوت التي تم استبدالها بعد سنوات حصران من صناعة سيدات هيتيات جلسنا وقرأنا وتعلمنا .
-
كان همُّ شريف اسعادنا، ومن أجل ذلك اشترى جهاز تسجيل مع عدد من الأشرطة (البكرات)، وكان وقت التشغيل وتحديد الأغاني محددا بشروط لا يمكن مخالفتها. كم هو عظيم أن تلتزم بشروط رجل يريد سعادتك؟ وأي مكان أجمل واروع من مكان تستمع فيه الى صوت النواعير مع صوت فيروز صباحا، وناظم الغزالي وحضيري عصرا، وأي ليلٍ يكون عندما يأتي مساء عبد الوهاب، فتسهر ليلة من الليالي مع أم كلثوم وهي تغني (الليلة عيد).
-
مات شريف عبيد وترك بعده إرثا، هو (دفتر) الديون التي بذمتنا عن قيمة ما كنّا نشربه من (الشايات) و(الباردات)، أو قيمة ما كنا نخسره في لعبة (الدومنة) و(الطاولي)، أو عن ثمن (الويرات) التي كنا نتكرم بها على من يحل علينا ضيفا في مقهاه. مات شريف وله بذمتنا تلك الديون التي كان يأمل ان نسددها له عندما نقبض الزهيد من مصروفنا من أهلنا الفقراء، أو عندما (نشتغل) في العطلة الصيفية، أومن رواتبنا بعد أن نتخرج ونصبح موظفين. ولكن َّ الكثيرين منا لم يوَّفِ الرجل حقه.
-
تذكرت اليوم شريف ومقهاه، وتذكرت معه الكثير من الأحبة ممن قضى نحبه وممن له طول العمر، اصحابي وأصدقائي ورفاقي أولئك الذين كان همُّهم عراق زاهر حر، وشعب يعيش بأمن وسلام وسعادة. تذكرتهم ولا اريد أن أذكَرَ أيا منهم فقد تخونني الذاكرة من عدم ذكر بعضهم عندها يكون الوجع أشد. تذكّرتهم جميعا بشخص شريف لأنه أحبهم وأحبوه. تذكرت شريف، وتذكرت نخلة (البربن) وتذكرت (حِباب) الماء، وتذكرت (الدلو المُقير)، وتذكرت (گفة) شريف و(خيوط صيده)، وتذكرت (الچرداغ) وتذكرت مبنى المقهى الشتوي، وتذكرت نواعير الدوارة وبستان (آمنه) والتين الذي كنا (نسرقه) منه. وتذكرت أياما كانت أجمل الأيام، في مكان كان ومازال أحب الأمكنة الى قلبي والى قلوب من عاش أيامه فيه، فهناك لعبنا (الطفيرة) و (المنضدة)، وهناك سبحنا، وفيه عرفنا الحبَّ فكتبنا أولى القصائد، وهناك كتبت في ضيف 1973 هذه القصيدة:
-
مقهى شريف
-
شاي السُلافةِ سّيدُ الجلساتِ
في مقهى شريفْ
-
معهُ لعبنا النَردَ
والشطرنجَ والإزنيفْ
-
معهُ تقاسمْنا الرَغيفْ
-
معه نسينا
دورةَ الأيامِ والدنيا
فلا صيف ٌ
يجيءُ ولا خريفْ
-
معه سمِعنا
أم كلثومَ وفيروزَ وناظمْ
-
معه تعلَّمنا السياسةَ
والكِياسةَ
والمكارمْ
-
معه عِرفنا
أن في الرأيّ
اختلافٌ وتفاهمْ
-
معه عَرفِنا
ان في العيشِ انتصاراً
مثلما فيه هزائمْ
-
معه عرِفنا
كل شيءٍ
دون أن نُدركَ أن الشرَّ قادم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حراك دبلوماسي لافت بشأن مفاوضات التهدئة في غزة


.. كأس أوروبا.. ما حظوظ المنتخبات الأربعة في الدور نصف النهائي؟




.. مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية يعقد في القاهرة


.. في ظل الحرب.. سيدة تحوّل منزلها في الجنوب اللبناني إلى مصنع




.. ما أبرز ما أوردته الصحافة الدولية بشأن الحرب الإسرائيلية على